منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف
منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف
منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصوردخولالتسجيل
طوق الحمامة في الألفة والألاف                  الإمام إبن حزم الظاهري          ـرحمه الله ـ  -2- G5g5-7f7110b59c طوق الحمامة في الألفة والألاف                  الإمام إبن حزم الظاهري          ـرحمه الله ـ  -2- G5g5-4d203bdcc7 طوق الحمامة في الألفة والألاف                  الإمام إبن حزم الظاهري          ـرحمه الله ـ  -2- G5g5-7f7110b59c طوق الحمامة في الألفة والألاف                  الإمام إبن حزم الظاهري          ـرحمه الله ـ  -2- G5g5-4d203bdcc7

 

 طوق الحمامة في الألفة والألاف الإمام إبن حزم الظاهري ـرحمه الله ـ -2-

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الفارس
إداري
إداري
الفارس


ذكر عدد الرسائل : 1160
السٌّمعَة : 13
نقاط : 2574
تاريخ التسجيل : 08/02/2009

طوق الحمامة في الألفة والألاف                  الإمام إبن حزم الظاهري          ـرحمه الله ـ  -2- Empty
مُساهمةموضوع: طوق الحمامة في الألفة والألاف الإمام إبن حزم الظاهري ـرحمه الله ـ -2-   طوق الحمامة في الألفة والألاف                  الإمام إبن حزم الظاهري          ـرحمه الله ـ  -2- Emptyالأربعاء يناير 13, 2010 11:35 pm

نظرة في رسالة طوق الحمامة
1 - آراء في الحب قبل أبن حزم:
يبدو إن حوار " المأدبة " لأفلاطون كان معروفاً على نحو ما في القرن الثالث الهجري لدى المثقفين المسلمين، وإن لم نجد له ذكراً صريحاً بين كتب أفلاطون في المصادر العربية (1) . ويدور حوار المأدبة حول موضوع " الحب " أو " العشق " على نحو غير حواري في البداية، إذ يتوالى على الحديث في الموضوع على صورة " المقام " خمسة من المتحدثين، اجتمعوا في بيت أحدهم، وأحبوا أن يتجنبوا الاستسلام إلى نوبة من الشرب بعد انتهائهم من الطعام، فتناوبوا الحديث واحداً بعد آخر، وعرض كل واحد منهم وجهة نظره في الحب، فلما جاء دور السادس، وهو سقراط، رأى جاداً أو هازلاً، إنه يقصر في البلاغة عن مدى كل منهم، وهو في حقيقة الأمر ينتقد الطريقة " الخطابية " التي عالجوا فيها الموضوع، ولذلك تحول إلى طريقته المفضلة وهي " الحوار " المتنامي، الذي يستحث فيه محاوره إلى الالتزام بحدود واضحة بعد إذ يتحول به إلى ظل له وفي أثناء ذلك أنتقل سقراط يقص حواراً جرى بينه وبين امرأة سماها ديوتيما عرفة بفنون
__________
(1) من بين كتبه المترجمة كتاب " في اللذة المنسوب إلى سقراط " وقد ذهب فرانز روزنتال ورتشارد فالتسر في تعليقاتهما على كتاب الفارابي " فلسفة إفلاطون وأجزاؤها ومراتب أجزائها.. " إلى أن " في اللذة " لابد أن يكون هو " المأدبة " ، وتعقبهما الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه " إفلاطون في الإسلام " (ص: 31) ورفض التوحيد بين الكتابين، وحججه غير مقنعة؛ وكل قطع في هذا الأمر قبل أن يعثر على نصوص من كتاب " في اللذة " لا يؤخذ على علاته.




--------------------------------------------------------------------------------

الحب، حول الموضوع نفسه، وعندما ينتهي سقراط من آراء تلك المرأة، يدخل القبيادس مع شلة من السكارى، ويتجه الحديث وجهة عملية، إذ يكون دور المتحدث السابع - وه القبيادس - أن بين مميزات سقراط، وخاصة في الحب، وعلى نحو أخص في محبته لالقبيادس نفسه. وفيما كانت الجلسة تنحو نحواً جديداً، بعد أن انتهى كلام السابع، جاء جمع من السكارى آخر، ووجدوا الباب مفتوحاً فدخلوا، وكثر الضجيج وأنتقض النظام، وانفضت الجلسة على نحو ما.
ذلك هو الإطار العام الذي جرى فيه " حوار المأدبة " - دون المحتوى - ولعله أو إطاراً شبيهاً به (1) هو الذي أوحى بعقد ذلك " المقام " حول " العشق " في مجلس يحيى بن خالد البرمكي (190/805) (2) ، فقد كان يحضر ذلك المجلس عدد غفير من أهل البحث والنظر مثل أبي الهذيل العلاف وهشام بن الحكم والنظام وبشر بن المعتمد وثمامة بن أشرس والموبذ قاضي المجوس وغيرهم؛ وقد كان عدد المتحدثين في مجلس يحيى ثلاثة عشر، وهم وإن لم يحاولوا ترسم حوار فيما بينهم فقد اكتفوا بحكاية الشق الأول من " حوار المأدبة " ، إذ تناول كل منهم " العشق " حسب تصوره له، بوصف موجز، وربما لم يكن فيهم من أعتمد الآراء التي وردت في " حوار المأدبة " حول العشق، ولكن الإطار نفسه يربط بين مجلسهم والمأدبة؛ وشيء آخر أهم من الحوار وهو تلك التوطئة في كل من المجلسين، فقد بدأ " حوار المأدبة " بالشكوى من أن جميع الأرباب تصاغ فيهم الأناشيد والمدائح إلا رب الحب، بل إن المعلمين المحترفين من السوفسطائيين يؤلفون الكتب والخطب في أصغر
__________
(1) إن توالي عدد من الحكماء اليونانيين في الحديث حول موضوع معين أصبح صورة محببة لدى المفكرين المسلمين، مثل تواليهم في تأبين الإسكندر، وفي مواقف أخرى أورد بعضها حنين أبن إسحاق في كتابه " نوادر الفلاسفة " (أنظر ملامح يونانية ص 111 وما بعدها، والملحق رقم: 2).
(2) أنظر المسعودي: مروج الذهب (ط.شارل بلا، بيروت 1973) 4: 236 - 241.




--------------------------------------------------------------------------------

الموضوعات كفائدة الملح للإنسان، وليس ثمة واحد يقف ليثني على " الحب " ؛ وفي مجلس يحيى فاتحة مشابهة، فقد وجه رب المجلس حديثه إلى المثقفين والموجودين في حضرته، بالتذمر من أنهم أسرفوا في الحديث عن كل نقطة، مهما تدق، في علم الكلام، فتحدثوا عن الكمون والظهور والقدم والحدوث والنفي والإثبات والحركة والسكون والجزء والطفرة والأجسام والإعراض، وإنهم قد أشبعوا القول في هذه القضايا وسواها، ومن حق العشق عليهم أن يقولوا فيه شيئاً - دون منازعة (1) - ودون استعداد سابق، بل بما سنح لهم في الوقت، على نحو ما جرى في " حوار المأدبة " .
وليس يهمني هنا: أحدث ذلك المجلس حقاً أم لم يحدث، وهل ضم تلك الشخوص أو لم يضم، وإنما الذي يهمني هو هذا " الأنموذج " الذي يقرب إلى الظن أن " حوار المأدبة " على نحو ما، أو شيئاً شبيهاً به، كان معروفاً لدى المثقفين المسلمين في أواخر القرن الثاني أو أوائل الثالث، وإلا فلماذا " العشق " من دون سائر الموضوعات ينتدب إلى الكلام فيه على نحو واقعي أو متخيل - عدد من مفكري ذلك العصر لقد ملأ الحديث عن الحب الشعر العربي والحكايات والأسعار حتى حينئذ، وكان لابد - في ظل الثقافة اليونانية - أن يتصدى له " المتفلسفون " ليحددوا طبيعته وماهيته، على نحو يذكر المأدبة.
بل إننا لا نستطيع أن ننفي الصلات الموضوعية بين مجلس يحيى والمأدبة، معتمدين الحافز والإطار موضوعين للتشابه بينهما وحسب، فإن المدقق في أحاديث المتكلمين في مجلس يحيى يلمح بعض المشابه في التعبير عن " الحب " أو " العشق " . هذا هو " فايدرس " المتحدث الأول في " المأدبة " يتناول الحب من حيث هو قوة محولة، تجعل الحب يتوجه نحو الفضيلة وينفر من الرذيلة ومن كل ما يجر العار على نفسه في سبيل رضى
__________
(1) " دون منازعة " ، وهي التي حددت عدم ظهور الحوار، على نحو متعمد.




--------------------------------------------------------------------------------

المحبوب، مثلما إن الحب يقترن بالتضحية، مورداً هنا مثل " لقست " ( Alcestis) الزوجة الوفية التي ضحت بنفسها من أجل زوجها بعد أن أنكره كل الناس حتى أبوه وأمه (1) . ويقول أبو الهذيل العلاف " غير أن العشق من أريحية تكون في الطبع وطلاقة توجد في الشمائل، وصاحبه جواد لا يصغي إلى داعية المنع ولا يصيخ لنازع العذل " (2) . ويقول آخر: " وأيسر ما يبذله لمعشوقه أن يقدم دونه " (3) - وتلك هي التضحية - ويصف أغاثون - وهو المتحدث الخامس - كيف إن الحب نموذج للرقة، رشيق، جميل القسمات يعيش بين الأزهار، وإنه شجاع حكيم وكل من يمسه يصبح حكيماً، وإنه يقرب بين النفوس ويزيل الشعور بالاغتراب، وهو أبو اللياقة واللطف وكل ضرب الفضل (4) ، وإذا نحن تغاضينا عن التشخيص أحياناً في العبارات اليونانية - لأن الحديث عن الحب في العربية كثيراً ما ينصرف إلى المحب نفسه - وجدنا أحد المتحدثين في مجلس يحيى يقول: " هو (ي الحب) من بحر اللطافة ورقة الصنيعة وصفاء الجوهر (5) " وآخر يقول أنه " موسوم بالبراءة ولطف الصورة " (6) ويقول: " وإلى غاية الرقة يضاف صاحبه " (7) .. وثالثاً يقول: " العشق أرق من السراب وأدب من الشراب " فهذه كلها مواطن للتشابه قد ترجح القول بمعرفة " المأدبة " وقد تكون أيضاً نتيجة نظرة مستقلة في جانب من تلك التجربة الإنسانية المشتركة بين الناس.
__________
(1) (The Symposium by Plato، translated by W.Hamilton (Penguin Books، 1956) pp. 42 - 45. وخلاصة القصة أن أبولو انبأ أدميتس ملك فيراي إحدى مدن تشطاليا بأن الموت مدركه لا محالة إن لم يجد من يموت نيابة عنه، فرفض أبوه وأمه ذلك، وتقدمت روجه لقست لتفديه بنفسها.
(2) المسعودي 4: 237.
(3) المسعودي 4: 239.
(4) (He Symposium، pp. 68 seq).
(5) أنظر المسعودي 4: 237، 240، 238.
(6) أنظر المسعودي 4: 237، 240، 238.
(7) أنظر المسعودي 4: 237، 240، 238.




--------------------------------------------------------------------------------

على أنا قبل أن نغادر مجلس يحيى بن خالد علينا أن نتذكر أموراً سنحتاج إليها كلما تقدمت بنا الخطى في طريق هذا البحث، ومنها:
1 - أن أولئك المفكرين يكادون يجمعون على أن الحب اتصال بين الأرواح أو النفوس (أو بين روحين ونفسين) على سبيل المشاكلة، والتكافؤ في الطريقة، والمطابقة والمجانسة في التركيب، أو إنه تمازج بين جواهر النفوس بوصل المشاكلة والمناسبة والمساكنة، أو انه اتفاق الأهواء وتمازج الأرواح وتراوح الأشباح.
2 - أن بعض أولئك المفكرين ذهب إلى القول بنورانية الحب: " انبعث لمح نور ساطع تستضيء به نواظر العقل وتهتز لإشراقه طبائع الحياة " (1) .
3 - عبر أكثرهم عن قوة الحب وسلطانه ونفوذه بصور مختلفة لكن المرمى فيها واحد، مثل: " له نفوذ في القلب كنفوذ صيب المزن في خلل الرمل " و " له مقتل في صميم الكبد ومهجة القلب " و " أدب من الشراب له سحابة غزيرة تهمي على القلوب فتعشب شغفاً وتثمر كلفاً " و " له دبيب كدبيب النمل " و " يسور في البنية سوران الشراب " الخ.
4 - أتفق أكثرهم على وصف حال المحب بالتذلل وما إليه من مظاهر فقالوا: إنه يخضع لعبد عبده، دائم اللوعة، طويل الفكر، صومه البلوى، وإفطاره الشكوى، أذل من النقد، يهش لكل عبد، ويؤسر بكل طمع، يتفوه بالأماني ويتعلل بالأطماع.
5 - وأنفرد الموبذ قاضي المجوس بالربط بين الحب وحركات النجوم والفلك " الأسطقسات تولده والنجوم تنتجه وعلل الأسرار العلوية تصوره تنبعث خواطره بحركات فلكية الخ " .
__________
(1) المسعودي 4: 240 وقارن بما أورده أبن القيم في روضة المحبين: 139.




--------------------------------------------------------------------------------

إن مثل هذه النظرات، يدلنا على لون " الفكر " الذي كان رائجاً حول الحب في المشرق قبل أبن حزم، ويبين إلى أي مدى التقت مفهوماته عن طريق التجربة، بما وقر في نفسه عن طريق الثقافة. ولكن المشرق قبل أبن حزم عرف آراء ونظرات أخرى في الحب، أطلع عليها أبن حزم من بعد، وكان أهمها ما قرأه في كتاب الزهرة (1) لأبي بكر محمد بن داود الأصبهاني ( - 297/ 910) وهو ظاهري أيضاً، فقد جاء في ذلك الكتاب: " وزعم بعض المتفلسفين أن الله - جل ثناؤه - خلق كل روح مدورة الشكل على هيئة الكرة، ثم قطعها أيضاً، فجعل في كل جسد نصفاً، وكل جسد لقي الجسد الذي فيه النصف الذي قطع من النصف الذي معه، كان بينهما عشق للمناسبة القديمة، وتتفاوت أحوال الناس في ذلك على حسب رقة طبائعهم " (2) . وقد أطلع أبن حزم على هذا القول ونسبه إلى أبن داود ولكنه أورده على النحو الآتي: " الأرواح أكر مقسومة، لكن على سبيل مناسبة قواها في مقر عالمها العلوي، ومجاورتها في هيئة تركيبها " .
وبين النصين اختلاف جوهري، ولكن هذا يجب ألا يستوقفنا أيضاً، إنما الذي يستوقفنا هو فكرة " الأكر " التي انقسمت: من أين تسربت هذه الفكرة إلى أبن داود إن هذه الفكرة تقوي الحجة بأن كتاب " حوار المأدبة " كان معروفاً على نحو ما في القرن الثالث، لأنه -
__________
(1) دخل كتاب الزهرة إلى الأندلس - في أوائل القرن الرابع على أكثر تقدير - وقد عارضه أحمد بن فرج الجياني فألف علة نسقه كتاب " الحدائق " للحكم المستنصر واقتصر فيه على أشعار الأندلسيين، وكانت وفاة أبن فرج في سجن المستنصر (لعله إذن توفي قبل سنة 366). وكان أبن حزم معجبا بالكتابين، وهو يقول في كتاب ابن فرج " أحسن الاختيار فيه ما شاء، وأجاد فيه فبلغ الغاية فأتى الكتاب فردا في معناه " (الجذوة: 97 وأنظر ترجمة ابن فرج في المغرب 2: 56 والمطمح: 79 ومعجم الأدباء 4: 236 والمطرب: 4 وفي الجذوة والحلة السيراء نقول كثيرة عن الحدائق).
(2) النصف الأول من كتاب الزهرة: (تحقيق لويس نيكل ومساعدة إبراهيم طوقان، بيروت 1932) ص: 15.




--------------------------------------------------------------------------------

فيما اعتقد - مصدر تلك الفكرة. فالمتحدث الرابع في المأدبة، وهو الكاتب الكوميدي أرسطوفان، يرى أن الخلق كانوا ثلاثة أصناف، ذكوراً، وإناثاً وخليطاً من هذين، وكان كل مخلوق بشري كلاً كاملاً، ظهره وجانباه مدوران على شكل كرة، وكان له أربع أيد وأربع أرجل ووجهان متماثلان قائمان على رقبة مستديرة، وكان هذا المخلوق يمشي في شكل دائري، وكان قوياً مخوفاً، فرأى الإله أن يضعف من قوته، فشقه نصفين، ومنذ ذلك الحين أخذ كل نصف يتوق إلى النصف الآخر الذي أنفصل عنه، فإذا التقيا تعانقا كأنما يطلبان الاتحاد. فإذا كان النصفان المتلقيان ذكراً وأنثى نتج عن تلاقيهما التناسل، فوجدا الاكتفاء في الاتصال، وانصرف الذكر بعده إلى ممارسة شؤون الحياة الأخرى، وإذا حدث التجاذب بين ذكر ومثله، نشأت بينهما عاطفة قوية غلابة تخلق متعة في الصحبة، ولكن لا أحد يستطيع أن يقول إنها قاصرة على الجسد بل إن روح كل منهما تتوق إلى الأخرى توقاً لا تستطيع أن تصفح عنه. وعلى هذا فليس الحب سوى محاولة للعودة إلى الحال التي كان الآدميون عليها. فهو رغبة في استعادة الوحدة القديمة (1) .
إن هزل أرسطوفان في معرض الجد قد تحول وتحور حين انتقل إلى بيئة بغداد في القرن الثالث؛ فموضوع الحب في المأدبة، وهو حب بين الذكران، ويكاد لا يتوقف عند حب الذكر للأنثى، قد اختفى، ولم يستطع إلا أن يومئ إليه إيماء من وراء ستار النظرية شخص مثل أبن داود شهر بحب حدث أصبهاني يقال له محمد بن جامع أو وهب بن جامع (2) ، وانقسام الأجساد في ذلك التصوير شبه الهزلي لدى أرسطوفان أصبح عند أبن داود انقساماً في روح كرية جعلت في جسدين، فأخذ كل نصف يفتش عن نظيره، وكان ذلك التحول والتحور ضرورياً لفقيه
__________
(1) بإيجاز عن (Symposium) ص: 59 وما بعدها.
(2) الصفدي: الوافي بالوفيات 3: 59.




--------------------------------------------------------------------------------

ولمجتمع " استعلائي " النظرة، تحول عفته الدينية - أو تعففه - دون التسليم ببحث الجسد عن جسد مناظر له.
وفي المأدبة استطاع سقراط وحده أن يتحول بالحب - حسب تعليمات " ديوتيما " - إلى مجال آخر: فقد تدرج من أن الحب " روح " (أو شيء يشبه الملاك) وسيط بين الله والخلق، وإن هذه الروح تحفز إلى اختيار المحبوب، وذلك هو الجمال أو الخير، والرغبة في ذلك تؤدي إلى السعادة، وهذه الرغبة تعبر عن ذاتها بصور مختلفة، فالناس يقولون إن النصف يبحث عن نصفه ولكن سقراط يرى أن الحب ليس رغبة في الاتحاد بالنصف، وإنما هو رغبة في الاحتياز السرمدي للمحبوب - وهو الخير - ومهمة الحب هي " التناسل " فكل الناس " حاملون " روحياً وجسدياً، وعندما يحين الحين يحسون بالحاجة إلى " الوضع " ، ولا يستطيعون ذلك إلا في الجمال لا في القبح، وهذه " الولادة " هي أقرب شيء إلى الخلود مع الخير، فالحب إذن هو حب الخلود، مثلما هو حب الخير وهما سيان؛ فمن كانت غريزته في " التولد " جسدية بحث عن المرأة، ومن كانت رغبته في " التولد " روحية بحث عن الحكمة؛ وهكذا يتدرج الحب: من تأمل الجمال الجسدي في واحد " يفرخ " في تأمله مشاعر جميلة، ثم إلى تأمل الجمال المطلق خارج هذا العالم، وهكذا يتم الانتقال في الحب من المادي إلى المعنوي ومن المعنوي إلى جمال المعرفة، ومنها إلى جمال المعرفة الكلية العليا (1) .
وهذا التدرج هو الذي لفت أنظار إخوان الصفا، فبعد أن قرروا أن النفوس تتفاوت في المحبة بين نفس شهوانية وأخرى حيوانية وثالثة ملكية (ناطقة) وأن في جبلة النفوس محبة البقاء السرمدي (2) تحدثوا
__________
(1) بإيجاز عن (Symposium) ص: 81: 94.
(2) رسائل أخوان الصفا (ط. بيروت) 3: 279 - 280.




--------------------------------------------------------------------------------

عن تدرج النفس من المادي إلى الروحاني فقالوا: " ثم أعلم أن الغرض الأقصى من وجود العشق في جبلة النفوس ومحبتها الأجساد واستحسانها لها ولزينة الأبدان، واشتياقها إلى المعشوقات المفتنة، كل ذلك إنما هو تنبه لها ومن نوم الغفلة ورقدة الجهالة ورياضة لها وتعريج لها وترقية من الأمور الجرمانية إلى المحاسن الروحانية ودلالة على معرفة جوهرها " (1) ذلك لأن كل المشتهيات في الأجساد رسوم طبعتها فيها النفس الكلية، فإذا تأملتها النفس الجزئية حنت إليها، وأحبتها، فإذا غابت تلك الرسوم بقيت المحبة، لأنها تمثل تشوق النفس الجزئية إلى النفس الكلية، والنفس الكلية تشبه بالباري تعبداً له واشتياقاً ليه، ولذلك كان الله هو المعشوق الأول الذي تشتاق إليه جميع الموجودات ونحوه تقصد لأنه هو الموجود المحض، وله البقاء السرمدي والكمال المؤبد (2) .
وعلى الرغم من تحول إخوان الصفا إلى نظرة أفلوطونية واضحة، فليس ببعيد إذن أن تكون " المأدبة " مصدراً لكثير من تلك التصورات عن الحب، ولكنها وأشباهها تمثل المصدر الفلسفي، وهو مصدر يقف في موازاته المصدر الطبي؛ فقد كان ابن داود نفسه يعرف أن بعض المتطببين يقول، " العشق طمع يتولد في القلب، وتجتمع إليه مواد من الحرص، فكلما قوي ازداد صاحبه في الاهتياج واللجاج وشدة القلق وكثرة الشهوة، وعند ذلك يكون احتراق الدم واستحالته إلى السوداء والتهاب الصفراء وانقلابها إلى السوداء، ومن طغيان السوداء فساد الفكر، ومع فساد الفكر تكون الفدامة ونقصان العقل، ورجاء ما لا يكون وتمني ما لا يتم، حتى يؤدي ذلك إلى الجنون، فحينئذ ربما قتل العاشق نفسه، وربما مات غماً، وربما نظر إلى معشوقه فيموت فرحاً أو أسفاً، وربما شهق شهقة فتختفي فيها روحه أربعاً وعشرين ساعة فيظنون أنه قد مات فيقبرونه وهو حي، وربما تنفس الصعداء فتختنق نفسه في تامور قلبه
__________
(1) رسائل 3: 282.
(2) أنظر المصدر نفسه: 282 - 286.




--------------------------------------------------------------------------------

وينضم عليها القلب فلا ينفرج حتى يموت، وربما ارتاح وتشوق للنظر أو رأى من يحب فجأة فتخرج نفسه فجأة دفعة واحدة " (1) .
ولا يرى ابن داود بأسا في أن يقرن بين هذا التفسير الطبي في الحب، وهو قائم على نظرية الطبائع والأخلاط، متصل بالجسد اتصالاً وثيقاً، غير معترف بأي دور للروح أو للنفس في مجال الحب وبين حديث آخرين عن النفوس - أو الأرواح - الكرية التي انقسمت " في مقر عالمها العلوي " (حسب مفهوم ابن حزم) دون أن يعلق على المفارقة القائمة بين النظريتين. وأسوا من ذلك صنيع إخوان الصفا، فإنهم حشدوا جميع الآراء في نطاق، فأوردوا قول من قال إن العشق جنون إلا وهي (2) - وهو رأي ذكره ابن داود نفسه (3) - وتحدثوا عن آراء الأطباء فيه، حسبما جاء عند ابن داود (4) ، وهو رأي لم يلبث أن نسب إلى أفلاطون نفسه أيضاً (5) ، بل زاد إخوان الصفا زيادة في فهم الحب الجسدي اربت على كل شيء ساب، وإن كان توجههم النهائي أفلوطينياً، فزعموا أن العاشق والمعشوق إذا تباوسا وامتص كل واحد منهما ريق صاحبه وبلعه وصلت تلك الرطوبة إلى معدة كل واحد منهما وامتزجت مع سائر الرطوبات، ثم وصلت إلى الكبد واختلطت بأجزاء الدم وانتشرت في العروق، وأصبحت جزءاً من تكوين الجسد، وإذا تنفس كل واحد منهما في وجه صاحبه اختلط ذلك مع الهواء المستنشق، ووصل بعضه إلى مقدم الدماغ، فاستلذ كل واحد ذلك التنسم، أو وصل إلى الرئة ومن الرئة إلى القلب، وأنتقل مع حركة النبض إلى سائر الجسد، وأختلط بالدم واللحم (6) .
__________
(1) الزهرة 1: 17.
(2) رسائل 3: 270.
(3) الزهرة: 15 ونسب إلى أفلاطون.
(4) رسائل 3: 271.
(5) أفلاطون في الإسلام، نصوص جمعها وعلق عليها الدكتور عبد الرحمن بدوي (تهران 1973) ص 252 ونقله أبن القيم في روضة المحبين: 137 ونسبه لبعض الفلاسفة.
(6) رسائل 3: 274 - 275.




--------------------------------------------------------------------------------

واجتمع إلى هذين المصدرين الفلسفي والطبي - في تصور مفهوم الحب مصدر ثالث هو المصدر التنجيمي الذي رأينا بوادره عند الموبذ قاضي المجوس، وقد خضع ابن داود أيضاً لهذا المصدر (1) وقرنه بالمصدرين الآخرين، كما فعل شيئاً شبيهاً بذلك إخوان الصفا (2) وإن لم يكن تحديد المؤثرات النجومية متفقاً عليه بينهما.
فإذا انتهينا إلى أواخر القرن الرابع وجدنا " تصعيداً " متعمداً لكل هذه النظرات لدى أبن سينا الذي يرى أن من شأن العاقل " الولوع بالمنظر الحسن من الناس " ولكن إن كان هذا الولوع لذة حيوانية فهو مستحق للوم (مثل الفرقة الزانية والمتلوطة) (3) ، ولهذا تستبعد لذة المباضعة، فأما المعانقة والتقبيل فإن كان الغرض منهما الاتحاد فليس بمنكر (وهذا هو الظرف)، ولكن العشق الحقيقي هو عشق الخير المطلق عشقاً غريزياً، أي قبول تجليه على الحقيقة، وتجليه هو حقيقة ذاته، والنفوس الملكية عاقلة له وعاشقة ومتشبهة بما تعقله منه أبداً (4) . وهكذا ينتهي أبن سينا إلى ما انتهى إليه إخوان الصفا، دون أن ندري يقيناً أيهما كان قبل الآخر، ويكون المتفلسفة قد وصلوا إلى فكرة " الاتحاد " في الحب، وكان وصولهم إلى ذلك قبل المتصوفة، على الأرجح.
غير أن القرن الثالث شهد مفهوماً رابعاً للحب (إلى جانب المفهوم الفلسفي والطبي والنجومي)؛ وهذا المفهوم صوفي أيضاً، لكنه لم يبلغ بعد درجة " الاتحاد " ولا ندري حقيقة من هو الذي قال به لأنه فريد في منزعه وهو يتلخص في أن الحب - على المستوى الإنساني - امتحان لكي يتلقن المحب درساً في طاعة محبوبه ويدرك معنى المشقة في مخالفته؛ وهذا
__________
(1) الزهرة 1: 16.
(2) رسائل 3: 273.
(3) أبن سينا: رسالة في ماهية العشق (تحقيق وترجمة أحمد آتش، أستانبول 1953) ص: 18.
(4) رسالة العشق: 25 - 29.




--------------------------------------------------------------------------------

يهيئه ليدرك قيمة رضى الله تعالى، لأن الله تعالى أحرى بأن يتبع رضاه وتتجنب مخالفته (1) ؛ فكأن الحب الإنساني رياضة في مرحلة أولى ينتقل بعدها " العبد " إلى مرحلة ثانية.
هذه المفهومات الأربعة للحب قد جمعت معاً - بشكل موجز - في كتاب " الزهرة " ، وهو كتاب عرفه أبن حزم معرفة تمكن واستلهام، فلو لم يطلع على المصادر الشرقية الأخرى، لكان كتاب " الزهرة " وحده كافياً في هذا المجال. ولكنه كان يعرف من دون ريب مروج الذهب للمسعودي، وما ورد فيه من مقامات المتكلمين حول الحب، كما كان يعرف بعض الكتب الطبية، ولا أستبعد أن يكون قد عرف " فردوس الحكمة " لعلي بن ربن الطبري (247/ 861) أو مصدراً مشبهاً له، فالحديث عن ضروب المحبة عندهما متشابه، يقول أبن ربن: " فإن من شأن النفس الولوع والعجب بكل شيء حسن من جوهر أو نبت أو دابة (2) " ويقول أبن حزم: " فالظاهر أن النفس الحسنة تولع بكل شيء حسن وتميل إلى التصاوير المتقنة (3) " ثم يتفقان على أن الإثارة الأولى بعد تحريك الإعجاب هي " الشهوة " ويتمايزان بعد ذلك في الاستنتاج. وليس ببعيد أيضاً أنه عرف مصادر شرقية أخرى ذات علاقة بالموضوع من قريب أو بعيد (4) ، هذا بالإضافة إلى ما كان يمده به الشعر المشرقي،
__________
(1) الزهرة 1: 18.
(2) فردوس الحكمة: 91.
(3) طوق الحمامة: 4.
(4) نشر الأستاذ غوسيه غومس (مجلة الأندلس 191 ص 309330) بحثاً درس في معظمه مواطن اللقاء بين طوق الحمامة وكتاب الموشى، وكثير مما أورده ليس سوى تشابه عارض،س أو هو يمثل خلاصة تجارب انسانية ومواقف شعرية حول الحب، وقد أشرت الى بعض تلك المقارنات في الحواشي، وأهملت ما رأيته تزيداً، فمثلا الحديث عن كيد النساء ومكرهن ليس من الضروري أن يجده ابن حزم لدى الوشاه، وكذلك الحديث عن علامات الحب من نحول واصفرار وقلة نوم.. الخ فمثل هذه الأمور تعد قدراً مشتركاً عند اثارة قضية " الحب " .




--------------------------------------------------------------------------------

وحكايات العشاق المشارقة من ذخيرة كبيرة تصورات الشعراء والرواة والقصاص لموضوع الحب.
ولعله لم يكن يجد في البيئة الأندلسية تنظيراً حول " الحب " ، ولكن البيئة الأندلسية كانت تمده بشيئين هامين: أولهما ذلك الشعر العفيف المتشبه بالشعر العذري، نزولاً على أحكام الظرف والفتوة السليمة (وإن كان يوازيه في خط آخر شعر المجون)؛ وقد مهد أبن فرج في كتاب " الحدائق " لذلك السياق الأندلسي الخالص في شعر الحب، وكان أبن حزم معجباً بكتابه، كما كان يزيد على ما عرفه أبن فرج أشعاراً كثيرة جدت من بعده وجرت في ذلك السياق، وأبو محمد ذو حافظة عجيبة وذوق رفيع في الحفظ والتخير، وذو رغبة حافزة للإطلاع على كل ما يتصل بالأندلس من تراث أدبي وغير أدبي؛ وثانيهما: قصص الحب في الأندلس، ومنها المتصل بالماضي ومنها التجارب المعاصرة التي جرت لأفراد يعرفهم أبن حزم أو يسمع عنهم، فذلك الشعر وتلك القصص كانا مظهرين هامين في " الحب الأندلسي " . فأما التنظير فقد بدأت بوادره تتسرب في مجالس الجدل كما يشير إلى ذلك كتاب الطوق نفسه، وفي المحاورة التي جرت بين أبن كليب القيرواني وأبن حزم أيام كونهما بقرطبة في التفلسف حول أمور تتعلق بالحب (1) ما يدل على ذلك: وإليك هذه المحاورة (ك أبن كليب، ح أبن حزم).
ك: إذا كره من أحب لقائي وتجنب قربي ما أصنع
ح: أرى أن تسعى في إدخال الروح على نفسك بلقائه وإن كره.
ك: (أنا) لا أرى ذلك بل أوثر هواه على هواي ومراده على مرادي، وأصبر ولو كان في ذلك الحتف.
ح: إني إنما أحببته لنفسي ولالتذاذها بصورته فأنا أتبع قياسي وأقود أصلي وأقفو طريقتي في الرغبة في سرورها.
__________
(1) أنظر الباب الرابع عشر، وهو باب الطاعة ص: 158 - 159.




--------------------------------------------------------------------------------

ك: هذا ظلم من القياس. أشد من الموت ما تمني له الموت، وأعز من النفس ما بذلت له النفس.
ح: عن بذلك نفسك لم يكن اختياراً بل كان اضطراراً ولو أمكنك ألا تبذلها لما بذلتها، وتركك لقاءه اختياراً منك أنت فيه ملوم لإضرارك بنفسك وإدخالك الحتف عليها.
ك: أنت رجل جدلي ولا جدل في الحب يلتفت إليه.
ح: إذا كان صاحبه مؤوفاً.
ك: وأي آفة أعظم من الحب
ومع أن هذا القيرواني هو الذي فتح باب الجدل، فانه عاد يلوذ بما أرقته الطبيعة الأندلسية نفسها حين اقتصرت على الشعر والقصص، ويقول " ولا جدل في الحب يلتفت إليه " ، وكأنه يردد بهذا قول الشاعر المشرقي:
ليس يستحسن في شرع الهوى ... عاشق يحسن تأليف الحجج وعلى هذا الأساس - وخضوعاً لمنطق البيئة الأندلسية - لم يكن ابن حزم بحاجة إلى التنظير، وكان يكفيه منه القليل الذي وجده في كتاب الزهرة، كما سنرى من بعد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
طوق الحمامة في الألفة والألاف الإمام إبن حزم الظاهري ـرحمه الله ـ -2-
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف :: منتدى الادباء،الشعر والخواطر-
انتقل الى: