منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف
منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف
منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصوردخولالتسجيل
الاعتداد بخلاف الظاهرية في الفروع           عبد السلام بن محمد الشويعر G5g5-7f7110b59c الاعتداد بخلاف الظاهرية في الفروع           عبد السلام بن محمد الشويعر G5g5-4d203bdcc7 الاعتداد بخلاف الظاهرية في الفروع           عبد السلام بن محمد الشويعر G5g5-7f7110b59c الاعتداد بخلاف الظاهرية في الفروع           عبد السلام بن محمد الشويعر G5g5-4d203bdcc7

 

 الاعتداد بخلاف الظاهرية في الفروع عبد السلام بن محمد الشويعر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الفارس
إداري
إداري
الفارس


ذكر عدد الرسائل : 1160
السٌّمعَة : 13
نقاط : 2574
تاريخ التسجيل : 08/02/2009

الاعتداد بخلاف الظاهرية في الفروع           عبد السلام بن محمد الشويعر Empty
مُساهمةموضوع: الاعتداد بخلاف الظاهرية في الفروع عبد السلام بن محمد الشويعر   الاعتداد بخلاف الظاهرية في الفروع           عبد السلام بن محمد الشويعر Emptyالإثنين يناير 25, 2010 2:00 am





الاعتداد بخلاف الظاهرية في الفروع
عبد السلام بن محمد الشويعر




الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن مسألة ( الاعتداد بخلاف الظاهرية في الفروع الفقهية) من المسائل التي يحتاجها الفقيه وتعرض له، خصوصاً عند نظره في الخلاف العالي بين المذاهب الفقهية، فكثيراً ما يتوقف الناظر عند بعض المسائل الفقهية التي انفرد بها الظاهرية عن جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة، وذلك بسبب اختلاف أصول هذا المذهب عن البقية؛ باعتماده على ظواهر النصوص وعدم عمله بالقياس، إضافة لما في شخصية بعض المنتسبين إليه من التميز، سواء في سلاسة العبارة وقوة الحجة، أو شدة التعبير على المخالفين، حتى قورن أحيانا بسيف الحجاج شدة وبطشاً، مما يجعل البعض يتوقف عند هذا المذهب وأصحابه وقفة إعجاب أحياناً، أو حنق أحياناً أخرى، أو توسطاً بين ذلك توقف نظر وتأمل.
فلذلك عمد بعض الباحثين لهذه المفردات فجمعها، واعتنى بدراستها لكن من الناحية الفقهية فقط.[1]
ولما لم أقف على من أفرد النظر في هذه المفردات من ناحية تأصيلية، من حيث اعتمادها، والاعتداد بها، مع ما يراه المطالع لكتب كثير من الفقهاء -مع جلالة قدرهم- عندما يحكون خلافاً شاذاً للظاهرية يتبعونه بعبارة مؤداها (أن خلاف الظاهرية غير معتبر) مع اختلاف في البناء والصياغة لهذا المعنى، في حين يكتفي البعض بهذا الرد عن مقارعتهم بالحجة والبرهان، يزيد آخرون ببعض الأوصاف والنعوت الغريبة لهذا المذهب الفقهي، حتى صارت هذه طريقة للبعض لرد خلاف الظاهرية دون النظر في دليلهم وتعليلهم، بل وصمها بعض العلماء بأنها: ( طريقة القاصرين؛ إذا أعيتهم الأدلة ادعوه على منازعهم، ولا يليق ذلك بأئمة التحقيق).[2]
فأردت البحث في هذه المسألة، وهل هي مسألة مسلمة بين الفقهاء؟ أم هي من مواضع النزاع بينهم؟ وزاد عزمي ما سبق بيانه من عدم وقوفي على من أفرد بحثها، مع أهميتها، فجمعت شتات هذه المسألة من غير مظانها، من بطون الكتب[3]
وخبايا الزوايا بحسب المستطاع؛ فإن هذه المسألة اشترك في بحثها شراح الأحاديث، وعلماء الفقه، عند ذكرهم لخلافات الظاهرية في الفروع الفقهية، وذكرها علماء الأصول في مباحث الإجماع، والقياس، والاجتهاد، والتقليد، وغيرها من المباحث، بل وكان للمؤرخين نصيب في ذكر هذه المسألة، كما سيأتي.
فسطرت هذا البحث جمعاً للمتفرق، وتوليفاً لهذا الشتات، سائلاً الله تعالى التوفيق والسداد .
وجعلته في أربعة مباحث:
الأول: تحرير محل النزاع في المسألة .
الثاني: سبب الخلاف في المسألة .
الثالث: خلاف أهل العلم في المسألة، وأدلتهم، والترجيح .
الرابع: أمثلة تطبيقية لخلاف الظاهرية .
المبحث الأول: تحرير محل النزاع في المسألة (مشكلة البحث):
المقصود بهذا البحث: خلاف الظاهرية في المسائل الفقهية الفرعية، دون غيرها من المباحث، كخلافهم في بعض المباحث الأصولية، أو خلاف بعضهم في بعض المباحث العقدية .
والمسائل الفرعية التي يبدي فيها الظاهرية رأيهم الفقهي لا تخلو من ثلاث حالات:

1. أن يكون رأي الظاهرية موافقاً لرأي المذاهب الفقهية الأربعة، أو أحدها . فهنا لا خلاف في اعتبار رأيهم؛ لأنهم مسبوقون إليه .

2. أن يكون من مفرداتهم عن المذاهب الأربعة، ولم يوافقهم عليه أحد من الأئمة الأربعة، ولا هو قول عند أصحابهم، لكن قال به أحد العلماء المعتبرين من الصحابة، أو التابعين، فمن بعدهم .
فهذه مسألة خارجة عن محل البحث؛ لأنها داخلة في مسألة حكم تقليد الميت، وما إذا كان هناك خلاف في مسألة على قولين، ثم حدث إجماع على أحدهما، فهل يكون هذا الإجماع رافعا للنزاع؟ أم لا؟[4] وفيهما نزاع مشهور.

3. أن يغرب فقهاء الظاهرية باختيار قول لم يسبقهم إليه أحد من علماء المسلمين المعتبرين ، سواء كان العلماء مجمعين على خلافه ، أو لهم أقوال سوى قول الظاهرية ، فهل يعتد بهذا القول، أم لا؟
فهذا هو محل النزاع ، وهي الحالة التي يراد بحثها في هذا المبحث ، وما عداها لا يخلو من أحد الأقسام الماضية ، وهي خارجة عن محل البحث .

المبحث الثاني: سبب الخلاف في المسألة:
سبب خلاف العلماء في الاعتداد بخلاف الظاهرية فيما أغربوا فيه: هو أن من أعظم أصول الظاهرية التي شذوا بها عن باقي العلماء إنكار القياس، وعدم العمل به .
وقد نقل بعض العلماء الإجماع على إعمال القياس[5]، فهل يكون الظاهرية بفعلهم هذا قد خالفوا الإجماع ، وأنكروا ظواهر النصوص؟ فخرجوا عن أصول أهل السنة ، فلا يعتد بخلافهم ؛ كما لا يعتد بخلاف باقي الفرق الضالة ، كالخوارج والإمامية ، وغيرهم[6]، وأنهم -على أقل تقدير في رأي البعض- بعدم عملهم بالقياس تركوا معلوماً لدى أهل العلم، وطريقاً من طرق الاستنباط المتفق عليها؛ فأشبهوا العوام فلا يعتد بخلافهم.[7]

أم أنهم بفعلهم هذا لم يخالفوا جماعة المسلمين، ولا يعدو قولهم أن يكون من الاجتهاد السائغ بين المسلمين؟

وقد يكون سبب خلافهم هو المسألة الأصولية: (إذا أجمع المسلمون على أن في المسألة قولين أو أكثر، فهل يجوز إحداث قول ثالث).[8]

ولكن هذا في بعض المسائل، وليس كلياً؛ لأنه توجد مسائل شذ الظاهرية بقول ولا يعلم للمتقدم فيها رأي .

المبحث الثالث: خلاف أهل العلم في المسألة ، وأدلتهم، والترجيح:
اختلف أهل العلم القائلون بالقياس -رحمهم الله- في هذه المسألة على أربعة أقوال:
القول الأول: أن خلافهم غير معتبر، وليس معتداً به مطلقا .
وهو منسوب لجمهور أهل العلم، حكاه أبو إسحاق الإسفراييني (ت 316 هـ) عن جمهور أهل العلم.[9]
وذكر أبو العباس القرطبي (ت 656 هـ)[10] أن جل الفقهاء والأصوليين على أنه لا يعتد بخلافهم .

وقال النووي (ت 676 هـ):[11] "ومخالفة داود لا تقدح في الإجماع عند الجمهور" وقال في موضع آخر:[12] "ومخالفة داود لا تضر في انعقاد الإجماع، على المختار الذي عليه المحققون والأكثر" .

وقال بدر الدين الزركشي (ت 794 هـ)[13]: "ولم يعدهم المحققون من أحزاب الفقهاء . . . وأخرجوهم من أهل الحل والعقد".

وحكاه ابن دقيق العيد (ت 702 هـ)[14] والصنعاني[15] (ت 1182 هـ)عن بعض الناس .

وممن وقفت على قوله من أهل العلم موافقا لهذا القول أبو الحسن الكرخي (ت 340 هـ) [16]، وأبو بكر الجصاص الرازي (ت 370 هـ)[17].

والحموي (ت 1098 هـ)[18] وابن عابدين (ت 1252 هـ)[19] من الحنفية .
ومن المالكية: القاضي أبو بكر الباقلاني (ت 403 هـ)[20] وابن بطال (ت 449 هـ)[21]، والقاضي أبو بكر ابن العربي (ت 543هـ)[22]، وأبو العباس القرطبي (ت 656 هـ)[23]، والدرديري (ت 1201 هـ)[24]، وعليش (ت 1299 هـ)[25].

وبه قال من الشافعية أبو العباس بن سريج (ت 306 هـ) (انظر كتاب: (المحمدون من الشعراء للقفطي 2 \ 427)، والأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني (ت 316 هـ)[26]، وأبو علي بن أبي هريرة ( ت 345 هـ )[27] والقاضي أبو الحسن المروزي ( ت 462 هـ )[28]وأبو المعالي الجويني ( ت 478 هـ ) (البرهان ، للجويني 2 \ 819 - في مبحث مسالك العلة-، وانظر: فيض القدير للمناوي 6 \ 226)، وأبو حامد الغزالي ( ت 505 هـ ) (البحر المحيط 4 \ 472 ، حاشية العطار على شرح جمع الجوامع 2 \ 242 )، وحكي عن النووي ( ت 676 هـ ) الجزم بعدم الاعتداد بقولهم[29]، ورجح هذا القول صلاح الدين الصفدي( ت 826 هـ ) (الوافي بالوفيات ، للصفدي 13 \ 475) . ، وولي الله العراقي ( ت 826 هـ ) (طرح التثريب شرح التقريب ، لولي الله العراقي 2 \ 37 ). ، ونقله أبو منصور البغدادي ( ت 429 هـ ) عن طائفة من متأخري الشافعيين[30].

وقال به نجم الدين الطوفي ( ت 716 هـ ) من الحنابلة (التعيين في شرح الأربعين ، للطوفي ص 244 )..
والحافظ أبو بكر ابن مفوز ( ت 505 هـ ) من علماء الحديث[31] وممن قال به القاضي عبد الوهاب البغدادي من المالكية ( ت 422 هـ ) (قاله في كتاب (الملخص)، ونقله عنه الزركشي في ( البحر المحيط 4 / 472 ) ..
وبه قال من الشافعية أبو منصور البغدادي الشافعي ( ت 429 هـ ) ؛ وحكى أنه الصحيح من مذهب الشافعية[32] .

ونسب[33] هذا القول لأبي عمرو ابن الصلاح ( ت 650 هـ ) .

وقال به الذهبي ( ت 748 هـ ) (سير أعلام النبلاء ، للذهبي 13 / 104 ). ، وابن السبكي ( ت 771 هـ )[34].

( وهو الذي استقر عليه الأمر آخرا كما هو الأغلب الأعرف من صفو الأئمة المتأخرين ) قاله ابن الصلاح ( الفتاوى ص 67 ) ، والنووي ( تهذيب الأسماء واللغات 1 \ 183 )، وهو رأي كثير من الحنابلة [35]، واختاره غير واحد من المحققين ؛ كالعلامة ابن القيم ( ت 751 هـ ).[36]
والصنعاني ( ت 1182 هـ ) (العدة ، للصنعاني 1 / 140 ). ، والشوكاني ( ت 1250 هـ ) (إرشاد الفحول ، للشوكاني ص 71) . ، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي ( ت 1393 هـ ) (نثر الورود على مراقي السعود ، للشنقيطي 2 \ 428 ، أضواء البيان، ونسبه للمحققين من علماء الأصول ).
القول الثالث: أن خلافهم معتبر في غير المسائل القياسية، وأما المسائل القياسية فلا اعتبار بقولهم .
وهو قول أبي الحسن الأبياري ( ت 618 هـ ) (نقله عنه في ( البحر المحيط 4/473 ) .
القول الرابع: أن خلافهم معتبر فيما خالف القياس الخفي، دون ما خالف القياس الجلي.[37] وهو قول ابن الصلاح ( ت 650 هـ )[38] قال: "والذي أجيب به بعد الاستخارة والاستعانة بالله، أن داود يعتبر قوله ويعتد به في الإجماع، إلا فيما خالف فيه القياس الجلي" (نقله عنه النووي في ( تهذيب الأسماء واللغات 1 /184) ، وسكت عنه ).
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول -وهم القائلون بعدم الاعتداد بخلاف الظاهرية مطلقاً- بأدلة متعددة، بعبارات مختلفة، وسأسوق بعضا منها:
- أن أهل الظاهر ليسوا من العلماء ولا من الفقهاء، بل هم من جملة العوام الذين لا يعتد بخلافهم (نقله في "المفهم" 1 / 543 ) عن القاضي أبي بكر الباقلاني ) .
- أن الظاهرية في حيز العوام، فلا اعتبار بخلافهم (الفصول في الأصول 3/296 سير أعلام النبلاء 13 / 104) .
- أن معظم الشريعة صدر عن الاجتهاد، والنصوص لا تفي بالعشر من معشار الشريعة، فبإنكارهم القياس والاجتهاد يكونون ملتحقين بالعوام، وكيف يدعون الاجتهاد ، ولا اجتهاد عندهم ، وإنما غاية التصرف التردد على ظواهر الألفاظ . (البرهان للجويني 2 / 818 ) .
- أن من أنكر القياس لا يعرف طرق الاجتهاد، وإنما هو متمسك بالظواهر فهو كالعامي الذي لا معرفة له (البحر المحيط 4 / 472 ). .
- أنهم لا يعتد بخلافهم لأنهم من جملة العوام ، وأن من اعتد بخلافهم فإنما ذلك لأن مذهبه أنه يعتبر خلاف العوام في انعقاد الإجماع ، والحق خلافه (المفهم 1 / 543 ، وعنه البحر المحيط 4 / 472 ). .
- ولأنهم في الشرعيات كالسوفسطائية في العقليات (البحر المحيط 4/472).
- أن منكري القياس من الظاهرية ليسوا من علماء الأمة؛ لأنهم مباهتون على عنادهم فيما ثبت استفاضة وتواتراً، ومن لم يزعه التواتر، ولم يحتفل بمخالفته لم يوثق بقوله ومذهبه (البرهان للجويني 2 / 818 ).
- أنهم كالشيعة في الفروع، ولا يلتفت إلى أقوالهم، ولا ينصب معهم الخلاف، ولا يعتنى بتحصيل كتبهم، ولا يدل مستفت من العامة عليهم (سير أعلام النبلاء 13 /104).

- أنهم لم يبلغوا رتبة الاجتهاد ، ولا يعتبر في الإجماع إلا خلاف من له أهلية النظر والاجتهاد[39]، بل بالغ بعضهم فلم يعدوا الظاهرية من العلماء والفقهاء[40]- أنهم لما أحدثوا قواعد تخالف الأولين ، أفضت إلى المناقضة لمجلس الشريعة ، فلم يعتبر خلافهم (البحر المحيط ، لبدر الدين الزركشي 6 / 291) .
- أنهم لما اجترءوا على دعوى أنهم على الحق، وأن غيرهم على الباطل أخرجهم أهل العلم من أهل الحل والعقد (البحر المحيط ، لبدر الدين الزركشي 6 / 291 ).
- أنه قد دل الدليل القاطع على أصل القياس، وهو لا يحتمل المنازعة فيه لظهوره . وقد نازع الظاهرية فيه .
وهذه المنازعة الظاهر أنها عناد، والمعاند في الحق لا عبرة بقوله، وهذا ظاهر.
وإن لم تكن عناداً - كما هو الظنون بذوي الحجى- فقد نفوا ما ثبت بالدليل القاطع باجتهاد، قصاراه إفادة الظن الذي لا يعارض القطع الظاهر (الوافي بالوفيات ، للصفدي 13 / 475).
والاجتهاد الواقع على خلاف الدليل القاطع، كاجتهاد من ليس من أهل الاجتهاد في إنزالهما بمنزلة ما لا يعتد به، وينقض الحكم به (فتاوى ابن الصلاح ص 69 ).
- أن من أنصف لنفسه علم أن النصوص التي أخذت منها الأحكام لا تفي بعشر معشار الحوادث التي لا نهاية لها، فما الذي يقوله الظاهري في غير المنصوص إذا أتاه عامي وسأله عن حادثة لا نص فيها؟ أيحكم فيها بشيء أم يدع العامي وجهله؟
لا قائل من المسلمين بالثاني، أعني: أنا ندع العامي يخبط في دينه، وإن حكم فيها - والواقع أن لا نص- فإما أن يقيس، أو يخترع من نفسه حكماً يلزم الناس الأخذ به .
إن اخترع من عند نفسه ونسبه إلى الحكم الشرعي، كان كاذباً على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإلا كان ملزما للناس بفلتات لسانه، فما بقي إلا أنه لا يخترعه من عند نفسه ويقيسه على الصور المنصوص عليها .
والظاهري لا يقول بذلك.
فعاد الأمر إلى أنه إما أن يدع العامي يخبط في دينه بما لم ينزل الله به سلطاناً، أو يكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أو يلزم الناس بهفواته، والثلاثة لا يقولها ذو لب -معاذ الله– (الوافي بالوفيات ، للصفدي 13 /475 ) .
- أن داود ينفي حجج العقول، فمن كان هذا مقدار عقله ومبلغ علمه كيف يجوز أن يعد من أهل العلم وممن يعتد بخلافه؟... (الفصول في الأصول ، للجصاص 3 / 296 ).
- أنهم قد أخذوا هذا القول - نفي القياس- عن النظام من المعتزلة، وقد كفره جمع من أهل العلم (فقه أهل العراق وحديثهم، للكوثري ص 17 ) .
مما سبق من تعليلات القائلين بعدم الاحتجاج بخلاف الظاهرية يتبين أنهم يدورون حول معنى واحد، وإن اختلفت العبارات، وهو:
أن الظاهرية عندما أنكروا القياس خرجوا عن دائرة العلم وأهله، وصاروا في دائرة العوام[41] أو الجهال[42] أو المبتدعة[43] أو المباهتين (البرهان للجويني 2 / 818 ، أو الكفار والمشركين[44] بحسب اختلاف العبارات - ] وهؤلاء لا يصح الاحتجاج بهم في الإجماع ، ولا يقدح خلافهم فيه .
والسبب في ذلك - مما تقدم - ثلاثة أمور:
أ - أن النصوص الشرعية لا تفي بجميع الأحكام الشرعية، ولا بد من القياس لإظهار الأحكام الشرعية .
ب - أن الظاهرية وافقهم في قولهم هذا كثير من أهل البدع .
ج - أن القياس قد دل عليه ( الدليل القاطع ) فإنكارهم له إنكار لأمر معلوم من الدين بالضرورة، فخالفوا صريح العقول، وصحيح المنقول .
أما الأمر الأول: وهو أن النصوص الشرعية لا تفي بجميع الأحكام الشرعية، ولا بد من القياس لإظهار الأحكام الشرعية .
فلا يسلم ذلك - عندهم- فإن في القرآن والسنة بياناً لجميع الأحكام الشرعية، إما بطريق المنطوق أو المفهوم، أو غيرها من دلائل الألفاظ ووسائل الاستنباط غير القياس، ويدل على ذلك عموم قول الله تعالى : {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[سورة النحل: 89] ، وقوله تعالى : {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[سورة الأنعام:38] .
وقال ابن حزم: (النبذ في أصل الفقه ، لابن حزم ص 118 ): " كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في الكتاب والسنة نعلمه والحمد لله ، حاشا القراض فما وجدنا له أصلا البتة" .

قال أبو إسحاق الشاطبي ( ت 790 هـ ) (الموافقات للشاطبي 4 / 189): "العالم بالقرآن على التحقيق عالم بجملة الشريعة، ولا يعوزه منها شيء، والدليل على ذلك أمور:
ومنها : التجربة، وهو أنه لا أحد من العلماء لجأ إلى القرآن في مسألة إلا وجد لها أصلا، وأقرب الطوائف من إعواز المسائل النازلة أهل الظاهر الذين ينكرون القياس، ولم يثبت عنهم أنهم عجزوا عن الدليل في مسألة من المسائل" ا . هـ .
وقال الشوكاني ( ت 1255 هـ ) بعد ذكره لدليل المانعين من الاعتداد بخلاف منكري القياس: "ويجاب عنه بأن من عرف نصوص الشريعة حق معرفتها، وتدبر آيات الكتاب العزيز، وتوسع في الاطلاع على السنة المطهرة، علم بأن نصوص الشريعة جمع جم، ولا عيب لهم إلا ترك العمل بالآراء الفاسدة التي لم يدل عليها كتاب، ولا سنة، ولا قياس مقبول ( وتلك شكاة ظاهر عنك عارها ) .
نعم قد جمدوا في مسائل كان ينبغي لهم ترك الجمود عليها، ولكنها بالنسبة إلى ما وقع في مذاهب غيرهم من العمل بما لا دليل عليه البتة قليلة جداً" (إرشاد الفحول ص 72 ).
أما الأمر الثاني: وهو أن الظاهرية وافقوهم في قولهم هذا كثير من أهل البدع .
فقد دفع ابن حزم هذا التراشق بأمرين، أحدهما: أنه لا يهمه من وافقه من أهل الباطل، فلا ينكر أن تقول اليهود لا إله إلا الله ويقولها هو .
وثانيهما: أنها لا تخلو كلمة حق أو باطل يذهب إليها غيره من آخذ بها من أهل الباطل، فالأخذ بالقياس قال به بعض المعتزلة، والأزارقة، وأحمد بن حابط، ولكل هؤلاء من شنيع الأقوال ما هو كفر (تحرير بعض المسائل على مذهب الأصحاب للعلامة ابن عقيل الظاهري ص 52 ) .
أما الأمر الثالث: وهو أن القياس قد دل عليه (الدليل القاطع)، فإنكار الظاهرية له إنكار لأمر معلوم من الدين بالضرورة، فخالفوا بذلك صريح العقول ، وصحيح المنقول .
فهو محل النزاع بين الظاهرية وغيرهم، وقد أطال الظاهرية في نقاش هذه الأدلة التي استدل بها القائلون بصحة القياس (انظر مثلا: الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 2 /761 وما بعده ) .
إضافة إلى أن ( الدليل القاطع ) إن سلم به ، فإنما هو قد دل على أصل القياس، وصحة الاستدلال بجنسه، لا على صور آحاده؛ فإنها باتفاق ظنية، ما عدا بعض الصور التي قال بعض العلماء بأن القياس فيها قطعي؛ كالقياس الأولوي على نزاع في تسميته قياساً .
وبذلك يتبين فساد المقدمات التي بنى عليها أصحاب هذا القول نتيجتها ؛ وهو عدم الاعتداد بخلاف الظاهرية
فإذا سقطت المقدمات سقطت النتيجة المترتبة عليها، وعليه يتبين ضعف هذا القول، والله أعلم.
واستدل أصحاب القول الثاني -القائلون باعتبار خلاف الظاهرية مطلقا- بأدلة متعددة، وسأسوق أولا عباراتهم ؛ فمنها:
- أن ما تفردوا به هو من قبيل مخالفة الإجماع الظني، وتندر مخالفتهم لإجماع قطعي (سير أعلام النبلاء 13/104 ) .
- قال الصنعاني ( ت 1182 هـ ) (العدة شرح إحكام الأحكام ، للصنعاني 1 /140 - بتصرف يسير ): "إن الظاهرية لم يخالفوا في المسائل المجمع عليها؛ لأن التحقيق أنه لم يقم الدليل إلا على حجية الإجماع القولي، وقد كذب من ادعاه إلا في المسائل الضرورية، كما قال الإمام أحمد .
فإذا حققت فالحق: أن دعوى الإجماع طريقة القاصرين، إذا أعيتهم الأدلة ادعوه على منازعهم، ولا يليق ذلك بأئمة التحقيق، فليس العمدة إلا الدليل من الكتاب والسنة أو قياس في معنى الأصل، فإذا قام الدليل فلا ينظر إلى التنقيش قال به قائل أو لا؟
فلا وحشة مع الدليل، ولا ناظر بعد وجوده إلى قال ولا قائل ولا قيل، والله يقول الحق ويهدي السبيل .
- أن هؤلاء المخالفين في القياس كلاً أو بعضاً، هم بعض الأمة، فلا بد من الاعتداد بخلافهم (إرشاد الفحول ص 210 ) .

- أنه لم يذكر أحد من العلماء أن من شرط المجتهد المعتبر قوله أن يكون من أهل القياس القائلين به .
- أن قول الظاهرية اجتهاد منهم، ومن لم يعتد بخلافهم كان هذا اجتهاداً منه فكيف يرد اجتهاد بمثله (سير أعلام النبلاء 13 \ 105) ، ونقله عنه الصفدي في ( الوافي 13 \ 474 ).
- أن داود الظاهري كان يقرئ مذهبه، ويناظر عليه، ويفتي به في مثل بغداد، وكثرة الأئمة بها وبغيرها، فلم نراهم قاموا عليه، ولا أنكروا فتاويه ولا تدريسه، ولا سعوا في منعه من بثه (سير أعلام النبلاء 13 \ 105 . ثم ذكر أمثلة لبعض العلماء الذين عاصروا داود ) .
- أنهم وإن جاء عنهم مسائل غريبة، فإنهم علماء مجتهدون، وقد صدر من كثير من العلماء مسائل تخالف الإجماع، وإنما تحكى للتعجب، كقول ابن عباس في المتعة، والصرف، وإنكار العول (سير أعلام النبلاء 13 / 105 - 106 ) .
- أن كثيراً من الأئمة المصنفين أوردوا خلاف الظاهرية في كتبهم، مما يدل على اعتبارهم له، فلولا اعتدادهم بخلافهم لما أوردوا مذاهبهم في مصنفاتهم؛ لمنافاة موضوعها لذلك (فتاوى ابن الصلاح ص 68) .
- أننا ما اعتددنا بخلافهم لأن مفرداتهم حجة ، بل لتحكى في الجملة ، وبعضها سائغ ، وبعضها قوي ، وبعضها ساقط (سير أعلام النبلاء 13/104 ) .
- أنه يلزم القائل بعدم الاعتبار بخلاف الظاهرية في الإجماع يلزمه أن لا يعتبر خلاف منكر العموم، وخبر الواحد، ولا ذاهب إليه (البحر المحيط 4/472 ، نقلا عن الأصفهاني شارح ( المحصول ) .
- أن خلاف الظاهرية معتبر كما يعتبر خلاف من ينفي المراسيل، ويمنع العموم، ومن حمل الأمر على الوجوب؛ لأن مدار الفقه على هذه الطرق (البحر المحيط 4 /472 ، نقلا عن القاضي عبد الوهاب في ( الملخص ) .
- أن عدم الاعتداد بخلاف الظاهرية غير صحيح؛ لأنه إن كان نفيا ًللوجود فهذا تدفعه المشاهدة والعيان، وإن قيل: "إن الله أمر بعدم سماعه، أو رسوله أمر بذلك فهذا شر من الأول؛ لأنه كذب على الله ورسوله .
مما تقدم يتبين أن الحديث في قبول خلاف الظاهرية ما ادعي فيه الإجماع مقبول، وأنه مانع من انعقاد الإجماع لأمور:
أ - منع صحة الإجماع شرعاً، وعقلاً في المسائل التي خالف فيها الظاهرية (وقد أطال ابن حزم في ( الإحكام 2 /494 - 506 ) النفس في تقرير هذا الأصل ، فيراجع) .
ب - وعلى فرض صحة الإجماع قبل خلافهم، فإنه يمنع من الوقوع؛ لأن الوقائع التي ادعي فيها خلاف الظاهرية للإجماع، إنما هو خلاف ظني (قاله الذهبي في السير 13 / 104 ) ، والصنعاني في ( العدة شرح إحكام الأحكام 1 /140 ) وتقدم نقله . .
ج - أن إنكارهم للقياس لا يعني خروجهم من دائرة العلماء؛ لأنهم مجتهدون توفرت فيهم جميع أدوات الاجتهاد - ولم يذكر أحد من العلماء أن من شروط المجتهد أن يكون عاملاً بالقياس في المسألة المجتهد فيها، كما أنه يلزم من عدم الاعتداد بخلافهم عدم الاعتداد بخلاف منكري حديث الآحاد مطلقاً، أو في وقائع معينة، ومنكري العمل بالحديث المرسل، ومن يرى نسخ القرآن بالسنة، ومنكري العموم، وغير ذلك من صور عدم العمل ببعض آحاد الأدلة المتفق عليها من الكتاب والسنة .
د - (القلب للدليل) وهو أن الإجماع منعقد على قبول خلاف الظاهرية؛ لأن داود الظاهري أظهر قوله في عصره، وكذا تلامذته من بعده، وحكى خلافهم أهل العلم في كتبهم، ولم يرو عن أحد معاصريه أنه أنكر خلافه ولم يعتد به .
واستدل أصحاب القول الثالث: -وهم القائلون بقبول خلافهم في المسائل غير القياسية وأما القياسية فلا يعتد بخلافهم- بأدلة منها:
أن المسألة إن كانت مما يتعلق بالآثار والتوقيف واللفظ اللغوي، ولا مخالف للقياس فيها، لم يصح أن ينعقد الإجماع بدونهم، إلا على رأي من يرى أن الاجتهاد لا يتجزأ .
فإن قلنا بالتجزؤ لم يمنع أن يقع النظر في فرع هم فيه محقون، كما نعتبر خلاف المتكلم في المسألة الكلامية؛ لأن له فيه مدخلاً، كذلك أهل الظاهر في غير المسائل القياسية يعتد بخلافهم، (البحر المحيط 4 /473 ، نقلاً عن الأبياري).
ويظهر بتأمل هذا القول أنه عائد في الحقيقة إلى القول الأول، القائل بعدم الاعتداد بخلاف الظاهرية؛ لأن جل المسائل إنما هي قياسية؛ كما قال إمام الحرمين الجويني ( ت 478 هـ ) (البرهان ، للجويني 2 / 818 ):
"إن معظم الشريعة صدر عن الاجتهاد، والنصوص لا تفي بالعشر من معشار الشريعة" .
كما أن في التفريق بين المسائل التي يدخلها القياس والتي لا يدخلها القياس خلافاً بين العلماء؛ فمثلاً مسائل الحدود، والكفارات ، والعبادات، فإن بين القائسين؛ خلافاً في جريان القياس فيها من عدمه[45].
ضافة لذلك فإن هذا التفريق هو محل النزاع ؛ فإن الظاهرية يرون أن جميع هذه المسائل ليست قياسية ؛ فيكون قولهم معتبرا .
واستدل أصحاب القول الرابع -وهم القائلون باعتبار خلافهم فيما خالف القياس الخفي دون ما خالف القياس الجلي- بأدلة منها:
أن خلاف الظاهرية فيما خالف القياس الخفي معتبر؛ لما سبق في أدلة القول الثاني .
أما خلافهم فيما خالف القياس الجلي فهو غير معتد به؛ لكونه مبنياً على ما يقطع ببطلانه، والاجتهاد الواقع على خلاف الدليل القاطع كاجتهاد من ليس من أهل الاجتهاد في إنزالهما بمنزلة ما لا يعتد به، وينقض الحكم به (فتاوى ابن الصلاح ص 69 ) .
ولأنه يجوز تبعيض الاجتهاد؛ بمعنى: أن يكون العالم مجتهداً في نوع دون غيره، فكذلك الظاهرية يعتبر قولهم فيما عدا ما خالفوا القياس الجلي (فتاوى ابن الصلاح ص 69 ) .
ولأن المسائل التي خالفوا فيها القياس الجلي، وما أجمع عليه القياسيون من أنواعه، أو بنوه على أصولهم التي قام الدليل القاطع على بطلانها باتفاق من سواهم على خلافه، إجماع منعقد.
وقولهم حينئذ خارج من الإجماع، كقولهم في التغوط في الماء الراكدة؛ وقولهم: لا ربا إلا في الستة المنصوص عليها .
فخلافهم في هذا وشبهه غير معتد به؛ لأنه مبني على ما يقطع ببطلانه، والاجتهاد على خلاف الدليل القاطع مردود، وينتقض حكم الحاكم به (تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/184) .
ويعرض على تفريقهم بين القياس الجلي والقياس الخفي، في الاعتداد بخلاف الظاهرية في الثاني دون الأول. أن يقال لهم:
أ - إن تقسيم القياس إلى جلي وخفي - بحسب تقسيم الشافعية[46] إنما هو تقسيم لما يطلق عليه القياس، لا القياس الشرعي المعرف بين الأصوليين ، والذي فيه نزاع الظاهرية .
فإن الجمع بنفي الفارق - وهو القياس الخفي - ليس من
حقيقة القياس (تيسير التحرير لأمير باد شاه 4/77).
فعاد هذا القول للقول الأول، وهو نفي الاعتداد بخلاف الظاهرية مطلقاً، فيكون القول فيهما واحداً .
ب - كذلك فإنه يقال: إما أن يعمم عدم الاعتداد بخلاف من خالف قول الأكثر في القياس الجلي، سواء كان من أهل القياس، أم لا . أو أن يخص بأهل الظاهر فقط .
فإن قيل بالأول وهو أن كل من خالف في القياس الجلي لم يقبل قوله، ولا يعتد بخلافه، فهذا يؤدي إلى القول بقطعية هذا القياس، وفيه نظر؛ بدليل خلاف بعض القياسيين فيه .
وإن قيل بتخصيص منكري القياس فقط . ففيه تحكم ؛ لأنه ربما خالف في هذه المسألة التي يدعي أن القياس فيها جلي غير الظاهرية ممن يعمل القياس ؛ فيكون القائل هذا القول قد أهمل خلاف الظاهري ، وأعمل خلاف غيره في مسألة واحدة ، وهو تحكم .
مثال ذلك : ما ذكره أصحاب هذا القول من التمثيل للمسائل التي خالف فيها الظاهرية القياس الجلي ؛ بأن الظاهرية يقولون: "بأن الربا لا يجري إلا في الأصناف الستة المنصوص عليها في الحديث[47] فقط ، ولا يتعداها لغيره" .
وهذه المسألة لم ينفرد بها الظاهرية بل وافقهم عليها بعض أهل القياس، فقال أبو الوفاء ابن عقيل ( ت 513 هـ) من الحنابلة[48] وغيره .
فإن قبلنا خلافه ورددنا خلاف الظاهرية فهو تحكم، وإن قلنا برد خلاف الجميع فلا فائدة من تخصيص الظاهرية بعدم الاعتداد بقولهم، بل نرد خلاف جميع من خالف في هذا القياس .
والراجح في هذه المسألة - والله تعالى أعلم-: هو الاحتجاج بخلاف الظاهرية مطلقاً، وعدم انعقاد الإجماع بدونهم، وأن خلافهم مانع من انعقاده، ولا يصح رد قولهم بإجماع معاصريهم .
وأما ما شذوا فيه فيرده كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهما اللذان يحكمان ببطلانه حال عرضه عليهما .
المبحث الرابع: أمثلة تطبيقية على خلاف الظاهرية:
سبق في بيان محل البحث والنزاع أن الحديث هنا فيما إذا انفرد الظاهرية بقول ولم يسبقوا إليه بقول أحد من الصحابة أو التابعين، أو لم يوافقهم عليه أحد من علماء المذاهب الأربعة المعروفة .
وبالنظر إلى كثير من المفردات التي ذكرها من حرص على جمع مفردات الظاهرية -أو ابن حزم بالخصوص- نجد أنهم يذكرون ما خالف فيه مشهور أقوال الأئمة الأربعة فقط، وهذا في الحقيقة خلاف المقصود بالبحث.
وسأذكر بضع مسائل لا بقصد الاستيعاب، بل لقصد التمثيل فحسب .
مسألة: وجوب تقديم العضو الأيمن على الأيسر في الوضوء .
قال ابن حزم بوجوبه (المحلى 3-66).
وقد حكى الإجماع على الاستحباب دون الوجوب جمع من العلماء؛ منهم ابن المنذر (الأوسط 1-387، والنووي (المجموع 1-383) .
مسألة: وجوب الاضطجاع على الشق الأيمن على من صلى ركعتي الفجر.
ذكر ابن حزم (المحلى 3-196): أنه يجب على من صلى ركعتي الفجر أن يضطجع على شقه الأيمن قبل صلاة الفجر، سواء صلاها في وقتها أو قاضياً لها، من نسيان أو عمد نوم؛ فإن عجز عن الضجعة أشار إلى ذلك حسب طاقته، ولم يجز له أن يصلي الصبح إلا بأن يضطجع على شقه الأيمن .
مسألة: جواز قص المحرم لأظفاره .
ذكر ابن حزم (المحلى 7-246) أنه يجوز للمحرم قص أظفاره وأنه لا شيء عليه فيه .
وقد حكى الإجماع على حرمتها جمع من أهل العلم، كابن المنذر في (الإجماع ص 17) ، وابن قدامة (المغني 5-146) ، وغيرهم .
مسألة : عدم توريث الجدة أم الأب .
أنكر ابن حزم الإجماع على توريث أم الأب، وقال (المحلى 10-350): "إن أبا بكر رضي الله عنه لم يورث إلا جدة واحدة فقط؛ وهي أم الأب؛ فلا ميراث لغيرها من الجدات" .
وقد حكى الإجماع على توريث أم الأم جمع من العلماء؛ منهم ابن المنذر (الإجماع ص 34) ، والماوردي (الحاوي 8-110) ، والبغوي (شرح السنة 8-347) ، والعمراني (البيان 3-704) ، وغيرهم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


[1] منها كتاب: (ابن حزم والمسائل التي خالف فيها الجمهور في العقائد والأصول والعبادات) لمحمد صالح موسى حسين من منشورات جامعة (سبها) بليبيا سنة 1995م . وغيره

[2] ما بين القوسين من كلام الصنعاني في (العدة 1 /140).

[3] كان مجموع ما رجعت إليه من الكتب ونقلت عنه في هذه الوريقات ما ينيف على تسعين مرجعاً.

[4] انظر: أصول السرخسي 1 /319، شرح العضد على ابن الحاجب 2 /41، التبصرة للشيرازي ص378، البرهان لإمام الحرمين 1 / 454 ، الإحكام للآمدي1 /275، العدة للقاضى أبي يعلى 4 / 1105، روضة الناظر 2 /464، الإحكام لابن حزم 2 /515.

[5] ممن نقل الإجماع الشيرازي في (التبصرة ص 425).

[6] انظر الخلاف في مسألة الاعتداد بخلاف أهل البدع والأهواء في: الإحكام لابن حزم 2/580 ، المنخول ص 310، إرشاد الفحول ص 71. وقول الجمهور في المسألة إنه يعتد بخلاف أهل البدع، ما لم تكن البدعة مكفرة.

[7] انظر الخلاف في مسألة الاعتداد بخلاف العوام في: أصول السرخسي 1 \ 312 ، شرح التنقيح للقرافي ص 267، المنخول ص 310، المحصول 4 /196، التمهيد لأبي الخطاب 3 /250 ، إرشاد الفحول ص 72.

[8] وفي هذه المسألة نزاع بين أهل العلم، أنظره في تيسير التحرير 3 /250، شرح العضد على ابن الحاجب 2/39، التبصرة للشيرازي ص 387، المحصول للرازي 4/128، الإحكام للآمدي 1/269، روضة الناظر 2 / 488، شرح مختصر الروضة 3 / 88، إرشاد الفحول ص 76
[9] نقله عنه ابن الصلاح في (فتاويه ص67 )، والنووي في (تهذيب الأسماء واللغات 1 / 183)، والذهبي في (سير أعلام النبلاء 13 \ 104)، وابن كثير في (طبقات الفقهاء الشافعيين 1 /172، والزركشي في (البحر المحيط 4/471 ) وابن السبكي في (الطبقات الكبرى 2 / 289) والصفدي في (الوفي 13/474)
[10] المفهم لأبي العباس القرطبي 1 / 543، ونقله أيضا عنه في (البحر المحيط 4 / 472).
[11] المجموع، للنووي 2 / 156، في باب الغسل.
[12] شرح صحيح مسلم، للنووي 3 / 143، في باب السواك.
[13] البحر المحيط، لبدر الدين الزركشي 6 /291.
[14] الإمام شرح الإلمام، لابن دقيق العيد 1 / 413.
[15] العدة، للصنعاني 1 / 131.
[16] نقله عنه في (الفصول في الأصول 3 / 297 ط: الكويت).
[17] فقال في مقدمة كتابه (أحكام القرآن): "لو تكلم داود في مسألة حادثة في عصره، وخالف فيها بعض أهل زمانه لم يكن خلافا عليهم" ا. هـ، ونحوه قال في كتابه (الفصول في الأصول 3 / 296 ط: الكويت).
[18] غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر، للحموي 3 /299
[19] حاشية ابن عابدين 6/99 وفيه أن خلاف الظاهرية لا ينقض إجماع الفقهاء. وانظر: تيسير التحرير لأمير بادشاه 4/222.
[20] نقله ابن الصلاح في (الفتاوى ص 67)، والقرطبي في (المفهم 1 / 543)، والزركشي في (البحر المحيط 4 /471)، وابن السبكي في (الطبقات الكبرى 2 /289). وقارن بما نقله الزركشي عنه في موضع آخر من (البحر المحيط 5 / 185).
[21] شرح صحيح البخاري، لابن بطال 1 / 352.
[22] العواصم من القواصم، لأبي بكر ابن العربي ص 257- الطبعة الكاملة-، وعارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي لأبي بكر ابن العربي 10 / 108.
[23] المفهم لأبي العباس القرطبي (1/ 543.)[24] بلغة السالك لأقرب المسالك، للدرديري (2/389).
[25] فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك، لمحمد أحمد عليش 1 / 101،96. وانظر للمالكية كذلك (المعيار المعرب 2 / 491) وفيه أن (القاضي عياضا) نقل عن بعض العلماء أن مذهب داود بدعة ظهرت بعد المائتين.
[26] نقله في (فتاوى ابن الصلاح ص 67)، و (السير 13 / 104)، و (طبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 1/172)، و (البحر المحيط 4 /471)، و (الطبقات الكبرى لابن السبكي 2 /289) و (الوافي 13/474.
[27] نقله عنه ابن الصلاح في ( فتاويه ص 67 ) ، والنووي في ( تهذيب الأسماء 1 / 183 ) ، والذهبي في ( السير 13 / 104 ) ، والزركشي في( البحر المحيط 4 / 472 ) ، وابن كثير في ( طبقات الفقهاء الشافعيين 1 / 172 ) ، وابن السبكي في ( الطبقات الكبرى 2 / 289 ) ، والصفدي في ( الوافي 13/474 ) .

[28] فتاوى القاضي حسين ل 107 أ - مخطوطة مكتبة باريس الأهلية - ، وفيه : '' لو أوصى ميت للفقهاء، فلا يدخل فيه الظاهرية، ومن يعتقد قول داود '' ا . هـ
وهذا هو رأي القاضي أبي الحسين، وقد يفهم من كلام له ذكره ابن الرفعة أنه يرى أن الظاهرية يعتد برأيهم في خلاف الإجماع، وأجاب عنه الزركشي بأنه راعى الخلاف الذي عليه داود ، لا خصوص داود . انظر : [ البحر المحيط 4 \ 474 ، وطبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 2 \ 291 { .

[29] نقله السيوطي في ( تدريب الراوي 2 / 192 ) عن النووي في ( شرح مسلم ) ، وانظر الموضع الذي نقل عنه السيوطي في ( شرح مسلم للنووي 11 / 217 ) مع اختلاف العبارة .
وذكر ابن كثير في حوادث ( سنة 763 هـ ) رؤيا رآها للنووي سأله فيها عن عدم إدخاله شيئا من مصنفات ابن حزم في ( شرح المهذب) له. راجع ( البداية والنهاية 18 / 350).

[30] نقله عن أبي منصور ابن الصلاح في ( فتاويه ص 67 ) ، والنووي في ( تهذيب الأسماء واللغات 1 / 183) ، والذهبي في ( سير أعلام النبلاء 13 /104) والزركشي في (البحر المحيط 4/472) ، وابن كثير في ( طبقات الفقهاء الشافعيين 1 / 172) ، وابن السبكي في ( الطبقات الكبرى 2/289 ) ، والصفدي في ( الوافي 13/474 ) .

[31] نقله عنه ابن دقيق العيد في ( الإلمام 1 / 415 ) ، والصفدي في ( الوافي 13 / 476 ) ، والصنعاني في ( العدة 1 / 131 ) .

[32] نقله ابن الصلاح في ( فتاويه ص 67 ) ، والنووي في ( تهذيب الأسماء واللغات 1 / 183 ) ، وابن كثير في ( طبقات الشافعين 2 / 174 ) ، وابن السبكي في ( الطبقات الكبرى 2 / 289 ) .

[33] نسبه له ابن السبكي في ( الطبقات الكبرى 2 / 289 ) ، وهو خلاف ما نص عليه في ( الفتاوى ) وسيأتي في القول الرابع .

[34] طبقات الشافعية الكبرى ، لابن السبكي 2 / 289 ، ( شرح المحلي على جمع الجوامع لابن السبكي 2 /491 ) .
لكن ابن السبكي إنما يقبل قول داود بن علي ، دون ابن حزم ، فقد قال تعليقا على كلام إمام الحرمين في عدم قول أهل الظاهر : '' قول إمام الحرمين إن المحققين لا يقيمون للظاهرية وزنا ، وإن خلافهم لا يعتبر ، محله عندي ابن حزم وأمثاله ، وأما داود فمعاذ الله أن يقول الإمام أو غيره أن خلافه لا يعتبر ، فلقد كان جبلا من جبال العلم والدين ، له من سداد النظر وسعة العلم ونور البصيرة والإحاطة بأقوال الصحابة والتابعين ، والقدرة على الاستنباط ما يعظم وقعه ، وقد دونت كتبه ، وكثرت أتباعه ، وذكره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في ( طبقاته ) من الأئمة المتبوعين في الفروع '' ا . هـ . [ البهجة الوردية 4 /26 ، شرح المحلي على جمع الجوامع 2 /491 ] .

[35] وقد حكمت أنه رأي كثير من الحنابلة لاعتبارات متعددة ؛ منها أن بعض مؤرخي الحنابلة ذكروا داود من جملة أصحاب الإمام أحمد [ انظر مثلا : الدر المنضد لابن حميد ص 19 ] ، وأن آخرين ذكروه ضمن أصحاب الإمام أحمد عند ذكر الخلاف [ كصنيع أبي الخطاب في كتابه الانتصار ، والموفق في المغني وابن أبي عمر في الشرح الكبير ] ؛ بل إن بعض الحنابلة - وهو الشيخ حسن الشطي - أفرد كتابا في المسائل التي خالف فيها داود مشهور مذهب الحنابلة . وانظر : كتاب ( الإمام داود الظاهري وأثره في الفقه ص 144 ).

[36] في مواضع من كتبه منها : ( زاد المعاد 5 \ 331 - كتاب الظهار - ) ، و ( إعلام الموقعين 2 \ 277 ، و 3 \ 182 ) .

[37] القياس الجلي : '' هو ما قطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع '' .
والقياس الخفي: '' هو نفي اعتبار الفارق بين الأصل والفرع بظن المجتهد لا بعلمه '' .
وهذا التفريق عند الشافعية والحنابلة وهو المراد عند ابن الصلاح ؛ لأنه من علماء الشافعية .
أما الحنفية ؛ فالجلي عندهم : '' ما تبادر إلى ذهن المجتهد '' . والخفي : '' وهو ما خفي مما تبادر '' ، ويقال له : ( الاستحسان ) .
انظر : [ شرح غاية السول لابن عبد الهادي 399 ، الإحكام للآمدي 4 / 3 ، شرح جمع الجوامع للمحلي 2/340 ، تيسير التحرير 4 \ 76 ، و 4 \ 78 ].

[38] فتاوى ابن الصلاح ص 69 ، ونسبه له ابن كثير في ( طبقات الفقهاء الشافعيين 2 \ 174 ) ، وابن السبكي في ( الطبقات الكبرى 2 \ 290 ) .

[39] قاله أبو إسحاق الإسفراييني [ نقله عنه في : فتاوى ابن الصلاح ص 67، وسير أعلام النبلاء 13/105 ، وطبقات الشافعية الكبرى 2 /289 ] . وقاله أبو العباس القرطبي في ( المفهم 1/543 ).
[40] قاله أبو بكر الباقلاني نقله أبو العباس القرطبي في ( المفهم 1 / 543 ) ، والجويني في ( نهاية المطلب - في باب السرقة - ) ، ونقله عنه ابن السبكي في ( الطبقات الكبرى 2 / 289 ) .

[41] قاله الجويني في ( البرهان 2 \ 818 ) ، وأبو بكر الباقلاني ( وعنه في المفهم 1 \ 543 ) ، والجصاص في ( الفصول 3 \ 296 ) ، والزركشي في ( البحر المحيط 4 \ 472 ) ، وانظر : سير أعلام النبلاء 13 \ 104 .

[42] قال الواسطي تلميذ الجبائي : '' من أراد أن يتناهى في الجهل فليتعرف الفقه على مذهب داود'' . [بواسطة تحرير بعض المسائل ص 51 ] .
[43] نقل القاضي عياض عن بعض العلماء أن مذهب داود بدعة ظهرت بعد المائتين ( المعيار المعرب 2 \491 ) . وقال أبو بكر ابن العربي : '' إن ابن حزم كان في حماية الملوك لما كان يلقي إليهم من شبه البدع ، والشرك '' [ عارضة الأحوذي شرح حديث ( افتراق هذه الأمة ) ] .
وممن شبه الظاهرية بالخوارج ، والباطنية ، والروافض ( أبو بكر ابن العربي المالكي ) في كتابيه ( العواصم من القواصم ص 249 ، 257 - الطبعة الكاملة - ) ، و ( عارضة الأحوذي بشرح سنن الترمذي 10 \ 108 ) .
وشبههم بالخوارج بكر البشري [ الإحكام لابن حزم 1 \ 289 ] .
وانظر كلام ( أبي بكر الجصاص الحنفي ت 370 هـ ) في ( الفصول في الأصول ص 64 - طبعة لاهور باكستان - ) . و ( رسالة في الرد على الهاتف من بعد ، لابن حزم ص 122 ) .
[44] من ذلك قول الصاوي : '' الأخذ بظاهر الكتاب والسنة من أصول الكفر '' .
وقال مولوي فضل رسول البدايواني في كتابه ( سوط الرحمن ) : '' كان داود الظاهري من أتباع الشيطان ، ثم ظهر ابن حزم الذي كان خبيثا '' ا . هـ بواسطة كتاب ( تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند لمسعود الندوي ) .
وتقدم قريبا قول ابن العربي في ( عارضة الأحوذي ) .

[45] انظر الخلاف بين القائسين في دخول القياس في هذه المسائل في المصادر التالية : نشر البنود 2/112 ، الإحكام للآمدي 3 /196 ، شرح الكوكب المنير 4 /20 .

[46] تقدم التفريق بين تقسيم الشافعية ، والحنفية عند ذكر هذا القول مع الأقوال ، وتبين أن المراد تقسيم الشافعية.

[47] وهو ما روى مسلم من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ''الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد'' .

[48] قاله ابن عقيل في كتابه ( عمد الأدلة ) ، ونقله المرداوي في ( الإنصاف 12 \ 17 ) ونسب هذا القول لمذهب طاوس، وقتادة، وجماعة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الاعتداد بخلاف الظاهرية في الفروع عبد السلام بن محمد الشويعر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حول الشيخ تقي الدين الهلالي -ج1- الكاتب : د. محمد بن سعد الشويعر
» حول الشيخ تقي الدين الهلالي -ج2- الكاتب : د. محمد بن سعد الشويعر
» شهادة صدق و كلمة وفاء في حق العالم الربّاني محمد البنا - رحمه الله - أبو معاذ محمد مرابط
» إيـاك ! والـغـضـب !
» محرك البحث

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف :: منتدى استراحة طالب العلم-
انتقل الى: