معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة
الفصل الثامن: في عقوبة المثبط عن ولي الأمر والمثير عليه
التثبيط عن ولي الأمر له صور عديدة بعضها أشد من بعض ،وكذلك إثارة الرعية عليه.
فإذا دعا رجل إلي التثبيط – أو الإثارة -، فإن لولي الأمر إيقاع العقوبة المتلائمة مع جرمه، من ضرب، أو حبس، أو نفي ... أو غير ذلك، لأن التثبيط والإثارة من أعظم مقدمات الخروج والخروج من أشنع الجرائم وأبشعها، فكان ما يفضي إليه كذلك.
قال الشوكاني – رحمه الله في شرح قول صاحب (( الأزهار )) :
(( ويؤدب من يثبط عنه، فالواجب دفعه عن هذا التثبيط، فإن كف، وإلا كان مستحقاً لتغليظ العقوبة، والحيلولة بينه وبين من صار يسعى لديه بالتثبيط بحبس أو غيره، لأنه مرتكب لمحرم عظيم، وساع في إثارة فتنة تراق بسببها الدماء، وتهتك عندها الحرم ،وفي هذا التثبيط نزع ليده من طاعة الإمام.
وقد ثبت في الصحيح عنه ( ،أنه قال :
(( من نزع يداً من طاعة الإمام، فإنه يجيء يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وهو مفارق للجماعة، فإنه يموت موتة جاهلية )) (313) ا هـ.
وقال ابن فرحون في (( تبصرة الحكام )) (314)
من تكلم بكلمة لغير موجب في أمير من أمراء المسلمين لزمته العقوبة الشديدة ،ويسجن شهراً.
ومن خالف أمير اً، وقد كرر دعوته، لزمته العقوبة الشديدة بقدر اجتهاد الإمام. ا هـ
وقد ذكر ابن الأزرق بعض المخالفات التي من الرعية ف يحق السلطان، فقال:
(( المخالفة الثانية : الطعن عليه، وذلك لأمرين :
أحدهما : أنه خلاف ما يجب له من الجلة والتعظيم، فقد قيل : من إجلال الله إجلال السلطان، عادلاً كان أو جائراً.
ومن كلام الصاحب بن عباد : تهيب السلطان فرض أكيد، وحتم على من ألقى السمع وهو شهيد.
الثاني : أن الاشتغال به سبب تسليط السلطان، وجزاء على المخالفة بذلك، ففي بعض الكتب أن الله – تعالي – يقول :
(( إنني أنا الله، ملك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه نعمة ،ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا بسبب الملوك ،ولكن توبو إلي أعطفهم عليكم )) (315)
والمخالفة الثالثة : الافتيات عليه في التعرض لكل ما هو منوط به، ومن أعظمه فساداً تغيير المنكر بالقدر الذي لا يليق إلا بالسلطان، لما في السمح به والتجاوز به إلي التغيير عليه.
وقد سبق أن من السياسة تعجيل الأخذ على يد من يتشوق لذلك، وتظهر منه مبادئ الاستظهار به، وإن كان لا ينجح له سعي ولا يتم له غرض ...)) (316) ا هـ
وبهذا يعلم أن إثارة الرعية على الولاة وتأليب العامة عليهم داء عضال، تجب المبادرة إلي كيه وورم خبيث يتعين استئصاله لئلا يستفحل فيخرج خبثه، فتسحتكم البلية، وتعظم الرزية، ولا ينفع الندم عندئذ.
فإن المثير والمثبط كفارة السد إن تركت أغرقت العباد والبلاد وأشعت في الأرض الفساد.
فيتعين على الناس عموماً : التكاتف لدفع المثير الساعي إلي الفتنة ،وعزله كما تعزل الجرباء، ونفيه من المجتمع كل حسب جهده وطاقته.
وهذا من أفضل الأعمال وأجل القرب إلي الله تعالي، إذ به يندفع شر عظيم وتطفأ فتنة عمياء.
نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
--------------------------------------------------------------------------------
313 ) (( السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار )) ( 4/514 ).
314 ) (( 1/227 )
315 ) ( ( سبق الكلام عنه وقد ذكره شيخ الإسلام في (( منهاج السنة )) : ( 3/133 )، فقال : (( وفي الأثر المعروف ... )).
316 ) (( بدائع السلك في طباع الملك )) لأبي عبد الله بن الأزرق ( 896 هـ ) ( 2/45 ).