وقال في (أدب معاشرة الزوجة):
( يلزم حسن الخلق معها ، واحتمال الأذى منها ، وكف الضرر عنها ، والحلم عند طيشها وغضبها ! ، والمداعبة تطييبا لقلبها ، وأن لا ينبسط في الموافقة باتباع هواها إلى حد يفسد خلقها ، وتسقط هيبته عندها ، فلا يدع الانقباض ما رأى منكرا ، ولا يفتح باب المساعدة ما رأى محظورا ، وأن يعتدل في الغَيرة ، فلا يتغافل عما تخشى عواقبه ، ولا يبالغ في إساءة الظن والتعنت وتجسس بواطن الأمور .
وأن يعتدل في النفقة ، فلا يسرف ولا يُقتّر ، ولا يتبعه منّةً ولا أذى ، وأن يأمرها بالتصدق ببقايا الطعام وما يفسد لو ترك ، ولا يستأثر عنها بمأكول طيب ، فإنه شح موغر للصدور ، ولا يخبرها بقدر ماله ! ، ولا يستكتمها سرا يخاف إذاعته (1).
وأن يتعلم من علم المحيض وأحكامه ما يحترز به الاحترازَ الواجب (2) ، وأن يعلمها من العبادات والآداب ما لا تستغني عن معرفته.
وأن لا يكلفها من خدمته فوق طاقتها ، ومن عنده أكثر من زوجة واحدة فعليه بالعدل بالسوية ، ومجانبة الميل إلى بعضهن
، وإذا أراد سفرا أقرع بينهن .
وليحذر الفقير من الجمع بين زوجات وهو لا يستطيع الإنفاق عليهن (3) ، إذْ لا يزال معهن في نزاع على النفقات وسائر الحقوق الزوجية ، وقد لا يطلقهن و لا واحدة منهن ، ولا يزال الفساد يتغلغل فيهن وفي أولادهن ، ولا يمكن له و لا لهن أن يقيموا حدود الله تعالى ، وضرر ذلك بالدين والأمّة غير خافٍ على أحد)اهـ.
________________________
(1) النساء في ذلك يختلفن ، ففيهن التي تكتم السر وتحفظه وهؤلاء قليل ، وفيهن غير ذلك ، وإنما يعلم ذلك بالتجربة والمعاشرة ، فإذا علم منها حفظ السر ، وكتم أموره ، وخاصة إذا نبهها ، فلا مانع من أن يطلعها على بعض أسراره .
(2) إن مما يحزن أن كثيرا من الأزواج اليوم لا يعرف فقه الطهارة الذي يتعين عليه ، المتعلق بعباداته العينية ، فكيف بمسائل الحيض ، والله المستعان.
(3) قال محقق الكتاب-حسن السماحي سويدان- :
(ما أحسن ما جاء في الإقناع وشرحه – من كتب الحنابلة – مع قوله : ويستحب أن لا يزيد على واحدة إن حصل بها الإعفاف ، لما فيه التعريض للمحرّم ، قال تعالى :
{ ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم }اهـ جزء3 ص4)اهـ.
وقال في ( أدب الجار) :
( للجوار حق وراء ما تقتضيه الأخوة ، وجملة حق الجار أن يبدأه بالحسنى ، ويعينه إذا استعانه ، ويقرضه إذا استقرضه ، ويعوده في المرض ، ويعزيه في المصيبة ، ويقوم معه في العزاء (1) ، ويهنئه في الفرح ، ويظهر الشركة معه في سروره ، ويصفح عن زلاته ، ولا يطلع من السطح على عوراته ، ولا يضايقه في وضع الجذع على جداره ، ولا في مصب الماء في ميزابه ، ولا في طرح التراب في فنائه ، ولا يضيق طريقه إلى الدار ، ولا يُتْبِعُه النظرَ فيما يحمله إلى داره ، ولا يستطيل عليه في البناء ، فيحجب عنه الهواء إلا بإذنه ، ويهديه من فضل ما يجد ، ويستر ما ينكشف له من عوراته ، وينعشه من صرعته إذا نابته نائبة ، ولا يغفل عن ملاحظة داره في غيبته ، و لا يسمع فيه كلاما ، ويغض بصره عن حرمته ، ويتلطف لولده في كلمته ، ويرشده إلى ما يهمه من أمر دينه ودنياه ، وهذا إلى جملة الحقوق المتقدمة (2))اهـ.
_____________________
(1) لابد من التنبه إلى حرمة الاجتماع للميت مع صنعة الطعام ، فإن هذا كانوا يعدونه من النياحة ، ففي سنن ابن ماجه أخرج بسنده –وصححه الألباني- عن جرير –رضي الله عنه- قال :
(كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة).
(2) لقد غلظ الشارع حق الجار ، واستفاضت الأحاديث في ذلك ، فقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال :
(لأن يزني الرجل بعشر نسوة خير له من أن يزني بامرأة جاره ، ولأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر له من أن يسرق من بيت جاره)رواه أحمد وغيره ، وصححه الألباني.
وقال :
(ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه). متفق عليه.
وقال في ( أدب المشي) :
( يلزم أن يكون المشي هونا معتدلا ، لا سريعا ولا بطيئا ، وأن يجتنب الماشي الخفة في التلفت ، وأن يكون ناصبا للقامة لا منحنيا ولا محدودبا ، ولا مشبكا يديه وراء ظهره ، لئلا تصلب أعصاب ظهره على التقوس والانحناء ، وعليه أن يكون مؤْثِرا ليمنى الطريق أو يسراها ، ليبعد عن مصادمة العجلات ونحوها ، موجها النظر إلى الأمام لا إلى النوافذ ، ولا محدقا براكبي العجلات والمارين ، مساعدا لضعيف أو عاجز ، أو ما يحمل على دابة ، متباعدا عن مواقف التخاصم ، منتقيا الطرق النظيفة ، غير مزاحم ولا ملتصق بالحيطان ، ولا بأحد ، محترسا في الزحام على الجيب ! من يد مختلس ، متأخرا عن جليل يماشيه سائرا عن يساره (1))اهـ.
________________________
(1) وهذا فيه نظر ، قال العلامة ابن مفلح في (الآداب الشرعية) :
(فَصْلٌ ( فِي آدَابِ الْمَشْيِ مَعَ النَّاسِ وَآدَابِ الصَّغِيرِ مَعَ الْكَبِيرِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ ) .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ- :
وَمَنْ مَشَى مَعَ إنْسَانٍ ، فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ مِنْهُ وَأَعْلَمُ مَشَى عَنْ يَمِينِهِ يُقِيمُهُ مَقَامَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ ، وَإِذَا كَانَا سَوَاءً اُسْتُحِبَّ أَنْ يُخَلِّي لَهُ عَنْ يَسَارِهِ حَتَّى لَا يُضَيِّقُ عَلَيْهِ جِهَةَ الْبُصَاقِ وَالِامْتِخَاطِ .
وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ اسْتِحْبَابُ مَشْيِ الْجَمَاعَةِ خَلْفَ الْكَبِيرِ ، وَإِنْ مَشَوْا عَنْ جَانِبَيْهِ فَلَا بَأْسَ كَالْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ .
وَفِي مُسْلِمٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ : أَنَّهُ هُوَ وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَشَيَا عَنْ جَانِبَيْ ابْنِ عُمَرَ ؛ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى مَشْيِ الْجَمَاعَةِ مَعَ فَاضِلِهِمْ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَكْتَنِفُونَهُ وَيَحُفُّونَ بِهِ .
وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا مَشَيْتَ مَعَ مَنْ تُعَظِّمُهُ أَيْنَ تَمْشِي مِنْهُ ؟
قَالَ: لَا أَدْرِي . فَقَالَ: عَنْ يَمِينِهِ تُقِيمُهُ مَقَامَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ ، وَتُخَلِّي لَهُ الْجَانِبَ الْأَيْسَرَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَنْثِرَ أَوْ يُزِيلَ أَذًى جَعَلَهُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي الْمَنْزِلَةِ يَجْعَلُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَمْشِي عَنْ يَسَارِهِ ، وَقَدْ قِيلَ :الْمُسْتَحَبُّ الْمَشْيُ عَنْ الْيَمِينِ فِي الْجُمْلَةِ ، لِيُخَلِّيَ الْيَسَارَ لِلْبُصَاقِ وَغَيْرِهِ. انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَحَكَى عَنْ الْخَلَّالِ أَنَّهُ حَكَى فِي الْأَدَبِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ التَّابِعَ يَمْشِي عَنْ يَمِينِ الْمَتْبُوعِ ........)اهـ.
رد مع اقتباس