مكانة الصَّحابة رضي الله عنهم في القرآن والسنَّة وعند أهل البيت والأمَّة الإسلامية (الحلقة الأولى)
مكانة الصَّحــــــابة y في القرآن والسنَّة
وعند أهل البيت والأمَّة الإسلامية
( الحلقة الأولـى )
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
الْحَمد لله الذي بعث مُحَمَّداً r رحْمَة للعالَمِين أرسله بالْهُدى ودين الْحَق ليظهره على الدين كله ولو كره الْمُشركون.
أرسله بأعظم كتاب وأعمه وأشْمَلِه، ضمَّ بيْن دفتيه أعظم العقائد وأجْمَل الأخلاق والْمَكارم وأكملها مثل الصدق والصبر والْحِلم والشجاعة والكرم، ونَهى عن الشرك والكفر والبدع والأخلاق القبيحة مثل: الكذب والكبر والعناد والبخل والْحَسد، لا سيما الكذب على الله والاستكبار على رسله ورسالاته وتكذيبها وتَحْريفها والبغي على أتباعها والطعن فيهم.
إنَّ أعظم رسول عرفته البشرية مُحَمَّد r وإنَّ أعظم كتاب عرفته البشرية هذا القرآن الذي جاء به هذا الرسول r قال تعالَى: (الم*ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ*والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ*أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) .
وهذه الصفات لا تنطبق على أحد كما تنطبق على أصحاب مُحَمَّد r.
وقال تعالَى: (كتاب لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).
وما أحد من الأمة عرف قدر هذا الكتاب وحفظه وعمل بكل ما فيه واعتصم به مثل أصحاب مُحَمَّد r فحماهم الله من الضلال والشرك والبدع ومساوئ الأخلاق وألوان الباطل فكانوا كما وصفهم عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- حيث قال: "إن الله تعالى نظر فِي قلوب العباد, فوجد قلب مُحَمَّد خيْر قلوب العباد, فاصطفاه لنفسه, وابتعثه برسالته, ثُمَّ نظر فِي قلوب العباد بعد قلب مُحَمَّد r فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد, فجعلهم وزراء نبيه, يقاتلون على دينه, فما رآه الْمُسلمون حسناً فهو عند الله حسن, وما رأوه سيئاً فهو عند الله سيء" أخرجه الإمام أحْمَد فِي مسنده (1/379) والطيالسي فِي مسنده, حديث (246) وذكره شارح الطحاوية (ص532) وحسنه الألبانِي فِي تعليقه ثُمَّ قال وصححه الْحَاكم ووافقه الذهبِي.
ولقد أثنى الله العزيز الْحَكيم عليهم وأشاد بِمَكانتهم ومنازلِهم فِي كتابه الْمُعجز الْمُحكم الذي لا يأتيه الباطل من بيْن يديه ولا من خلفه.
قال تعالَى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً).
ففي هذه الآيات الكريْمَات إشادة الله بأصحاب مُحْمد r فِي التوراة والإنْجِيل والقرآن وبيان لصدق إيْمانَهم وإخلاصهم ونصرهم لنبيهم r وتكفيْر لِمَن يكن الغيظ والبغضاء لَهُم.
وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ).
وقال تعالَى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً).
وقال تعالى : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ).
وفِي هذا النص تزكية عامة لأصحاب مُحَمَّد r.
وقال تعالَى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
فِي هذا النص بيان لرضى الله عن أصحاب مُحَمَّد r من الْمُهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.
وقال تعالَى: (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ* وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ).
فهذا ثناء عظيم عليهم وبيان لِمَزاياهم وثناء على من يعرف منـزلتهم ويستغفر لَهُم.
وقال تعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
فهذا ثناء على أصحاب مُحَمَّد r على تفاوت درجاتِهم ووعد شامل لَهُم جَميعاً بالْحُسنى.
وقال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ).
فقد حازوا الْخَيرية من كل جِهاتِها بشهادة الله لَهُم.
فهذه التزكيات الكثيرة والشهادات العظيمة من رب العالَمِين يكفيهم بعضها ومن يعترض عليها فإنَّما هو مكذب بالله ولكتابه ولرسوله، وكفى بذلك تكذيباً وكفراً.
أضف إلَى هذه التزكيات العظيمة تزكيات رسول الله r الصادق الْمَصدوق الذي لا ينطق عن الْهَوى إنْ هو إلا وحْي يوحى وتزكيات بعضهم لبعض وتزكيات أئمة أهل البيت لَهُم وتزكيات علماء الأمة.
- عن أبِي بردة عن أبيه -يعني أبا موسى الأشعري- أن رسول الله r قال: "النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابِي فإذا ذهبت أتى أصحابِي ما يوعدون، وأصحابِي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابِي أتى أمتي ما يوعدون" أخرجه مسلم فِي فضائل الصحابة حديث (2531) وأحمد (4/399).
- وعن أبِي سعيد الْخُدري -رضي الله عنه- عن النبي r قال: "يأتي على الناس زمان؛ يغزو فئام من الناس, فيقال لَهُم: فيكم من رأى رسول الله r؟ فيقولون: نعم, فيفتح لَهُم. ثُمَّ يغزو فئام من الناس, فيقال لَهُم: فيكم من رأى من صحب رسول الله r؟ فيقولون: نعم. فيفتح لَهُم. ثُمَّ يغزو فئام من الناس, فيقال لَهُم: هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله r؟ فيقولون: نعم. فيفتح لَهُم" متفق عليه واللفظ لِمُسلم, أخرجه البخاري فِي فضائل الصحابة, حديث (3649)، ومسلم فِي فضائل الصحابة, حديث (2532).
- وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله r "أيُّ الناس خيْر؟ قال: قرنِي ثُمَّ الذين يلونَهُم ثُمَّ الذين يَلونَهم ثُمَّ يَجِيء قَوم تبدر شهادة أحدهم يَمِينه وتبدر يَمِينه شهادته" رواه البخاري فِي فضائل الصحابة حديث (3651)، ومسلم فِي الفضائل (2533).
وروى البخاري ومسلم نَحْوه من حديث عمران بن حصيْن.
وروى مسلم نَحْوه من حديث أبِي هريرة ومن حديث عائشة -رضي الله عنهم أجْمَعين-.
- واتَّفق العلماء على أنَّ خَيْر القرون قَرنه r ثُمَّ الصحيح(1) أنَّ قرنه الصحابة والثانِي التابعون، والثالث تابعوهم.
- وعن أبِي سعيد الْخُدري -رضي الله عنه- قال النبي r: "لا تسبوا أصحابِي فلو أنَّ أحدكم أنْفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه" رواه البخاري فِي فضائل الصحابة حديث (3673)، ومسلم فِي فضائل الصحابة حديث (2540