و قال في ( أدب الزيارة والزائر ) :
( الزيارة هي الواسطة الوحيدة لدوام رابطة الأخوة والصحبة ، إلا أن كثرتها ربما كانت مجْلَبَةً للملل ، وقلتها مدعاة للإيحاش وضعف المودة ، ويجب أن تكون في غير وقت النوم ، وتحسُن في غير وقت الأكل ، وأن تكون بملابس نظيفة ، وهيئة حسنة ، وأن يطرق الباب بلطف إلى ثلاث ، وله بعدها الانصراف ، ومن لم يجد المزورَ فليترك اسمه مع الخادم أو على بطاقة ، ومن وجد الباب مفتوحا فلا يدخل إلا بعد أن يستأذن له الخادم ، أو يرسل معه بطاقته ، ولا يفاجئ المزور مفاجأة ، فإن ذلك يؤلم من فوجئ في بدء رؤيته ، ومن شعر أن لمزوره شغلا أو تهيأ لحاجة فليبادر بالانصراف ، ولو رغب إليه بالمكث ، ومن وجده يناجي أحدا في حديث فليعتزلهما جانبا ، ويتشاغل انتظارا لفراغهما ، وإذا وجده في كتابة أو قراءة فلا يتطلعْ إليها ويسألْه عنها (1)، ولا يدل عليه بتفتيش أوراقه وخزانته ، ولا يتناجى مع غيره بحضرة المزور ، و لا يطيل مدة المقابلة ، ولا ينصرف إلا باستئذان ، وإذا وعد أحدا ، لزيارته فلا يخلف وعده معه ، وليكن حضوره في الوقت المعين ، وإن طرأ عذر فيجب إخباره قبل الميعاد .
ومن اللطائف ما كتبه حكيم على باب داره :
ينبغي للزائر أن يشترك مع أهل البيت في أعمالهم)اهـ.
____________________
(1) يسأله معطوف على الفعل المجزوم بلا الناهية (يتطلع) ، فالنهي منصب على الفعلين : التطلع والسؤال ، فلا يتطلع ، ولا يسأل .
وقال في ( أدب الضيف ) :
( يلزمه الحضور في الوقت المعين له ، و الجلوس مع من يليق به ، وموافقة المُضيِف ، والمشي مع رغبته ، وأن لا يمنعه من شيء أراد إحضاره ، و لا يتطلع إلى ناحية الحريم وجهة الباب رغبةً في مجيء الطعام ! ، ومما يُعاب على الضيف أخذ ولده الصغير ، وكثرة الأكل بالشره ، وجرف الطعام من نواحي الوعاء ، وابتلاعه بصوت يسمع ! ، ونفض الأصابع ، وإعادة بعض ما يطعمه إلى الوعاء ، والبهت (1) في وجوه الآكلين ، وجذب اللحم بعنف! ، وغمس يده فيه ، والتطفل بتوزيعه على الآكلين ، ونقل الطعام من وعاء إلى غيره يخلطه معه ، إلا لصحفة لديه ، ومزاحمة الجالسين ، والتّأمّر على من يصُفّ الصحون بالتقديم والتأخير ، وعلى المضيف بمضايقته في فكره ، والتكاسل بالنهوض إلى الطعام ، والتشاغل عمّن ينهضه إليه ، والتشبع لدى الحضور تصنعا ، والتأفف مما يرغب فيه غيره ! ، و إطالة الحديث والماء يصب على يديه ، وسؤال صاحب الدار عن داره وعمارتها ، ولومه على ما يراه قصّر في هندستها ، و إخبار من لم يُدْعَ من صديق المضيف بالدعوة (2) ، واستعجاله بإحضار الطعام ، و شكوى الجوع ! ، وأن يطلب ممن يدعوه أن يدعو صديقه ، و أن يدعو من يحب بغير إذن داعيه ، أو يتطفل بغير دعوة ، وهو أقبح الخِلال لما فيه من تعريض النفس للإهانة والخزي والعار ، وأن يحدث بما كان من كلام ، ففيه خيانة من حضر ، والغفلة عن كون المجالس بالأمانة)اهـ.
_______________________
(1) قال العلامة الغزي في (آداب المؤاكلة) :
(والبهّات : هو الذي يبْهَتُ في وجه مؤاكليه ، حتى يبهَتَهُم ويأخذ اللحم من بين أيديهم)اهـ.
(2) و لا ريب أنّ هذا مما يوغر الصدور ، ويوجب الحزن عند صاحبه.
وقال في ( أدب المزور) :
( يلزم المزور أن يستقبل زائره ببشاشة وطلاقة وجه ، وأن يصافحه ، ويرحب به ، ويظهر السرور بزيارته ، ويشكره على تفضله ، وأن لا يتقدم على زائره في مجلس ، وفي تناول مشروب ، و أن لا يحدثه بالأراجيف ، و لا بما يسوؤه ، وإذا بغتته نائبة أو مصيبة فليكتمها عن زائره ، وليتجلّد في إكمال الجلسة ، وأن يلتفت لزائريه بالتساوي ، فلا يؤثر بحديثه أحدا منهم ، وأن يسامره بمشربه وما يهواه ، وأن يستسمحه في إنهاء شغل إن كان لديه ليتفرغ لمخاطبته ، وأن يمشي معه إلى الباب ، وأن يرد له بعد أيام زيارته )اهـ.
و قال في ( أدب المضيف ) :
( أن يستقبل ضيفه بطلاقة وجه ، وسن ضحوك ، وترحيب بالغ ، ولقاء مبهج ، ويحدثهم بلذيذ المحادثة وغرائب النوادر ، و أن لا يخبرهم بما يفزعهم ، وأن يكتم ما ينوبه مدة حضورهم ، و أن ينتظرهم قبل الميعاد ، و لا يملهم بالغيبة عنهم ، و لا يضجرهم بتأخير الطعام ، و أن يخدمهم ، ويقوم عليهم ، و يظهر لهم سعة الحال ، ويطيل الحديث عند مؤاكلتهم ، و يظهر رغبته في الطعام أمامهم ، تجسيرا (1) لهم ، وأن لا يمسك عن تأكيد الدعوة بأدنى اعتذار ، فيكون كالمنتظر لذلك! ، أو المنافق في دعواه ، و لا ينام قبلهم ، و لا يشكو الزمان و ضيق الحال بحضورهم ، و يسمر معهم ، و لا يغضب على خادم أمامهم ، و لا يعبس بوجهه ، و لا يفخّم طعامه ، و لا يمدح طابخه ، و لا ينوّه بندرة وجوده ، أو غلاء سعره ، أو الانفراد بعمله ، فإن ذلك دناءة وأمارة الشح ، و أن لا ينتهر أحدا ولا يشتمه لديهم ، و أن ينزعج عند استئذانهم ، و يتروّع لفراقهم ، و يسير معهم إلى الباب ، و مما يتعين عليه تجنب الإسراف ، فلا يسيء التصرف و يقتل نفسه حبا في المفاخرة ! ) اهـ.
_____________________
(1) أي تشجيعا لهم ، قال في (لسان العرب) :
(جَسَرَ يَجْسُرُ جُسُوراً وجَسارَةً مضى ونفَذ ، وجَسَرَ على كذا يَجْسُر جَسارَةً وتَجاسَر عليه : أَقدم ، والجَسُورُ : المِقْدامُ ، ورجل جَسْر وجَسُورٌ : ماضٍ شجاعٌ ، والأُنثى جَسْرَةٌ وجَسُورٌ وجَسُورَةٌ ورجل جَسْرٌ جسيمٌ جَسُورٌ شجاع ، وإِن فلاناً لَيُجَسّرُ فلاناً أَي يُشَجِّعُه
)اهـ.
وقال في ( أدب المُهدِي ) :
( رؤية الفضل للمُهْدَى إليه ، وإظهار السرور بالقبول منه لها ، و الشكر عند رؤية المهدَى إليه ، والاستقلال لها وإن كثرت )اهـ.
و قال في ( أدب المُهدَى إليه ) :
( إظهار السرور بالهدية وإن قلّت ، والدعاء لصاحبها إذا غاب ، والبشاشة إذا حضر ، والمكافأة إذا قدر ، والثناء عليه إذا أمكن ، وترك الخضوع له والتحفظ من ذهاب الدين معه ، ونفي الطمع معه ثانيا )اهـ.
و قال في ( أدب اصطناع المعروف ) :
( البداءة به قبل السؤال ، والمبادرة به عند الوعد ، والتوقير له عند العطاء ، والستر له بعد الأخذ ، وترك المنة بعد القبول ، والمداومة على اصطناعه ، والحذر من انقطاعه ) اهـ.