فيا طالبا للخيرات هذه أوقاتها {خطبة عن رمضان}
الحمد لله الذي جعل مواسم الخيرات نزلا لعباده الأبرار ; وهيأ لهم فيها من أصناف نعمه وفنون كرمه كل خير غزير مدرار ; وجعلها تتكرر كل عام ليوالي على عباده الفضل ويحط عنهم الذنوب والأوزار ; أحمده أن جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد التيقظ والشكر والادكار .
وأشكره أن جعل شهر رمضان أفضل المواسم الكريمة التي تضاعف فيها الأعمال وتربح بضائع التجار . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده , لا شريك له العزيز الغفار .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المختار , اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار . أما بعد : أيها الناس اتقوا الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون } [ سورة الحشر : الآية 19 ] واعلموا أنه قد أظلكم شهر عظيم , وموسم مبارك كريم , جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام , وندب إلى قيامه : فمن أكملها إيمانا واحتسابا تم له دينه واستقام . به يغفر الله الذنوب ويحط الأوزار , وفيه تربح بضائع المتقين الأبرار ; سوق المتجرين وغنيمة المفلحين وسرور العابدين , وفرصة التائبين المنيبين , من صامه وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من الذنوب ; ومن اجتهد فيه بالخيرات فقد ظفر بأوفر حظ وأكمل نصيب , فاحمدوا ربكم الذي أحياكم وأبقاكم حتى بلغكموه , وسلوه أن يعينكم على القيام بحقوقه حتى تتموه وتستكملوه ; واستقبلوه بتوبة نصوح صادقة , وإنابة إلى الله في جميع أوقاته متواصلة , فقد فاز عبد عرف قدره فغمره بأنواع القربات , ما بين صيام وصدقة وقراءة وذكر وصلاة , فاستقبله فرحا به مسرورا ,
مستعينا بربه على صيامه وقيامه لينال منه فضلا كبيرا . واعلموا أنه كلما عظمت المشقة بالحر والجوع والظمأ وترك المألوفات , عظم الأجر والثواب فلهذا اختصه الله لنفسه من بين سائر العبادات , فمن صام لله في يوم صائف شديد ظمؤه سقاه الله من الرحيق المختوم , ومن ترك شيئا لله عوضه خيرا منه ووجده مدخرا عند الحي القيوم ; فيا أيها المؤمن التارك لشهواته على شدتها ومشقتها , أبشر فقد سعيت في راحة نفسك وسعادتها ; أما علمت أن الله يجزي الصابرين أجرهم بغير حساب , وأن الصيام من أجل أنواع الصبر بلا شك ولا ارتياب ؟ فيا طالبا للخيرات هذه أوقاتها , ويا منتظرا لنفحات الكريم وطرق الرحمة ها قد دنت نفحاتها ; ويا حريصا على التوبة هذا زمانها , ويا راغبا في الطاعة والإنابة هذا إبانها ; فأكثروا فيه ذكر الله وقراءة القرآن والتوبة والاستغفار , وأعمروا أوقاته بطاعة الملك الغفار ; فالسعيد من عرف شرف أوقاته فاغتنمها , والشقي المحروم من ضيعها وأهملها ; فلقد رغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له لتفريطه وتضييعه , وطوبى لمن ظفر فيه بالمغفرة والرحمة لحسن صنيعه { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } [ سورة البقرة : الآية 183 ] بارك الله لي ولكم في القرآن . للاستزادة كتاب الشيخ عبدالرحمن السعدي مجموع خطب الشيخ في المواضيع النافعة, خطبة في استقبال رمضان بما يناسبه