الشيخ عبد الرحمن بن عمر العدني حفظه الله
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن محمد عبده ورسوله
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون} سورة: آل عمران – الآية: 102
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }سورة: النساء - الآية: 1.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} سورة: الأحزاب- الآية: 70, 71.
أما بعد ، فان اصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، أيها الإخوة في الله ، أولاً نحمد الله عز وجل الذي يسر لنا زيارة إخواننا حفظهم الله من المشايخ والطلاب وعموم الإخوة في هذا المركز المبارك ، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا وسائر إخواننا ممن تزاور فيه وتواصل من اجله وتحابب فيه سبحانه وتعالى ، فهذه من النعم العظيمة والجليلة التي يمنّ الله عز وجل بها على أهل الإسلام وعلى أهل السنة أنهم لا يتواصلون ولا يتزاورون إلا في الله ومن اجل الله عز وجل ، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول كما في النسائي وأبي يعلى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه " إن من عباد الله عباداً يغبطهم الأنبياء والشهداء ، ليسوا بأنبياء ولا شهداء ، قالوا صفهم لنا يا رسول الله لعلنا نحبهم ، قال: هم قوم تحابوا من غير أرحام ولا انساب ، وجوههم من نور على منابر من نور لا يخافون يوم يخاف الناس ولا يحزنون يوم يحزن الناس " ، ثم تلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قول الله عز وجل: { أَلآ إِنّ أَوْلِيَآءَ اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتّقُونَ }سورة: يونس – الآية :62 , 63 .
ثم أيضاً نشكرُ فضيلة الشيخ أبا نصر محمد الإمام حفظه الله تعالى وبارك فيه وفي علمه وفي جهوده وأهله وولده ، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياه وسائر إخواننا من أنصار الحق ودعاة الهدى ، نشكره على محبته لزيارة إخوانه وتلاميذه ، فنسأل الله تبارك وتعالى أن يجزيه عنا خير الجزاء.
أيها الإخوة في الله ، في هذه اللحظات نذكر أنفسنا وإخواننا بعظيم نعمة الله عز وجل علينا ، أن هدانا إلي دينه وان وفقنا إلى سنة رسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فهذه من اجّل النعم التي ينعم الله عز وجل بها على عباده المسلمين أن يهديهم إلى دينه وان يجعلهم من أتباع رسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، يحجب الله عز وجل هذه النعمة عن كثير من الناس وعن ملايين من البشر فلم يوفقهم إليها ولم يهديهم سُبلها ثم يصطفيك ويجتبيك حتى تكون من عباد الله الصالحين ، والله عز وجل يذكرنا في كتابه الكريم بهذا الخير وبهذا الفضل فيقول:{ وَاذْكُرُوَاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مّسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مّنَ الطّيّبَاتِ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة: الأنفال - الأية: 26 ، قال قتادة رحمه الله تعالى: كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا وأشقاه عيشا وأجوعه بطونا وأعراه جلودا وأبينه ضلالة ، من عاش منهم عاش شقيا ومن مات منهم ردى في النار حتى جاء الله بالإسلام فمكن به في البلاد ووسع به في الرزق وجعلهم به ملوكاً على رقاب الناس.
علينا أن نحمد الله عز وجل على ذلك ، لم يكن لهذه الأمة قيمة ولا وزن عند أمم أهل الأرض ، فلما أراد الله عز وجل أن يُعلي كلمتها وان يرفع رؤوسها أرسل إليهم رسول الهدى محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،{لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مّبِينٍ }سورة: آل عمران - الأية: 164 .
ضلال مبين : ضلال الشركيات والخرافات والبدع والمحدثات ، فأنقذهم الله عز وجل بنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، جمعهم به بعد الفرقة وأعزهم به بعد الذلة وأغناهم به بعد العيلة وهداهم به بعد الضلالة والكفر والغواية ، فهذه نعمة عظيمة انعم الله عز وجل بها علينا ، لم تمضي إلا أيام قلائل وسنوات يسيرة وإذا بهذه الأمة تُفتح لها البلاد المشارق والمغارب ، كانت خير امة وأعز امة وأكرم امة بعد أن كانوا رعاة للإبل والبقر والغنم والشاة ، ما هي إلا مدة يسيرة فصاروا كما سمعتم ، ما هو السبب؟ انه هذا الدين ، هذا الدين العظيم ، دين الفضائل والحسنات والخيرات ، هذا الدين الذي لمّا تمسك به سلفنا الصالح أعزهم الله عز وجل ورفع ذكرهم وشرّفَهم ، وهكذا هذه الأمة إن هي رجعت إلى دينها وتمسكت بكتاب ربها وسنة نبيها محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتحقق فيهم ما وعدهم به ربهم عز وجل في كتابه وعلى لسان رسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فالله عز وجل اخبر في كتابه الكريم أن المستقبل لهذا الدين وان العاقبة لعباد الله المتقين كما قال ربنا عز وجل
{هُوَ الّذِيَ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىَ وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }سورة: التوبة - الأية: 33 ، وهكذا يقول ربنا سبحانه { وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنّ لَهُمْ دِينَهُمُ الّذِي ارْتَضَىَ لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} سورة: النور - الأية: 55، ويقول الله: {وَلَيَنصُرَنّ اللّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنّ اللّهَ لَقَوِيّ عَزِيزٌ } سورة: الحج - الآية: 40 ،ويقول سبحانه: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تَنصُرُواْ اللّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ} سورة: محمد - الأية: 7 .
وهكذا الوعود في سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، في مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال " إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا " , إذا هذا الدين سيصل إلى كل مكان ، ويصل إلى كل بيت كما في حديث تميم الداري عند أحمد عن النبي عليه الصلاة والسلام " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت نذر ولا وبر إلا ادخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل ، عزاً يعز به الله الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر " ، ما يترك الله عز وجل بيتاً سواء كان من طين أو من حجر أو من خشب أو من نذر إلا وادخل الله عز وجل فيه هذا الدين ، لكن كما هو معلوم أن هذه الوعود لن تتحقق إلا إذا عادت هذه الأمة إلى دينها رعاة ورعية شعوباً وأُسراً وأفراداً ، فالله عز وجل لا يهب هذا النصر إلا لمن يستحقه ، والذين يستحقونه هم من استقاموا على دينه واستقاموا على شرعه واعتصموا بكتابه وبسنة رسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جميع شئون حياتهم ، في العقيدة وفي العبادة وفي المعاملة وفي الآداب وفي الأخلاق وفي السلوك وفي المنهاج وفي الدعوة وفي التربية ، فهؤلاء هم المرشحون وهؤلاء هم المؤهلون لنيل نصر الله عز وجل لهم ، وهذا كما هو معلوم أيضا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا وجد في هذه الأمة القدر الكافي من العلماء الربانيين ، العلماء الراسخين أهل البصيرة والورع والزهد والتجربة ، أهل التمييز بين المصالح والمفاسد والمنافع والمضار ، فإذا وجد هؤلاء العلماء الذين يربون الأمة على الكتاب والسنة ويعيدون الأمة إلى هذا الدين العظيم ويحملون الأمة على التمسك بسنة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُرجى بعد ذلك أن يتحقق فيهم نصر الله عز وجل الذي وعدهم في كتابه وعلى لسان رسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.