فتاوى القضاء
في حكم الإفطار في رمضان لعذر مع عدم القدرة على الفدية
السؤال: امرأة غير متزوجة في عائلة جد فقيرة، و هي في حالة مرض خطير مسموح لها بالإفطار في رمضان ولا تستطيع على الفدية. فما حكمها؟ وشكرا وأجركم على الله.
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فهذه المرأة إن كان مرضها ظرفيا فالواجب عليها صيام أيام أخر لقوله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّة مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾
[البقرة:184 ] أمّا إن كان مرضها مزمنا فعليها الفدية عن كلّ يوم تعطي للمسكين مقدار نصف صاع من بر ما يعادل الكيلوغرام
الواحد من الدقيق، فإن عجزت عن الإطعام وتكفل بالفدية غيرها نيابة عنها في الإطعام أجزأها، والنيابة في الأموال جائزة، فإن لم
تجد من ينوبها في دفع الفدية عنها فإنّ الإطعام يبقى في ذمّتها حتى تقدر، فإن توفيت من غير قدرة على الإطعام فلا شيء عليها لقوله
تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾[البقرة:286] وقوله عزّ وجلّ: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا﴾[الطلاق:7]
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمّـد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
الجزائر في:4 رمضان 1424هـ
الموافق لـ: 11 أكتوبر 2003 م
في حكم قضاء رمضان عن الميت المعذور
السؤال: فتاة مريضة لم تصم رمضانين متتاليين، ولم تستطع أن تقضي بسبب مرضها، وتوفيت وهي مريضة، فما على أوليائها فعله؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فمن مات وعليه صيام فرض رمضان أن يطعم عنه مكان كلّ يوم نصف صاع على كلّ مسكين، ولا يجوز أن يصام عنه لأنّ فرض
الصيام يجري مجرى الصلاة، فكما لا يصلي أحد عن أحد فكذلك الصيام، ما لم يكن عليه-أيضا- صيام نذر، فإن كان قضى وليه عنه
لحديث عائشة رضي الله عنها أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من مات وعليه صيام، صام عنه وليه"(١)، والحديث وإن كان
مطلقا فهو محمول على صوم النذر، لأنّ النذر التزام في الذمّة بمنزلة الدين فيقبل قضاء الولي له كما يقضي دينه، وهذا مذهب عائشة
وابن عباس رضي الله عنهم، وهو مروي عن سعيد بن جبير وأحمد بن حنبل رحمهما الله، وبه قال ابن قيم الجوزية(٢)، ويؤيد ذلك
الحديثان التاليان:
- حديث ابن عَباسٍ -رضي الله عنهما- قال: جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وآله وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنّ أمّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا
صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا فَقَالَ: «لَو كَان عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا»، قَالَ نَعَمْ، قَالَ: «فَدَين اللّه أحَقُّ أَنْ يُقْضى»(٣).
- وعنه أيضا: أنّ سعد بن عبادة رضي الله عنه استفتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنّ أمّي ماتت وعليها نذر فقال:
"اقضه عنها"(٤).
فصح الصوم عن الميت في النذر بمثل هذه الأحاديث ويبقى عموم الصوم مشمولا بقول ابن عمر رضي الله عنهما: "لا يصوم أحد عن أحد"(٥).
والعلم عند الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمّـد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
١- أخرجه البخاري في الصوم(1952)، ومسلم في الصيام(2748)، وأبو داود في الصوم(2402)، والدارقطني في سننه(2359)، والبيهقي(8481)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
٢- في إعلام الموقعين(4/382)، وفي تهذيب السنن(7/38).
٣- أخرجه البخاري في الصوم(1953)، ومسلم في الصيام(2750)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
٤- أخرجه البخاري في الوصايا(2761)، ومسلم في النذور(4323)، وأبو داود في الأيمان والنذور(3309)، والترمذي في الأيمان والنذور(1632)، والنسائي في الوصايا(3672)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
٥- أخرجه مالك في "الموطأ" (676)، والبيهقي(8475)، وصححه الألباني في "المشكاة" (1977)، وانظر "نصب الراية" للزيلعي(2/334)، و"التلخيص الحبير" لابن حجر(2/209).
في ترخيص الفطر على المرضع مع وجوب الفدية
السؤال: هل يجوز للمرضع الإفطار في شهر رمضان، وهل يجب في حقها الإطعام أم القضاء؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وآله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أما بعد:
فالمرضع وكذا الحامل إذا خشيتا على أنفسهما أو خافتا على أولادهما فتلزمهما الفدية بالفطر ولا قضاء عليهما على الراجح من أقوال
أهل العلم، لأنهما بمنزلة الذي لا يطيق وبهذا قال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، وذلك عملأ بالآية في قوله تعالى:﴿ وَعَلَى
الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ [البقرة: 184]، فالآية ليست منسوخة وإنما محمولة على من يطيق الصيام بمشقة، كالشيخ الكبير
والمرأة العجوز والحامل والمرضع والمريض مرضا مزمنا، فتكون الفدية بإطعام مكان كل يوم مسكينًا، ويؤيده قوله صلى الله عليه
وآله وسلم: "إنَّ الله وضع عن المسافر شطر الصلاة، والصومَ عن المسافر وعن المرضع والحبلى"(١)، هذا كله إذا كانت ترضع من
ثديها، أما إن أرضعت صبيها من مرضعة أخرى، أو من قارورة حليب اصطناعي فتنتفي في حقها رخصة الإفطار.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في: 19 شوال 1426ﻫ
الموافق ﻟ:21 نوفمبر 2005م
١- أخرجه أبو داود: 2/796، والترمذي: 3/94، والنسائي: 4/180، وابن ماجه: 1/533، والبغوي في"شرح السنة": 6/315، والبيهقي في "السنن الكبرى": 4/231، من حديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: (2408).