منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف
منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف
منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصوردخولالتسجيل
الوقف    وأحكامه            الشيخ العلامة أحمد النجمي G5g5-7f7110b59c الوقف    وأحكامه            الشيخ العلامة أحمد النجمي G5g5-4d203bdcc7 الوقف    وأحكامه            الشيخ العلامة أحمد النجمي G5g5-7f7110b59c الوقف    وأحكامه            الشيخ العلامة أحمد النجمي G5g5-4d203bdcc7

 

 الوقف وأحكامه الشيخ العلامة أحمد النجمي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الفارس
إداري
إداري
الفارس


ذكر عدد الرسائل : 1160
السٌّمعَة : 13
نقاط : 2574
تاريخ التسجيل : 08/02/2009

الوقف    وأحكامه            الشيخ العلامة أحمد النجمي Empty
مُساهمةموضوع: الوقف وأحكامه الشيخ العلامة أحمد النجمي   الوقف    وأحكامه            الشيخ العلامة أحمد النجمي Emptyالسبت فبراير 20, 2010 4:14 pm

بسم الله الرحمن الرحيم

الوقف

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه أمَّا بعد :

فهذا موضوع في الوقف يشمل عدة مباحث :

أولاً : تعريف الوقف .

ثانياً : مشروعية الوقف .

ثالثاً : حديث عمر : (( إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها )) وما جاء فيه من الروايات .

رابعاً : الفوائد المستنبطة من الحديث .

خامساً : في أيِّ شيءٍ يشرع الوقف .

سادساً : ما هي الصيغ التي يثبت بها الوقف ؟

سابعاً : حكم الوقف .

ثامناً : هل يجوز أن يرجع إلى الموقِف شيءٌ من منافع الوقف ؟

تاسعاً : حجة من رأى عدم لزوم الوقف ، وأجاز الرجوع فيه .

عاشراً : شروط الوقف .

الحادي عشر : هل يجوز بيع الوقف إذا تعطلت منافعه أم لا ؟

الثاني عشر : آثار الوقف .



المبحث الأول : تعريف الوقف :

الوقف : هو حبس الأصل ، وتسبيل الثمرة أو المنفعة ؛ قال في المغني لابن قدامة المقدسي الحنبلي في ج8 / 184 تحقيق الدكتور التركي والدكتورالحلو : " الوقوف جمع وقف يقال منه وقفْتُ وقفاً ولايقال : أوقفت إلاَّ في شاذ اللغة ، ويقال : حبَّستُ وأحبست ، وبه جاء الحديث : (( إن شئت حبَّست أصلها ، وتصدَّقت بها )) " اهـ .

وفي فتح الباري للحافظ ابن حجر طبعة المطبعة السلفية في ج5 / 400 – 401 عند قوله صلى الله عليه وسلم : (( إن شئت حبَّست أصلها ، وتصدَّقت بها )) أي بمنفعتها ، وبيَّن ذلك ما في رواية عبيــد الله بن عمر : (( احبس أصلها ، وسبِّل ثمرتها )) وفي رواية يحـيى بن سعيـد : (( تصدَّق بثمـره ، وحبِّـس أصله )) " اهـ .

وأقول : الوقف والحبس بمعنى واحد ؛ وهو منع التصرف فيه بما يزيل الملك عنه اختيارياً كالبيع والهبة والمعاوضة أو اضطرارياً كالإرث ؛ بصيغة تقتضي ذلك .

قال الحافظ أيضاً في الفتح في ج5 / 403 : " وحقيقة الوقف شرعاً : ورود صيغة تقطع تصرف الواقف في رقبة الموقوف الذي يدوم الانتفاع به ، وتثبت صرف منفعته في جهة خير " وقال الحافظ قبل ذلك : " ولايفهم من قوله : (( وقَّفتُ وحبست )) إلاَّ التأبيد حتى يصرح بالشرط عند من يذهب إليه " اهـ .

قلت : ويؤيده ما ورد في رواية الدارقطني من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع بعـد قولـه : (( فتصدَّق بها عمر )) أنَّه لايباع أصلها ، ولايوهب ، ولايورث ، ولمسلم : (( ولاتـبتاع )) وللـدارقطـني : (( حبيسٌ ما دامت السماوات والأرض )) قال الحافظ : " كذا لأكثر الرواة عن نافع " اهـ .

قلت : وهذه الرواية الصحيحة تقطع كل علاقة يتعلق بها من يجيز بيع الوقف أو الرجوع فيه أو الاشتراط فيه أو المبادلة به ، وذلك أنَّ صيغة التوقيف تقتضي إبرام عقدٍ مع الله فإذا قال المكلف العاقل وقفت كذا فهو وقف لله ؛ فقد أبرم عقداً مع ربه خرج به الشيء الموقوف من ملكـه وثبت ملكه للمصلحة الموقوف عليها ، وثبت له العوض من ربه كما وعد ووعده حق وصدق فقال جل من قائل : ] وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين [ [ سبأ : 39 ] وقال أيضاً : ] وما تقدموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجرا [ [ المزمل : 20 ] كما أنَّ من أبرم عقداً مع أحدٍ من المخلوقين ببيعٍ أو معاوضة ثمَّ بعد المكاتبة ، والتوقيع عليها أو حصول الصيغة الملزمة من الجانبين والتفرق ؛ أراد الرجوع عن ذلك العقد لم يكن له ذلـك فكيف تستجيز ذلك في حق الله عز وجل ، وأنت لو رمته من مخلوق مثلك لم يكن لك ذلك .

ومن هنا يعلم أنَّ من تصرف في الوقف ببيعٍ أو معاوضة أو رجع عن التوقيف بعد أن سجَّله وأثبته أو تصرَّف في وقفٍ أوقفه غيره ؛ فإنَّ على ولي الأمر أن يحيله إلى المحاكم الشرعية ؛ لتحكم عليـه بما تراه رادعـاً له ولأمثاله ، وتبطل تصرفه ، وتعيد الوقف إلى مجراه الصحيح ، وبالله التـوفيق .



المبحث الثاني : مشروعية الوقف :

إنَّ الوقف من خصائص أهل الإسلام ؛ قال الحافظ في الفتح في ج5 / 403 : " وأشار الشـافعي إلى أنَّ الوقف من خصـائص أهل الإسـلام ؛ أي وقف الأراضي والعقـار " قال : " ولانعرف أنَّ ذلك وقع في الجاهلية " قلت ذكر الشافعي في الأم طبعة دار المعرفة في ج4 / 58 في باب الخلاف في الحبس وهي الصدقات الموقوفات ؛ قال الشافعي رحمه الله : " وخالفنا بعض الناس في الصدقات الموقوفات " قلت : أشار بـذلك إلى خـلاف الحنفيـة في الوقـف فقال : " لاتجوز بحالٍ ، وقال شريح جاء محمدٌ صلى الله عليه وسلم بإطلاق الحبس ؛ قال وقال شريح : لاحبس عن فرائض الله تعالى ؛ قال الشافعي رحمه الله : والحبس التي جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقها والله أعلم ما وصفنا من البحيرة ، والوصيلة ، والحام ، والسائبة إن كانت من البهائم ؛ فإن قال قائلٌ ما دلَّ على ما وصفت ؟ قيل : ما علمنا جاهلياً حبس داراً على ولد ولافي سبيل الله ، ولا على المساكين ، وحبسهم كانت ما وصفنا من البحيرة ، والسائبـة والوصيلة ، والحام ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقها " اهـ .

قلت : ظاهر القرآن يدل على أنَّ البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام من مخترعات العرب وشركهم ، وعبادتهم لغير الله ، وفي صحيح البخاري من طريق عائشة ، وأبي هريرة رضي الله عنهما : (( أنَّ أوَّل من فعل ذلك هو عمرو بن لحي الخزاعي ؛ وهو الذي غيَّر دين إبراهيم )) وفي رواية : (( وهو أوَّل من سيَّب السوائب )) فدلَّ ذلك أنَّ ذلك كان من مختـرعات أهل الجاهـلية ولم يكن شرعاً سابقاً حتى يقال أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بإطلاق الحبس وليس في هذا حجة على إبطال شرعية الوقف .

وأمَّا قوله : " لاحبس عن فرائض الله " فقد ردَّ الشافعي رحمه الله في الأم في ج4 / 58 على هذا الأثر بما خلاصته :

أنَّ قول شريح وحده ليس بحجة ؛ وإن كان حجةً فليس في هذا حبسٌ عن فرائض الله ؛ لأنَّا نقول أنَّ من أوقف في صحته نفَذ الوقف من جميع ماله ؛ أمَّا إذا كان في مرض موته فإنَّه لاينفذ إلاَّ في ثلثه فقط .

وأخيراً أقول : إنَّ من رحمة الله بعباده المسلمين أمَّة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أن شرع لهم التحبيس ؛ وهي الصدقة الجارية ؛ ليكون زيادةً لهم في حسناتهم بعد الموت ، وفي الحديث : (( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاَّ من ثلاث صدقةٍ جارية أو علم ينتفع به أو ولدٍ صالح يدعو له )) وبالله التوفيق .



المبحث الثالث : حديث عمر : (( إن شئت حبست أصلها ، وتصدَّقت بها )) وما جاء فيه من الروايات :

قال البخاري في صحيحه من كتاب الوصايا باب 28 باب في الوقف كيف يكتب : " حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا ابن عون عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أصاب عمر بخيبر أرضا ؛ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقال أصبت أرضا لم أصب مالا قط أنفس منه فكيف تأمرني به ؟ قال : (( إن شئت حبست أصلها ، وتصدقت بها )) فتصدق عمر أنه لا يباع أصلها ، ولا يوهب ، ولا يورث في الفقراء ، والقربى ، والرقاب ، وفي سبيل الله ، والضيـف وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقا غير متمول فيه )) ".

ثمَّ قال باب الوقف للغني ، والفقير ، والضيف : حدثنا أبو عاصم حدثنا ابن عون عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه وجد مالا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره قال إن شئت تصدقت بها فتصدق بها في الفقراء ، والمساكين ، وذي القربى والضيف )) وقال مسلم في باب الوقف من كتاب الوصايا : (( حدثنا يحيى بن يحيى التميمي أخبرنا سليم بن أخضر عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أصاب عمر أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها ، فقال يا رسـول الله : إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالا قط هو أنفس عندي منه ، فما تأمرني به ؟ قال : إن شئت حبَّست أصلهـا وتصدقت بها ؛ قال : فتصدق بها عمر أنه لا يباع أصلها ، ولا يبتاع ، ولا يورث ، ولا يوهب قال : فتصدق عمر في الفقراء ، وفي القربى ، وفي الرقاب ، وفي سبيل الله ، وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقا غير متمول فيه ؛ قال فحدثت بهذا الحديث محمداً ، فلما بلغت هذا المكان غير متمول فيه قال محمد غير متأثل مـالاً قال ابن عون : وأنبأني من قرأ هذا الكتاب أن فيه غير متأثل مالاً )) ورواه أبو داود من طريق مسدد عن يزيد بن زريع ، وبشر بن المفضل ، ويحيى القطان عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : (( أصاب عمر أرضاً بخيبر ، ثمَّ ساق الحديث بنحو ما رواه البخاري ومسلم ، ثمَّ أورد القصة من طريق سليمان بن داود المهري حدَّثنا ابن وهب عن الليث عن يحيى ابن سعيد عن صدقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : نسخها لي عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب بسم الله الرحمن الرحيم : هذا ما كتب عبد الله عمر في ثَمْغَ ، فقصَّ من خبره نحو حديث نافع ..." وفيه : " ... وكتب معيقيب ، وشهد عبد الله بن الأرقم : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين ؛ إن حَدَثَ به حَدَث ..." قال الحافظ : وزعم ابن عبد البر أنَّ ابن عون تفرَّد به عن نافع ، وليس كما قال ، فقد أخرجه البخاري من رواية صخر بن جويرية ؛ كما تقدم قبل أبواب ، وأخرجه مختصراً ، وأخرجه أحمد والدارقطني مطولاً من رواية أيوب ، وأخرجه الطحاوي من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري والنسائي من رواية عبيد الله بن عمر الأكبر المصغر ، وأحمد ، والدارقطني من رواية عبد الله بن عمر الأصغر المكبر كلهم عن نافع ، وسأذكر ما في روايتهم من الفوائد مفصلاً إن شاء الله .

قوله : (( أنفس منه )) أي أجود ، والنفيس الجيد المغتبط به ، وهذا المال كان مقداره مائة سهم من الأسهم التي قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بين الغانمين .

قال الحافـظ : " وروى عمر بن شبَّة بإسناد صحيح عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنَّ عمر رأى في المنام ثلاث مرات أن يتصدق بثَمْغَ ، وللنسائي من رواية سفيان عن عبد الله بن عمر جاء عمر فقـال يا رسول الله : (( إني أصبت مالاً لم أصب مالاً مثله قط كان لي مائة رأس فاشتريت بها مائة سهم من خيبر من أهلها " اهـ بتصرف .

وقد اختلفت الروايات في الشرط هل هو من كلام عمر أو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وحكى الحافظ في الفتح عن السبكي أنَّه قال : " اغتبطت بما وقع في رواية يحيى بن سعيد عن نافع عند البيهقي تصدَّق بثمره ، وحبِّس أصله ؛ لايباع ، ولايورث ، وهذا ظاهره أنَّ الشرط من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف باقي الروايات ، فإنَّ الشرط فيها ظاهره أنَّه من كلام عمر " قال الحافظ : " قلت : قد تقدَّم قبل خمسة أبواب من طريق صخر بن جويرية عن نافع بلفظ : (( فقال النبي صلى الله عليه وسلم تصدق بأصله ؛ لايباع ، ولايوهب ، ولايورث ، ولكن ينفق ثمره ، وهي أتمُّ الروايات ، وأصرحها في المقصود ، فعزوها إلى البخـاري أولى ، وبالله التوفيق .



المبحث الرابع : الفوائد المستنبطة من الحديث :

يؤخذ من الحديث :

أولاً : مشروعية الوقف ؛ قال الحافظ في الفتح : " قال الترمذي : لانعلم بين الصحابـة والمتقدمين من أهل العلم خلافاً في جواز وقف الأرضين ، وجاء عن شريح أنَّه أنكر الحبـس ومنهم من تأوله ، وقال أبو حنيفة : لايلزم ، وخالفه جميع أصحابه إلاَّ زفر بن الهذيل ؛ فحكى الطحاوي عن عيسى بن أبان قال : كان أبو يوسف يجيز بيع الوقف ، فبلغه حديث عمر هذا فقال : من سمع هذا من ابن عون ؟ فحدثه به ابن عُليَّة ، فقال : هذا لايسع أحداً خلافه ، ولو بلغ أبا حنيفة لقال به ، فرجع ( يعني أبا يوسف ) عن بيع الوقف حتى صار كأنَّه لاخلاف فيه بين أحد " اهـ .

قلت : صدق أبو يوسف لايسع أحداً خلافه ، وأعظم دليل على ذلك رواية الدارقطني من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ : (( حبيس ما دامت السماوات والأرض )) قال الحافظ : " كذا لأكثر الرواة عن نافعٍ .

ثانياً : في هذا من الفوائد جواز ذكر الولد أباه باسمه المجرد من غير كنية ولا لقب .

ثالثاً : وفيه جواز إسناد الوصية والنظر على الوقف للمرأة ، وتقديمها على أقرانهـا من الرجـال يعني أنَّ عمر أسند النظر إلى حفصة ما دامت حية .

رابعاً : وفيه إسناد النظر إلى من لم يسمَّ من الرجال إذا وصف بصفةٍ تميِّزه كقوله : (( إلى ذوي الرأي من آل عمر )) .

خامساً : وفي الحديث أنَّ الواقف يلي النظر على وقفه إذا لم يسنده لغيره ؛ قال الشافعي لم يزل العدد الكثير من الصحابة ؛ فمن بعدهم يلون أوقافهم ؛ نقل ذلك الألوف عن الألوف لايختلفون فيه .

سادساً : وفيه استشارة أهل العلم والدين والفضل في طرق الخير سواءً كانت دينية أو دنيوية .

سابعاً : وأنَّ المشير يشير بأحسن ما يظهر له في جميع الأمور .

ثامناً : وفيه فضيلة ظاهرة لعمر رضي الله عنه لرغبته في امتثال قول الله تعالى : ] لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون [ [ آل عمران : 92 ] .

تاسعاً : وفيه فضل الصدقة الجارية لاستمرار الحسنات منها بعد موت المتصدق .

عاشراً : يؤخذ منه صحة شروط الواقف ، والعمل بها .

الحادي عشر : وأنَّه لايشترط تعيين المصرف وهو المحبَّس عليه لفظاً ؛ لقوله : (( وفي القربى ، وفي الرقاب ، وفي سبيل الله ، وابن السبيل ، والضيف )) .

الثاني عشر : أنَّ الوقف لايصح إلاَّ فيما له أصلٌ يدوم الإنتفاع به ، فلا يصح الوقف فيما لايتم الانتفاع به إلاَّ باستهلاكه كالطعام .

الثالث عشر : أنَّه لايكفي في الوقف لفظ الصدقة حتى يضيف ما يدل على أنَّ المتصدق به هو المنفعة مع تحبيس الأصل ، وبالله التوفيق .



المبحث الخامس : في أي شيءٍ يشرع الوقف ؟

الصحيح أنَّ الوقف يشرع فيما يدوم الانتفاع به ؛ سواءً كان من الأشياء الثابتة كالعقار والدور أو من الأشياء المنقولة كآلة الحرب ، وكتب العلم ، وما أشبه ذلك ، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( وأمَّا خالدٌ فإنَّكم تظلمون خالداً ، فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله )) وبالله التوفيق .



المبحث السادس : ما هي الصيغ التي بها يثبت بها الوقف ؟

" وأمَّا الصيغ التي بها يثبت الوقف فهي ست صيغ : ثلاثٌ منها صريحة ، وثلاثٌ منها كنايات :-

فالصريحة هي : وقَّفتُ ، وحبَّستُ ، وسبَّلتُ ؛ متى أتى بواحدةٍ من هذه الثلاث صار وقفاً من غير انضمام أمرٍ زائد ؛ لأنَّ هذه الثلاث الألفاظ ثبت لها عرف الاستعمال بين الناس ، وانضمَّ إلى ذلك عرف الشرع بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر : (( إن شئت حبَّست أصلها ، وسبَّلت ثمرتها )) فصارت هذه الألفاظ في الوقف كلفظ التطليق في الطلاق .

وأمَّا الكنايات فهي : تصدَّقتُ ، وحرَّمتُ ، وأبدَّتُ ؛ لأنَّها ليست صريحة ، فلفظ الصدقة والتحريم مشتركة ، فإنَّ الصدقة تستعمل في الزكاة والهبات ، والتحريم يستعمل في الظهار والأيمان ، والتأبيد يحتمل تأبيد التحريم ، وتأبيد الوقف ، ولم تثبت لهذه الألفاظ عرف الاستعمال فلايحصل الوقف بمجردها ككنايات الطلاق ؛ فإن انضمَّ إليها ما يدل على التوقيف كصدقة موقوفة أو محبَّسة أو مسبَّلة أو مؤبَّدة أو وصفها بصفة الوقف كأن يقول صدقة : (( لاتباع ولاتوهب ، ولاتورث ثبت لها بذلك حكم الوقف " اهـ من المغني في ج8 / 189 بتصرف .



المبحث السابع : حكم الوقف :

وأمَّا حكمه : فهو اللزوم والنفاذ وجوباً لامثنوية فيه لأمور :

1- أنَّ الله عز وجل أمر عباده المؤمنين أن يوفوا بالعقود فقال جلَّ من قائل : ] يا أيها الذين آمنوا أوفوا العقود [ [ المائدة : 1 ] والعقود جنس شامل لكل عقدٍ ؛ سواءً كان العقد بين العبد وبين ربه أو بين العباد بعضهم مع بعض ؛ قال ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحدٍ يعني بالعقود : العهود ، وحكى ابن جرير الإجماع على ذلك " قال : والعهود : ما كانوا يتعاقدون عليه من الحِلْف وغيره " قلت والتوقيف عقد بين العبد وبين ربه ، وحرامٌ على العبد أن ينكث فيه أو يغدر به .

2- أنَّ الله عز وجل مدح الموفين بالعهد فقال : ] الذين يوفون بعهد الله ولاينقضون الميثاق * والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب [ [ الرعد : 20- 21 ] وقال جـلَّ من قائل : ] من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا [ [ الأحزاب : 23 ] .

3- ذمَّ الله عز وجل الغادرين ، والناكثين ، فقال جلَّ من قال : ] والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار [ [ الرعد : 25 ] .

4- سبق أن نقلت عن الترمذي بواسطة الفتح أنَّه قال : " لانعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل العلم خلافاً في جواز وقف الأرضين ، وجاء عن شريح أنَّه أنكر الحبس ، ومنهم من تأوله وقال أبو حنيفة : لايلزم ، وخالفه جميع أصحابه إلاَّ زفر بن الهذيل ، فحكى الطحاوي عن عيسى ابن أبان قال :كان أبو يوسف يجيز بيع الوقف ، فبلغه حديث عمر هذا ، فقال : من سمع هذا من ابن عون ؟ فحدثه به ابن عليَّة ، فقال : هذا لايسع أحداً خلافه ، ولو بلغ أبا حنيفة لقال به فرجع عن بيع الوقف حتى صار كأنَّه لا خلاف فيه بين أحد " اهـ .

5- والقول الحاسم في هذه المسألة الذي لايجوز لأحدٍ قول بعده قـوله فيمـا رواه البخـاري : " (( فتصدق عمر أنَّه لايباع أصلها ، ولايوهب ، ولايورث )) زاد في رواية مسلم من هذا الوجه : ولاتبتاع ؛ زاد الدارقطني من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع : (( حبيس ما دامت السماوات والأرض )) " اهـ .

قلت : وهذه الرواية الحاسمة تقتضي أنَّ ما جرى عليه التوقيف لايجوز بيعه ، ولايصح إن حصل وبالله التوفيق .



المبحث الثامن : هل يجوز أن يرجع إلى الموقِف شيءٌ من منافع الوقف ؟

قال في المغني مسألة رقم 919 في ج8 / 191 : " ( ولايجوز أن يرجع إليه شيءٌ من منافعه ) وجملة ذلك أنَّ من وقف شيئاً وقفاً صحيحاً ، فقد صارت منافعه جميعها للموقوف عليه ، وزال عن الواقف ملكه ، وملك منافعه ، فلم يجز أن ينتفع بشيءٍ منها إلاَّ أن يكون قد وقف شيئاً للمسلمين ، فيدخل في جملتهم ؛ مثل أن يقف مسجداً ، فله أن يصلي فيه أو مقبرة فله الدفن فيها أو بئراً للمسلمين ، فله أن يستقي منها أو سقاية أو شيئاً يعمُ المسلمين ، فيكون كأحدهم لانعلم في هذا خلافاً ، وقد روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنَّه سبَّل بئر رومة ، وكان دلوه فيها كدلاء المسلمين . " اهـ قلت : وذلك لأنَّ ملكه قد زال عن الموقوف ، وأصبح للجهة التي وقف عليها قال في المغني في ج8 / 188 : " وينتقل الملك في الموقوف إلى الموقوف عليهم في ظاهر المذهب ؛ قال أحمد : إذا وقف داره على ولد أخيه صارت لهم " اهـ وأقول : أي صيغةٍ ترتب عليها صحة الوقف فقد زال عنه ملك الواقف ، وأصبح ملكها للجهة التي وقف عليها .



المبحث التاسع : حجة من رأى عدم لزوم الوقف ، وأجاز الرجوع فيه :

ما رواه الطحاوي ، وابن عبد البر من طريق مالكٍ عن ابن شهاب قال : قال عمر : لولا أنِّي ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لرددتها ؛ قال الحافظ في الفتح في ج5 / 402 : " واستدل الطحاوي بقول عمر هذا لأبي حنيفة ، وزفر في أنَّ إيقاف الأرض لايمنع من الرجوع فيها ، وأنَّ الذي منع عمر من الرجوع كونه ذكره للنبي صلى الله عليه وسلم ، فكره أن يفارقه على أمرٍ ثمَّ يخالفه إلى غـيره " .

قال الحافظ : " ولاحجة فيما ذكره من وجهين :

أحدهما : أنَّه منقطع لأنَّ ابن شهاب لم يدرك عمر .

ثانيها : أنَّه يحتمل ما قدمته ، ويحتمل أنَّ يكون عمر كان يرى بصحة الوقف ولزومه إلاَّ إن شرط الواقف الرجوع فله أن يرجع " اهـ . قلت : فبطل بذلك ما احتج به الطحاوي لأبي حنيفة رحم الله الجميع .

وما أثر عن شريح أنَّه كان لايرى الحبس ؛ وقد ردَّ الشافعي رحمه الله في كتاب الأم في ج4 / 58 على من احتج بذلك من الحنفية ، وقد كتبت ذلك فيما سبق .

وخلاصته أنَّ قول شريح وحده ليس بحجة عندنا ، وعند المستدل ، وإن كان حجةً فليس في هذا حبس عن فرائض الله ؛ لأنَّا نقول : إن أوقف في حياته نفذ في جميع ماله ؛ وإن أوقف في مرض موته نفذ من ثلثه فقط ، فتبيَّن أنَّه ليس في ذلك حجة .

والحق أنَّه ليس في قول أحدٍ ولافعله حجة خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن أتى بقول يخالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذنا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وضربنا بقول ذلك القائل عرض الحائط ، وبالله التوفيق .



المبحث العاشر : شروط الوقف :

وهذا المبحث مهم كأهمية الحكم فيشترط في الوقف : -

1- أن يكون على جهة برٍّ ، فلايجوز الوقف على معصية .

يمثل للوقف على جهة البر أن يوقف المسلم على ذي رحمه أو قرابته أو الفقراء والمساكين أو على طلاب العلم الشرعي أو على طبع الكتب الشرعية ، وتوزيعها كطبع القرآن الكريم أو كتب التوحيد ، وكتب التفسير ، والحديث ، والفقه .

ويمثل للوقف على المعصية كالوقف على بناء الأضرحة على القبور أو الإسراج عليها أو الكسوة لها إلى غير ذلك .

2- أن يكون على معيَّن ، فلا يجوز التوقيف على غير معين ، فالتعيين كأن يقول : وقَّفْت أو حبَّست على أولادي أو على بني فلان ويكون التعيين بالوصف الذي ينضبط كالوقف على الفقراء أو المساكين أو على طلاب علم الحديث أو ما أشبه ذلك .

3- أن يكون على من يملك كما مثَّلنا ، فلايجوز التوقيف على من لايملك كالإيقاف على قبر أو على حيوان أو على الأرقَّاء المملوكين .

يجب الأخذ بشروط الواقف إذا كانت مما يقـره الشرع كتعيـين الناظـر ؛ أي المشرف على

الوقف ، وطريقة التوزيع وما أشبه ذلك ، وبالله التوفيق .

المبحث الحادي عشر : هل يجوز بيع الوقف إذا تعطلت منافعه أو المعاوضة به ؛ وجعل البدل وقفاً مكان الأصل أم لا ؟

اختلف أهل العلم في بيع الوقف إذا تعطلت منافعه ، فذهب الإمام أحمد إلى جواز بيعه بشرط أن يشتري بقيمته ما يكون بدلاً عن الأول ، وبذلك صرَّح الخرقي في مسائله في مسألة رقم 925 : " وإذا خرب الوقف ولم يرد شيئاً بيع واشترى بثمنه ما يرد على أهل الوقف ، وجعل وقفاً كالأول ، وكذلك الفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو " وقال به ابن قدامة في المغني في ج8 / 220 .

" وقال محمد بن الحسن كما في المغني في ج 8 /221 : إذا خرب المسجد أو الوقف عاد إلى ملك واقفه لأنَّ الوقف إنَّما هو تسبيل المنفعة ، فإذا زالت منفعته زال حق الموقوف عليه منـه فزال ملكـه عنه " قلت يعني ، وعاد إلى ملك الوقف أو ورثته .

" وقال مالك ، والشافعي : لايجوز بيع شيءٍ من ذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لايباع أصلها ، ولاتبتاع ، ولاتوهب ، ولاتورث )) ولأنَّ ما لايجوز بيعه مع بقاء منافعه لايجوز بيعه مع تعطلها كالمعتق والمسجد أشبه الأشياء بالمعتق " اهـ . قلت : وهذا القول هو الحق في نظري ؛ لأنَّه قد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال في الوقف : (( حبيسٌ ما دامت السماوات والأرض )) وهذا حكمٌ قاطع لكل كلام ، والواجب الأخذ به ، والمصير إليه ؛ لأنَّه قول من لايجوز ردُّ قوله ، وبالله التوفيق .



المبحث الثاني عشر : آثار الوقف

أقول : وبالله التوفيق : إنَّ لمشروعية الوقف في الشريعة الإسلامية آثار مفيدة ، وبنَّاءه ، فمن ذلك :

1- إيجاد مرافق متعددة لإرفاد المعدمين ؛ من اليتامى ، والأرامل ، والفقراء ، والمساكين تغطي بعض الحاجة لهؤلاء .

2- نشر التكافل الاجتماعي بين أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم مما يكون سبباً في تبادل المحبة بينهم ، والتعاون على البر والتقوى .

3- توسيع نطاق الحسنات ، واستمرارها بعد الموت للمسلمين مما يكون سبباً لتثقيل الوزن ورجحانه ، ورفعة الدرجات في الجنة .

4- إيجاد فرص للعمل في هذه الأوقاف لمن ليس عنده مزارع لكي يجد من مردود عمله ما يغطي حاجته أو بعضها .

5- اختصاص شريعة الإسلام بمبرَّة التسبيل ؛ وهذه فيها فضيلة للإسلام ، وتفضيلٌ له ، ولنبيه ولأمة نبيه ؛ على سائر الأديان والملل .

والحمد لله أولاً وآخراً ، وباطناً وظاهراً ، وصلى الله على نبينا وحبيبنا محمد ، وعلى آله وصحبه ، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين .



كتبه

أحمد بن يحيى بن محمد النَّجمي

20 / 10 / 1425 هـ


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الوقف وأحكامه الشيخ العلامة أحمد النجمي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سيرة الشيخ القرعاوي ودعوته الشيخ العلامة أحمد بن يحيى النجمي
» دفاع الشيخ العلامة أحمد النجمي عن الشيخ ربيع المدخلي
» رد الشيخ العلامة أحمد النجمي على الشيخ الجبرين
» نعمة السيارات الشيخ العلامة أحمد النجمي
» الطائفة المنصورة الشيخ العلامة أحمد النجمي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف :: منتدى الفقه الاسلامي-
انتقل الى: