منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف
منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف
منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصوردخولالتسجيل
تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي G5g5-7f7110b59c تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي G5g5-4d203bdcc7 تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي G5g5-7f7110b59c تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي G5g5-4d203bdcc7

 

 تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الفارس
إداري
إداري
الفارس


ذكر عدد الرسائل : 1160
السٌّمعَة : 13
نقاط : 2574
تاريخ التسجيل : 08/02/2009

تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي Empty
مُساهمةموضوع: تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي   تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي Emptyالجمعة مارس 19, 2010 8:43 pm

تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي

ابن حزم في (إخبار العلماء بأخيار الحكماء) للقفطي
قال أبو الحسن جمال الدين علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني القفطي المصري (646هـ/1248م) في كتابه: (إِخبار العلماء بأَخبار الحكماء):
علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح الأندلسي أبو محمد أصل آبائه من قرية إقليم الرواية من كورة نبلة من غرب الأندلس وسكن هو وأبوه قرطبة ونالا فِيهَا جاهاً عريضاً.
وَكَانَ أبوه أبو عمر أحمد بن سعيد أحد سعيد العظماء من وزراء المنصور محمد بن عبد الله بن أبي عامر ووزر لابنه المظفر بعده.
وَكَانَ ابنه الفقيه أبو محمد هَذا وزيراً لعبد الرحمن المستظهر بالله بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر لدين الله ثُمَّ نبذ هَذِهِ الطريقة وأقبل عَلَى قراءة العلوم وتقييد الآثار والسنن وعني بعلم المنطق وألف فِيهِ كتاباً سماه كتاب التقريب لحدود المنطق بسط فِيهِ القول عَلَى تبيين طرق المعارف واستعمل فِيهِ أمثلة فقيهة وجوامع شرعية وخالف أرسطوطاليس واضع هَذَا العلم فِي بعض أصوله مخالفة من لَمْ يفهم غرضه فكتابه من أجل هَذَا كثير الغلط بَيْنَ السقط.
وأوغل بعد هَذَا فِي الاستكثار من علوم الشريعة حَتَّى نال منها مَا لَمْ ينله أحد قط بالأندلس قبله وصنف فِيهِ مصنفات كثيرة العدد شريفة المقصد معظمها فِي أصول الفقه وفروعه عَلَى مذهبه الَّذِي ينتحله، وهو مذهب داود بن علي بن خلف الأصفهاني ومن قال بقوله من أهل الظاهر.
وذكر ابنه أبو رافع الفضل أن مبلغ تآليف أبي محمد هَذَا فِي الفقه والحديث والأصول والتاريخ والنحل والملل والأدب وغير ذَلِكَ نحو أربع مئة مجلد تشتمل عَلَى قريب من ثمانين ألف ورقة وَلَهُ نصيب وافر من النحو واللغة وقرض الشعر والخطابة.
ولد فِي آخر يوم من شهر رمضان سنة أربع وثمانين وثلاث مئة.
وتوفي سلخ شعبان سنة ست وخمسين وأربع مئة.


--------------------------------------------------------------------------------

ابن حزم في (الإحاطة في أخبار غرناطة) للسان الدين ابن الخطيب
قال لسان الدين الخطيب، وهو: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد بن الخطيب الغرناطي الأندلسي ثم المغربي (776هـ) في كتابه: (الإحاطة في أخبار غرناطة):
علي بن أحمد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد، الإمام أبو محمد بن حزم.
أصله من الفرس، وجده الأقصى في الإسلام اسمه يزيد، مولى ليزيد بن أبي سفيان. قال أبو مروان ابن حيان: وقد كان من عجائبه، انتماؤه في فارس، وأتباع أهل بيته له في ذلك حقبة من الدهر، تولى فيها الوزير، المفضل في زمانه، الراجح في ميزانه، أحمد بن سعيد بن حزم، لبني أمية أولياء نعمته، لا عن صحة ولاية لهم عليه، فقد عهده الناس مولد الأرومة من عجم لبلة، جده الأدنى، حديث عهد بالإسلام، لم يتقدم لسلفه نباهة. فأبوه أحمد، على الحقيقة، هو الذي بنى بيت نفسه في آخر الدهر، برأس رايته، وعمره بالخلال الفاضلة، من الرجاجة والدهاء والمعرفة والرجولة والرأي، فأسدى جرثومة شرف لمن نماهم، أغنتهم عن الرسوخ في أولى السابقة، فما من شرف إلا مسبوق عن خارجته، ولم يكن إلا كلا ولا، حتى تخطى على هذا أوليته لبلة. فارتقى قلعة إصطخر من أرض فارس. فالله أعلم كيف ترقاها، إذ لم يكن يؤتى من خطل ولا جهالة، بل وصله بها وسع علم، ووشجة رحم معقومة، فلها يستأخر الصلة، فتناهت حاله مع فقهاء عصره إلى ما وصف، وحسابه وحسابهم على الله، الذي لا يظلم الناس مثقال ذرة. عزت قدرته.
قال الحميدي: كان حافظاً، عالماً بعلوم الحديث وفقهه، مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة، متفنناً في علوم جمة، عاملاً بعلمه، زاهداً في الدنيا، بعد الرياسة التي كانت له، ولأبيه من قبله، في الإدارة وتدبير الممالك، متواضعاً، ذا فضايل جمة، قال، وما رأينا مثله، فيما اجتمع له. مع الذكاء وسرعة الحفظ، وكرم النفس والتدين.


--------------------------------------------------------------------------------

قال أبو مروان ابن حيان، كان أبو محمد حامل فنون، من حديث وفقه ونسب، مع المشاركة في كثير من أنواع التعاليم القديمة. وله في ذلك عدة تواليف. وقد مال أولاً به النظر في الفقه إلى رأي أبي عبد الله الشافعي، وناضل عن مذاهبه، وانحرف عن مذهب غيره، حتى وسم به، واستهدف بذلك إلى كثير من الفقهاء، وعيب بالشذوذ. ثم عدل في الآخر إلى قول أصحاب الظاهر، مذهب داود بن علي، ومن تبعه من فقهاء الأمصار، فنقحه ونهجه، وجادل عنه، ووضع الكتب في بسطه، وثبت عليه إلى أن مضى بسبيله. وكان يحمل علمه، ويجادل عنه لمن خالفه فيه، على استرسال في طباعه، واستناد إلى العهد أخذه الله على العلماء من عباده، ليبينه للناس، ولا يكتمونه، فآل أمره إلى ما عرف.
قال: سمع سماعاً جماً، وأول سماعه من أبي عمر أحمد بن محمد بن الجسور قبل الأربع مئة.
قال: بلغت تواليفه أربع مائة مجلد. وقال، حمل بعير. فمنها في علم الحديث كتاب كبير سماه الإيصال في فهم الخصال، الجامعة لجمل شرائع الإسلام، في الواجب والحلال والحرام، وساير الأحكام، على ما أوجبه القرآن والسنة والإجماع. أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين، وبيان ذلك كله، وتحقيق القول فيه. وله كتاب الإحكام لأصول الأحكام في غاية التقصي وإيراد الحجاج. وكتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل. وكتاب الإجماع ومسائله على أبواب الفقه. وكتاب المجلى والمحلى وكتاب في مراتب العلوم وكيفية طلبها وتعلق بعضها ببعض. وكتاب إظهار تبديل اليهود والنصارى للتوراة والإنجيل وبيان تناقض ما بأيديهم من ذلك مما لا يحتمل التأويل. وهذا مما سبق إليه، وكتاب التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية. والأمثلة الفقهية. فإنه سلك في بيانه، وإزالة سوء الظن عنه، وتكذيب المنحرفين به، طريقة لم يسلكها أحد قبله فيما علمنا.


--------------------------------------------------------------------------------

قال: وكان له في الأدب والشعر نفسٌ واسع، وباع طويل. وما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه. وشعره كثير، وقد جمع على حروف المعجم.
ومنه قوله:
هل الدهر إلا ما عرفنا وأدركنا ، فجائعه تبقى ولذاته تفنى
وإذا أمكنت فيه مسرة ساعةٍ ، تولت كمر الطرف واستخلفت حزنا
إلى تبعاتٍ في المعاد وموقفٍ نود ، لديه أننا لم نكن كنا
حصلنا على همٍّ وإثمٍ وحسرةٍ ، وفات الذي كنا نلذ به عينا
حنينٌ لما ولى وشغل بما أتى ، وغمٌّ لما يرجى فعيشك لا يهنا
كأن الذي كنا نسر بكونه ، إذا حققته النفس لفظٌ بلا معنى
ومن ذلك قوله من قصيدة في الفخر:
أنا الشمس في جو العلوم منيرة ، ولكن عيبي أن مطلعي الغرب
ولو أنني من جانب الشرق طالع ، لجد علي ما ضاع من ذكري النهب
ولي نحو أكناف العراق صبابة ، ولا غرو أن يستوحش الكلف الصب
فإن ينزل الرحمن رحلي بينهم ، فحينئذ يبدو التأسف والكرب
فكم قائل: أغفلته وهو حاضر ، وأطلب ما عنه تجيء به الكتب!
هنالك يدري أن للبعد قصة ، وأن كساد العلم آفته القرب!
ومنها في الاعتذار عن المدح لنفسه:
ولكن لي في يوسف خير أسوة ، وليس على من بالنبي ائتسى ذنب
يقول وقال الحق والصدق إنني ، حفيظ عليهم ما على صادق عتب
ومن شعره قوله فيما كان يعتقده من المذهب الظاهري:
وَذِي عَذَلٍ فِيمَنْ سَبَانِي حُسْنُهُ ، يُطِيلُ مَلامي في الهَوَى ويَقُولُ
أَمِنْ حُسْنِ وَجْهٍ لاحَ لم تَرَ غَيْرَهُ ، ولم تَدْرِ كيفَ الجِسْمُ أنتَ قَتِيلُ؟
فقلتُ لَهُ: أسْرَفْتَ في اللَّوْمِ فاتَّئِدِ ، فَعِنْدِي رَدٌّ لَوْ أشَاءُ طَوِيلُ
أَلَمْ تَرَ أنِّي ظَاهِرِيٌّ وأنَّنِي ، علَى ما بَدَا حتَّى يَقُومَ دَلِيلُ
ومن ذلك قوله:
أين وجه قول الحق في نفس سامع ، ودعه فنور الحق يسري ويشرق
سيؤنسه رفقاً فينسى نفاره ، كما نسي القيد الموثق مطلق
ومن ذلك قوله:
لئن أصبحت مرتحلاً بشخصي ، فروحي عندكم أبداً مقيم
ولكن للعيان لطيف معنى ، له سأل المعاينة الكليم


--------------------------------------------------------------------------------

وفي المعنى:
يقول أخي شجاك رحيل جسم ، وروحك ماله عنا رحيل
فقلت له المعاين مطمئن ، لذا طلب المعاينة الخليل

دخوله غرناطة: وصل في جملة الإمام المرتضى، ولما جرت عليه الهزيمة واستولى باديس الأمير بغرناطة على محلته، كان أبو محمد من عداد أسراه مع مثله، إلى أن أطلقه بعد لأي، وخلصه الله منه.
محنته:
قال ابن حيان: استهدف إلى فقهاء وقته، فتألبوا على بغضه، ورد قوله، وأجمعوا على تضليله، وشنعوا عليه، وحذروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا أعوامهم عن الدنو إليه، والأخذ عنه، فطفق الملوك يقصونه على قربهم، ويسيرونه عن بلادهم، إلى أن انتهوا به، منقطع أثره بتربة بلده من بادية لبلة، وبها توفي غير راجع إلى ما أرادوا، به يبث علمه فيمن ينتابه بباديته من عامة المقتبسين منه من أصاغر الطلبة، الذين لا يحسون فيه الملامة بحداثتهم، ويفقههم ويدرسهم، ولا يدع المثابرة على العلم، والمواظبة على التأليف، والإكثار من التصنيف، حتى كمل من مصنفاته في فنون العلم وقر بعير، حتى لأحرق بعضها بإشبيلية، وفي ذلك يقول:
فإنْ تَحْرِقُوا القِرْطَاس لا تَحْرِقُوا الَّذِي ، تَضَمَّنَهُ القرطاسُ بَلْ هو في صَدْرِي
يَسِيرُ معي حيثُ اسْتَقَلَّتْ رَكائِبِي ، وَيَنزِلُ إنْ أَنْزِلْ ويُدْفَن في قَبْري
مولده: سنة أربع وثمانين وثلاث مئة بقرطبة.
وفاته: توفي سنة ست وخمسين وأربع مئة.


--------------------------------------------------------------------------------

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الفارس
إداري
إداري
الفارس


ذكر عدد الرسائل : 1160
السٌّمعَة : 13
نقاط : 2574
تاريخ التسجيل : 08/02/2009

تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي   تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي Emptyالجمعة مارس 19, 2010 8:45 pm

ابن حزم في (البلغة في تراجم أئمة اللغة) للفيروز آبادي

قال العلامة مجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر الشيرازي الفيروزآبادي (729- 817هـ) في كتابه: (البلغة في تراجم أهل النحو واللغة):
علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد أبو محمد الفارسي. مولى يزيد بن أبي سفيان بن حرب وأصله من قرية منت ليشم من عمل أو نبه من كورة لبلة من غرب الأندلس كان أبوه وزيرا للمنصور بن أبي عامر ثم للمظفر بعده .
إمام في الفنون، وزر هو بعد أبيه للمظفر هم ترك الوزارة وأقبل على التصنيف ونشر العلم.
ومن تصانيفه:


--------------------------------------------------------------------------------

كتاب التقريب في بيان حدود الكلام وكيفية إقامة البرهان في كل ما يحتاج إليه منه وتمييزه مما يظن أنه برهان وليس برهانًا وكتاب الأخلاق والسير صغير وكتاب الفصل بين النحل والملل وكتاب الدرة في الاعتقاد صغير ورسالة التوفيق على شارع النجاة بإختصار الطريق وكتاب التحقيق في نقض كلام الرازي وكتاب التزهيد في بعض كتاب الفريد وكتاب اليقين في النقض على عطاف في كتابه عمدة الأبرار وكتاب النقض على عبد الحق الصقلي وكتاب زجر العاوي وإخسائه ودحر الغاوي وإخزائه وكتاب رواية أبان يزيد العطار عن عاصم في القراءات وكتاب الرد على من قال إن ترتيب السور ليس من عند الله بل هو فعل الصحابة رضي الله عنهم وكتاب الإحكام لأصول الأحكام وكتاب النبذ في الأصول وكتاب النكت الموجزة في إبطال القياس والتعليل والرأي وكتاب النقض على أبي العباس بن سريج وكتاب الرد على المالكية في الموطأ خاصة وكتاب الرد على الطحاوي في الاستحسان وكتاب صلة الدامع الذي ابتدأه أبو الحسن بن المفلس وكتاب الخصال في المسائل المجرده وصلته في الفتوح والتاريخ والسير وكتاب الاتصال في شرح كتاب الخصال نحو أربعة آلاف ورقة وكتاب المجلى وشرحه: كتاب المحلى في شرح المجلى بإيجاز وكتاب حجة الوداع صغير ورسالة في التخليص في تلخيص الأعمال وكتاب مراتب العلماء وكتاب مراتب التواليف واختصار كتاب العلل للباجي والتاريخ الصغير في أخبار الأندلس وكتاب الجماهير في النسب ورسالة في النفس ورسالة في النقس ورسالة في الطب ورسالة في النساء ورسالة في الغناء وكتاب الإعراب عن كشف الالتباس الموجود في مذاهب أصحاب الرأي والقياس وكتاب القواعد في المسائل المجردة على طريقة أصحاب الظاهر نحو ثلاثة آلاف ورقة وكتاب تأليف الأخبار المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ظاهرها التعارض ونفي التناقض عنها نحو عشرة آلاف ورقة ورسالة الاستحالات وكتاب في الألوان ورسالة في الروح والنفس ورسالة في


--------------------------------------------------------------------------------

مراعاة أحوال الإمام ورسالة في فضل الأندلس وذكر علمائها وتواليفهم ورسالة الكشف عن حقيقة البلاغة وحين الاستعادة في النظم والنثر وكتاب غلط أبي عمرو المقرىء في كتابه المسند والمرسل وكتاب في العروض صغير وكتاب طوق الحمامة نحو ثلاث مئة ورقة عارض كتاب الزهرة لأبي بكر بن داود وكتاب دعوة الملل في أبيات المثل فيه أربعون ألف بيت وكتاب التعقيب على ابن الإفليلي في شرح شعر المتنبي وكتاب في الوعد والوعيد ورسالة الإيمان وكتاب الإجماع.


--------------------------------------------------------------------------------

ابن حزم في (الصلة) لابن بشكوال

قال أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن بشكوال في كتابه (الصلة)
علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب الفارسي
من أهل قرطبة تجول بالأندلس؛ يكنى: أبا محمد.
روى عن القاضي يونس بن عبد الله، وأبي بكر حمام بن أحمد القاضي، وأبي محمد ابن بنوش القاضي، وأبي عمر بن الجسور وغيرهم.
قال القاضي أبو القاسم صاعد ابن أحمد: كان أبو محمد بن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفة مع توسعه في علم اللسان، ووفور حظه من البلاغة، والشعر، والمعرفة بالسير والأخبار. وأخبرني ابنه أبو رافع الفضل بن علي أنه اجتمع عنده بخط أبيه من تأليفه نحو أربع مائة مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة.
وقال أبو عبد الله الحميدي: كان حافظاً عالماً بعلوم الحديث وفقهه، مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة، متفنناً في علوم جمةٍ، عاملاً بعلمه، زاهداً في الدنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه قبله في الوزارة وتدبير الممالك، متواضعاً ذا فضائل جمة وتواليف كثيرة في كل ما تحقق به من العلوم، وجمع من الكتب في علم الحديث، والمصنفات، والمستندات كثيراً. وسمع سماعاً جماً، وأول سماعه من ابن الجسور قبل الأربعمائة. ثم ذكر جملة من أسماء تواليفه ثم قال: وما رأينا مثله في ما اجتمع له مع الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس والتدين. وكان له في الآداب والشعر نفس واسع، وباع طويلٌ. وما رأيت من يقول الشعر على البديهة أشرع منه. وشعره كثير وقد جمعناه على حروف المعجم ومنه:
هل الدهر إلا ما عرفنا وأدركنا ، فجائعه تبقى ولذاته تفنى
وإذا أمكنت فيه مسرة ساعةٍ ، تولت كمر الطرف واستخلفت حزنا
إلى تبعاتٍ في المعاد وموقفٍ نود ، لديه أننا لم نكن كنا
حصلنا على همٍّ وإثمٍ وحسرةٍ ، وفات الذي كنا نلذ به عينا
حنينٌ لما ولى وشغل بما أتى ، وغمٌّ لما يرجى فعيشك لا يهنا
كأن الذي كنا نسر بكونه ، إذا حققته النفس لفظٌ بلا معنى


--------------------------------------------------------------------------------

وله:
مناي من لدنيا علومٌ أبثها ، وأنشرها في كل بادٍ وحاضر
دعاءٌ إلى القرآن والسنن التي ، تناسى رجالٌ ذكرها في المحاضر
قال صاعدٌ: كتب إلي أبو محمد بن حزم بخطه يقول: ولدت بقرطبة في الجانب الشرقي من ربض منية المغيرة قبل طلوع الشمس وبعد سلام الإمام من صلاة الصبح آخر ليلة الأربعاء آخر يوم من شهر رمضان المعظم وهو اليوم السابع من نونبر سنة أربع وثمانين وثلاث مائة بطالع العقرب.
قال صاعد: ونقلت من خط ابنه أبي رافع: إن أباه توفي رحمه الله عشية يوم الأحد لليلتين بقيتا من شعبان سنة ستٍّ وخمسين وأربع مائة. فكان عمره رحمه الله إحدى وسبعين سنة وعشرة أشهر وتسعة وعشرين يوماً.


--------------------------------------------------------------------------------

ابن حزم في (المعجب في أخبار المغرب) للمراكشي

قال المراكشي في (المعجب في تلخيص أخبار المغرب):
أبو محمد الذي يحدِّث عنه الحميدي هو: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد الفارسي مولى يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي. قرئ علي نسبه هذا بخطه على ظهر كتاب من تصانيفه.
أصل آبائه الأدنين من قرية من إقليم لبلة من غرب الأندلس، سكن هو وأبوه قرطبة وكان أبوه من وزراء المنصور محمد بن أبي عامر، ووزراء ابنه المظفر بعده، وكان هو المدبر لدولتيهما، وكان ابنه أبو محمد الفقيه وزيراً لعبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار بن الناصر الملقب بالمستظهر بالله أخي المهدي المذكور آنفاً، ثم إنه نبذ الوزارة واطرحها اختياراً وأقبل على قراءة العلوم وتقييد الآثار والسنن فنال من ذلك ما لم ينل أحد قبله بالأندلس.
وكان على مذهب الإمام أبي عبد الله الشافعي رحمه الله، أقام على ذلك زماناً ثم انتقل إلى القول بالظاهر، وأفرط في ذلك حتى أربى على أبي سليمان داود الظاهري وغيره من أهل الظاهر.


--------------------------------------------------------------------------------

وله مصنفات كثيرة، جليلة القدر شريفة المقصد في أصول الفقه وفروعه، على مهيعه الذي يسلكه ومذهبه الذي يتقلده، وهو مذهب داود بن علي بن خلف الأصبهاني الظاهري ومن قال بقوله من أهل الظاهر ونفاة القياس والتعليل؛ بلغني عن غير واحد من علماء الأندلس أن مبلغ تصانيفه في الفقه والحديث والأصول والنحل والملل وغير ذلك من التاريخ والنسب وكتب الأدب والرد على المخالفين له نحو من أربع مئة مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة. وهذا شيء ما علمناه لأحد ممن كان في مدة الإسلام قبله إلا لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري فإنه أكثر أهل الإسلام تصنيفاً فقد ذكر أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر الفرغاني في كتابه المعروف بالصلة، وهو الذي وصل به تاريخ أبي جعفر الطبري الكبير: أن قوماً من تلاميذ أبي جعفر لخصوا أيام حياته منذ بلغ الحلم إلى أن توفي في سنة 310 وهو ابن ست وثمانين سنة ثم قسموا عليها أوراق مصنفاته فصار لكل يوم أربع عشرة ورقة، وهذا لا يتهيأ لمخلوق إلا بكريم عناية الباري تعالى وحسن تأييده له.
ولأبي محمد بن حزم بعد هذا نصيب وافر من علم النحو واللغة وقسم صالح من قرض الشعر وصناعة الخطابة فمن شعره:
هل الدهر إلا ما عرفنا وأدركنا ، فجائعه تبقى ولذاته تفنى
إذا أمكنت فيه مسرة ساعة ، تولت كمر الطرف واستخلفت حزنا
إلى تبعات في المعاد وموقف ، نود لديه أننا لم نكن كنا
حصلنا على هم وإثم وحسرة ، وفات الذي كنا نقر به عينا
حنين لما ولى وشغل بما أتى ، وغم لما يرجى فعيشك لا يهنا
كأن الذي كنا نسر بكونه ، إذا حققته النفس لفظ بلا معنى
وله من قصيدة طويلة:
أنا الشمس في جو العلوم منيرة ، ولكن عيبي أن مطلعي الغرب
ولو أنني من جانب الشرق طالع ، لجد علي ما ضاع من ذكري النهب
ولي نحو أكناف العراق صبابة ، ولا غرو أن يستوحش الكلف الصب
فإن ينزل الرحمن رحلي بينهم ، فحينئذ يبدو التأسف والكرب


--------------------------------------------------------------------------------

فكم قائل: أغفلته وهو حاضر ، وأطلب ما عنه تجيء به الكتب!
هنالك يدري أن للبعد قصة ، وأن كساد العلم آفته القرب!
فيا عجباً من غاب عنهم تشوقوا ، له ودنو المرء من دارهم ذنب
وإن مكاناً ضاق عني لضيق ، على أنه فسح مهامهه سهب
وإن رجالاً ضيعوني لضيع ، وإن زماناً لم أنل خصبه جدب
ومنها في الاعتذار عن مدحه لنفسه:
ولكن لي في يوسف خير أسوة ، وليس على من بالنبي ائتسى ذنب
يقول وقال الحق والصدق إنني ، حفيظ عليهم ما على صادق عتب
ومن المختار له قوله:
لا يشمتن حاسدي إن نكبة عرضت ، فالدهر ليس على حال بمترك
ذو الفضل كالتبر طوراً تحت ميقعة ، وتارة في ذرى تاج على ملك!
ومن ذلك قوله :
لئن أصبحت مرتحلاً بشخصي ، فروحي عندكم أبداً مقيم
ولكن للعيان لطيف معنى ، له سأل المعاينة الكليم
ولمن أجود ما أحفظ له بيتان قالهما في رجل نمام:
أنم من المرآة في كل ما درى ، وأقطع بين الناس من قضب الهند
كأن المنايا والزمان تعلما ، تحيله في القطع بين ذوي الود!
وجد بخطه أنه ولد يوم الأربعاء بعد صلاة الصبح وقبل طلوع الشمس آخر يوم من شهر رمضان سنة 384
توفي رحمه الله في سلخ شعبان من سنة 456.
وإنما أوردت هذه النبذة من أخبار هذا الرجل وإن كانت قاطعة للنسق مزيحة عن بعض الغرض لأنه أشهر علماء الأندلس اليوم وأكثرهم ذكراً في مجالس الرؤساء وعلى ألسنة العلماء وذلك لمخالفته مذهب مالك بالمغرب واستبداده بعلم الظاهر ولم يشتهر به قبله عندنا أحد ممن علمت وقد كثر أهل مذهبه وأتباعه عندنا بالأندلس اليوم.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الفارس
إداري
إداري
الفارس


ذكر عدد الرسائل : 1160
السٌّمعَة : 13
نقاط : 2574
تاريخ التسجيل : 08/02/2009

تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي   تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي Emptyالجمعة مارس 19, 2010 8:50 pm

ابن حزم في (المغرب في حلي المغرب) لابن سعيد

قال العلامة علي بن موسى بن محمد بن عبد الملك بن سعيد العماري الغرناطي ثم التونسي، نور الدين أبو الحسن المؤرخ المالكي (610-685هـ) في كتابه: (المُغْرِب في محاسن حَلْي أهل المغرب):
الكتاب الرابع من الكتب التي يشتمل عليها كتاب كورة أونبة، وهو: كتاب المقلة الساجية في حلي قرية الزاوية، ذكر الحجاري: أنها من أعمال أونبة. نسب إليها بنو حزم.
الوزير العالم الحافظ أبو محمد علي بن الوزير أبي عمر أحمد بن سعيد بن حزم الفارسي مولى بني أمية.


--------------------------------------------------------------------------------

من الذخيرة: كان كالبحر لا تكف غواربه، ولا يروى شاربه، وكالبدر لا تجحد دلائله، ولا يمكن نائله. وقال ابن حيان في المتين: كان حامل فنون من حديث وفقه وجدل ونسب، وما يتعلق بأذيال الأدب، مع المشاركة في كثير من أنواع التعاليم القديمة من المنطق والفلسفة، له في بعض تلك الفنون كتب كثيرة، غير أنه لم يخل فيها من غلط وسقط، لجراءته في التسور على الفنون، لا سيما المنطق، فإنهم زعموا أنه زل هنالك، وضل في سلوك تلك المسالك، وخالف أرسططاليس واضعه مخالفة من لم يفهم غرضه، ولا ارتاض في كتبه. ومال أولاً به النظر في الفقه إلى رأي الشافعي، وناضل عن مذهبه، وانحرف عما سواه حتى وسم به، ونسب إليه، فاستهدف بذلك لكثير من الفقهاء، وعيب بالشذوذ، ثم عدل في الآخر، إلى قول أصحاب الظاهر، مذهب داود بن علي ومن ابتعه من فقهاء الأمصار، فنقحه، ونهجه، وجادل عنه، ووضع الكتب في بسطه، وثبت عليه إلى أن مضى لسبيله، رحمه الله. وكان يجادل عن علمه هذا من خالفه، على استرسال في طباعة، ومذل بأسراره، واستناد إلى العهد الذي أخذه الله على العلماء من عباده، "ليبيننه للناس ولا يكتمونه" فلم يك يلطف بما عنده بتعريض، ولا يزفه بتدريج، بل يصك به معارضه صك الجندل، وينشقه أحر من الخردل، فطفق الملوك يقصونه عن قربهم، ويسيرونه عن بلادهم، إلى أن انتهوا به منقطع أثره، بقرية بلده، من بادية لبلة. وبها توفي رحمه الله سنة ست وخمسين وأربع مئة.
وكان متشيعاً في بني أمية منحرفاً عمن سواهم من قريش، وادعى أنه من الفرس، وهو خامل الأبوة من عجم لبلة. وصله من ابن عمه أبي المغيرة رسالة فيها ما أوجب أن جاوبه بهذه: سمعت وأطعت لقول الله تعالى: "وأعرض عن الجاهلين" وأسلمت وانقدت لقول نبيه عليه السلام: "صل من قطعك، واعف عمن ظلمك" ورضيت بقول الحكماء: كفاك انتصاراً ممن تعرض لأذاك إعراضك عنه، وأقول:
تبغ سواي امرءاً يبتغي ، سبابك، إن هواك السباب


--------------------------------------------------------------------------------

فإني أبيت طلاب السفاه ، وصنت محلى عما يعاب
وقل ما بدا لك من بعد ذا ، فإن سكوتي عنه خطاب
وأقول:
كفاني بذكر الناس لي ومآثري ، ومالك فيهم يا ابن عمي ذاكر
عدوي وأشياعي كثير، كذاك من ، غدا وهو نفاع المساعي وضائر
وإني وإن آذيتني وعققتني ، لمحتمل ما جاءني منك صابر
قال قصيدة منها:
أنا الشمس في جو العلوم منيرة ، ولكن عيبي أن مطلعي الغرب
ولو أنني من جانب الشرق طالع ، أجد علا ما ضاع من علمي النهب
وله على مذهبه:
وذي عذل فيمن سباني حسنه ، يطيل ملامي في الهوى ويقول:
أمن أجل وجه لاح لم تر غيره ، ولم تدر كيف الجسم أنت عليل
فقلت له: أسرفت في اللوم فاتئد ، فعندي رد لو أشاء طويل
ألم تر أني ظاهري وأنني ، على ما أرى حتى يقوم دليل
وله:
يقول أخي: شجاك رحيل جسمي ، وقلبي عندكم أبداً مقيم
فقلت له: المعاين مطمئن ، لذا سأل المعاينة الكليم
وله في غلام ناحل:
وإن غصناً أبداً لا تزول ، عليه شمس لحر بالذبول
ابن عمه أبو المغيرة عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن حزم:
من الذخيرة: لحق ببلاد الثغر، وقد اعتلت طبقته في النظم والنثر، وكتب عن عدة من الملوك ونال حظاً عريضاً من دنياهم، إلا أنه اعتبط شاباً بعد أن ألف عدة تواليف. وشجر الأمر بينه وبين ابن عمه أبو محمد ابن حزم، وجرت بينهما هنات ظهر فيها أبو المغيرة، وبكته، حتى أسكته.
جواب أبي المغيرة للرسالة المتقدمة: قرأت هذه الرقعة العاقة، فحين استوعبتها أنشدتني:
نحنح زيد وسعل ، لما رأى وقع الأسل
فأردت قطعها، وترك المراجعة عنها، فقالت لي نفس قد عرفت مكانها: بالله لا قطعتها إلا يده، فأثبت على ظهرها، ما يكون سبباً إلى صونها، وقلت:
نعقت ولم تدر كيف الجواب ، وأخطأت حتى أتاك الصواب
وأجريت وحدك في حلبة ، نأت عنك فيها الجياد العراب
وبت من الجهل مستنبحاً ، لغير قرى فأتتك الذئاب


--------------------------------------------------------------------------------

ابن حزم في (جذوة المقتبس) لتلميذه الحميدي

قال أبو عبد الله محمَّد بن فُتوح الحميديُّ (488هـ) رحمه الله في: ((جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، وأسماء رواة الحديث، وأهل الفقه والأدب، وذوي النباهة والشِّعر)):
علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب أبو محمد أصله من الفرس، وجده الأقصى في الإسلام اسمه يزيد مولى ليزيد بن أبي سفيان، كان حافظاً عالماً بعلوم الحديث وفقهه، مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة، متفنناً في علوم جمة عاملاً بعلمه، زاهداً في الدنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه من قبله من الوزارة وتدبير الممالك، متواضعاً ذا فضائل جمة، وتواليف كثيرة في كل ما تحقق به في العلوم وجمع من الكتب في علم الحديث والمصنفات والمسندات شيئاً كثيراً، وسمع سماعاً جماً، وأول سماعه من أبي عمر أحمد بن محمد بن الجسور قبل الأربع مئة.
وألف في فقه الحديث كتاباً كبيراً سماه كتاب الإيصال، إلى فهم كتاب الخصال، الجامعة لجمل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام، وسائر الأحكام، على ما أوجبه القرآن والسنة والإجماع. أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين في مسائل الفقه، والحجة لكل طائفة وعليها، والأحاديث الواردة في ذلك من الصحيح والسقيم بالأسانيد وبيان ذلك كله، وتحقيق القول فيه، وله كتاب الإحكام لأصول الأحكام في غاية النقصى وإيراد الحجاج؛ وكتاب الفصل في الملل وفي الأهواء والنحل، وكتاب في الإجماع ومسائله على أبواب الفقه، وكتاب في مراتب العلوم وكيفية طلبها وتعلق بعضها ببعض، وكتاب إظهار تبديل اليهود والنصارى للتوراة والإنجيل، وبيان تناقض ما بأيديهم من ذلك مما يحتمل التأويل. وهذا مما سبق إليه، وكذلك كتاب التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية فإنه سلك في بيانه وإزالة سوء الظن عنه وتكذيب الممخرقين به طريقة لم يسلكها أحد قبله فيما علمناه، وغير ذلك.


--------------------------------------------------------------------------------

وما رأينا مثله رحمه الله فيما اجتمع له مع الذكاء وسرعة الحفظ، وكرم النفس والتدين؛ مولده في ليلة الفطر سنة أربع وثمانين وثلاث مائة بقرطبة، ومات بعد الخمسين وأربع مائة.
وكان له في الآداب والشعر نفس واسع، وباع طويل، وما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه، وشعره كثير، وقد جمعناه على حروف المعجم، ومنه:
هل الدهر إلا ما عرفنا وأدركنا ، فجائعه تبقى ولذاته تفنى
وإذا أمكنت فيه مسرة ساعةٍ ، تولت كمر الطرف واستخلفت حزنا
إلى تبعاتٍ في المعاد وموقفٍ نود ، لديه أننا لم نكن كنا
حصلنا على همٍّ وإثمٍ وحسرةٍ ، وفات الذي كنا نلذ به عينا
حنينٌ لما ولى وشغل بما أتى ، وغمٌّ لما يرجى فعيشك لا يهنا
كأن الذي كنا نسر بكونه ، إذا حققته النفس لفظٌ بلا معنى
وله من قصيدة طويلة خاطب بها قاضي الجماعة بقرطبة عبد الرحمن بن أحمد بن بشر يفخر فيها بالعلم، ويذكر أصناف ما علم، وفيها:
أنا الشمس في جو العلوم منيرة ، ولكن عيبي أن مطلعي الغرب
ولو أنني من جانب الشرق طالع ، لجد علي ما ضاع من ذكري النهب
ولي نحو أكناف العراق صبابة ، ولا غرو أن يستوحش الكلف الصب
فإن ينزل الرحمن رحلي بينهم ، فحينئذ يبدو التأسف والكرب
فكم قائل: أغفلته وهو حاضر ، وأطلب ما عنه تجيء به الكتب!
هنالك يدري أن للبعد قصة ، وأن كساد العلم آفته القرب!
ومنها في الاعتذار عن المدح لنفسه:
ولكن لي في يوسف خير أسوة ، وليس على من بالنبي ائتسى ذنب
يقول وقال الحق الصدق إنني ، حفيظ عليم ما على صادق عتب
وله من أخرى:
مناي من لدنيا علومٌ أبثها ، وأنشرها في كل بادٍ وحاضر
دعاءٌ إلى القرآن والسنن التي ، تناسى رجالٌ ذكرها في المحاضر
وأنشدني لنفسه، وأنا سألته:
ابن وجه قول الحق في نفس سامع ، ودعه فنور الحق يسرى ويشرق
سيؤنسه رفقاً فينسى نفاره ، كما نسى القيد الموثق مطلق
وأنشدني لنفسه:
لا تشمتن حاسدي إن نكبة عرضت ، فالدهر ليس على حال بمترك


--------------------------------------------------------------------------------

ذو الفضل كالتبر طوراً تحت ميقعة ، وتارة في ذرى تاج على ملك
وأنشدني لنفسه:
لئن أصبحت مرتحلاً بشخصي ، فروحي عندكم أبداً مقيم
ولكن للعيان لطيف معنى ، له سأل المعاينة الكليم
وله في هذا المعنى:
يقول أخي شجاك رحيل جسم ، وروحك ماله عنا رحيل
فقلت له المعاين مطمئن ، لذا طلب المعاينة الخليل


--------------------------------------------------------------------------------
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الفارس
إداري
إداري
الفارس


ذكر عدد الرسائل : 1160
السٌّمعَة : 13
نقاط : 2574
تاريخ التسجيل : 08/02/2009

تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي   تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي Emptyالجمعة مارس 19, 2010 8:52 pm

ابن حزم في (سير أعلام النبلاء) للذهبي (1)

ترجمة ابن حزم[1]
اسمه ونسبه:
هو: الإمامُ الأوحدُ، البحرُ، ذو الفنون والمعارف، الفقيهُ الحافظُ، المتكلِّمُ الأديبُ، الوزيرُ الظَّاهريُّ، صاحبُ التَّصانيف؛ أبو محمَّدٍ عليُّ بنُ أحمدَ بنِ سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد، الفارسيُّ الأصل، ثمَّ الأندلسيُّ القرطبيُّ اليزيديُّ؛ مولى الأمير يزيد بن أبي سفيان بن حرب الأموي ـ رضي الله عنه ـ المعروف بيزيد الخير[2]، نائب أمير المؤمنين أبي حفصٍ عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ على دمشقَ. فكان جده يزيد؛ مولىً للأمير يزيد أخي معاوية، وكان جدُّه خلف بن معدان هو أول من دخل الأندلس في صحابة ملك الأندلس عبد الرحمن بن معاوية بن هشام المعروف بالدَّاخل[3].

مولده:
قال القاضي صاعد بن أحمد التَّغْلبيُّ (462هـ)[4]: كتبَ إليَّ ابنُ حزمٍ ـ بخطِّه ـ يقول: ولدتُ بقرطبةَ، في الجانب الشَّرقي، في رَبَضِ منية المغيرة، قبل طلوع الشَّمس، وبعد سلام الإمام من صلاة الصُّبح، ءاخر ليلة الأربعاء، ءاخر يومٍ من شهر رمضانَ المعظَّم ـ وهو اليوم السابع من نُوَنْيِر[5] ـ سنة أربع وثمانين وثلاث مئة، بطالع العقرب.

شيوخه:
وسمع في سنة أربع مئة وبعدها؛ من طائفةٍ، منهم:
1- يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود؛ عُرِفَ بابن وَجْه الجنَّة (304-402هـ)؛ صاحب قاسم بن أصبغ (340هـ)، فهو أعلى شيخٍ عنده.
2- ومن أبي عمر أحمد بن محمد بن أحمد الأمويِّ القرطبيِّ، ابن الجسور (401هـ).
3- ويونس بن عبد الله بن مغيث القاضي (338-429هـ).
4- وحُمَام بن أحمد القاضي (357-421هـ).
5- ومحمد بن سعيد بن محمَّد بن نبات الأُمويِّ القرطبيِّ (335-429هـ).
6- وعبد الله بن ربيع التَّميميِّ (330-415هـ).
7- وعبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن مسافر، أبي القاسم الهمدانيِّ الوهرانيِّ (338-411هـ)[6].
8- وأبي عمر أحمد بن محمد الطَّلْمَنْكيِّ (429هـ).


--------------------------------------------------------------------------------

9- وعبد الله بن يوسف بن نامي (348-435هـ).
10- وأحمد بن قاسم بن محمَّد بن قاسم بن أصبغ (430هـ).
وينزل إلى أن يروي عن:
11- أبي عمر بن عبد البرِّ (368-463هـ).
12- وأحمد بن عمر بن أنس العُذْريِّ (393-478هـ).
وأول سماعه من ابن الجَسور في حدود سنة أربع مئة[7].
وأجود ما عنده من الكتب ((سنن النَّسائيِّ)) يحمله عن ابن ربيع، عن ابن الأحمر؛ عنه. وأنزل ما عنده ((صحيحُ مسلمٍ)) بينه وبينه خمسة رجال، وأعلى ما رأيتُ له حديث بينه وبين وكيعٍ فيه ثلاثة أنفس.
تلاميذه:
حدَّث عنه: ابنُهُ أبو رافع الفَضْلُ (479هـ)[8]، وأبو عبد الله محمَّد بن فُتوح الحميديُّ (488هـ)؛ فأكثرَ، ووالد القاضي أبي بكرٍ ابن العربيِّ[9]، وطائفة.
وءاخر من روى عنه بالإجازة: أبو الحسن شُريح بن محمَّد الرعينيُّ الإشبيليُّ (539هـ)

نشأته:
نشأ في تنعُّمٍ ورفاهيَّةٍ، ورُزِقَ ذكاءً مفرطاً، وذهناً سيَّالاً، وكتباً نفيسةً كثيرةً. وكان والده من كُبَراء أهل قرطبة؛َ عمل الوزارة في الدَّولة العامرية، وكذلك وَزَرَ أبو محمَّد في شَبِيبَتِهِ.
وكان قد مهر أوَّلاً في الأدب والأخبار والشِّعر، وفي المنطق وأجزاء الفلسفة؛ فأثَّرت فيه تأثيراً لَيْتَهُ سَلِمَ من ذلك، ولقد وقفتُ له على تأليفٍ يحضُّ فيه على الاعتناء بالمنطق، ويقدِّمه على العلوم؛ فتألَّمْتُ له، فإنَّه رأسٌ في علوم الإسلام، متبحِّرٌ في النَّقل، عديم النَّظير، على يُبْسٍ فيه، وفَرْطِ ظاهِرِيَّةٍ؛ في الفروع لا الأصول.


--------------------------------------------------------------------------------

قيل إنَّه تفقَّه أوَّلاً للشَّافعيِّ، ثمَّ أدَّاه اجتهاده إلى القول بنَفْي القياس كلِّه؛ جَلِيِّه وخَفِيِّه، والأخذ بظاهر النَّصِّ، وعموم الكتاب والحديث، والقول بالبراءة الأصلِيَّة، واستصحاب الحال. وصنَّفَ في ذلك كتباً كثيرةً، وناظر عليه، وبسط لسانه وقلمه، ولم يتأدَّب مع الأئمة في الخطاب؛ بل فَجَّجَ العبارة، وسَبَّ وجَدَّع، فكان جزاؤه مِنْ جنس فعله، بحيث إنَّه أعرضَ عن تصانيفه جماعةٌ من الأئمَّة، وهجروها، ونفروا منها، وأُحرقتْ في وقتٍ، واعتنى بها ءاخرون من العلماء، وفتَّشوها انتقاداً واستفادةً، وأخذاً ومؤاخذةً، ورأوا فيها الدُّرَّ الثَّمين ممزوجاً ـ في الرَّصْف ـ بالخَرَزِ المَهين؛ فتارةً يطربون، ومرَّةً يعجبون، ومن تفرُّده يهزَؤُون.
وفي الجملة؛ فالكمال عزيز، وكلُّ أحدٍ يُؤخذ من قوله ويترك؛ إلا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.

منزلته العلمية:
وكان ينهض بعلومٍ جمَّةٍ، ويُجيد النَّقل، ويُحْسِنُ النَّظْمَ والنَّثْرَ. وفيه دِينٌ وخَيْر، (وتورُّعٌ، وتزهُّدٌ، وتحرٍّ للصِّدق)[10]، ومقاصدُهُ جميلةٌ، ومصنَّفاته مفيدةٌ، وقد زهد في الرِّئاسة، ولزم منزله؛ مُكِبَّاً على العلم، فلا نغلو فيه، ولا نجفو عنه، وقد أثنى عليه قَبْلَنا الكبارُ:
قال أبو حامد الغزَّالي (505هـ) ـ رحمه الله ـ[11]: قَدْ وَجَدْتُ في أسماء الله تعالى كتاباً ألَّفه أبو محمَّد بنُ حزمٍ الأندلسيُّ؛ يدلُّ على عِظَمِ حِفْظِهِ، وسيلان ذِهْنِهِ.
وقال الإمام أبو القاسم صاعد بن أحمد: كان ابنُ حزم أجمعَ أهل الأندلس قاطبةً لعلوم الإسلام، وأوسعَهم معرفةً، مع توسعه في علم اللِّسان، ووُفور حظِّه من البلاغة والشِّعر، والمعرفةِ بالسِّيَر والأخبار. أخبرني ابْنُهُ الفَضْلُ أنَّه اجتمع عنده بخطِّ أبيه ـ أبي محمَّدٍ ـ من تواليفه؛ أربعُ مئةِ مجلَّدٍ، تشتمل على قريبٍ من ثمانينَ ألف ورقةٍ[12].


--------------------------------------------------------------------------------

قال أبو عبد الله الحميديُّ[13]: كان ابنُ حزمٍ حافظاً، عالماً بعلوم الحديث وفقهه، مُسْتنبطاً للأحكام من الكتاب والسُّنَّة، متفنِّناً في علوم جمَّةٍ، عاملاً بعلمه، زاهداً في الدُّنيا بعد الرئاسة التي كانت له ولأبيه من قبله من الوزارة وتدبير الممالك، متواضعاً، ذا فضائل جمَّة، وتواليف كثيرة في كلِّ ما تحقَّق به في العلوم، وجمع من الكتب في علم الحديث، والمصنَّفات، والمُسندات؛ شيئاً كثيراً، وسمع سماعاً جمَّاً. وما رأينا مِثْلَهُ ـ رحمه الله ـ فيما اجتمع له من الذَّكاء، وسُرْعَةِ الحفظ، وكرم النَّفْس، والتَّدَيُّن. وكان له في الأدب والشِّعر نَفَسٌ واسعٌ، وباعٌ طويلٌ، وما رأيتُ من يقول الشِّعر على البديهة أسرعَ منه، وشعره كثيرٌ؛ جَمعتُه على حروف المعجم.
وقال أبو القاسم صاعد: كان أبوه أبو عُمَر من وزراء المنصور محمَّد بن أبي عامر؛ مدبِّر دولة المؤيَّد بالله بن المستنصر المروانيِّ، ثم وزر للمظفَّر بن المنصور، ووَزَرَ أبو محمَّد للمُسْتظهر بالله عبد الرَّحمن بن هشام، ثم نَبَذَ هذه الطريقة، وأقبل على العلوم الشَّرعية، وعُني بعلم المنطق، وبرع فيه، ثم أعرضَ عنه.
قلتُ: ما أعرضَ عنه حتَّى زرع في باطنه أموراً، وانحرافاً عن السُّنَّة.
قال: وأقبل على علوم الإسلام حتَّى نال من ذلك ما لم ينله أحدٌ بالأندلس قبله.
وقد حَطَّ أبو بكر ابن العربيِّ على أبي محمَّدٍ؛ في كتاب: ((القواصم والعواصم))[14]، وعلى الظَّاهريَّة، ولم يُنْصِف القاضي أبو بكر ـ رحمه الله ـ شيخ أبيه في العلم، ولا تكلَّم فيه بالقِسْط، وبالغ في الاستخفاف به، وأبو بكر ـ فعلى عظمته في العلم ـ لا يبلغ رُتْبة أبي محمَّد؛ ولا يكادُ، فرحمهما الله، وغفر لهما.


--------------------------------------------------------------------------------

قال اليَسَعُ ابنُ حزمٍ الغافقيُّ (575هـ) ـ وذكر أبا محمَّدٍ ـ فقال: أمَّا محفوظه؛ فبحرٌ عجَّاج، وماءٌ ثجَّاجٌ، يخرج من بحره مَرجان الحِكَم، وينبت بثَجَّاجه ألفاف النِّعم في رياض الهِمم، لقد حفظ علوم المسلمين، وأربى على كلِّ أهلِ دِينٍ، وألَّف: ((الملل والنِّحَل)). وكان في صباه يلبس الحرير، ولا يرضى من المكانة إلا بالسَّرير، أنشدَ المعتمدَ؛ فأجاد، وقصد بَلَنْسِيَةَ وبها المظفَّر أحدُ الأطواد. وحدَّثني عنه عمرُ بنُ واجب؛ قال: بينما نحن عند أبي ببَلَنْسِيَةَ، وهو يدرِّس المذهب، إذا بأبي محمَّدٍ بن حزم يَسْمَعُنا؛ ويتعجَّبُ، ثم سألَ الحاضرينَ مسألةً مِن الفقه، جُووب فيها، فاعترضَ في ذلك، فقال له بعض الحُضَّار: هذا العلمُ ليس مِنْ مُنْتَحَلاتِكَ! فقامَ وقَعَدَ، ودخل منزله فعَكَفَ، ووَكَفَ منه وابلٌ فما كَفَّ، وما كان بعدَ أشهرٍ قريبةٍ حتى قَصَدْنا إلى ذلك الموضع، فناظر أحسنَ مناظرةٍ، وقال فيها: أنا أتَّبِعُ الحقَّ، وأجتهدُ، ولا أتقيَّدُ بمذهبٍ.

أشهر مصنَّفاته:
ولابن حزم مصنَّفات جليلةٌ:
1. أكبرها كتابُ: ((الإيصال إلى فهم كتاب الخِصَال الجامعة لجمل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام [وسائر الأحكام؛ على ما أوجبه القرءان] والسنة والإجماع))[15]، أورد فيه أقوال الصَّحابة فمن بعدهم في الفقه، والحجةَ لكلِّ قول، وهو كتاب كبير، [في] خمسة عشر ألف ورقة.
2. ((الخصال الحافظ لجمل شرائع الإسلام)) مجلدان.
3. ((المُجَلَّى))[16] في الفقه، (على مذهبه واجتهاده)[17]، مجلد.
4. ((المُحَلَّى في شرح المُجَلَّى بالحُجَج والآثار))[18] ثماني مجلدات، في غاية التقصِّي.
قال الشَّيخ عزُّ الدِّين بنُ عبد السَّلام (660هـ) ـ وكان أحدَ المجتهدين ـ: ما رأيتُ في كُتُبِ الإسلام في العلم مِثْل: ((المحلَّى)) لابن حزم، وكتاب: ((المغني)) للشَّيخ موفق الدِّين[19].


--------------------------------------------------------------------------------

قلتُ: لقد صدق الشَّيخ عز الدين، وثالثهما: ((السُّنن الكبير)) للبيهقيِّ (458هـ)، ورابعها: ((التَّمهيد)) لابن عبد البَرِّ. فمن حصَّل هذه الدَّواوين، وكان من أذكياء المُفْتين، وأدمن المطالعة فيها؛ فهو العالم حَقَّاً
5. ((حَجَّة الوداع))[20].
6. ((الإجماع))[21].
7. ((الإحكام لأصول الأحكام))[22]، في غاية التقصِّي [وإيراد الحجاج][23].
8. ((إظهار تبديل اليهود والنَّصارى للتَّوراة والإنجيل، وبيان تناقض ما بأيديهم مما لا يحتمله التَّأويل))[24]؛ وهو كتاب لم يسبق إليه في الحسن.
9. ((الفَصْل في الملل والنحل))[25]، مجلدان كبيران.
10. ((التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية))[26]، مجلد.
11. ((نقط العروس))[27]، مجيليد.
وغير ذلك، ومما له في جزء أو كراس:
12. ((النبذ الكافية))[28].
13. ((النكت الموجزة في نفي الرأي والقياس والتعليل والتقليد))[29]، مجلد صغير
14. ((السِّير والأخلاق))[30].
وأشياء سوى ذلك[31].
---
[1] هذه الترجمة من: ((سير أعلام النبلاء)) 18/184- 212، الترجمة: (99)، و((تاريخ الإسلام)) (الطبقة: 46/ الترجمة: 168)؛ كلاهما للإمام شمس الدين الذَّهبيِّ (748هـ)، وسياق الكلام فيها له ـ رحمه الله ـ مِنَ: ((السِّيَر))، غير أنِّي عمدت إلى النص؛ فاختصرته، وهذَّبته، ورتبته، وعلَّقت عليه. (عبد الحق التركماني)
[2] أسلم يوم الفتح، وحسن إسلامه، وشهد حُنيناً، وهو أحد الأمراء الذين ندبهم أبو بكر لغزو الروم، ولمَّا فتحت دمشق؛ أمَّره عمر عليها. توفي في الطَّاعون سنة (18هـ). ترجمته ومصادرها في: ((سير أعلم النبلاء)) 1/(68).
[3] لأنه حين انقرضت خلافة بني أمية من الدنيا، وقتل مروان الحمار، وقامت دولة بني العبَّاس؛ هرب هذا، فنجا، ودخل إلى الأندلس فتملكها، وتوفي سنة: (172هـ) ترجمته ومصادرها في: ((السِّير)) 8/(55).
[


--------------------------------------------------------------------------------

4] في: ((طبقات الأمم)) 86، وعنه: الحافظ أبو القاسم ابن بشكوال في: ((الصِّلة)) 2/417.
[5] وهو: نوفمبر ـ تشرين الثاني ـ سنة 994 من تأريخ النصارى.
[6] ذكر الذهبيُّ ـ رحمه الله ـ بعد هذا: ((عبد الله بن محمَّد بن عثمان))؛ وهو: أبو محمَّد الأسدي الأندلسي؛ كان محدِّثاً، ضابطاً، ثقةً. ذكره الذَّهبي ـ نفسه ـ في وَفَيات سنة: (364) من: ((تاريخ الإسلام)) (الطبقة: 37/ص:324)، فذِكْرُه في شيوخ ابن حزم وهمٌ، وإنَّما يروي عنه بواسطة شيخه: عبد الله بن ربيع؛ كما في مواضع من: ((المُحلَّى)).
[7] قاله الحميدي في: ((جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، وأسماء رواة الحديث، وأهل الفقه والأدب، وذوي النباهة والشِّعر)) الترجمة: (707).
[8] كان عنده أدب ونباهة وذكاء، وكتب بخطِّه علماً كثيراً. توفي ـ رحمه الله ـ بوقعة الزَّلاقة شهيداً. ((الصِّلة)) (997)، و((تاريخ الإسلام)) (الطبقة: 48/الترجمة: 296). ومن أبناء ابن حزم ـ أيضاً ـ: أبو أسامة يعقوب، قال ابن بشكوال في ((الصِّلة)): كان من أهل النباهة والإستقامة، من بيتة علم وجلالة. توفي سنة: (503هـ). ومنهم: أبو سليمان مصعب، ذكره ابن خير الإشبيلي في: ((فهرسته)) 2/456، ووصفه بالفقيه.
[9] هو العلامة الأديب، ذو الفنون أبو محمد عبد الله بن محمد ابن العربي الإشبيلي، صحب ابن حزم، وأكثر عنه، ثمَّ ارتحل بولده أبي بكر، ومات بمصر في أول سنة: (493)، ورجع ابنه أبو بكر إلى الأندلس، وتوفي سنة: (543). قال الذهبي: وكان أبو محمَّد من كبار أصحاب أبي محمد بن حزم الظاهري، بخلاف ابنه القاضي أبي بكر؛ فإنَّه مُنَافِرٌ لابن حزم، مُحِطٌّ عليه بنفسٍ ثائرة. ترجُمتهما في: ((سير أعلام النبلاء)) 19/(68)، و20/(128).
[10] زيادة من ترجمة ابن حزم في: ((تذكرة الحفَّاظ)) 3/الترجمة: (1016)؛ للإمام الذَّهبيِّ ـ أيضاً ـ.
[11] في: ((شرح الأسماء الحسنى)) كما ذكر ابن حجر في: ((لسان الميزان)) 4/201.
[


--------------------------------------------------------------------------------

12] ((طبقات الأمم)) ص 76؛ ثمَّ قال صاعد الأندلسي ـ تعليقاً على هذا العدد ـ: وهذا شيء ما علمناه من أحدٍ كان في دولة الإسلام قبله؛ إلا لأبي جعفر بن جرير الطبريِّ؛ فإنَّه أكثر أهل الإسلام تأليفاً.
[13] في: ((جذوة المقتبس)).
[14] وقد أورد الذَّهبي كلامه بطوله، وهو في: ((العواصم من القواصم)) 2/336-337، تحقيق: عمَّار الطالبي.
[15] ذكره الحميدي في: ((الجذوة))؛ وتكملة العنوان منه، وقال: ((أورد فيه أقوال الصَّحابة والتَّابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين في مسائل الفقه، والحجة لكل طائفة وعليها، والأحاديث الواردة في ذلك من الصَّحيح والسقيم بالأسانيد، وبيان ذلك كلِّه، وتحقيق القول فيه)). وهذا الكتاب مفقود، لم يعثر منه إلا على صفحات ضمن مجموع رقم: (4856) في مكتبة تشتيريتي، وذكر ءاربرِّي ـ في فهرس المكتبة المذكورة ـ أنَّها النُّسخة الوحيدة في العالم.
Arberry, Arthur John: The Chester Beatty library : a handlist of the Arabic manuscripts, Dublin, 1959. vol 5, p 119.
وقد اختصر بعض هذا الكتاب ابنه أبو رافع ليكمِّل به: ((المحلَّى)) ابتداءً من المسألة: (2029)، وحتى نهاية الكتاب، إذ توفي ابن حزم ـ رحمه الله ـ قبل إتمامه.
[16] ((المُجَلَّى بالاختصار))، وهو المتن الذي عمل عليه شرحاً سمَّاه بـ((المُحَلَّى)) وهو التالي. والمتن لا يوجد بمفرده، وأنا في صدد تجريده من: ((المحلَّى))؛ يسَّر الله تعالى إتمامه.
[17] زيادة من: ((تذكرة الحفَّاظ)).
[


--------------------------------------------------------------------------------

18] والأصحُّ في عنوانه: ((المحلَّى بالآثار في شرح المُجلَّى بالاختصار، على ما أوجبه القرءان والسُّنن الثَّابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)). طبع في مصر بالمطبعة المنيرية 1347 -1350هـ (1928-1931م)، حقَّق العلامة أحمد محمد شاكر ـ رحمه الله ـ الأجزاء الستة الأولى، وحقَّق الجزء السابع: الشيخ عبد الرحمن الجزيري ـ رحمه الله ـ، وأتمَّ تحقيقه الشيخ محمد منير أغا الدمشقي ـ رحمه الله ـ. وطبع بمصر ـ أيضاً ـ سنة 1972م بتصحيح حسن زيدان طلبة، ولم تشتهر هذه الطبعة، بل بقيت الطبعة المنيرية هي المتداولة المعتمدة، وجدَّدت بعض دور النشر في بيروت طبعها بطريقة التصوير (الأوفست)، وما زال الأمر كذلك؛ حتى تجرَّأ ورَّاق، جاهل، متعالم؛ على إعادة تنضيد الكتاب، فمسخه، وشوهه؛ باسم التحقيق (دار الفكر ببيروت: 1988). وقد بدأتُ بجمع مخطوطات الكتاب من مكتبات العالم، وشرعت في تحقيقه على منهج علميٍّ متكامل، ومن الله تعالى العون والتوفيق.
[19] الإمام الفقيه موفَّق الدِّين أبو محمَّد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الدِّمشقي، ، المتوفى سنة 620 هـ. وكتابه: ((المغني)) من أعظم الكتب الفقهية الجامعة لمذاهب الأئمة الفقهاء، مع الاستدلال والتعليل والترجيح، بلغة علميةٍ أصوليَّةٍ ساميةٍ، وهو مطبوعٌ، متداولٌ، مشهورٌ.
[20] حقَّقه: ممدوح حقي، دمشق: دار اليقظة العربية، ط: 1/ 1956م، وط2/1966.
[21] طبع باسم: مراتب الإجماع، القاهرة 1357هـ/1938م؛ تصحيح: حسام الدين القدسي، في 179 صفحة. وطبع في بيروت، دار الآفاق الجديدة 1978م.
[22] طبع في مصر 1345-1348هـ، وقد عُني بتصحيحه العلامة أحمد محمد شاكر، وهو في ثمانية أجزاء، وقد صورته دار الآفاق الجديدة في بيروت سنة 1980م، وقدَّم له: الدكتور إحسان عباس. وطبعته دار الكتب العلمية في بيروت طبعة تجارية سيئة. وبلغني أن الأخ الشيخ مشهور حسن ءال سلمان؛ قد انتهى من تحقيقه.
[


--------------------------------------------------------------------------------

23] قاله الحميدي في: ((الجذوة))؛ والزيادة منه.
[24] هو ضمن كتابه: ((الفصل)) 1/116-2/91.
[25] طبع قديماً في القاهرة: 1317-1321هـ/1903-1907م، في خمسة أجزاء. وحققه: محمد إبراهيم نصر، وعبد الرحمن عميرة، جدة: مكتبة عكاظ 1402هـ.
[26] قال الحميدي: ((سلك في بيانه وإزالة سوء الظنِّ عنه، وتكذيب المُمَخرقين به؛ طريقةً لم يسلكها أحد قبله؛ فيما علمناه)). وقد طبع بتحقيق: إحسان عبَّاس، مكتبة دار الحياة، بيروت: 1959م. 237 صفحة. ثم طبعه في المجلد الرابع من: ((رسائل ابن حزم)).
[27] في تواريخ الخلفاء، أو: في نوادر الأخبار، نشره سيبولد، مجلة مركز الدراسات التاريخية، غَرناطة، 1911م. وحققه: شوقي ضيف، مجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة، م13/ع2/1951م، وجدَّد تحقيقها الدكتور إحسان عباس في: ((رسائل ابن حزم)) 2/43-116.
[28] لعلها: ((النُّبَذ في أصول الفقه الظاهري)) طبعت في القاهرة، مطبعة الأنوار، 1940م، بتحقيق: محمد زاهد الكوثري. وحققها الشيخ محمد صبحي حلاق (دار ابن حزم، بيروت: 1420هـ) عن مخطوطة المكتبة الراشدية في باكستان، ويظهر أنَّه لم يطَّلع على المطبوع.
[29] وهو: ((ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل))، تحقيق: الأستاذ سعيد الأفغاني ـ رحمه الله ـ، دمشق 1960م، وط: 2/بيروت 1969م.
[30] أو: ((الأخلاق والسير)) طبعت مراراً، وءاخرها: بتحقيق الأستاذة الدكتورة إيفا رياض، وبتقديمي وتعليقي، دار ابن حزم، بيروت 1421هـ.
[31]وقد ذكر الذهبي جملة كبيرة منها، واكتفيت بذكر أهمها وأشهرها، ومما لم يذكره الدهبيُّ ـ رحمه الله ـ من كتبه المشهورة:
((جمهرة أنساب العرب)) تحقيق: عبد السلام هارون، القاهرة: 1977م.
((


--------------------------------------------------------------------------------

جوامع السيرة)) ـ وذكره الذَّهبي في: ((تذكرة الحفاظ)) وسمَّاه: ((السيرة النبوية)) ـ، طبع بدار المعارف بمصر بتحقيق: إحسان عباس، وناصر الدين الأسد، ومراجعة العلامة أحمد محمد شاكر، وبذيله خمس رسائل لابن حزم.
ونشر الدكتور إحسان عباس أربعة أجزاء من: ((رسائل ابن حزم الأندلسي)) (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت: 1983)، تضم رسائل متنوعة في فنون الأدب، والتاريخ، والدين، والمنطق، وغيرها.


--------------------------------------------------------------------------------
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الفارس
إداري
إداري
الفارس


ذكر عدد الرسائل : 1160
السٌّمعَة : 13
نقاط : 2574
تاريخ التسجيل : 08/02/2009

تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي   تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي Emptyالجمعة مارس 19, 2010 9:00 pm

ابن حزم في (سير أعلام النبلاء) للذهبي (2)

محنته:
وقد امْتُحِنَ لتطويل لسانه في العلماء، وشُرِّد عن وطنه، فنزل بقريةٍ له، وجرت له أمورٌ، وقام عليه جماعةٌ من المالكيَّة[1]، وجرت بينه وبين أبي الوليد الباجيِّ (403-474هـ)؛ مُناظراتٌ ومُنَافراتٌ، ونفَّروا منه ملوك النَّاحية، فأقْصَتْهُ الدَّولة، وأُحرقتْ مجلداتٌ من كتبه[2]، وتحوَّل إلى بادية لَبْلَة[3] في قريةٍ.
قال أبو العبَّاس ابنُ العريف (536هـ): كان لسانُ ابن حزم وسيفُ الحجَّاج شقيقَيْن.
وقال أبو بكر محمد بنُ طَرْخان التُّركي (513هـ)، قال لي الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد ـ يعني والد أبي بكر ابن العربيِّ ـ: أخبرني أبو محمد بن حزم أنَّ سبب تعلُّمه الفقه أنَّه شهد جِنازةً، فدخل المسجد، فجلس ولم يركع، فقال له رجل: قُمْ فصلِّ تحيَّة المسجد ـ وكان قد بلغ ستَّاً وعشرين سنة ـ قال: فقمتُ وركعتُ، فلمَّا رجعنا من الصَّلاة على الجِنَازة؛ دخلتُ المسجدَ، فبادرتُ بالرُّكوع. فقيل لي: اجلس! اجلس! ليس ذا وقتَ صلاةٍ ـ وكان بعدَ العصر ـ قال: فانصرفتُ وقد حَزِنْتُ، وقلت للأستاذ الذي ربَّاني: دلَّني على دار الفقيه أبي عبد الله بن دَحُّون[4]. قال: فقصدته، وأعلمته بما جرى، فدلَّني على ((موطَّأ)) مالكٍ، فبدأتُ به عليه، وتتابعتْ قراءتي عليه وعلى غيره؛ نحواً من ثلاثة أعوام، وبدأت بالمناظرة[5].
ثم قال ابنُ العربيِّ: صحبتُ ابنَ حزمٍ سبعة أعوام، وسمعت منه جميع مصنَّفاته سوى المجلد الأخير من كتاب: ((الفصل)) وهو ست مجلدات، وقرأنا عليه من كتاب: ((الإيصال)) أربع مجلدات في سنة ست وخمسين وأربع مئة، وهو أربعة وعشرون مجلداً، ولي منه إجازةٌ غير مرَّةٍ.


--------------------------------------------------------------------------------

قال أبو مروان بن حَيَّان (377-469هـ): كان ابنُ حزم ـ رحمه الله ـ حامل فنونٍ من حديثٍ وفِقْهٍ وجَدَلٍ ونَسَبٍ، وما يتعلَّق بأذيال الأدب، مع المشاركة في أنواع التَّعاليم القديمة من المنطق والفلسفة، وله (في بعض تلك الفنون) كتبٌ كثيرةٌ، (غير أنه) لم يَخْلُ فيها من غَلَطٍ؛ لجُراءته في التَّسَوُّر على الفنون، لا سيما المنطق، فإنهَّم زعموا أنَّه زَلَّ هنالك، وضَلَّ في سلوك المَسَالك، وخالف أرسطاطاليس واضع الفَنِّ مخالفةَ مَنْ لم يَفْهم غَرَضَهُ ولا ارْتَاضَ، ومالَ أوَّلاً إلى النَّظر على رأي الشَّافعيِّ ـ رحمه الله ـ، وناضل عن مذهبه حتَّى وُسِمَ به، فاسْتُهْدِفَ بذلك لكثيٍر من الفقهاء، وعِيب بالشُّذُوذ، ثم عَدَلَ إلى قول أصحاب الظَّاهر، فنقَّحه، وجادل عنه، (وَوَضَعَ الكتبَ في بَسْطه)، وثبت عليه إلى أن مات ـ رحمه الله ـ.


--------------------------------------------------------------------------------

وكان يحمل علمه ـ هذا ـ ويجادل عنه من خالفه، على استرسالٍ في طباعِهِ، ومَذَلٍ بأسراره، واستنادٍ إلى العهد الذي أخذه الله على العلماء من عباده: ((ليُبَيِّنُنَّهُ للنَّاسِ وَلا يَكْتُمُونَهُ))[6]، فلم يكُ يُلَطِّفُ صَدْعَه بما عنده بتعريضٍ ولا (يزُفُّه) بتدريجٍ، بل يصكُّ به من عارضه صكَّ الجَندل[7]، ويُنْشِقُهُ (متلقِّيه) إنشاقَ الخَرْدَل، فتنفر عنه القلوب، وتُوقع به النُّدوب، حتى اسْتُهْدِفَ لفقهاء وقته، فتمالؤُوا عليه، وأجمعوا على تضليله، وشنَّعوا عليه، وحذَّروا سلاطينهم من فِتْنَتِه، ونهوا عَوامَّهم عن الدُّنُوِّ منه، (والأخذ عنه)، فطَفِقَ الملوكُ يقصونه عن قُرْبِهم، ويُسَيِّرونه عن بلادهم، إلى أن انتهوا به مُنقطعَ أثرِه: (بتربة بلده) من بادية لَبْلَة، (وبها توفي ـ رحمه الله ـ؛ سنة ستٍّ وخمسين وأربع مئةٍ)، وهو في ذلك غيرُ مُرْتَدِعٍ ولا راجع (إلى ما أرادوا به)، يَبُثُّ علمه فيمن ينتابه مِن بادية بلده، من عامَّة المقتبسين من أصاغر الطَّلبة، الذين لا يخشون فيه المَلامة؛ يحدِّثهم، ويفقِّههم، ويدارسهم، (ولا يَدَعُ المثابرةَ على العلم، والمواظبةَ على التَّأليفِ، والإكثارَ من التَّصنيف)؛ حتَّى كَمَل من مصنفاته (في فنونٍ من العلم) وِقْرُ بعير، لم يَعْدُ أكثرها (عتبة) باديته؛ لزُهد الفقهاء فيها، حتى لأُحْرِقَ بعضُها بإشبيلية، ومُزِّقت علانيةً.
وأكثر معايبه ـ زعموا عند المُنْصِفِ له ـ جَهلُه بسياسة العلم التي هي أعرض من إيعابه، وتخلُّفه عن ذلك؛ على قوَّة سَبحه في غماره، وعلى ذلك فلم يكن بالسَّليم من اضطراب رأيه، ومغيب شاهد علمه عنه عند لقائه، إلى أن يُحَرَّكَ بالسُّؤال، فيتفجر منه بَحْرُ علمٍ لا تكدِّره الدِّلاء، (ولا يقصر عنه الرِّشاء، له على كل ما ذكرنا دلائل ماثلة، وأخبار مأثورة).


--------------------------------------------------------------------------------

وكان ممَّا يزيد في شنآنه؛ تشَيُّعه لأمراء بني أميَّة؛ ماضيهم وباقيهم، (بالمشرق والأندلس)، واعتقاده لصِحَّة إمامتهم، (وانحرافه عمَّن سواهم من قريشٍ) حتَّى لنُسِبَ إلى النَّصْب[8] (لغيرهم)[9].
قلت: وقد أخذ المنطقَ ـ أبعده الله مِنْ علمٍ ـ عن محمد بن الحسن المَذْحِجيِّ، وأمعن فيه، فزَلْزَله في أشياء[10]َ.
ولي أنا مَيْلٌ إلى أبي محمَّد لمحبَّته في الحديث الصَّحيح، ومعرفته به، وإن كنتُ لا أُوافِقُه في كثيٍر ممَّا يقوله في الرِّجال والعلل، والمسائل البَشِعَة في الأصول والفروع، وأقطعُ بخطته في غير ما مسألةٍ، ولكن لا أُكفِّره، ولا أُضلِّلُه، وأرجو له العفوَ والمسامحة وللمسلمين، وأخضع لفَرْط ذكائه، وسَعة علومه.
نماذج من شعره[11]:
كتب إلينا المعمَّر العالم أبو محمَّد عبد الله بن محمد بن هارون ـ من مدينة تونس، عام سبعِ مئةٍ ـ عن أبي القاسم أحمد بن يزيد القاضي، عن شريح بن محمَّد الرُّعينيِّ؛ أنَّ أبا محمَّد بن حزم كتبَ إليه ـ فيما أحرقَ له المُعْتَضِدُ بن عَبَّاد من الكُتُب ـ يقول:
فإنْ تَحْرِقُوا القِرْطَاس لا تَحْرِقُوا الَّذِي ، تَضَمَّنَهُ القرطاسُ بَلْ هو في صَدْرِي
يَسِيرُ معي حيثُ اسْتَقَلَّتْ رَكائِبِي ، وَيَنزِلُ إنْ أَنْزِلْ ويُدْفَن في قَبْري
دَعُونِيَ مِنْ إحْرَاقِ رَقٍّ وكَاغَدٍ ، وَقُولُوا بِعِلْمٍ كَيْ يَرَى النَّاسُ مَنْ يَدري
وإلا فَعُودُوا في المَكَاتِبِ بَدْأَةً ، فَكَمْ دُونَ مَا تَبْغُونَ لله مِنْ سِتْرِ
كذَاكَ النَّصَارى يَحْرِقُونَ إذا عَلَتْ ، أكفُّهُم القُرْءانَ في مُدُنِ الثَّغْرِ
وبه لابنِ حزمٍ:
أُشْهِدُ اللهَ والمَلائِكَ أنِّي ، لا أرَى الرَّأْيَ والمَقَايِيسَ دِينا
حاشَ لله أنْ أقُولَ سِوى مَا ، جاء في النَّصِّ والهُدَى مُسْتَبِينَا
كَيْفَ يَخْفَى علَى البَصَائِرِ هذَا ، وهو كالشَّمْسِ شُهْرَةً وَيَقِينَا
فقلتُ مُجِيباً له :


--------------------------------------------------------------------------------

لو سَلِمْتُمْ مِنَ العُمُومِ الَّذي ، نَعْلَمُ قَطْعاً تَخْصِيصَهُ ويَقِيناً
وَتَرَطَّبْتُمْ فكَمْ قَدْ يَبِسْتُمْ ، لَرَأَيْنا لكم شُفُوفاً مُبِيناً
ولابنِ حزمٍ:
مُنَايَ من الدُّنْيا علومٌ أبُثُّها ، وَأَنْشُرُها في كُلِّ بَادٍ وحَاضِرِ
دُعاءٌ إلى القُرءانِ والسُّنَنِ التي ، تَناسَى رِجالٌ ذِكْرَها في المَحَاضِرِ
وَأَلْزَمُ أطْرافَ الثُّغُور مُجَاهداً ، إذَا هَيْعَةٌ ثَارَتْ فَأَوَّلُ نافِرِ
لألْقَى حِمامي مُقْبلاً غيرَ مُدْبِرٍ ، بِسُمْرِ العَوالي والرِّقاق البَواتِرِ
كِفَاحاً مع الكُفَّار في حَوْمَةِ الوَغَى ، وأَكْرَمُ مَوْتٍ لِلْفَتى قَتْلُ كافِرِ
فَيَا رَبِّ لا تَجْعَل حِمامِي بغَيْرِها ، ولا تَجْعَلَنِّي مِنْ قَطِيِن المقابِرِ
ومِنْ شِعْره:
هلِ الدَّهرُ إلا ما عَرَفْنَا وأَدْرَكْنَا ، فَجَائِعُهُ تَبْقَى وَلذَّاتُهُ تَفْنَى
إذا أَمْكَنَتْ فيه مَسَرَّةُ ساعةٍ ، تَوَلَّتْ كَمَرِّ الطَّرْفِ واسْتَخْلَفَتْ حُزْنَا
إلى تَبِعاتٍ في المَعَادِ وَمَوْقِفٍ ، نَوَدُّ لَدَيْهِ أنَّنَا لم نَكُنْ كُنَّا
حَنِينٌ لما وَلَّى وشُغْلٌ بما أَتَى ، وَهَمٌّ لما نَخْشَى فَعَيْشِكُ لا يَهْنَا
حَصَلْنا على هَمٍّ وإثْمٍ وحَسْرَةٍ ، وفاتَ الَّذي كُنَّا نَلَذُّ بِهِ عَنَّا
كأنَّ الذي كُنَّا نُسَرُّ بكَوْنِهِ ، إذا حقَّقَتْهُ النَّفْسُ لَفْظٌ بلا مَعْنَى
ولَهُ على سبيل الدُّعابة ـ وهو يماشي أبا عمرَ بن عبد البَرِّ ـ وقد رأى شابَّاً مَليحاً، فأعجبَ ابنَ حزم، فقال أبو عُمر: لعلَّ ما تحت الثِّياب ليس هناك! فقالَ[12]:
وَذِي عَذَلٍ فِيمَنْ سَبَانِي حُسْنُهُ ، يُطِيلُ مَلامي في الهَوَى ويَقُولُ
أَمِنْ حُسْنِ وَجْهٍ لاحَ لم تَرَ غَيْرَهُ ، ولم تَدْرِ كيفَ الجِسْمُ أنتَ قَتِيلُ؟
فقلتُ لَهُ: أسْرَفْتَ في اللَّوْمِ فاتَّئِدِ ، فَعِنْدِي رَدٌّ لَوْ أشَاءُ طَوِيلُ


--------------------------------------------------------------------------------

أَلَمْ تَرَ أنِّي ظَاهِرِيٌّ وأنَّنِي ، علَى ما بَدَا حتَّى يَقُومَ دَلِيلُ
أنشدنا أبو الفهم بن أحمد السُّلَمي، قال: أنشدنا ابنُ قُدامة، قال: أنشدنا ابنُ البَطِّي، قال: أنشدنا أبو عبد الله الحميديُّ، قال: أنشدنا أبو محمَّد عليُّ بن أحمد ـ لنفسه ـ:
لا تَشْمَتَنَّ حاسِدي إنْ نَكْبَةٌ عَرَضَتْ ، فالدَّهْرُ لَيْسَ على حَال بمُتَّرِكِ
ذُو الفَضْل كالتِّبْرِ طَوْراً تَحْتَ مَيْفَعَةٍ[13] ، وتارةً في ذُرَى تاجٍ علَى مَلِكِ
وشِعْرُه فَحْلٌ كما ترى، وكان يُنْظِمُ على البَدِيه.
وله يفتخرُ[14]:
أنا الشَّمْسُ في جَوِّ العُلُوم مُنيرةً ، ولكنَّ عَيْبي أنَّ مَطْلَعِي الغَرْبُ
ولو أنَّنِي مِنْ جانب الشَّرْقِ طالِعٌ ، لَجَدَّ على ما ضَاعَ مِنْ ذِكْرِيَ النَّهْبُ
وَلِي نحوَ أكْنَافِ العِراقِ صَبَابَةٌ ، ولا غَرْوَ أن يَسْتَوْحِشَ الكَلِفُ الصَّبُّ
فإنْ يُنْزِلِ الرَّحمنُ رَحْلِيَ بَيْنَهُمْ ، فَحِينَئِذٍ يَبْدُو التَّأَسُّفُ والكَرْبُ
فكَمْ قائِلٍ أغفلتُه وهو حاضِرٌ ، وأطْلُبُ ما عَنْهُ تَجِيءُ بِهِ الكُتُبُ[15]
هُنالِكَ يُدْرى أنَّ للْبُعْدِ قِصَّةً ، وأنَّ كَسَادَ العِلْمِ ءافَتُهُ القُرْبُ
فَواعَجَباً مَنْ غابَ عَنْهُم تشَوَّقُوا ، لَهُ ودُنُوُّ المَرْءِ مِنْ دَارِهِمْ ذَنْب[16]ُ
وَلَهُ:
أَنَائِمٌ أنتَ عَن كُتُبِ الحديثِ وما ، أتى عَنِ المُصْطَفَى فِيها مِنَ الدِّينِ
كمُسْلِمٍ والبُخَاريِّ اللَّذَيْنِ هُمَا ، شَدَّا عُرَى الدِّينِ في نَقْلٍ وتَبْيينِ
أَوْلَى بأجْرٍ وتَعْظِيمٍ ومَحْمَدَةٍ ، مِنْ كُلِّ قَوْلٍ أتَى مِنْ رَأْيِ سُحْنُونِ
يا مَنْ هَدَى بِهِمَا اجْعَلْنِي كَمِثْلِهِما ، في نَصْرِ دِينِكَ مَحْضَاً غَيْرَ مَفْتُونِ
ومِنْ نَظْمِهِ ـ أيضاً ـ:
لم أَشْكُ صَدَّاً ولم أُذْعِنْ بِهِجْرَانِ ، ولا شَعَرْتُ مَدَى دَهْرِي بسُلْوَانِ


--------------------------------------------------------------------------------

أسماءُ لم أَدْرِ مَعْناها ولا خَطَرَتْ ، يَوْماً عَلَيَّ ولا جَالَتْ بِمَيْدَانِي
لكِنَّمَا دائِيَ الأَدْوَا الَّذِي عَصَفَتْ ، عَلَيَّ أرْوَاحُهُ قِْدماً فأَعْيَانِي
تَفَرُّقٌ لم تَزَلْ تَسْرِي طَوَارِقُهُ ، إلى مَجَامِعِ أحْبَابِي وخِلانِي
كأنَّما البَيْنُ بي يَأتَمُّ حيثُ رأى ، لِي مَذْهَباً فهو يَتْلُونِي ويَغْشَانِي
وكنتُ أحسَبُ عندي للنَّوى جَلَدَاً ، دَاءٌ عَنا في فُؤادِي شَجْوُهَا العَانِي
فَقَابَلَتْني بألوانٍ غَدَوْتُ بِهَا ، مقابَلاً من صَباباتي بأَلوانِ
وله ـ أيضاً ـ:
قالُوا تَحَفَّظْ فإنَّ النَّاسَ قَدْ كَثُرَتْ ، أقوالُهُمْ وأقاوِيلُ الوَرَى مِحَنُ
فقلتُ: هَلْ عَيْبُهُمْ لي غَيْرَ أنِّي لا ، أقولُ بالرَّأيِ إذْ في رَأْيِهِم فِتَنُ
وَأنَّنِي مُولَعٌ بالنَّصِّ لَسْتُ إلى ، سِوَاهُ أنْحُو ولا في نَصْرِهِ أَهِنُ
لا أَنْثَنِي لِمَقَايِيسَ يُقال بها ، في الدِّينِ بَلْ حَسْبِيَ القُرءانُ والسُّنَنُ
يا بَرْدَ ذَا القَوْلِ في قَلْبِي وفي كَبِدِي ، ويا سُرُوري به لو أنَّهم فَطِنُوا
دَعْهُمْ يَعَضُّوا على صُمِّ الحَصَى كَمَداً ، مَنْ مَاتَ مِنْ قَوْلِهِ عِنْدي لَهُ كَفَنُ

وفاته:
قال صاعد: ونقلتُ من خطِّ ابنه أبي رافعٍ؛ أنَّ أباه توفي ـ رحمه الله ـ عَشية يوم الأحد، لليلتين بقيتا من شعبان، سنة ستٍّ وخمسين وأربع مئة. فكان عُمُره إحدى وسبعين سنةً وأشهراً[17]، رحمه الله تعالى.
ولأبي بكر أحمد بن سليمان المروانيِّ[18]، يمدح ابن حزم ـ رحمه الله ـ:
لمَّا تَحَلَّى بِخُلُقٍ ، كَالمِسْكِ أوْ نَشْرِ عُوْدِ
نَجْلُ الكِرَامِ ابنُ حَزْمٍ ، وَفَاقَ في العِلْمِ عُوْدِي
فَتْوَاهُ جَدَّدَ دِينِي ، جَدْوَاهُ أَوْرَقَ عُودِي
أقُولُ ـ إذ غِبْتُ عَنْهُ ـ: ، يا سَاعَةَ السَّعْدِ عُودِي

---
[


--------------------------------------------------------------------------------

1] هذه واحدة من المحن التي أصابته، غير أنها لم تكن الوحيدة، بل قاسى ابن حزم محناً كثيرة؛ من الإجلاء، والسجن، والأسر والنَّفي والتغريب، مما سيذكر بعضه في: ((طوق الحمامة))، وذلك لأنه لم يرض بأنصاف الحلول، بل تمسك بشرعية الخلافة الأموية، واتخذ موقفاً شجاعاً وواضحاً من فتنة البربر.
[2] ومع هذا لم يخرج ابن حزم ـ رحمه الله ـ عند حدِّ العدل والإنصاف، قال ابن بسَّام في: ((الدَّخيرة)) ق2/م2/96: بلغني عن الفقيه أبي محمَّد بن حزمٍ؛ أنه كان يقول: لم يكن لأصحاب المذهب المالكيِّ ـ بعد عبد الوهَّاب ـ مثل أبي الوليد الباجيِّ. وقد ناظره بميورقة؛ فقلَّ من غَرْبه، وسبَّب إحراق كتبه، ولكنَّ أبا محمَّد ـ وإن كان اعتقد خلافه ـ فلم يطَّرح إنصافه، أو حاول الردَّ عليه؛ فلم ينسب التقصير إليه.
قال عبد الحق: هكذا تكون أخلاق العلماء الربَّانيِّين!
[3] غربي قرطبة، بينها وبين قرطبة على طريق إشبيلية؛ خمسة أيام. ((معجم البلدان)) 5/10.
[4] هو في الراجح: أبو محمَّد عبد الله بن يحيى، الفقيه المالكي، المعروف بابن دحون، كان من جلَّة الفقهاء المذكورين، عارفاً بالفتوى، حافظاً للمذهب، عمَّر وأسنَّ، وانتفع به النَّاس، وانفرد برئاسة المذهب المالكي بقية مدَّته، توفي سنة: (431). ((الصِّلة)) (590)، ((ترتيب المدارك)) 4/730 للقاضي عياض، ((تاريخ الإسلام)) (الطبقة. 44/الترجمة: 9).
[


--------------------------------------------------------------------------------

5] هذه الحكاية نقلها عن ابن طرخان؛ ياقوتُ الحموي في: ((معجم الأدباء)) 12/241-242، ثم تناقلها بعده غير واحد من المؤرخين، واشتهرت جداً؛ رغم أنَّه لم يرد ذكرها في شيءٍ من المصادر الأندلسية الأصيلة، وهي قصَّة وإن كانت صحيحة الإسناد؛ فإنَّ متنها منكر جداً، وابن حزم ـ نفسه ـ يكذِّبها إذ يروي في مصنَّفاته عن شيخيه: ابن وجه الجنَّة؛ الذي مات في شهر ذي الحجة سنة (402)، وابن الجسور؛ الذي مات في شهر ذي القعدة سنة (401)، وقد ذكرنا أنَّ ابن حزم ولد في رمضان 384، فيكون قد شرع في دراسة الحديث والفقه على ابن الجسور وهو ابن سبع عشرة سنة، فيما لو لم يبتدئ عليه الدراسة إلا في سنة وفاته. ويكون قد شرع في دراسة الفقه على ابن وجه الجنَّة وهو ابن ثمان عشرة سنة؛ فيما لو لم يبتدئ القراءة عليه إلا في سنة وفاته. كيف؟ وابن حزم يصَرِّح بأنَّ ابن الجسور: ((أول شيخ سمعت منه قبل سنة الأربع مئة)) (الجدوة: 99)، والحافظ الذَّهبيُّ يحدِّد هذه القبلية بقوله: وأول سماع ابن حزم سنة تسع وتسعين وثلاث مئة. (العبر: 3/239)، فتكون السِّنُّ التي ابتدأ فيها ابن حزم دراسة الحديث والفقه هي عمر الغلام اليافع، سنُّ الخامسة عشرة. وأين هذا من عمر رجل في السادسة والعشرين؟ (انظر: مقدِّمة الكتَّاني لـ ((معجم فقه ابن حزم)) 73-75)، وقد ردَّ هذه الحكاية ـ أيضاً ـ العلامة أبو عبد الرحمن الظَّاهري، في كتابه: ((ابن حزم خلال ألف عام)) وبيَّن أن ابن حزم قد أخبر عن نفسه أنه صلَّى على جنازة قبل أحد عشر عاماً من تاريخ هذه القصَّة، فقد صلَّى على المؤيد هشام.
[


--------------------------------------------------------------------------------

6] في قوله تعالى: ((وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ)) [ءال عمران:187]. وقوله تعالى: ((لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ)) قرأ ابن كثير وأبو عَمرو بياء الغيب فيهما، والباقون بتاء الخطاب.
[7] الجندل: ما يُقِلُّه الرَّجل من الحجارة. ((القاموس)).
[


--------------------------------------------------------------------------------

8] النَّصب هو بغض عليٍّ رضي الله عنه. وهذه التُّهمة نتيجة باطلة للمقدمة السابقة، وهي: (تشيُّعه لأمراء بني أُميَّة)؛ إذ أن ذلك (التشيع) والحب والولاء كان قائماً على أساس الولاء الشرعي للخلافة الأموية، والإدراك لدورها الهام في المحافظة على وحدة المسلمين وعزِّهم، فقد كانت دولة بني أمية ـ وكما قال ابن حزم ـ: ((دولة عربية لم يتخذوا قاعدة، إنَّما سكنى كلُّ امرئٍ منهم في داره وضيعته التي كانت له قبل الخلافة، ولا أكثروا احتجان الأموال، ولا بناء القصور، ولا استعملوا مع المسلمين أن يخاطبوهم بالتمويل ولا التسويد، ويكاتبوهم بالعبودية والملك، ولا تقبيل الأرض ولا رجل ولا يد، وإنَّما كان غرضهم الطَّاعة الصَّحيحة من التَّولية... فلم يملك أحد من ملوك الدُّنيا ما ملكوه من الأرض، إلى أن تغَّلب عليهم بنو العبَّاس بالمشرق، وانقطع به ملكهم، فسار منهم عبد الرحمن بن معاوية إلى الأندلس، وملكها هو وبنوه، وقامت بها دولة بني أميَّة نحو الثلاث مئة سنة، فلم يكُ في دول الإسلام أنبل منها، ولا أكثر نصراً على أهل الشرك، ولا أجمع لخلال الخير، وبهدمها انهدمت الأندلس إلى الآن، وذهب بهاء الدُّنيا بذهابها. وانتقل الأمر بالمشرق إلى بني العباس... وكانت دولتهم أعجمية، سقطت فيها دواوين العرب، وغلب عجم خراسان على الأمر، وعاد الأمر ملكاً عضوضاً، محققاً كسروياً...)). ((


--------------------------------------------------------------------------------

البيان المغرب)): 2/39-40، فيما نقله الدكتور إحسان عبَّاس في مقدمته لـ((رسائل ابن حزم)) 2/21-22؛ وعلَّق عليه بقوله: وفي مثل هذا الحكم على الدُّول يتَّضح ((الجانب التركيبي)) في نظرات ابن حزم، بحيث يستطيع المرء أن يحلَّ هذه المركبات في بحوث مفردة، وتبدو في ذلك مهارة ابن حزم في انتقاء السِّمات المميزة، مثلما يبدو جانب هام ءاخر من حسِّ المؤرخ لديه، وذلك أنَّه لا ينظر إلى منجزات الدَّولة الواحدة نظرته إلى بعض الأفراد من ذوي المسؤولية فيها، وإنما يرى هذه المنجزات من منظار المميزات الكبرى، وتلك تتجلَّى في ما أصاب الجماعة من خيرٍ، فقد يعيب هو الوليد بن عبد الملك، ويصفه بالطُّغيان (نقط العروس: 2/71؛ وقال عنه: أحد الفراعنة)، أو يعيب مروان بن الحكم، ويتهمه بأنَّه شقَّ عصا الجماعة، ويقول فيه: ((مروان ما نعلم له جرحة قبل خروجه على أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير؛ رضي الله عنهما)) (المحلَّى: 163)، ولكنه يبرز الخصائص الإيجابية التي تتميز بها الدَّولة الأموية بكلمات دقيقة دالَّة، ولا يضع سيئات الأفراد على كاهل الدولة كلِّها. قلت: وتمام هذا البحث والرد على ابن حيَّان؛ عند الدكتور إحسان عباس في المصدر المذكور، ومحمد المنتصر الكتاني في مقدمته لـ((معجم فقه ابن حزم)) 71-73، وغيرهما.
[9] انتهى كلام ابن حيَّان، ونقله الذَّهبيُّ ـ أيضاً ـ في: ((تذكرة الحفَّاظ)) 3/1151-1152. وقد حفظه لنا أبو الحسن علي بن بسَّام الشَّنتريني (542هـ) في: ((الذَّخيرة في محاسن أهل الجزيرة)) 1/1/168-169، ونقله ياقوت الحموي في: ((معجم الأدباء)) 12/247-249، وعنهما استدركت بعض الفقرات وجعلتها بين قوسين. وله تتمَّه أغفلها الذَّهبي عمداً؛ لأنَّها تحتاج إلى نقدٍ ومناقشةٍ.
[


--------------------------------------------------------------------------------
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الفارس
إداري
إداري
الفارس


ذكر عدد الرسائل : 1160
السٌّمعَة : 13
نقاط : 2574
تاريخ التسجيل : 08/02/2009

تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي   تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي Emptyالجمعة مارس 19, 2010 9:02 pm

] وقال في ((تذكرة الحفاظ)): فيقي فيه قسط من نحلة الحكماء. وقال الإمام ابن عبد الهادي (744هـ) في: ((طبقات علماء الحديث)) 3/الترجمة: (993): وقد طالعت أكثر كتاب: ((الملل والنحل)) لابن حزم فرأيته قد ذكر فيه عجائب كثيرة، ونقولاً غريبة، وهو يدلُّ على قوَّة ذكاءِ مؤلِّفه، وكثرة اطلاعه، لكن تبيَّن لي منه أنَّه جَهْمِيٌّ جَلْد، لا يُثْبت من معاني أسماء الله الحسنى إلا القليل، كالخالق والحق، وسائر الأسماء عنده لا تدلُّ على معنىً أصلاً؛ كالرَّحيم والعليم والقدير ونحوها، بل العِلْمُ عنده هو القُدرة، والقدرة هي العِلم، وهما عين الذَّات، ولا يدلُّ العلم على معنى زائد على الذَّات المجرَّدة أصلاً، وهذا عين السَّفْسَطة، والمكابرة، وكان ابن حزم في صغره قد اشتغل في المنطق والفَلْسَفة، وأحذ المنطق عن محمَّد بن الحسن المَذْحجي، وأمعن في ذلك فتقرَّر في ذهنه ـ بهذا السَّبب ـ معاني باطلة، ثمَّ نظر في الكتاب والسُّنَّة فوجد فيهما من المخالفة لما تقرَّر في ذِهنه فصار في الحقيقة حائراً في تلك المعاني الموجودة في الكتاب والسنة، فرَوَغَ في ردِّها روغان الثَّعلب، فتارةً يحمل اللَّفظ على غير معناه اللُّغوي، ومرَّةً يحمل ويقول: هذا اللفظ لا معنى له أصلاً، بل هو بمنزلة الأعلام، وتارة يردُّ ما ثبت عن المصدوق، كردِّه الحديث المتَّفق على صحَّته في إطلاق لفظ الصِّفات؛ وقول الذي كان يلزم قراءة ((قل هو الله أحد)) ـ لأنَّها صفة الرَّحمن ـ عزَّ وجلَّ ـ: ((فأنا أحبُّ أن أقرأ بها)). ومرَّةً يخالف إجماع المسلمين في إطلاق بعض الأسماء على الله ـ عزَّ وجلَّ ـ.


--------------------------------------------------------------------------------

وفي كلامه على اليهود والنَّصارى ومذاهبهم وتناقضهم فوائد كثيرة، وتخليط كبير، وهجوم عظيم، فإنَّه ردَّ كثيراً من باطلهم بباطل مثله، كما ردَّ على النَّصارى في التَّثليث بما يتضمن نفي الصِّفات، وكثيراً ما يَلعَنُ ويكفِّر ويَشْتُمُ جماعةً ممَّن نقل كتبهم كمتَّى ولوقا ويوحنَّا؛ وغيرهم، ويَقْذَعُ في القدْح فيهم إقذاعاً بليغاً. وهو ـ في الجملة ـ لونٌ غريبٌ، وشيءٌ عجيبٌ، وقد تكلَّم على نقل القرءان، والمعجزات، وهيئة العالم؛ بكلامٍ أكثره مليحٌ حسنٌ.
قلت: ومع ما وقع فيه ابن حزم من انحراف في عقيدة الأسماء والصِّفات، وغيرها؛ فإنه يذم الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، ويصرِّح بلعن جهم بن صفوان، ويقول: ((وأهل السُّنة ـ الذين نذكرهم ـ أهلُ الحَقِّ، ومَنْ عَداهم؛ فأهلُ البدعة، فإنَّهم الصَّحابة ـ رضي الله عنهم ـ وكلُّ من سلك نهجهم؛ من خيار التَّابعين ـ رحمة الله عليهم ـ ثُمَّ أصحاب الحديث، ومن اتبعهم من الفقهاء؛ جيلاً فجيلاً إلى يومنا هذا، أو مَن اقتدى بهم من العوام في شَرْق الأرض وغربها ـ رحمة الله عليهم ـ)) (الفَصْل: 2/99)؛ والأمر في ذلك ـ كلِّه ـ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: ((...وطائفة أخرى كأبي محمد بن حزم وغيره ممن يقول أيضاً : إنه متَّبعٌ لأحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة، إلى غير هؤلاء ممَّن ينتسب إلى السنة ومذهب الحديث؛ يقولون إنهم على اعتقاد أحمد بن حنبل، ونحوه من أهل السنة، وهم لم يعرفوا حقيقة ما كان يقوله أئمة السنة; كأحمد بن حنبل وأمثاله)). (مجموع الفتاوى: 7/659).
[11] أغنى المصادر بشعر ابن حزم هو: ((طوق الحمامة))، لكني حرصت على إيراد هذه النماذج التي انتقاها الإمام الذَّهبي ـرحمه الله ـ؛ ليتعرَّف القارئ على أغراض أخرى في شعره، غير ما يجده في هذا الكتاب.
[


--------------------------------------------------------------------------------

12] هذه القصَّة أوردها ـ أيضاً ـ المقري في: ((نفح الطِّيب)) 2/82؛ وقال في صدرها: ((قال ابن حزم في: ((طوق الحمامة)): إنه مرَّ يوماً هو وأبو عمر ابن عبد البر ـ صاحب: ((الاستيعاب)) ـ بسكَّة الحطَّابين من مدينة إشبيلية، فلقيهما شاب حسن الوجه....)) فذكر الحوار والأبيات. غير أنَّ النُّسخة التي وصلتنا من الطَّوق لا تحتوي هذه القصَّة، وقد نبَّه إلى هذا: Max Weisweiler في ترجمته للطوق إلى الألمانية:
Halsband Der Taube, Leiden 1942
وكذلك الدكتور الطاهر أحمد مكي في مقدِّمته لـ((الطوق)) ص: 38، والدُّكتور إحسان عبَّاس، وتساءل فيما إذا كانت هذه القصَّة ممَّا حذفها النَّاسخ أو أن المقري وَهِمَ؟ (رسائل ابن حزم: 2/447). قلت: لعل الراجح هو الأول، والله أعلم. والأبيات ـ دون القصَّة ـ في: ((الذَّخيرة)) 1/1/175، و((معجم الأدباء)) 12/243-244، و((المغرب في حُلي المغرب)) 1/356، و((وفيات الأعيان)) 3/327.
[13] الميفعة: الشَّرف من الأرض.
[14] وهي من قصيدة طويلة، خاطب بها قاضي الجماعة بقرطبة عبد الرحمن بن أحمد بن بشر؛ يفخر فيها بالعلم، ويذكر أصناف ما علم. قاله الحميدي في: ((الجذوة)).
[15] هذا البيت أغفله الذهبي، وهو في: ((الجذوة))، و((البغية))، و((الذَّخيرة))، و((معجم الأدباء))، و((نفح الطيب)).
[16] وزاد في: ((معجم الأدباء)) وغيره:
وإنَّ مَكَاناً ضَاقَ عَنِّي لَضَيِّقٌ ، على أنَّهُ فَسْحٌ مَهامِهُهُ سَهْبُ
وإنَّ رِجَالاً ضَيَّعُونِي لَضُيَّعٌ ، وإنَّ زَمَاناً لَمْ أَنَلْ خِصْبَهُ جَدْبُ
ومنها في الاعتذار عن مَدْحِه لنَفْسِه:
ولكنَّ لِي في يوسُفَ خَيْرُ أُسْوَةٍ ولَيْسَ علَى مَنْ بِالنَّبِيِّ ائْتَسَى ذَنْبُ
يقُولُ - وقالَ الحَقَّ والصِّدْقَ – إنَّنِي حَفِيظٌ عَلَيْهُم، مَا على صَادِقٍ عَتْبُ
[


--------------------------------------------------------------------------------

17] ((الصِّلة))؛ وفيه: ((وعشرة أشهر وتسعة وعشرين يوماً)). وهو يوافق: 15/8/1064من التأريخ النَّصرانيِّ، والله تعالى أعلم.
[18] ذكره الحميديُّ في: ((الجذوة))، وقال: من أهل الأدب، أنشدني لنفسه في أبي محمَّد علي بن أحمد؛ على طريقة البستي:.... وذكر الأبيات.


--------------------------------------------------------------------------------

ابن حزم في (معجم البلدان) لياقوت الحموي
قال شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحَمَوي الرومي البغدادي (574-626هـ/1178-1229م) في كتابه: (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب) وهو (معجم الأدباء):
علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن سفيان بن يزيد الفارسي مولى يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمسٍ القرشي الأندلسي الإمام العلامة المكنَّى أبا محمدٍ.


--------------------------------------------------------------------------------

مات فيما ذكره صاعد بن أحمد الجياني في كتاب أخبار الحكماء في سلخ شعبان سنة ستٍ وخمسين وأربع مئةٍ، قال: وكتب إلي بخط يده: إنه ولد بعد صلاة الصبح من آخر يوم في شهر رمضان سنة ثلاثٍ وثمانين وثلاث مئة، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة إلا شهراً، قال: وأصل آبائه من قرية منت ليشم من إقليم الزاوية من عمل أونبة من كورة ليلة من غرب الأندلس، وسكن هو وآباؤه قرطبة ونالوا فهيا جاهاً عريضاً، وكان أبو عمروٍ أحمد بن سعيد بن حزم أحد العلماء من وزراء المنصور محمد بن أبي عامرٍ ووزراء ابن المظفر بعده والمدبرين لدولتيهما، وكان ابنه الفقيه أبو محمد وزيراً لعبد الرحمن المستظهر بالله، ابن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر لدين الله ثم لهشام المعتد بالله بن محمد بن عبد الملك بن عبد الرحمن الناصر، ثم نبذ هذه الطريقة وأقبل على قراءة العلوم وتقييد الآثار والسنن، فعني بعلم المنطق وألف فيه كتاباً سماه كتاب التقريب لحدود المنطق بسط فيه القول على تبيين طرق المعارف، واستعمل فيه مثلاً فقيهةً وجوامع شرعيةً، وخالف أرسطاليس واضع هذا العلم في بعض أصوله مخالفة من لم يفهم غرضه ولا ارتاض في كتبه، فكتابه من أجل هذا كثير الغلط بين السقط، وأوغل بعد هذا في الاستكثار من علوم الشريعة حتى نال منها ما لم ينله أحد قط بالأندلس قبله، وصنف فيها مصنفاتٍ كثيرة العدد شرعية المقصد، معظمها في أصول الفقه وفروعه على مذهبه الذي ينتحله، وطريقه الذي يسلكه، وهو مذهب داود بن علي بن خلفٍ الأصبهاني ومن قال بقوله من أهل الطاهر ونفاة القياس والتعليل.


--------------------------------------------------------------------------------

قال: ولقد أخبرني ابنه الفضل المكنى أبا رافع: أن مبلغ تواليفه في الفقه والحديث والأصول والنحل والملل وغير ذلك من التاريخ والنسب وكتب الأدب والرد على المعارض نحو أربع مئة مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقةٍ، وهذا شيء ما علمناه لأحد ممن كان في دولة الإسلام قبله، إلا لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، فإنه أكثر أهل الإسلام تصنيفاً، فذكر ما ذكرناه في ترجمة ابن جرير من أن أيام حياته حسبت وحسبت تصانيفه، وكان لكل يوم أربع عشرة ورقةً ثم قال: ولأبي محمد بن حزمٍ بعد هذا نصيب وافر من علم النحو واللغة، وقسم صالح من قرض الشعر وصناعة الخطابة.
ذُكر أن ابن حزم اجتمع يوماً مع الفقيه أبي الوليد سليمان بن خلف بن سعيد بن أيوب الباجي صاحب كتابي المنتقي والاستغناء وغيرهما من التواليف، وجرت بينهما مناظرة فلما انقضت قال الفقيه أبو الوليد: تعذرني فإن أكثر مطالعتي كان على سرج الحراس. قال ابن حزمٍ: وتعذرني أيضاً فإن أكثر مطالعتي كانت على منابر الذهب والفضة، أراد أن الغني أضيع لطلب العلم من الفقر.
قرأت بخط أبي بكر محمد بن طرخان بن يلتكين بن يحكم قال الشيخ الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد ابن العربي الأندلسي: توفي الشيخ الإمام أبو محمدٍ علي ابن أحمد بن سعيد بن حزمٍ بقريته وهي من غرب الأندلس على خليج البحر الأعظم في شهر جمادى الأولى من سنة سبعٍ وخمسين وأربعمائةٍ، والقرية التي له على بعد نصف فرسخ من أونبة يقال لها متلجتم وهي ملكه ومل سلفن من قبله قال: وقال لي أبو محمد بن العربي: إن أبا محمد بن حزم ولد بقرطبة، وجده سعيد ولد بأونبة ثم انتقل إلى قرطبة وولى فيها الوزارة ثم ابنه على الإمام أقام في الوزارة من وقت بلوغه إلى انتهاء سنه ستاً وعشرين سنة. وقال: إني بلغت إلى هذا السن وأنا لا أدري كيف أجبر صلاة من الصلوات.


--------------------------------------------------------------------------------

قال: قال لي الوزير أبو محمد بن العربي: أخبرني الشيخ الإمام أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم أن سبب تعلمه الفقه أنه شهد جنازة لرجل كبير من إخوان أبيه، فدخل المسجد قبل صلاة العصر والخلق فيه فجلس ولم يركع، فقال له أستاذه يعني الذي رباه بإشارةٍ أن قم فصل تحية المسجد فلم يفهم، فقال له بعض المجاورين له: أبلغت هذه ولا تعلم أن تحية المسجد واجبة؟ وكان قد بلغ حينئذٍ ستة وعشرين عاماً قال: فقمت وركعت وفهمت إذاً إشارة الأستاذ إلى بذلك. قال: فلما انصرفنا من الصلاة على الجنازة إلى المسجد مشاركةً للأحباء من أقرباء الميت، دخلت المسجد فبادرت بالركوع فقيل لي: اجلس اجلس، ليس هذا وقت صلاةٍ، فانصرفت عن الميت وقد خزيت ولحقني ما هانت علي به نفسي وقلت للأستاذ: دلني على دار الشيخ الفقيه المشاور أبي عبد الله بن دحون، فدلني فقصدته من ذلك المشهد وأعلمته بما جرى فيه، وسألت الابتداء بقراءة العلم واسترشدته، فدلني على كتاب الموطإ لمالك بن أنس - رضي الله عنه - فبدأت به عليه قراءةً من اليوم التالي لذلك اليوم، ثم تتابعت قراءتي عليه وعلى غيره نحو ثلاثة أعوامٍ، وبدأت بالمناظرة قال: وقال لي الوزير الإمام أبو محمد بن العربي: صحبت الشيخ الإمام أبا محمدٍ على بن حزمٍ سبعة أعوامٍ، وسمعت منه جميع مصنفاته حاشا المجلد الأخير من كتاب الفصل وهو يشتمل على ست مجلداتٍ من الأصل الذي قرأنا منه، فيكون الفائت نحوا لسدس، وقرأنا من كتاب الإيصال أربع مجلداتٍ من كتاب الإمام أبي محمد بن حزمٍ في سنة ستٍ وخمسين وأربع مئةٍ، ولم يفتني من تأليفاته شيء سوى مذكراته من الناقص وما لم أقرأه من كتاب الإيصال.


--------------------------------------------------------------------------------

وكان عند الإمام أبي محمد بن حزمٍ كتاب الإيصال في أربع وعشرين مجلداً بخط يده، وكان في غاية الإدماج قال: وقال لي الوزير أبو محمد بن العربي: وربما كان للإمام أبي محمد بن حزمٍ شيء من تواليفه ألفه في غير بلده في المدة التي تجول فيها بشرق الأندلس فلم أسمعه، ولي بجميع مصنفاته ومسموعاته إجازة منه مراتٍ عدةً كثيرةً. آخر ما كان بخط اليجمكي - رحمه الله -.
وأورد له صاحب المطمح أشعاراً منها:
وذي عذل فيمن سباني حسنه ، يطيل ملامي في الهوى ويقول:
أمن أجل وجه لاح لم تر غيره ، ولم تدر كيف الجسم أنت عليل
فقلت له: أسرفت في اللوم فاتئد ، فعندي رد لو أشاء طويل
ألم تر أني ظاهري وأنني ، على ما أرى حتى يقوم دليل
وأنشد له:
هل الدهر إلا ما عرفنا وأدركنا ، فجائعه تبقى ولذاته تفنى
إذا أمكنت فيه مسرة ساعة ، تولت كمر الطرف واستخلفت حزنا
إلى تبعات في المعاد وموقف ، نود لديه أننا لم نكن كنا
حصلنا على هم وإثم وحسرة ، وفات الذي كنا نقر به عينا
حنين لما ولى وشغل بما أتى ، وغم لما يرجى فعيشك لا يهنا
كأن الذي كنا نسر بكونه ، إذا حققته النفس لفظ بلا معنى
وله:
ولى نحو أكناف العراق صبابة ، ولا غرو أن يستوحش الكلف الصب
فإن ينزل الرحمن رحلي بينهم ، فحينئذٍ يبدو التأسف والكرب
هنالك تدرى أن للبعد قصةً ، وأن كساد العلم آفته القرب
وله:
لا يشمتن حاسدي إن نكبة عرضت ، فالدهر ليس على حال بمترك
ذو الفضل كالتبر طوراً تحت ميقعة ، وتارة في ذرى تاج على ملك!
وله:
لئن أصبحت مرتحلاً بشخصي ، فروحي عندكم أبداً مقيم
ولكن للعيان لطيف معنى ، له سأل المعاينة الكليم
ومن شعر أبي محمد بن حزمٍ:
أنا العلق الذي لا عيب فيه ، سوى بلدي وأني غير طارى
تقر لي العراق ومن يليها ، وأهل الأرض إلا أهل داري
طووا حسداً على أدب وفهمٍ ، وعلمٍ ما يشق له غباري
فمهما طار في الآفاق ذكري ، فما سطع الدخان بغير نار


--------------------------------------------------------------------------------

قال أبو مروان بن حيان: كان أبو محمدٍ حامل فنونٍ من حديثٍ وفقهٍ وجدلٍ ونسبٍ وما يتعلق بأذيال الأدب مع المشاركة في كثير من أنواع التعاليم القديمة من المنطق والفلسفة، وله في بعض تلك الفنون كتب كثيرة غير أنه لم يخل فيها من غلطٍ وسقط لجراءته على التسور على الفنون ولا سيما المنطق، فإنهم زعموا أنه زل هنالك وضل في شكول المسالك، وخالف أرسطاطاليس واضعه مخالفة من لم يفهم غرضه ولا ارتاض، ومال أولاً النظر به في الفقه إلى رأي محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله - وناضل عن مذهبه، وانحرف عن مذهب سواه حتى وسم به ونسب إليه، فاستهدف بذلك لكثير من الفقهاء وعيب بالشذوذ، ثم عدل في الآخر إلى قول أصحاب الظاهر مذهب داود بن علي ومن اتبعه من فقهاء الأمصار، فنقحه ونهجه وجادل عنه، ووضع الكتب في بسطه وثبت عليه إلى أن مضى لسبيله - رحمه الله - وكان يحمل علمه هذا ويجادل من خالفه فيه على استرسال في طباعه، وبذلٍ بأسراره، واستنادٍ على العهد الذي أخذه الله على العلماء من عباده: (لتبيننه للناس ولا تكتمونه) فلم يك يلطف صدعه بما عنده بتعريضٍ ولا برقه بتدريجٍ، بل يصك معارضه صك الجندل، وينشقه متلقمه إنشاق الخردل، فنفر عنه القلوب، وتوقع به الندوب، حتى استهدف إلى فقهاء وقته، فمالوا على بغضه ورد أقواله، فأجمعوا على تضليله، وشنعوا عليه وحذروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامهم عنا الدنو إليه والأخذ عنه، وطفق الملوك يقصونه عن قربهم، ويسيرونه عن بلادهم، إلى أن انتهوا به منطقع أثره بتربة بلده من بادية ليلة، وبها توفي - رحمه الله - سنة ستٍ وخمسين وأربعمائةٍ، وهو في ذلك غير مرتدعٍ: ولا راجعٍ إلى ما أرادوا به، يبث علمه فيمن ينتابه من بادية بلده من عامة المقتبسين منهم من أصاغر الطلبة الذين لا يخشون فيه الملامة، يحدثهم ويفقههم ويدرسهم، ولا يدع المثابرة على العلم والمواظبة على التأليف، والإكثار من التصنيف، حتى كمل من مصنفاته في


--------------------------------------------------------------------------------

فنون من العلم وقر بعيرٍ، لم تعد أكثرها عتبة باديته لتزهيد الفقهاء طلاب العلم فيها، حتى لأحرق بعضها بإشبيلية ومزقت علانيةً لا يزيد مؤلفها في ذلك إلا بصيرةً في نشرها، وجدالاً للمعاندة فيها، إلى أن مضى لسبيله، وأكثر معايبه - زعموا - عند المنصف له جهله بسياسة العلم التي هي أوص من إتقانه، ومخلفه عن ذلك على قوة شيخه عمارة، وعلى ذلك كله فلم يكن بالسلم من اضطراب رايه، ومغيب شاهد علمه عنه عند لقائه، إلى أن يحرك بالسؤال: فيتفجر منه بحر علمٍ لا تكدره الدلاء، ولا يقصر عنه الرشاء، له على كل ما ذكرنا دلائل مائلة، وأخبار مأثورة، وكان مما يزيد في شنآنه تشيعه لأمراء بني أمية ماضيهم وباقيهم بالشرق والأندلس، واعتقاده لصحة إمامتهم وانحرافه عن سواهم من قريش حتى نسب إلى التعصب لغيهم. وقد كان من غرائبه انتماؤه في فارس واتباع أهل بيته له في ذلك بعد حقبةٍ من الدهر تولى فيها أبوه الوزير المعقل في زمانه، الراجح في ميزانه، أحمد بن سعيد بن حزم لبني أمية أولياء نعمه، لا عن صحة ولايةٍ لهم عليه، فقد عهده الناس حامل الأبوة. مولد الأرومة من عجم ليلة، جده الأدنى حديث الإسلام، ولم يتقدم لسلفه نباهة، فأبوه أحمد - على الحقيقة - هو الذي بنى بيت نفسه في آخر الدهر براس رابيةٍ، وعمده بالخلال الفاضلة من الرجاحة والمعرفة والدهاء والرجولة والرأي، فاغتدى جرثومة سلفٍ لمن نماهم أغنتهم عن الرسوخ في أول السابقة، فما من شرف إلا مسوق عن خارجيةٍ، ولم يكن غلا كلا ولا حي تخطى على هذا رابيةً ليلة، فارتقى قلعةً إصطخر من أرض فارس، فالله أعلم كيف ترقاها، إذ لم يكن يؤتى من خطل ولا جهالةٍ، بل وصله بها وسع علمٍ وشجته رحم معقومة، بلها بمستأخر الصلة رحمه الله، فتناهت حاله مع فقهاء عصره إلى ما وصفته، وحسابه وحسابهم على الله الذي لا يظلم الناس مثقال ذرة عز وجهه.


--------------------------------------------------------------------------------

ولهذا الشيخ أبي محمدٍ مع يهود لعنهم الله ومع غيرهم من أولى المذاهب المرفوضة من أهل الإسلام مجالس محفوظة، وأخبار مكتوبة، وله مصنفات في ذلك معروفة، من أشهرا في علم الجدل كتابه المسمى كتاب الفصل بين أهل الآراء والنحل، كتاب الصادع والرد على من كفر أهل التأويل من فرق المسلمين والرد على من قال بالتقليد، وله كتاب في شرح حديث الموطاٍ والكلام على مسائله، وله كتاب الجامع في صحيح الحديث باختصار الأسانيد والاقتصار على أصحها واجتلاب أكمل ألفاظها وأصح معانيها، وكتاب التلخيص والتخليص في المسائل النظرية وفروعها التي لا نص عليها في الكتاب ولا الحديث، وكتاب منتقى الإجماع وبيانه من جملة ما لا يعرف فيه اختلاف، وكتاب الإمامة والسياسة في قسم سير الخلفاء ومراتبها والندب والواجب منها، وكتاب أخلاق النفس، وكتابه الكبير المعروف بالإيصال إلى فهم كتاب الخصال، وكتاب كشف الإلباس ما بين أصحاب الظاهر وأصحاب القياس، إلى تواليف غيرها ورسائل في معانٍ شتى كثيرٍ عددها. باختصار الأسانيد والاقتصار على أصحها واجتلاب أكمل ألفاظها وأصح معانيها، وكتاب التلخيص والتخليص في المسائل النظرية وفروعها التي لا نص عليها في الكتاب ولا الحديث، وكتاب منتقى الإجماع وبيانه من جملة ما لا يعرف فيه اختلاف، وكتاب الإمامة والسياسة في قسم سير الخلفاء ومراتبها والندب والواجب منها، وكتاب أخلاق النفس، وكتابه الكبير المعروف بالإيصال إلى فهم كتاب الخصال، وكتاب كشف الإلباس ما بين أصحاب الظاهر وأصحاب القياس، إلى تواليف غيرها ورسائل في معانٍ شتى كثيرٍ عددها.
ومن شعره يصف ما أحرق له من كتبه ابن عباد قوله:
فإنْ تَحْرِقُوا القِرْطَاس لا تَحْرِقُوا الَّذِي ، تَضَمَّنَهُ القرطاسُ بَلْ هو في صَدْرِي
يَسِيرُ معي حيثُ اسْتَقَلَّتْ رَكائِبِي ، وَيَنزِلُ إنْ أَنْزِلْ ويُدْفَن في قَبْري


--------------------------------------------------------------------------------

دَعُونِيَ مِنْ إحْرَاقِ رَقٍّ وكَاغَدٍ ، وَقُولُوا بِعِلْمٍ كَيْ يَرَى النَّاسُ مَنْ يَدري
وإلا فَعُودُوا في المَكَاتِبِ بَدْأَةً ، فَكَمْ دُونَ مَا تَبْغُونَ لله مِنْ سِتْرِ
وله:
كأنك بالزوار لي قد تبادروا ، وقيل لهم أودى على بن أحمد
فيا رب محزونٍ هناك وضاحكٍ ، وكم أدمعٍ تذرى وخدٍ مخدد
عفا الله عني يوم أرحل ظاعناً ، عن الأهل محمولاً إلى ضيق ملحد
وأترك ما قد كنت معتبطاً به ، والقى الذي آنست منه بمرصد
فوارا حتى إن كان زادي مقدماً ، ويا نصبي إن كنت لم أتزود
وبالبدائع، هذا الخبر على وعورة ما أوضحنا على كثرة الدافنين لها والطامسين لمحاسنها، وعلى ذلك فليس ببدعٍ فيما أضيع منه، فأزهد الناس في عالمٍ أهله وقبله رزئ العلماء بتزهدهم على من يقصر عنهم، والحسد داء ولا دواء له - آخر كلام ابن حيان –
ولأبى محمدٍ قصيدة يخاطب بها قاضي الجماعة بقرطبة عبد الرحمن بن بشيرٍ يفخر فيها بالعلم، ويذكر أصناف ما علم يقول فيها:
أنا الشمس في جو العلوم منيرة ، ولكن عيبي أن مطلعي الغرب
ولو أنني من جانب الشرق طالع ، لجد علي ما ضاع من ذكري النهب
ولي نحو أكناف العراق صبابة ، ولا غرو أن يستوحش الكلف الصب
فإن ينزل الرحمن رحلي بينهم ، فحينئذ يبدو التأسف والكرب
فكم قائل: أغفلته وهو حاضر ، وأطلب ما عنه تجيء به الكتب!
هنالك يدري أن للبعد قصة ، وأن كساد العلم آفته القرب!
فَواعَجَباً مَنْ غابَ عَنْهُم تشَوَّقُوا ، لَهُ ودُنُوُّ المَرْءِ مِنْ دَارِهِمْ ذَنْب
وإن مكاناً ضاق عنى لضيق ، على أنه فيح مذاهبه سهب
وإن رجالاً ضيعوني لضيع ، وإن زماناً لم أنل خصبه جدب
ولكن لي في يوسفٍ خير أسوةٍ ، وليس على من بالنبي ائتسي ذنب
يقول مقال الحق والصدق إننى ، حفيظ عليم ما على صادقٍ عتب
وله مثله:
يقول أخي: شجاك رحيل جسمٍ ، وروحك ماله عنا رحيل
فقلت له: المعاين مطمئن ، لذا طلب المعاينة الخليل
قال الحميدي وأنشدته قول لأبي نواسٍ:


--------------------------------------------------------------------------------

عرضن للذي تحب بحبٍ ، ثم دعه بروضة إبليس
فقال: أنت في طريق التحقيق فقال:
أبن قول وجه الحق في نفس سامعٍ ، ودعه فنور الحق يسرى ويشرق
سيؤنسه رفقاً وينسى نفاره ، كما نسى القيد الموثق مطلق


--------------------------------------------------------------------------------
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الفارس
إداري
إداري
الفارس


ذكر عدد الرسائل : 1160
السٌّمعَة : 13
نقاط : 2574
تاريخ التسجيل : 08/02/2009

تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي   تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي Emptyالجمعة مارس 19, 2010 9:03 pm

ابن حزم في (نفح الطيب) للمقري
قال العلامة أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى بن عبدالرحمن بن أبي اليعيش بن محمد التلمساني المقَّري (1041هـ/1631م) في كتابه: (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب):
وابن حزم المذكور هو أبو محمد ابن حزم الظاهري.
قال ابن حيّان وغيره: كان ابن حزم صاحب حديث وفقه وجدل، وله كتب كثيرة في المنطق والفلسفة لم يخل فيها من غلط، وكان شافعيّ المذهب، يناضل الفقهاء عن مذهبه ثم صار ظاهريّاً، فوضع الكتب في هذا المذهب، وثبت عليه إلى أن مات، وكان له تعلّق بالأدب، وشنّع عليه الفقهاء، وطعنوا فيه، وأقصاه الملوك وأبعدوه عن وطنه، وتوفّي بالبادية عشية يوم الأحد لليلتين بقيتا من شعبان سنة ست وخمسين وأربعمائة.
وقال صاعد في تاريخه: كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفة، مع توسعه في علم اللسان والبلاغة والشعر والسّير والأخبار، أخبرني ابنه الفضل أنّه اجتمع عنده بخط أبيه من تواليفه نحو أربعمائة مجلد، نقله عن تاريخ صاعد الحافظ الذهبي.
قال الذهبي: وهو العلامة أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح، الأموي، مولاهم، الفارسي الأصل، الأندلسي القرطبي الظاهري، صاحب المصنفات، وأول سماعه سنة 399، وكان إليه المنتهى في الذكاء وحدّة الذهن وسعة العلم بالكتاب والسنّة والمذاهب والملل والنّحل والعربية والآداب والمنطق والشعر، مع الصدق والديانة الحشمة والسؤدد والرياسة والثروة وكثرة الكتب.
قال الغزالي رحمه الله تعالى: وجدت في أسماء الله تعالى كتاباً لأي محمد ابن حزم يدل على عظم حفظه وسيلان ذهنه، انتهى باختصار.
وعلى الجملة فهو نسيج وحده، لولا ما وصف به من سوء الاعتقاد، والوقوع في السلف الذي أثار عليه الانتقاد، سامحه الله تعالى.


--------------------------------------------------------------------------------

وذكر الذهبي أن عمره اثنتان وسبعون سنة، وهو لا ينافي قول غيره إنّه كان عمره إحدى وسبعين سنة وعشرة أشهر لأنّه ولد رحمه الله تعالى بقرطبة بالجانب الشرقي في ربض منية المغيرة قبل طلوع الشمس وبعد سلام الإمام من صلاة الصبح آخر ليلة الأربعاء آخر يوم من شهر رمضان، سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، بطالع العقرب، وتوفّي ليومين بقيا من شعبان سنة 456، وكان كثير المواظبة على التأليف، ومن جملة تآليفه كتاب الفصل بين أهل الأهواء والنّحل وكتاب الصادع والرادع على من كفّر أهل التأويل من فرق المسلمين والرد على فرق التقليد وكتاب شرح حديث الموطإ والكلام على مسائله وكتاب الجامع في صحيح الحديث باختصار الأسانيد والاقتصار على أصحها وكتاب التلخيص والتخليص في المسائل النظريّة وفروعها التي لا نصّ عليها في الكتاب والحديث وكتاب منتقى الإجماع وبيانه من جملة ما لا يعرف فيه اختلاف وكتاب الإمامة والخلافة في سير الخلفاء ومراتبها والندب والواجب منها وكتاب كشف الالتباس ما بين أصحاب الظاهر وأصحاب القياس انتهى.
وقال ابن سعيد في حق ابن حزم، ما ملخّصه: الوزير العالم الحافظ أبو محمد علي ابن الوزير أبي عمر أحمد بن سعيد بن حزم الفارسي، وشهرته تغني عن وصفه، وتوفّي منفيّاً بقرية من بلد لبلة، ووصله من ابن عمه أبي المغيرة رسالةٌ فيها ما أوجب أن جاوبه بهذه الرسالة، وهي: سمعت وأطعت، لقوله تعالى: "وأعرض عن الجاهلين" وأسلمت وانقدت لقول نبيه عليه الصلاة والسلام: "صل من قطعك، واعف عمّن ظلمك" ورضيت بقول الحكماء: "كفاك انتصاراً ممّن تعرض لأذاك إعراضك عنه"، وأقول:
تتبّع سواي امرأً يبتغي ، سبابك إنّ هواك السّباب
فإنّي أبيت طلاب السفاه ، وصنت محلّي عمّا يعاب
وقل ما بدا لك من بعد ذا ، وأكثر فإنّ سكوتي خطاب
وأقول:
كفاني بذكر الناس لي ومآثري ، وما لك فيهم يا ابن عمّي ذاكر
عدوّي وأشياعي كثيرٌ كذاك من ، غدا وهو نفّاع المساعي وضائر


--------------------------------------------------------------------------------

وإنّي وإن آذيتني وعققتني ، لمحتملٌ ما جاءني منك صابر
فوقّع له أبو المغيرة على ظهر رقعته: قرأت هذه الرقعة العاقّة، فحين استوعبتها أنشدتني:
نحنح زيدٌ وسعل ، لمّا رأى وقع الأسل
فأردت قطعها، وترك المراجعة عنها، فقالت لي نفسي: قد عرفت مكانها، بالله لا قطعتها إلاّ يده، فأثبتّ على ظهرها ما يكون سبباً إلى صونها، فقلت:
نعقت ولم تدر كيف الجواب ، وأخطأت حتى أتاك الصواب
وأجريت وحدك في حلبةٍ ، نأت عنك فيها الجياد العراب
وبتّ من الجهل مستنبحاً ، لغير قرىً فأتتك الذئاب
فكيف تبيّنت عقرى الظّلوم ، إذا ما انقضت بالخميس العقاب
لعمرك ما لي طباعٌ تذمّ ، ولا شيمةٌ يوم مجدٍ تعاب
أنيل المنى والظّبا سخّطٌ ، وأعطي الرضى والعوالي غضاب
وأقول:
وغاصب حقٍّ أوبقته المقادر ، يذكّرني حاميم والرمح شاجر
غدا يستعير الفخر من خيم خصمه ، ويجهل أنّ الحقّ أبلج ظاهر
ألم تتعلّم يا أخا الظّلم أنّني ، برغمك ناهٍ منذ عشرٍ وآمر
تذلّ لي الأملاك حرّ نفوسها ، وأركب ظهر النسر والنسر طائر
وأبعث في أهل الزمان شوارداً ، تليّنهم وهي الصعاب النوافر
فإن أثو في أرض فإنّي سائرٌ ، وإن أنأ عن قومٍ فإنّي حاضر
وحسبك أن الأرض عندك خاتمٌ ، وأنّك في سطح السلامة عاثر
ولا لوم عندي في استراحتك التي ، تنفست عنها والخطوب فواقر
فإنّي للحلف الذي مرّ حافظٌ ، وللنزعة الأولى بحاميم ذاكر
هنيئاً لكلٍّ ما لديه فإنّنا ، عطيّة من تبلى لديه السرائر
ومن شعر أبي محمد ابن حزم يخاطب قاضي الجماعة بقرطبة عبد الرحمن بن بشر:
أنا الشمس في جوّ العلوم منيرةً ، ولكنّ عيبي أنّ مطلعي الغرب
ولو أنّني من جانب الشرق طالعٌ ، لجدّ على ما ضاع من ذكري النهب
ولي نحو آفاق العراق صبابةٌ ، ولا غرو أن يستوحش الكلف الصبّ
فإن ينزل الرحمن رحلي بينهم ، فحينئذ يبدو التأسف والكرب
فكم قائلٍ أغفلته وهو حاضرٌ ، وأطلب ما عنه تجيء به الكتب


--------------------------------------------------------------------------------

هنالك يدري أن للعبد قصّةً ، وأن كساد العلم آفته القرب
فيا عجباً من غال عنهم تشوّقوا ، له، ودنوّ المرء من دارهم ذنب
وإنّ مكاناً ضاق عنّي لضيّقٌ ، على أنّه فيحٌ مهامهه سهب
وإنّ رجالاً ضيّعوني لضيّعٌ ، وإنّ زماناً لم أنل خصبه جدب
ومنها في الاعتذار عن مدحه لنفسه:
ولكنّ لي في يوسفٍ خير أسوةٍ ، وليس على من بالنبيّ ائتسى ذنب
يقول مقال الصّدق والحقّ إنّني ، حفيظٌ عليمٌ، ما على صادقٍ عتب
وقوله:
لا يشمتن حاسدي إن نكبةٌ عرضت ، فالدهر ليس على حالٍ بمتّرك
ذو الفضل كالتبر يلقى تحت متربةٍ ، طوراً، وطوراً يرى تاجاً على ملك
وقوله لمّا أحرق المعتضد بن عباد كتبه بإشبيلية:
دعوني من إحراق رقٍّ وكاغدٍ ، وقولوا بعلمٍ كي يرى الناس من يدري
فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي ، تضمّنه القرطاس، بل هو في صدري
يسير معي حيث استقلّت ركائبي ، وينزل إن أنزل ويدفن في قبري
وقوله:
لئن أصبحت مرتحلاً بشخصي ، فقلبي عندكم أبداً مقيم
ولكن للعيان لطيف معنىً ، لذا سأل المعاينة الكليم
وقوله:
وذي عذلٍ فيمن سباني حسنه ، يطيل ملامي في الهوى ويقول
أمن أجل وجهٍ لاح لم تر غيره ، ولم تدر كيف الجسم أنت عليل
فقلت له أسرفت في اللوم فاتّئد ، فعندي ردٌّ لو أشاء طويل
ألم تر أنّي ظاهريٌّ، وأنّني ، على ما أرى حتى يقوم دليل
وهو أبو محمد علي بن أبي عمر أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن يزيد، القرطبي.
قال ابنه أبو رافع الفضل: اجتمع عندي بخط أبي من تواليفه نحو أربع مئة مجلد تشتمل على قريب من نحو ثمانين ألف ورقة، انتهى.
أبوه الوزير أبو عمر المذكور كان من وزراء المنصور بن أبي عامر، وتوفّي - كما قال ابن حيان - بذي القعدة سنة اثنتين وأربع مئة، وكان منشؤه ومولده بقرية تعرف بالزاوية.


--------------------------------------------------------------------------------

وحكي أن الحافظ أبا محمد ابن حزم قصد أبا عامر ابن شهيد في يوم غزير المطر والوحل شديد الريح، فلقيه أبو عامر، وأعظم قصده على تلك الحال، وقال له: يا سيّدي، مثلك يقصدني في مثل هذا اليوم! فأنشده أبو محمد ابن حزم بديهاً:
فلو كانت الدنيا دوينك لجّةً ، وفي الجوّ صعقٌ دائمٌ وحريق
لسهّل ودّي فيك نحوك مسلكاً ، ولم يتعذّر لي إليك طريق
قال الحافظ ابن حزم: أنشدني الوزير أبي في بعض وصاياه لي:
إذا شئت أن تحيا غنيّاً فلا تكن ، على حالةٍ إلا رضيت بدونها
وهذا كافٍ في فضل الفرع والأصل، سامح الله الجميع.
قال ابن حزم في طوق الحمامة: إنّه مرّ يوماً هو وأبو عمر ابن عبد البر صاحب الاستيعاب بسكّة الحطابين من مدينة إشبيلية، فلقيهما شاب حسن الوجه، فقال أبو محمد: هذه صورة حسنة، فقال له أبو عمر: لم نر إلاّ الوجه، فلعلّ ما سترته الثياب ليس كذلك، فقال ابن حزم ارتجالاً:
وذي عذلٍ فيمن سباني حسنه...
الأبيات.
ولابن حزم أيضاً قوله:
لا تلمني لأنّ سبقة لحظٍ ، فات إدراكها ذوي الألباب
يسبق الكلب وثبة الليث في العد ، و ويعلو النّخال في اللّباب
ولأبي بكر ابن مفوّز جزء يردّ فيه على أبي محمد ابن حزم، وفيه قال معرّضاً:
يا من تعاني أموراً لن تعانيها ، خلّ التعاني وأعط القوس باريها
تروي الأحاديث عن كلٍّ مسامحةً ، وإنّما لمعانيها معانيها
وقيل: إنّه خاطب بهما بعض أصحاب ابن حزم.


--------------------------------------------------------------------------------

ابن حزم في (وفيات الأعيان) لابن خلكان

قال أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خِلِّكان (ت: 681 هـ) في كتابه (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان):
أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن معدان بن سفيان بن يزيد، مولى يزيد بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس الأموي، وجده يزيد أول من أسلم من أجداده، وأصله من فارس، وجده خلف أول من دخل الأندلس من آبائه. ومولده بقرطبة من بلاد الأندلس يوم الأربعاء قبل طلوع الشمس سلخ شهر رمضان سنة أربع وثمانين وثلاث مئة في الجانب الشرقي منها.


--------------------------------------------------------------------------------

وكان حافظاً عالماً بعلوم الحديث وفقهه، مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة بعد أن كان شافعي المذهب، فانتقل إلى مذهب أهل الظاهر، وكان متفنناً في علوم جمة، عاملاً بعلمه، زاهداً في الدنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الوزارة وتدبير الممالك، متواضعاً ذا فضائل جمة وتواليف كثيرة، وجمع من الكتب في علوم الحديث والمصنفات والمسندات شيئاً كثيراً، وسمع سماعاً جماً، وألف في فقه الحديث كتاباً سماه " الإيصال إلى فهم كتاب الخصال الجامعة لحمل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام والسنة والإجماع " أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين، رضي الله عنهم أجمعين، في مسائل الفقه، والحجة لكل طائفة وعليها، وهو كتاب كبير، وله كتاب " الإحكام لأصول الأحكام " في غاية التقصي وإيراد الحجج، وكتاب " الفصل في الملل في الأهواء والنِّحل " وكتاب في الإجماع ومسائله على أبواب الفقه، وكتاب في مراتب العلوم وكيفية طلبها وتعلق بعضها ببعض، وكتاب " إظهار تبديل اليهود والنصارى للتوراة والإنجيل وبيان تناقض ما بأيديهم من ذلك مما لا يحتمل التأويل " وهذا معنى لم يسبق إليه، كتاب " التقريب بحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية " فإنه سلك في بيانه وإزالة سوء الظن عنه وتكذيب الممخرقين به طريقة لم يسلكها أحد قبله، وكان شيخه في المنطق محمد بن الحسن المذحجي القرطبي المعروف بابن الكتاني، وكان أديباً شاعراً طبيباً له في الطب رسائل، وكتب في الأدب، ومات بعد الأربعمائة، ذكر ذلك ابن ماكولا في كتاب " الإكمال" في باب الكتامي والكتاني، نقلاً عن الحافظ أبي عبد الله الحميدي. وله كتاب صغير سماه " نقط العروس " جمع كل غريبة نادرة، وهو مفيد جداً.


--------------------------------------------------------------------------------

وقال ابن بشكوال في حقه: كان أبو محمد أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفةً مع توسعه في علم اللسان ووفور حظه من البلاغة والشعر والمعرفة بالسير والأخبار. أخبر ولده أبو رافع الفضل أنه اجتمع عنده بخط أبيه من تأليفه نحو أربعمائة مجلد، تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة.
وقال الحافظ أبو عبد الله محمد بن فتوح الحميدي: ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس والتدين، وما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه. ثم قال: أنشدني لنفسه:
لئن أصبحت مرتحلاً بشخصي ، فروحي عندكم أبداً مقيم
ولكن للعيان لطيف معنى ، له سأل المعاينة الكليم
وله في المعنى:
يقول أخي شجاك رحيل جسم ، وروحك ماله عنا رحيل
فقلت له المعاين مطمئن ، لذا طلب المعاينة الخليل
وروى له الحافظ الحميدي أيضاً:
أقمنا ساعة ثم ارتحلنا ، وما يغني المشوق وقوف ساعه
كأن الشمل لم يك ذا اجتماع ، إذا ما شتت البين اجتماعه
وقال الحميدي أيضاً: أنشدني أبو محمد علي بن أحمد بن حزم - يعني المذكور - لعبد الملك بن جهور:
إن كانت الأبدان بائنةً ، فنفوس أهل الظرف تأتلف
يا رب مفترقين قد جمعت ، قلبيهما الأقلام والصحف
ومن شعره أيضاً:
وذي عذلٍ فيمن سباني حسنه ، يطيل ملامي في الهوى ويقول
أفي حسن وجهٍ لاح لم تر غيره ، ولم تدر كيف الجسم أنت قتيل
فقلت له أسرفت في اللوم ظالماً ، وعندي ردٌ لو أردت طويل
ألم تر أني ظاهري وأنني ، على ما بدا حتى يقوم دليل


--------------------------------------------------------------------------------

وكانت بينه وبين أبي الوليد سليمان الباجي - المذكور في حرف السين - مناظرات وما جرايات يطول شرحها، وكان كثير الوقوع في العلماء المتقدمين، لا يكاد يسلم أحد من لسانه، فنفرت عنه القلوب واستهدف لفقهاء وقته، فتمالئوا على بغضه وردوا قوله واجمعوا على تضليله وشنعوا عليه وحذروا سلاطينهم من فتنته ونهوا عوامهم عن الدنو إليه والأخذ منه، فأقصته الملوك وشردته عن بلاده حتى انتهى إلى بادية لبلة فتوفي بها آخر نهار الأحد لليلتين بقيتا من شعبان سنة ست وخمسين وأربعمائة،وقيل إنه توفي في منت ليشم، وهي قرية ابن حزم المذكور، رحمه الله تعالى.
وفيه قال أبو العباس ابن العريف - المقدم ذكره -: كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج بن يوسف شقيقين، وإنما قال ذلك لكثرة وقوعه في الأئمة.
وكانت وفاة والده أبي عمر أحمد في ذي القعدة سنة اثنتين وأربعمائة، وكان وزير الدولة العامرية، وهو من أهل العلم والأدب والخير والبلاغة، وقال ولده أبو محمد المذكور: أنشدني والدي الوزير في بعض وصاياه لي رحمه الله تعالى: إذا شئت أن تحيا غنياً فلا تكن على حالةٍ إلا رضيت بدونها


--------------------------------------------------------------------------------

وذكر الحميدي في كتاب " جذوة المقتبس " أن الوزير المذكور كان جالساً بين يدي مخدومه المنصور أبي عامر محمد بن أبي عامر في بعض مجالسه العامة، فرفعت إليه رقعة استعطاف لأم رجل مسجون كان المنصور اعتقله حنقاً عليه لجرم استعظمه منه، فلما قرأها اشتد غضبه، وقال: ذكرتني والله به، وأخذ القلم وأراد أن يكتب: يصلب، فكتب: يطلق، ورمى الورقة إلى وزيره المذكور، وأخذ الوزير القلم وتناول الورقة وجعل يكتب بمقتضى التوقيع إلى صاحب الشرطة، فقال له المنصور: ما هذا الذي تكتب؟ قال: بإطلاق فلان، فحرد، وقال: من أمر بهذا؟ فناوله التوقيع، فلما رآه قال: وهمت، والله ليصلبن، ثم خط على التوقيع، وأراد أن يكتب " يصلب " فكتب " يطلق، فأخذ الوزير الورقة، وأراد أن يكتب إلى الوالي بالإطلاق، فنظر إليه المنصور وغضب أشد من الأول، وقال: من أمر بهذا؟ فناوله التوقيع، فرأى الخط، فخط عليه، وأراد أن يكتب " يصلب " فكتب " يطلق "، وأخذ الوزير التوقيع وشرع في الكتابة إلى الوالي، فرآه المنصور فأنكر أكثر من المرتين الأوليين، فأراه خطه بالإطلاق، فلما رآه عجب من ذلك، وقال: نعم يطلق على رغمي، فمن أراد الله سبحانه إطلاقه لا أقدر أنا على منعه وكان لأبي محمد ولد نبيه سريٌّ فاضل يقال له أبو رافع الفضل ابن أبي محمد علي، وكان في خدمة المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية وغيرها من بلاد الأندلس، وكان المعتمد قد غضب على عمه أبي طالب عبد الجبار بن محمد بن إسماعيل بن عباد وهمَّ بقتله لأمرٍ رابه منه، فاستحضر وزراءه وقال لهم: من يعرف منكم في الخلفاء أو ملوك الطوائف من قتل عمه عندما هم بالقيام عليه؟ فتقدم أبو رافع المذكور، وقال: ما نعرف أيدك الله إلا من عفا عن عمه بعد قيامه عليه، وهو إبراهيم بن المهدي عم المأمون من بني العباس، فقبله المعتمد بين عينيه وشكره، ثم أحضر عمه وبسطه وأحسن إليه.


--------------------------------------------------------------------------------

وقتل أبو رافع المذكور في وقعة الزلاقة مع مخدومه المعتمد في يوم الجمعة منتصف رجب سنة تسع وسبعين وأربعمائة - وقد استوفيت خبر هذه الواقعة في ترجمة يوسف بن تاشفين فلينظر هناك، وقد سبق ذكر إبراهيم بن المهدي في هذا الكتاب - والله أعلم.
ولبلة: بفتح اللامين، وبينهما باء موحدة ساكنة، وفي الأخير هاء ساكنة، بلدة بالأندلس.
ومنت ليشم: بفتح الميم وسكون النون وفتح التاء المثناة من فوقها وكسر اللام وسكون الياء المثناة من تحتها وفتح الشين المعجمة وفي آخرها ميم، وهي قرية من أعمال لبلة كانت ملك ابن حزم المذكور، وكان يتردد إليها.


--------------------------------------------------------------------------------
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تراجم الإمام ابن حزم الأندلسي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الأدب الأندلسي الكاتب : الشيخ العلامة تقي الدين الهلالي
» قصيدة ابن بهيج الأندلسي في مدح أُمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-
» ترجمة الإمام ابن تيمية
» ترجمة الإمام ابن القيم
» من مناقب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف :: منتدى سير الانبياء والسلف الاتقياء-
انتقل الى: