ثُمَّ أقول: وإن تعجب أيها القارئ الفطن فكم في الزمان من عجب!! ذلك أن هذا الرجل -محمد سرور- استوطن بلاد الكفر والإلحاد واستعان بِهم فِي إيواءه وحمايته طوعًا واختيارًا، ووثق بحمايتهم له، وأخذ يوجه قذائفه المؤذية إلى علماء الإسلام وحكام المسلمين المقيمين لشعائر الله والعاملين بشرعه والمنفذين لحدوده والناشرين لدعوة الإسلام داخل بلاده وخارجها، لا يريدون من أحد من الخلق جزاءً ولا شكورًا.
نعم، يفعل محمد سرور ذلك وهو يظهر الشكاية والتوجع من الأخيار ويعلن التباكي من عدم من يحمل شأن الإسلام وهموم المسلمين، وما أرى إلا أنه انطبق عليه المثل السائر "رمتني بدائها وانسلت". فإلى الله وحده المشتكى فهو حسبنا تعالى وكفى.
3- وممن سلك مسلك الإرهاب الفكري الثائر الذي أصبح فتنة لمن قل نصيبه من العلم أو كان على شفا جرف هار من الضلالات والهوى: عبد الرحمن ابن عبد الخالق، بصرنا الله وإياه بطريق الحق والاعتصام به علمًا وعملاً.
هذا الرجل كان كغيره من طلاب الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية يدرس عقيدة السلف بل منهج السلف في أبواب العلم والعمل، ثُمَّ إنه بعدما تخرج وفتح مدرسة سلفية في الكويت وبدأ ينشر كما ذكرت وثائق تأريخ حياته؛ فرح بذلك كل طالب علم سلفي العقيدة والعمل والمنهج، غير أن الشيطان عدو الإنسان استزله فأغراه بمحبة التحزب وما أسماه بالعمل الجماعي والعمل الحركي حتى كان في ذلك متبوعاً لا تابعًا في الظاهر، وطفق يكتب وينشر في كافة وسائل النشر، فارتكس في بعض الأخطاء والمآثم المتعلقة بحقوق الله وحقوق عباده فتصدى لأنشطته ذات الأنواع المتعددة العلماء الناصحون وقرءوها وبينوا ما فيها من الأخطاء التي خالف فيها علماء السلف.
وممن ناقش عبد الرحمن بن عبد الخالق في بعض الأخطاء ذات الخطر الأكيد صاحب السماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- وقد اقتصر في مناقشته له على بعض أخطائه وانحرافاته دون بعض كما أوردت ذلك فِي رسالة لطيفة سميتها "البحث الوجيز في نصرة الحق العزيز" ولما لَم تظهر جدوى من تلك المناقشة حسب علمنا، انبرى للرد عليه صاحب الفضيلة الشيخ/ ربيع بن هادي عمير المدخلي فكتب في الرد عليه كتابين:
الأول أسماه: "جماعة واحدة لا جماعات وصراط واحد لا عشرات".
والثاني أسماه: "النصر العزيز على الرد الوجيز".
وقد اطلع عبد الرحمن بن عبد الخالق على الردود المدونة في الكتابين المذكورين، وكان من الواجب عليه أن يعتبر ذلك توجيهًا نافعًا مفيدًا ونصيحة خالصة تَهدف إلى إقامة الحق وبراءة الذمة، فإذا به يستجمع قواه ويشهر قلمه ويرد على غرر النصائح المبذولة له من أخيه وزميله في الدراسة الشيخ/ ربيع بن هادي عمير المدخلي بردود مؤلمة لا تمت إلى الصواب بصلة، بل جل ما فيها تشويش على عقول من قل نصيبهم من العلم وإرهاب فكري يتسلط على أهل القلوب الضعيفة، فيحدث فيها ما يحدث مما يوجب الشك والحيرة عند أهلها، بالإضافة إلى ما في ردوده من الشغب والشتم والتجريح التي لا يجوز أن يوجه شيء منها إلى أصحاب النصائح الغالية والتوجيهات السليمة الهادفة.
ولا يعمد إلى هذا الصنيع وأمثاله إلا من عجز عن مقارعة الحجة بالحجة وإقامة الأدلة على ما يدون مما يحسبه نافعًا وهو ضار، ومما يظنه انتصارًا وهو خسران.
وقد كانت ردود الشيخ/ ربيع مؤيدة بتقريظ كوكبة من رجال العلم شهدوا للشيخ/ ربيع بإصابة الحق ووجاهة النقد ووضوح الرد؛ لاشتمال ما كتب في الكتابين على الأدلة النقلية والحجج العقلية التي تنير الطريق وتقوم بِها الحجة.
وقصارى القول: فإن ما رد به عبد الرحمن عبد الخالق على الشيخ/ ربيع فِي كتاب مطبوع أسماه "الوجيز" يعتبر ضربًا من ضروب الإرهاب الفكري الذي يجر قطعًا إلى الإرهاب الحسي وكلاهما خطر عظيم على الأفراد والأمم، وشر مستطير يزحف إلى قلوب الناس وعقولهم لاسيما الشباب منهم ومن كان في مستواهم العلمي والعقلي، لينال منها نصيبه ويقضي منها وطره، ويأبى الله إلا أن يحق الحق بكلماته ولو كره المبطلون.
وكنت أريد أن أسرد شيئًا من الأمثلة التي وردت في الوسائل التي ينشر فيها عبد الرحمن بن عبد الخالق فكره، فظهر لي عدم الحاجة إلى إيراد شيء منها هنا اكتفاء بما أورده الشيخ/ ربيع بن هادي عمير المدخلي ومن حذا حذوه وشارك في الرد على خطأ من أخطأ، وضلال من ضل، وبدع من انتكس في البدع بحسن قصد أو سوء قصد، فليرجع إلى ذلك من شاء.
وحسبي هنا أن أبين عن علم أن عبد الرحمن بن عبد الخالق قد رمى بعدة أسهم من فكره الإرهابي فأصاب من أصاب، وكتب الله منه السلامة لأولي النهى، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
4- ومنهم فرقة من داخل بلادنا ومن بني جلدتنا درسوا العلم في معاهدنا العلمية وجامعاتنا ودرسوه فيها وبدءوا في أول أمرهم ينضجون في بعض فنون العلم الشرعي وحسن بِهم الناس الظنون، واستبشروا بِهم حينما تولوا التدريس في الجامعات الإسلامية في بلادنا العزيزة، بيد أنَّها وجهت إليهم سهام الفتن، ففتحوا لها صدورهم وخالفوا العلماء الربانيين في الديار السعودية ومن وافقهم في المشرب الصافي في أمور معلومة، ما كان لهم أن يخالفوا فيها؛ لما فِي المخالفة فيها من مجانبة للصواب وتعدٍّ لحدود الأدب الشرعي مع كبار العلماء أئمة الهدى وولاة الأمر في هذه البلاد الذين حفظ الله بِهم الدين وأقام بِهم الملة وفتح لهم من خيرات الأرض ما بذلوه في إصلاح شأن العباد فيما يتعلق بأمر دينهم ودنياهم داخل البلاد وخارجها -والكمال لله-.
فسلكت هذه الفرقة المذكورة في استعمال الإرهاب الفكري لجماهير الناس مسلك الكتابة والكلمة المعلنةوالسرية ذات الخطر الكبير لما فيها من التشهير بمن وجب نصحهم بالحسنى، والستر من أصحاب العلم الغزير والعقل المستنير الذي يميزون في نصائحهم وتوجيهاتِهم بين طبقات الناس الكبير منهم والصغير والمأمور والأمير.
وكانت وسائل نشر كلمات هذه الفرقة وبث أفكارهم تبلغ الآفاق القريبة والبعيدة وكان بعض الشباب غير المؤهلين ومن في مستواهم العقلي والعلمي يتفاعلون مع تلكم الكلمات المنشورة وتلكم الأفكار المبثوثة، حَتَّى كاد أن يجر هذا الإرهاب الفكري إلى إرهاب حسي لا تحمد عقباه لولا أن الله العليم الحكيم هيأ لقمعه العلماء الأجلاء وولاة الأمر الحلماء الحكماء.
حيث وقف الجميع موقفًا شرعيًّا حازمًا بالحق الرادع والبرهان الساطع فِي وجوه هذه الفرقة وأتباعهم المقلدين لهم والمتعاطفين معهم، من الذين امتلأت قلوبُهم قناعة أن ما اتفقت على القول به هذه الفرقة ونشرته هو الحق الذي يجب أن يتبع، وما عداه هو الباطل وإن قال به هيئة كبار العلماء، ونعوذ بالله من فتنة تعصف بالقلوب وتمسخ العقول وتعكس عليها حقائق الأمور حتى لا تستطيع التمييز بين الحسن المقبول والفاسد المرذول.
ولقد قام العلماء الأجلاء ببذل النصائح لتلك الطائفة -هداهم الله- وأتباعهم سرًّا وعلنًا فاستفاد كثير من المقلدين لهم والمتعاطفين معهم من تلك النصائح لما اتضح لهم ما تدعو إليه تلك الطائفة المذكورة من خطأ وما تريد أن تقحم فيه الأغرار من فوضى، فرجعوا إلى الحق شاكرين الله ثُمَّ أولئك العلماء الناصحين الذين جمع الله لهم بين فهم الكتاب والسنة ومنهج سلف هذه الأمة، وبقي أهل التعصب المقيت معرضين عن نصيحة الناصحين، حكمة من الله وعدلاً وهو أحكم الحاكمين، وإن كانوا متأولين فلا عذر لهم فيما أصروا عليه من مخالفة أهل الفقه في الدين.
ولنسمع إلى أمثلة من أقوال أولئك المخالفين للإمامة الشرعية الممثلة في إمام هذه المملكة العربية السعودية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، ألبسه الله لباس العفو والعافية والنعم الغزيرة الكافية والمرتبطة بشرع الله الكريم الذي يحمله كبار العلماء وتحميه وتلتزم به وتنفذه تلك الإمامة الشرعية، رعى الله أهلها برعايته وأحاطهم بعنايته.
قال بعض أولئك المخالفين مؤيدًا للجمعية الظالم أهلها الَّتِي سميت -زورًا وبُهتانًا- "لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية". قال: "فهذه الجمعية أو اللجنة عملها جليل، وهي قامت بفرض الكفاية بالنيابة عنا جميعًا فعلينا أن نؤازرها وأن نساعدها وأن نراسلها وأول ذلك أن نبعث إليها برقيات الشكر على هذا المشروع الجليل الذي بدءوا فيه". اهـ.
قلت: هذا إرهاب "سلمان" الفكري الذي افتتن به من افتتن وقد تصدى لدحض هذا الإرهاب وقمع الخطر رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، هم هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية فأصدروا بيانًا مستمدًّا من نصوص الكتاب والسنة، حيث قالوا ما نصه: "الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بِهداه.
أما بعد: فإن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الأربعين المنعقدة فِي الرياض فِي الفترة من 10/11/1413هـ إلى 19/11/1413هـ اطلع على النشرة المعنون لها:
بسم الله الرحمن الرحيم: "إعلان عن تأسيس لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية" الموقعة من كل من حمد الصليفيح، ومحمد بن عبد الله بن سليمان المسعري، وعبد الله ابن عبد الرحمن الجبرين، وعبد الله الحامد، وسليمان بن إبراهيم الرشودي، وعبد الله ابن حمود التويجري، الذين عينوا أنفسهم لجنة للدفاع عن الحقوق الشرعية -كما يقولون- وأبدوا استعدادهم في هذه النشرة لاستقبال من يرغب موافاتِهم بمظلمة أو معلومة موثقة تعينهم على القيام فيما نصبوا أنفسهم له ووضعوا لذلك هواتف وعناوين يمكن استقبال الرسائل والمكالمات عليها.
والمجلس إذ يستغرب تصرف هؤلاء الإخوة في تكوينهم أنفسهم لجنة للدفاع عن الحقوق الشرعية، وإعلانِها في وسائل الإعلام الأجنبية ويستنكر هذا العمل، ويقرر بالإجماع عدم شرعية قيام هذه اللجنة وعدم جواز إقرارها؛ لأن المملكة العربية السعودية -بحمد لله- تحكم بشرع الله، والمحاكم الشرعية منتشرة في جميع أرجائها ولا يمنع أحد من رفع ظلامته إلى الجهات المختصة في المحاكم أو ديوان المظالم، وكاتبو النشرة يعلمون ذلك تمام العلم؛ ولما يترتب على وجود هذه اللجنة من أمور لا تحمد عقباها.
والله ولي التوفيق والهداية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. انتهى.
أرأيت كيف سطع نور الحق من خلال هذا القرار فبدد ظلام الباطل.
أقول: أيها القارئ الطالب للحق والناصر له قارن بين فكر "سلمان" المقتضي دعوة الخلق جميعًا في المملكة أن يؤيدوا تلك الفرقة الشاذة التي تريد أن تجر بإرهابِها الفكري إلى الفوضى واضطراب الأمور وكثرة انتشار الفساد والشرور، وبين قرار هيئة كبار العلماء العقلاء الناصحين الذين يهمهم شأن الإسلام والمسلمين.
ثُمَّ وجِّهْ اللوم إلى فرقة التخريب المؤيدة من سلمان ومن كان على شاكلته؛ وذلك لتكون فردًا من جنود الحق وحارسًا من حراس العقيدة وساعيًا بجهودك فِي إحباط كيد الكائدين وعبث العابثين.
