كتاب الارهاب واثاره في الافراد والامم الجزء 9لسماحةالشيخ العلامة زيد المدخلي

ثُمَّ أقول: سبحان الله ! ألَم تر هذه اللجنة الخارجة على إمام المسلمين والمخالفة للعلماء الربانيين أن المحاكم الشرعية في كل مدينة وقرية مصدر أحكامها بين الناس كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنْزيل من حكيم حميد، وصحيح سنة رسول الله S الوحي الثاني الَّتِي تفسر القرآن وتشهد له بالجودة والكمال، ويشهد لها بالصدق والعدل والموافقة وأصالة الاستدلال.
حقًّا إن صنيعهم هذا لأمر مؤسف لكل عالم سلفي وكل عاقل سليم الفطرة من التلوث بزبالة الأذهان ونحاتة الأفكار التي تجر أهلها إلى الفساد والدمار، ويخشى على أصحابِها من عذاب الله في دار البرزخ ودار القرار إن لَم يتوبوا إلى الله العزيز الغفار.
واشتد الأسى وتضاعف الحزن حينما طلع اسم العالم الكبير والزاهد الورع الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين مع اللجنة المذكورة، ومعلوم أنه أخذ من قبلهم على غرة وغفلة -والمؤمن غر كريم- غير أن الغفلة رافقته فشهد لمؤلفات سيد قطب الَّتِي تربت عليها تلك اللجنة وأمثالها وانطلقت من مدلولاتِها بأنَّها كغيرها من كتب الأولين كالنووي وابن الجوزي ونحوهما، مغفلاً ما فيها من الضلال الخطير الذي تجلى في منهجه التكفيري وسبه وشتمه لمن زكاهم ربُّهم في محكم كتابه وزكاهم نبيهم محمد S فِي صحيح سنته، ألا وهم الصحابة الكرام والصفوة من الأنام كما مر بنا في هذا البحث، وكما سيأتي إن شاء الله سواء صدر ذلك من سيد قطب بقصد أو بدون قصد، فقد أفضى الرجل إلى ما قدم وكلنا ذلكم الرجل وفي عرصات الحق المتلقى فاللهم سلم سلم.
وتجارت الغفلة بالمحب الحبيب فحمل على علماء المدينة -أمثال الشيخ/ ربيع ابن هادي المدخلي والجهابذة الأخيار( ) الذين معه على منهج السلف -حملة شعواء انتصارًا لسلمان وسفر ومن وافقهما في الفكر والنظر.
ولولا أني سمعت ذلك بأذني لَم أصدق بأن ذلك يمكن حصوله من شيخنا الحبيب/ عبد الله بن جبرين.
وقبل مدة قليلة وصل بيدي جواب على سؤال الشيخ الفاضل/ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين -وفقه الله- يتعلق بسيد قطب وحسن البنا ومؤلفاتِهما ودعوتِهما، فأجاب الشيخ بعد تمهيد قصير فقال: "ثُمَّ أقول: إن سيد قطب وحسن البنا من علماء المسلمين ومن أهل الدعوة وقد نفع الله بِهما وهدى خلق كثير، ولهما جهود لا تنكر لأجل ذلك شفع الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز فِي سيد قطب عندما قرر عليه القتل فلم يقبل شفاعته الرئيس جمال عبد الناصر -عليه من الله ما يستحق- ولما قتل كل منهما أطلق على كل واحد أنه شهيد لأنه قتل ظلمًا وشهد بذلك الخاص والعام ونشر ذلك في الصحف والكتب بدون إنكار ثُمَّ تلقى العلماء كتبهما ونفع الله بِها ولَم يطعن أحد فيها منذ أكثر من عشرين عامًا، وإذا وقع منهما أخطاء يسيرة في التأويل ونحوه فلا يصل إلى حد التكفير، فإن العلماء الأولين لهم مثل ذلك كالنووي والسيوطي وابن الجوزي وابن عطية والخطابي والقسطلاني وأمثالهم كثير، وقد قرأت ما كتبه الشيخ/ ربيع المدخلي في الرد على سيد قطب ورأيته جعل العناوين لما ليس بحقيقة فرد عليه الشيخ/ بكر أبو زيد -حفظه الله- وكذلك تحامل على الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق وجعل في كلامه أخطاء مضللة مع طول صحبته له من غير نكير:

(1) أذكر منهم على سبيل المثال: الشيخ على بن محمد بن ناصر الفقيهي، والشيخ صالح السحيمي، والشيخ محمد بن هادي المدخلي.

وعين الرضى عن كل عيب كليلة كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساويا



كتبه عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين عضو الإفتاء".
أقول: إنَّنِي حينما أوردت هذا المقطع من جواب الشيخ/ عبد الله، لا أريد مناقشته كما أناقش من يتبنى الأفكار المضللة والبدع الواضحة، ولكن أوردته للتأمل فيه من القراء الكرام والاستفادة من محتوياته إن وجدت فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها. غير أن لي وقفات مع بعض ما تضمنه الجواب:
الوقفة الأولى: أقول: يا ليت الشيخ/ عبد الله عندما ذكر تزكية سيد قطب وحسن البنا ذكر بعض أخطائهما الجوهرية وتناول بالذكر أفكارهما المدمرة لحياة القلوب وسلامة الفطرة والتي منها ما يلي:
( أ ) ما قاله سيد قطب في حق معاوية وعمرو بن العاص من اتِّهامهما بالنفاق والكذب والغش والخيانة وبيع الذمم. وقد تقدم الرد على سيد في هذا البحث فارجع إليه إن شئت( ).
(ب) وما قاله في خلافة عثمان حيث اعتبرها فجوة بين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وقد تقدم بيان مناقشته( ).
(ج) وما مشى عليه سيد في تأويل الصفات والعرش والميزان وغيرها( ).
(د) وما قرره سيد من أنه لا يوجد في عصره مجتمع من مجتمعات المسلمين قاعدة التعامل فيه شريعة الله والفقه الإسلامي بدون استثناء( ).

(1) (ص63) من هذه الرسالة.
(2) (ص61) من هذه الرسالة.
(1) التصوير الفني في القرآن الكريم (85-86)، وفي ظلال القرآن (3-1763/1764)، والتصوير الفني (ص83)، وفي ظلال القرآن (3-1261)، (4-2481).
(2) في ظلال القرآن (4/2122).

(هـ) وما قرره من اعتبار المساجد في ديار الإسلام معابد جاهلية( ).
(ع) وما قرره سيد في تفسير "لا إله إلا الله" بالحاكمية والخلق والاختيار، تاركًا معناها الذي يجب أن تفسر به بالدرجة الأولى وهو توحيد الألوهية( ).
(ت) موقف سيد من أخبار الآحاد الصحيحة في العقائد، وأنه يقيم لها وزنًا( )، في هذا الباب، وذلك خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة.
(ن) وما بالغ فيه سيد من تقرير المبدأ الاشتراكي الهدام حيث قال بعد كلام طويل في هذا الموضوع: "بل فِي يد الدولة أن تنْزع الملكيات والثروات جميعًا وتعيد توزيعها على أساس جديد"( ).
(س) وما قرره أيضًا في باب الولاء والبراء في تصريحه بمشروعية الترابط والمودة بين المسلمين والكافرين الذين لَم يحاربونا( ) إلى غير ذلك من الأخطاء الفاحشة الَّتِي تتعلق بأصول الدين وحقوقة ومكملاته، قال فيها خطأ ودون فيها شططًا.
وكذلك أقول: يا ليته بين القواصم التي وقع فيها حسن البنا كي يجتنبها الشباب الذين هم أشد تحمسًا لهذين الرجلين من الشيخ عبد الله وذلك:
1- مثل عقيدة التفويض التي ارتضاها حسن البنا لنفسه في باب الأسماء والصفات، وما يضاف إلى ذلك من التهوين في شأن الخلاف بين السلف والخلف

(3) في ظلال القران (3/1816).
(4) في ظلال القرآن (2/1005).
(5) في ظلال القرآن (6/4008).
(6) معركة الإسلام والرأسمالية (ص44)، وانظر السلام العالمي (ص141-159).
(7) نحو مجتمع إسلامي (ص 119-120)، والسلام العالمي والإسلام (ص17-175

في شأن العقيدة، وقد سبق ما قاله الإمام ابن تيمية في ذم التفويض( ).
2- افتتانه ببعض الطرق الصوفية وتبجيله لأهلها أحياءً وأمواتًا إلى آخر وقت حياته العملية، كالحصافية والحصافيين والمرغنية والمرغنيين( ).
3- مشاركته لأهل الأهواء والبدع في ذكرى مولد النبي S، وسيره فِي الموكب في الليالي ذوات العدد وإنشاده الأشعار الَّتِي تجلى فيها الكذب الصريح والذنب القبيح كقوله:
هنا الحبيب من الأحباب قد حضرا
وما لركب الحمى مالت معاطفه
وسامح الكل فيما قد مضى وجرى
لا شك أن حبيب القوم قد حضرا( )

4- وما ذكر البنا من أن خصومتنا مع اليهود ليست دينية( ).
5- وما دعا إليه من إبرام البيعة لنفسه وجعل لها عشرة أركان( ).
6- وما أساء به إلى منهج الدعوة الرباني من فتح الأبواب لكل من أراد أن ينضم إلى الدعوة والدعاة ولو كان رافضيًّا أو صوفيًّا أو غيرهما، وغير ذلك من قاصمات الظهور التي لَم تعترف بِها الشريعة الإسلامية إلى يومنا هذا وإلى يوم النشور، وغير ذلك مما ذكره من كتب عن الرجلين وعن كتبهما وفكرهما ودعوتِهما مما ينبغي أن يطلب من محله( ).
وإذا كان الأمر كذلك فكان ينبغي للشيخ/ عبد الله الجبرين أن يحذر الشباب من هذه المزالق الَّتِي يجهلونَها وربَّما وقعوا فيها وهم لا يعلمون، اللهم إلا إذا كان

(1) انظر رسائل العقائد (ص74).
(2) انظر كتاب قافلة الإخوان (2/8).
(3) مذكرات الدعوة والداعية (ص58) و(ص71-72).
(4) انظر كتاب الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ (صحيفة409).
(5) انظر رسالة التعاليم لحسن البنا (ص3)، والمدخل لدعوة الإخوان لسعيد حوى.
(1) انظر كتاب "مجموعة رسائل البنا" (2/22-24).

لا يعلمها فيحتمل له العذر احتمالاً مع مرراة الأمر، ومن ثَمَّ تكون التزكية مبنية على ما شاع وذاع من صيت الرجلين في أوساط جماهير الناس، وذلك لا يغني من الحق شيئًا لأن التزكية شهادة، والشهادة لا تكون إلا عن علم، قال تعالى: %إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ$ [الزخرف: من الآية86]، لاسيما الشهادة التي تصدر من عالم مثل الشيخ عبد الله الجبرين وأمثاله من كبار العلماء.
الوقفة الثانية مع قول الشيخ عبد الله: قد نفع الله بكتبهما وهدى بِهما خلق كثير ولهما جهود لا تنكر.
أقول: إن النفع الحقيقي والهداية الشرعية إنما هما في كتب علماء السلف وكتب أتباعهم التي لا يجهلها الشيخ سابقًا ولاحقًا فمنها تلتمس الهداية ويطلب الحق، لأنَّها إما آية محكمة أو سنة قائمة أو اقتداءً بأئمة الهدى الذين ينطلقون من نصوص الوحيين بالفهم الصحيح ولَم يبدلوا تبديلاً.
وأما ما ذكر من جهود في سبيل الدعوة فأقول: ما قيمة الجهود المبذولة إذا كانت على غير المنهج النبوي الكريم وسيلة وغاية بل إن الجهود الدعوية المشكورة هي الَّتِي تقوم ركائزها على المنهاج النبوي، ذلكم المنهاج الذي بدأ بترسيخ عقيدة التوحيد في القلوب ومحاربة الشرك في العبادة، إذ ذلك المقصود الأعظم من مدلول كلمة "لا إله إلا الله" وذلك بالأسلوب الحكيم في الدعوة وتبليغ الدين الذي ليس فيه اغتيالات ولا تنظيم مظاهرات ولا حمل سلاح في تجمعات وحزبيات تدعي كل جماعة منها أو حزب وصلاً بليلى.
نعم إذا بذلت الجهود على هذا الأساس فسواء على الدعاة أنجحوا في دعوتِهم أو حيل بينها وبين الناس بعقبات فإن الجهود المبذولة مشكورة عند الله وعند الصالحين من عباد الله.
أما إذا كانت ا لجهود على غير منهج السلف فإنَّها ليس لها قيمة ولا يجوز شكرها فكل طوائف الضلال لها جهود "ويحسبون أنَّهم مهتدون".
الوقفة الثالثة مع قول الشيخ -حفظه الله-: "لَم يطعن أحد في كتب سيد والبنا من عشرين عامًا".
أقول: لا حجة في ذلك تمنع من الرد على من وجد منه الخطأ في كتبه ولو كان ممن عاش في القرون الثلاثة الأولى المفضلة، فتأييد الحق مطلب شريف في كل زمان ومكان، ورد الباطل مطلب شرعي أيضًا فِي كل زمان ومكان، والحق قديْم لا يبطله شيء، والعلماء لا يؤاخذون بالسكوت عن شيء ليس لهم به علم، وإنَّما يؤاخذون متَى علموا خطأ من أخطأ وبدعة من ابتدع وضلالة من ضل وهم قادرون على بيان ذلك من تأييد الحق والصواب وتفنيد الخطأ والباطل ولَم يبينوا للناس هذا أو ذاك. فاعلم رعاك الله وسدد على طريق الهدى خطاك.
وأما مقارنة الشيخ عبد الله لسيد قطب والبنا وأمثالهما من أصحاب الفكر بكبار العلماء والأئمة مثل ابن حجر والنووي وابن الجوزي وابن عطية والخطابي فهي مقارنة مع الفارق؛ لأن هؤلاء الأئمة عندهم من العلم الغزير ما يغطي ما وقع لهم من الأخطاء.
أما هؤلاء الكتاب فليس لهم رصيد من العلم يغطي أخطاءهم، وكتبهم لا تقاس بكتب هؤلاء الأئمة لأنَّها ضحلة من العلم الشرعي ليس فيها إلا تَهييج سياسي وتجهيل وتضليل لعموم المسلمين غالبًا، فأين هي من كتب أولئك الأئمة وأين الثرى من الثريا.
والأمر فينا وفيهم وفي الخليقة جمعاء لله هو يقضي بالحق، ويجازي كل عامل بعمله إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر، ولا يظلم ربك أحدًا.
الوقفة الرابعة مع قول الشيخ: "وإذا وقع منهما أخطاء يسيرة في التأويل فلا يصل إلى حد التكفير.. الخ.
أقول:
أولاً: إنه لا يجوز أن يقال عن الأخطاء التي منها ما ذكرت آنفًا أنَّها: يسيرة، بل خطيرة ولكني أحمل الشيخ على المحمل الحسن وهو عدم اطلاعه على تلك الأخطاء الَّتِي تعتبر في غاية الخطر على الشباب الذين أقنعوا بمنهج سيد قطب وحسن البنا فِي الدعوة والجهاد، وأنه هو المنهج الصريح الذي لا يمكن أن يحرر الأرض من الشر والفساد وإن طال المدى وسفكت في سبيله الدماء.
وهذا الحمل الحسن مع مرارته لأن الشيخ/ عبد الله من العلماء السلفيين كما هو معلوم.
وأقول ثانيًا للبيان والإيضاح لقوله: "فلا يصل إلى حد التكفير": إنَّنِي لَم أعرف أحدًا ممن كتبوا عن فكر سيد قطب ومنهجه أنه كفره أبدًا لا كفرًا اعتقاديًّا ولا كفرًا عمليًّا وإنَّما اعتبروه مخطئًا قد أوغل في الخطأ في أمور كثيرة كما مر بك بعضها، وأكثر ما ركز على كتب الشيخ/ ربيع بن هادي المدخلي فِي هذه النقطة غير أن الكتب موجودة ومنشورة مقروءة ولَم نجد فيها تصريحًا بكفر سيد قطب، فوجب التحري عند النقد وعند الدفاع عن منهج من المناهج أو فرد من الأفراد لتحرز أسباب السلامة والنجاة من عذاب يوم القيامة.
الوقفة الخامسة مع قول الشيخ عن الشيخ ربيع: أنه جعل عناوين الكتب الَّتِي رد بِها على سيد لما ليس بحقيقة، واحتجاجه برد بكر أبو زيد على الشيخ ربيع فِي الأربع الوريقات التي طارت في المشارق والمغارب بواسطة الحزبيين الحركيين.
فأقول:
أولاً: إذا صح ما كتب تحت العناوين فتعديل العناوين سهل ويمكن تداركه.
والذي ينتظره الشيخ/ربيع بن هادي المدخلي ممن له ملاحظة على العناوين أن يقترح التعديل ويرسل البديل ليتم التعاون على نصر الحق الجليل وإزالة الخطأ الوبيل.
وإذا كان الأمر كذلك فكان يجمل بالشيخ حين قال ذلك أن يبين وجه المخالفة بين العناوين وما كتب تحتها ويرسل به إلى الشيخ/ ربيع بن هادي من أجل التعديل بموجبه، أما الدعوة المطلقة هكذا فغير مقبولة من مثل الشيخ/ عبد الله -عفا الله عنا عنه-.
الوقفة السادسة مع قول الشيخ عبد الله: "وكذلك تحامل -أي: الشيخ ربيع- على الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق وجعل في كلامه أخطاء مضللة مع طول صحبته له من غير نكير".
أقول: سبحان الله يا شيخ عبد الله إن مثلك ليأمرنا أن لا نكتب إلا فيما نعرفه كمعرفة الأب لابنه بل كمعرفة الشخص لنفسه، فما الذي أدراك أن الشيخ ربيعًا قول عبد الرحمن بن عبد الخالق ما لَم يقل؟؟ ومن الذي أخبرك أن الشيخ ربيعًا لَم ينكر على عبد الرحمن عبد الخالق مرات ومرات قبل أن يكتب شيئًا يتعلق بـ"عبد الرحمن عبد الخالق".
ثُمَّ إنك إن اتَّهمت الشيخ ربيعًا بأنه جعل في كلام عبد الرحمن أخطاء مضللة، فإن التهمة نفسها تتوجه إلى سماحة الوالد الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز -رحمه الله تعالى-، مفتي الديار السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء، الذي ناقش عبد الرحمن في عدة قضايا وأقنعه بِما اقترفه من منكر القول وزوره، وأرشده إلى التوبة من ذلك، وألزمه أن يعلن رجوعه في الصحف السعودية والكويتية بل ألزمه أن يجعل ذلك في كتاب لينشر كما انتشرت الكتب التي وقع فيها تجاوزات عبد الرحمن فيما يتعلق بحق الله وفيما يتعلق بحق الخلق.
هذا بيان خفيف لَم أقصد منه أن يجري مجرى الردود ولكن ذكرى لشيخنا ولإخواننا محبي الحق، والذكرى تنفع المؤمنين.
وأما ورقات الشيخ/ بكر أبي زيد -وفقنا الله وإياه- الَّتِي أشار إليها الشيخ/ عبد الله وذكر أنه رد بِها على ربيع، فقد رد عليها الشيخ/ ربيع بما يكفي فلا حاجة لإيرادها ولا لمناقشتها هنا، وذلك الرد في كتاب سماه: "الحد الفاصل بين الحق والباطل" فليراجعه طالب الحق ومحبه.
أعود لمواصلة ضرب الأمثلة من أخطاء أفراد الفرقة التي ذكرت أنَّهم خالفوا العلماء الربانيين في البلاد السعودية وتعدوا حدود الأدب مع ولي أمر البلاد -حفظه الله- ونصره بالحق ونصر الحق به فقال بعضهم( ) في كتابه الذي أسماه "وعد كيسنجر" (ص126-127) وهو يتحدث عن أحداث حرب الخليج، وبعد أن أصدر كبار علماء العالم الإسلامي فتوى بصحة الاستعانة بالقوات الأجنبية للضرورة الملحة، قال: وبعد الآن وبعد استعرضنا القضية من بدايتها وجذورها وخططها وإرهاصاتِها وخططها، أتظل المسألة استعانة كما فهم المشايخ والإخوان الأفاضل أصحاب الرأي الأول... أما من جهة الواقع فالمناط مختلف جدًّا فالهيئة تقول استعانة وهم يقولون احتلال......" اهـ.
أقول: الحقيقة أن الكلام فيه تطاول على جهتين من استهان بحقهما وافتات عليهما باء بالخسار، وعليه أن يبادر بالتوبة النصوح قبل الممات.
الجهة الأولى: العلماء الربانيون في عدد غير قليل.
الجهة الثانية: ولي الأمر المسلم الذي يعتبر رأيه خير وأفضل من رأي الرعية لأنفسهم لاسيما في حدث حرب الخليج ونحوه ،فكيف إذا كان الرأي المعرض من قبيل الشاذ، فإنه لا عبرة به ولا تعويل عليه بل التعويل على ما قرره السواد الأعظم ورآه ولي أمر المسلمين، ونحمد الله على حسن النتائج التي ظهرت -بفضل الله- ثُمَّ بفضل جهود من وفقهم الله لذلك التصرف الذي دفع الله به شرًّا مستطيرًا وحدثًا

(1)وهو سفر بن عبد الرحمن الحوالي.

خطيرًا كاد أن يحل بديارنا، فرد الله كيد الخائنين في نحورهم وأبطل تكهنات الإرهابيين حيث انكشف أمرهم وفشلت سياستهم رحمة من الله بالأمة المسلمة والدولة المسلمة.
وقال بعضهم( ): وهو يخاطب العالم المشتغل بتحصيل العلم وتأليفه ونشره وصاحب الصلاة والصوم وسائر الشعائر التعبدية والأخلاق السلفية:
صل ما شئت وصم فالدين لا
أنت قسيس( ) من الرهبان ما
تترك الساحة للأوغاد ما
أو دعي فاجر أوقع في
كل يوم تشرح المتن على
والحواشي السـود أشغلت بِها يعرف العابد من صلى وصاما
أنت من أحمد يكفيك الملاما
بين قزم مقرف يلوي الزماما
أمتي جرحًا أبى ذاك التآما
مذهب التقليد قد زدت قتاما
حينما خفت من الباغي حساما
فانظر -رحمك الله- كيف تغلي صدور الحزبيين الحركيين على العلماء الربانيين في كل زمان ومكان، أولئك الأولياء الذين لولا الله ثُمَّ مؤلفاتُهم ما استطاع المتأخرون أن يقدموا أو يؤخروا في مسائل العلم.
نعم لي الحق أن أسمي ما تضمنته هذه الأبيات السائرة على المنهج التكفيري إرهابًا فكريًّا ودعوة صريحة إلى الخروج على ولاة الأمور( ).
وفي المقدمة المملكة العربية السعودية بلاد التوحيد، بلاد العلماء الربانيين والحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وبلاد حماة الدين والعقيدة حكومة المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود

(1) عائص القرني تحت عنوان: "دع الحواشي واخرج" وتأمل يا أخي القارئ كلمة واخرج.
(2) القسيس: رئيس النصارى "مختار الصحاح".
(3) ولو ادعى صاحبها عدم قصد ذلك فإن الألفاظ قوالب للمعاني.

صاحب الأيادي البيضاء في نشر دعوة الإسلام وبناء معاقلها وتشييد دورها في جميع أنحاء العالم الإنساني بقدر الاستطاعة، وكم معه من الأخيار على هذا المنهاج من علماء ربانيين ودعاة مخلصين وأصحاب رءوس أموال محتسبين.
ومن الأخبار السارة التي تثلج صدور الصالحين وتسجل شهادة بارة بأهل الفضل والإحسان أن اثنين من التجار السعوديين لهما فِي "أندونسيا وما إليها" تسعمائة داعية على حسابِهم احتسابًا لوجه الله وتعاونًا مع الدولة السعودية السباقة إلى الخير رجاء رحمة الله وخشية عقوبته، كثر الله سواد الصالحين المصلحين الذين يسعون لإعلاء كلمة الله على نور من الله يرجون ثواب الله ونيل رحمته ورضاه.