السؤال : ما حكم التوسل وما أقسامه ؟
الجواب : التوسل اتخاذ الوسيلة ، والوسيلة كل ما يوصل إلى المقصود فهي من الوصل لأن الصاد والسين يتناوبان ، كما يقال ، صراط وسراط وبصطة وبسطة .
والتوسل في دعاء الله تعالى أن يقرن الداعي بدعائه ما يكون سبباً في قبول دعائه ولا بد من دليل على كون هذا الشيء سببـاً للقبول ، ولا يعلم ذلك إلا من طريق الشرع ، فمن جعل شيئاً من الأمـور وسيلة له في قبول دعائه بدون دليل من الشرع فقد قال على الله ما لا يعلم ، إذ كيف يدري أن ما جعله وسيلة مما يرضاه الله تعالى ويكون سبباً في قبول دعائه ؟ والدعـاء من العبادة ، والعبادة موقوفة على مجئ الشرع بها ، وقد أنكر الله تعالى على من اتبع شرعاً بدون إذنه وجعله من الشرك فقال تعـالى : ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) (سورة الشورى : 21 ) وقال تعـالى : ( اتخـذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ) ( سورة التوبة : 31 ) .
والتوسل في دعاء الله تعالى قسمان :
القسم الأول : أن يكون بوسيلة جاءت بها الشريعة ، وهو أنواع :
الأول : التوسل بأسماء الله تعـالى وصفاته وأفعـاله ، فيتوسل إلى الله تعالى بالاسم المقتضي لمطلوبه أو بالصفة المقتضية له أو بالفعل المقتضي ، قال الله تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) ، اللهم يا رحيم ارحمني ، ويا غفور اغفر لي ، ونحـو ذلك وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ اللهـم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ] وعلم أمته أن يقولوا في الصلاة عليه : ( اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ) .
والثاني : التوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وطاعته كقوله عن أولي الألباب : ( ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا ) (سورة آل عمران :193) .
وقوله : ( إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا ) (سورة المؤمنون : 109 ) .
وقوله عن الحواريين : ( ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ) (سورة آل عمران :53 )
الثالث : أن يتوسل إلى الله بذكر حال الداعي المبيّنة لاضطراره وحاجته كقول موسى عليه السـلام ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) ( سورة القصص : 24 ) .
الرابع : أن يتوسل إلى الله بدعـاء من ترجى إجابته ، كطلب الصحابة رضي الله عنهم من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم ، مثل قول الرجـل الذي دخل يوم الجمعـة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال : ادع الله أن يغيثنا وقول عكاشة بن محصن للنبي صلى الله عليه وسلم : ادع الله أن يجعلـني منهم .
وهذا إنما يكون في حياة الداعي أما بعـد موته فلا يجوز ، لأنه لا عمل له فقد انتقـل إلى دار الجزاء ، ولذلك لما أجدب الناس في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستسقي لهم ، بل استسقى عمر بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : قم فاستسق ، فقام العباس فدعا ، وأما ما يروى عن العتـبي أن أعرابيـاً جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول : ( ولو أ نهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً ) ( سورة النساء : 64 ) . وقد جئتك مستغفراً من ذنوبي مستشفعـاً بك إلى ربي ... وذكر تمام القصة فهذه كذب لا تصح ، والآية ليس فيها دليل لذلك ، لأن الله يقول : ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ) ولم يقل إذا ظلموا أنفسهم و إذ لما مضى لا للمستقبل ، والآية في قوم تحاكموا أو أرادوا التحاكم إلى غير الله ورسوله كما يدل على ذلك سياقها السابق واللاحق .
القسم الثاني : أن يكون التوسل بوسيلة لم يأت بها الشرع وهي نوعان :
أحدهما : أن يكون بوسيلة أبطلها الشرع ، كتوسل المشركين بآلهتهم ، وبطلان هذا ظاهر .
الثاني : أن يكون بوسيلة سكت عنها الشرع وهذا محرم ، وهو نوع من الشرك ، مثل أن يتوسل بجاه شخص ذي جـاه عند الله فيقول : أسألك بجاه نبيـك . فلا يجوز ذلك لأنه إثبات لسبب لم يعتبره الشرع ولأن جاه ذي الجاه ليس له أثر في قبول الدعـاء لأنه لا يتعلق بالداعي ولا بالمدعو ، وإنما هو من شأن ذي الجاه وحده ، فليس بنافع لك في حصول مطلوبك أو دفع مكروبك ، ووسيلة الشيء ما كان موصلاً إليه ، والتوسل بالشيء إلى ما لا يوصـل إليه نوع من العبث ، فلا يليق أن تتخذه فيما بينك وبـين ربك . والله الموفق .
من فتاوى ابن عيثمين
حكم التوسل بالأنبياء والصالحين
س : هل يجوز للمسلم أن يتوسل إلى الله بالأنبياء والصالحين ، فقـد وقفت على قول بعض العلماء : أن التوسل بالأولياء لا بأس به ، لأن الدعاء فيه موجه إلى الله ورأيت لبعضهم خلاف ما قال هذا ، فما حكم الشريعة في هذه المسألة ؟
الجواب : الوليّ : كل من آمن بالله واتقاه ففعل ما أمر سبحانه به وانتهي عما نهاه عنه ، وعلى رأسهم الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، قال تعـالى : ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين ءامنوا وكانوا يتقون ) .
والتوسل إلى الله بأوليائه أنواع :
الأول : أن يطلب إنسان من الولي الحي أن يدعو الله له بسعة رزق أو شفاء من مرض أو هداية وتوفيق ونحو ذلك فهذا جائز ، ومنه طلب بعض الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم حينما تأخر عنهم المطر أن يستسقي لهم ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن ينزل المطر ، فاستجـاب دعاءه وأنزل عليهم المطر، ومنه استسقاء الصحابة بالعباس في خلافة عمر رضي الله عنهم ، وطلبهم منه أن يدعو الله بنزول المطر فدعا العباس ربه وأمن الصحابة على دعائه … إلى غير هذا مما حصل زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده من طلب مسلم من أخيه المسلم أن يدعو له ربه لجلب نفع أو كشف ضر .
الثاني : أن ينادي الله متوسلاً بحب نبيه واتباعه إياه وبحبه لأولياء الله بأن يقول : اللهم إني أسألك بحبي لنبيك واتباعي له وبحبي لأوليائك أن تعطيني كذا فهذا جائز ، لأنه توسل من العبد إلى ربه بعمله الصالح ، ومن هذا ما ثبت من توسل أصحاب الغار الثلاثة بأعمالهم الصالحة .
الثالث : أن يسأل الله بجاه أنبيائه أو ولي من أوليائه ، بأن يقول : ( اللهم إني أسألك بجاه نبيك أو بجاه الحسين ) مثلاً ، فهذا لا يجوز ، لأن جاه أولياء الله وإن كان عظيماً عند الله وخاصة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، غير أنه ليس سبباً شرعياً ولا عادياً لاستجابه الدعاء ، ولهذا عدل الصحابة حينما أجدبوا عن التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستسقاء إلى التوسل بدعاء عمه العباس مع أن جـاهه عليه الصلاة الصلاة والسلام فوق كل جاه ، ولم يعرف عن الصحابة رضي الله عنهم أنهـم توسلوا به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته وهم خير القرون وأعرف الناس بحقه وأحبهم له.
الرابع : أن يسأل العبد ربه حاجته مقسماً بوليه أو نبيه أو بحق نبيه أو أوليائه بأن يقول : ( اللهم إني أسألك كذا بوليك فلان أو بحق نبيك فلان ) فهذا لا يجوز ، فإن القسم بالمخـلوق على المخلوق ممنوع ، وهو على الله الخالق أشد منعاً ، ثم لا حق لمخلوق على الخالق بمجرد طاعته له سبحانه حتى يقسم به على الله أو يتوسل به ، هذا الذي تشهد له الأدلة ، وهو الذي تصان به العقيدة الإسلامية وتسـد به ذرائع الشرك .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه وسلم .