بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أم بعد :
قال أبو صالح الفراء: حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئاً من أمر الفتن
فقال: ذاك يشبه أستاذه - يعني: الحسن بن حي-،
فقلت ليوسف: ما تخاف أن تكون هذه غيبة ؟
فقال: لم يا أحمق! أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم، أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتتبعهم أوزارهم، ومن أطراهم كان أضر عليهم.[سير أعلام النبلاء ( 7/364 )]
قال الإمام النووي -رحمه الله- في رياض الصالحين (450): "باب ما يباح من الغيبة":
اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها وهي ستة أسباب:
الأول: التظلم فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان...
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب...
الثالث: الاستفتاء...
الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم وذلك من وجوه منها: جرح المجروحين من الرواة والشهود وذلك جائز بإجماع المسلمين بل واجب للحاجة ... ومنها إذا رأى متفقهاً يتردد إلى مبتدع أو فاسق يأخذ عنه العلم وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك، فعليه نصيحته ببيان حاله بشرط أن يقصد النصيحة، وهذا مما يُغلط فيه، وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد ويلبِّس الشيطان عليه ذلك ويخيل إليه أنه نصيحة فليُتَفطن لذلك الخ...
وذكر الصنعاني -رحمه الله- في سبل السلام (4/1548) نحوًا من كلام النووي في استثناء العلماء لأمور ستة قال: وجمعها ابن أبي شريف في قوله.
الذم ليس بغيبة في ستة متـظلم ومعـرف ومحـذر
ولمظهر فسقًا ومستفـت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر
قال ابن القيم في "زاد المعاد" (3/575) مستنبطاً الفوائد من غزوة تبوك : (ومنها جواز الطعن في الرجل بما يغلب على اجتهاد الطاعن حمية أو ذبا عن الله ورسوله؛ ومن هذا طعن أهل الحديث فيمن طعنوا فيه من الرواة، ومن هذا طعن ورثة الأنبياء وأهل السنة في أهل الأهواء والبدع لله لا لحظوظهم وأغراضهم.)
وقال ابن كثير في تفسيره (4/215): (تحريم الغيبة بالإجماع ولا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته كما في الجرح والتعديل والنصيحة كقوله صلى الله عليه وسلم لما استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر : (( ائذنوا له وبئس أخو العشيرة )) خ6032 وكقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها وقد خطبها معاوية وأبو الجهم : (( أما معاوية فصعلوك وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه )) م1480 وكذا ما جرى مجرى ذلك ثم بقيتها على التحريم الشديد).
وقال الحافظ ابن رجب : (اعلم أن ذِكر الإنسان بما يكره محرم إذا كان المقصود منه مجرد الذمِّ والعيب والنقص. فأما إن كان فيه مصلحة لعامة المسلمين خاصة لبعضهم وكان المقصود منه تحصيل تلك المصلحة فليس بمحرم بل مندوب إليه. وقد قرر علماء الحديث هذا في كتبهم في الجرح والتعديل وذكروا الفرق بين جرح الرواة وبين الغيبة وردُّوا على من سوَّى بينهما من المتعبدين وغيرهم ممن لا يتسع علمه. ولا فرق بين الطعن في رواة حفَّاظ الحديث ولا التمييز بين من تقبل روايته منهم ومن لا تقبل، وبين تبيين خطأ من أخطأ في فهم معاني الكتاب والسنة وتأوَّلَ شيئاً منها على غير تأويله وتمسك بما لا يتمسك به ليُحذِّر من الاقتداء به فيما أخطأ فيه، وقد أجمع العلماء على جواز ذلك أيضاً) [الفرق بين النصيحة التعيير].
وقال ابن الصلاح رحمه الله تعالى في "فتاواه" (2/497): ( تجوز غيبة المبتدع بل ذكره بما عليه مطلقا غائبا وحاضرا إذا كان المقصود التنبيه على حاله ليُحذر ) .
قال الحافظ فتح الباري (10/472): "قال العلماء تباح الغيبة في كل غرض صحيح شرعا حيث يتعين طريقا إلى الوصول إليه بها كالتظلم والاستعانة على تغيير المنكر والاستفتاء والمحاكمة والتحذير من الشر ويدخل فيه تجريح الرواة والشهود وإعلام من له ولاية عامة بسيرة من هو تحت يده وجواب الاستشارة في نكاح أو عقد من العقود وكذا من رأى متفقها يتردد إلى مبتدع أو محمود ويخاف عليه الاقتداء به وممن تجوز غيبتهم من يتجاهر بالفسق أو الظلم أو البدعة ومما يدخل في ضابط الغيبة وليس بغيبة ما تقدم تفصيله في باب ما يجوز من ذكر الناس فيستثنى أيضا والله أعلم".
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.