الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل المرسلين ،أما بعد :
فإن كتاب العلامة جمال الدين القاسمي الموسوم بـ(جوامع الآداب في أخلاق الأنجاب) بحق جوامع في الآداب ، فقد حوى هذا الكتاب بين دفتيه من كل بستان زهرة ، ومن كل دوحة ثمرة ، في آداب التربية و الأخلاق التي ينبغي أن يتخلق بها المسلم مع غيره : مع والديه ، مع إخوته ، مع زوجه ، مع أولاده ، مع خادمه ، مع صاحبه ، مع جاره ، مع ضيفه ، مع المتكلم ، مع الأمير ، مع المناظِر ؛ وفي نفسه: في صحته ، في نومه ، في لباسه ، في نظافته ، في أكله ، في شرابه ....
فكان حديقة غنّاء احتوت على أصناف الثمار من دخلها احتار ماذا يقطف ، وماذا يجني ، فهو بحق كتاب عظيم ، ينبغي للمسلم أن يحرص على قراءته والاستفادة منه ، فإن فيه من الحكم والقصص ما يجعلك تنتفع أيما انتفاع ،فاحرص على اقتنائه ، والرشف من سلسبيله ، والارتواء من معينه.
هذا وقد قمت بانتقاء أبواب منه ، رأيت أنها جامعة مغنية من أبواب كتاب الشيخ العظيمة ، وسميته :
(المنتقى الحَباب من جوامع الآداب في أخلاق الأنجاب).
قال ابن الأثير في النهاية:
( ..وفي صفة أهل الجنة : " يصير طعامهم إلى رشح ، مثل حَباب المسك "، الحَباب بالفتح: الطل الذي يصبح على النبات.
شبه به رشحهم مجازا، وأضافه إلى المسك ليثبت له طيب الرائحة)اهـ.
وإلى المقصود:
قال العلامة جمال الدين القاسمي – رحمه الله تعالى - :
في (أدب المتكلم) :
( ويجب الاحتراز عن الألفاظ الحشوية التي تتخلل كلام بعض اللكن والرعن ، كما يجب ترك التضمين(1) ، فإنه أقبح داء ، وأسوأ آفة للوقار والبهاء ؛ وفيه تجرئة السِّفْلة على الوقاحة ، وهي من أخلاق الأدنياء ، سرى داؤها إلى غيرهم من الترخيص لهم في الجلوس معهم ، والانبساط إليهم لإضحاكهم ، ورضاهم بمعاشرتهم ، وما تضمينهم القبيح إلا نفثات سموم تتسرّب في جسم الحكمة والأدب فتفسده)اهـ.
من ( جوامع الآداب في أخلاق الأنجاب )-الباب الرابع:في الآداب الاجتماعية...ص82.
________________________
(1) نوع من الكلام يستعمله أرباب المجون والخلاعة والمساخر.
مثاله : كأن تقول لبائع أو صاحب: اللون الذي أحبه كحلي ، فيقول لك بتفاهة : ليش أكح لك!
والحقيقة هذا الكتاب - أعني جوامع الآداب في أخلاق الأنجاب – كتاب رائع قيم مفيد في الآداب الاجتماعية والأخلاق والتعامل مع الأهل والأولاد والآخرين ، فأنا أنصح كثيرا باقتنائه وقراءته.
والله الموفق.
وقال في (أدب الدرس) :
( وأن يحضر درسه قبل إلقائه ، فيراجع ما يحتاج لمراجعته من الكتب لتصحيح ألفاظ وتحقيق بحث.
وأن لا يأتي للطلبة في أثناء الدرس بما يشوش الفهم ، فلا يُغْرب بالإكثار من الاعتراضات اللفظية ، والجواب عنها بالاحتمالات ، فإن ذلك مضيعة للأوقات.
"..."
وأن يقتلع جذور التعصب من قلوب المتعلمين ، ويحببهم إلى الإنصاف ، فإن التعصب سبب تفريق الناس بعضهم عن بعض ، وجذوة حجب العقول عن الحق ؛ والإنصاف راحة ، لأنه يرفع الخلاف ، ويوجب الائتلاف)اهـ.
وقال في أدب جليس العامة :
( وفي كتاب "النصائح العامة" ينبغي للعالم أن يكون حديثه مع العامة في حال مخالطته ومجالسته لهم في بيان الواجبات والمحرمات ، ونوافل الطاعات ، وذكر الثواب والعقاب على الإحسان والإساءة ، ويكون كلامه معهم بعبارة قريبة واضحة ، يعرفونها ويفهمونها ، ويزيد بيانا للأمور التي يعلم أنهم ملابسون لها ، ولا يسكت حتى يُسأل عن شيء من العلم – وهو يعلم أنهم محتاجون إليه ، ومضطرون له ، فإن علمه بذلك سؤال منهم بلسان الحال ، والعامة قد غلب عليهم التساهل بأمر الدين علما وعملا ، فلا ينبغي للعلماء أن يساعدوهم على ذلك بالسكوت على تعليمهم وإرشادهم ، فيعم الهلاك ، ويعظم البلاء ، وقلما تختبر عاميا – وأكثر الناس عامة – إلا وجدته جاهلا بالواجبات والمحرمات! ، وبأمور الدين التي لا يجوز ولا يسوغ الجهل بشيء منها ، وإن لم يوجد جاهلا بالكل وجد جاهلا بالبعض ، وإن علم شيئا من ذلك وجدتَ علمه به علما مسموعا من ألسنة الناس ، لو أردت أن تقلبه له جهلا فعلت ذلك بأيسر مؤونة ، لعدم الأصل والصحة فيما يعلمه)اهـ.