المنتقى من صحيح السيرة للألباني
الحمد لله وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم وبعد : فهذا مقال حول الإصلاح بين الناس وأجره ، وقد اعتمدت في بعض التبويبات تبويبات البخاري ففقهه في تراجم أبوابه كما قال العلماء والله الموفق
فضل الإصلاح
قال تعالى : {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }النساء114
العدل بين الناس صدقة
في الصحيحين عن مَعْمَرٌ ، عَنْ هَمَّامٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ النَّاسِ صَدَقَةٌ
الصلح خير ومنه : الإصلاح بين الزوجين
قال تعالى : {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }النساء128
أخرج البخاري في صحيحه من طريق : عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا ، قَالَتْ : " هُوَ الرَّجُلُ يَرَى مِنَ امْرَأَتِهِ مَا لاَ يُعْجِبُهُ ، كِبَرًا أَوْ غَيْرَهُ ، فَيُرِيدُ فِرَاقَهَا " ، فَتَقُولُ : أَمْسِكْنِي وَاقْسِمْ لِي مَا شِئْتَ ، قَالَتْ : " فَلاَ بَأْسَ إِذَا تَرَاضَيَا " وأخرجه مسلم أيضا . وبوب البخاري له : باب قول الإمام لأصحابه اذهبوا بنا نصلح .
ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس
روى البخاري من طريق : عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ ، أَخْبَرَتْهُ : أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ ، فَيَنْمِي خَيْرًا ، أَوْ يَقُولُ خَيْرًا "
الإصلاح بين الموصي والموصى لهم
قال تعالى : {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }البقرة182
وفي التفسير الميسر : مَن علم مِن موصٍ ميلا عن الحق في وصيته على سبيل الخطأ أو العمد, فنصح الموصيَ وقت الوصية بما هو الأعدل، فإن لم يحصل له ذلك فأصلح بين الأطراف بتغيير الوصية; لتوافق الشريعة, فلا ذنب عليه في هذا الإصلاح. إن الله غفور لعباده, رحيم بهم. ( طبعة الملك فهد)
فضل العفو عن عقوبة المسيء بالإصلاح
قال تعالى : {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }الشورى40
قال في التفسير الميسر : وجزاء سيئة المسيء عقوبته بسيئة مثلها من غير زيادة, فمن عفا عن المسيء, وترك عقابه, وأصلح الودَّ بينه وبين المعفو عنه ابتغاء وجه الله، فأَجْرُ عفوه ذلك على الله. إن الله لا يحب الظالمين الذين يبدؤون بالعدوان على الناس، ويسيئون إليهم.
المسارعة للإصلاح بين الناس
قال تعالى : {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }الحجرات9
وفي الصحيحين من طريق : مُعْتَمِرٌ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي ، أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ، " فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ حِمَارًا ، فَانْطَلَقَ المُسْلِمُونَ يَمْشُونَ مَعَهُ وَهِيَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ " ، فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِلَيْكَ عَنِّي ، وَاللَّهِ لَقَدْ آذَانِي نَتْنُ حِمَارِكَ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ مِنْهُمْ : وَاللَّهِ لَحِمَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ ، فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ ، فَشَتَمَهُ ، فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ ، فَكَانَ بَيْنَهُمَا ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ وَالأَيْدِي وَالنِّعَالِ ، فَبَلَغَنَا أَنَّهَا أُنْزِلَتْ : وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا *
في الصحيحين من طريق أبي حَازِمٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ أُنَاسًا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ ، وَلَمْ يَأْتِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَاءَ بِلاَلٌ ، فَأَذَّنَ بِلاَلٌ بِالصَّلاَةِ ، وَلَمْ يَأْتِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَاءَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ ، فَقَالَ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُبِسَ وَقَدْ حَضَرَتِ الصَّلاَةُ ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، إِنْ شِئْتَ ، فَأَقَامَ الصَّلاَةَ فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ ، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِالتَّصْفِيحِ حَتَّى أَكْثَرُوا ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لاَ يَكَادُ يَلْتَفِتُ فِي الصَّلاَةِ ، فَالْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَهُ ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ كَمَا هُوَ ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ رَجَعَ القَهْقَرَى وَرَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ فِي الصَّفِّ ، وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ ، فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِذَا نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي صَلاَتِكُمْ أَخَذْتُمْ بِالتَّصْفِيحِ ، إِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ ، مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاَتِهِ ، فَلْيَقُلْ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا التَفَتَ ، يَا أَبَا بَكْرٍ ، مَا مَنَعَكَ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ لَمْ تُصَلِّ بِالنَّاسِ " ، فَقَالَ : مَا كَانَ يَنْبَغِي لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ *
روى البخاري في صحيحه : عَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ : سَمِعْتُ الحَسَنَ ، يَقُولُ : اسْتَقْبَلَ وَاللَّهِ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الجِبَالِ ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ : إِنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ لاَ تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ وَكَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ : أَيْ عَمْرُو إِنْ قَتَلَ هَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ ، وَهَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ مَنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ : عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ ، فَقَالَ : اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ ، فَاعْرِضَا عَلَيْهِ ، وَقُولاَ لَهُ : وَاطْلُبَا إِلَيْهِ ، فَأَتَيَاهُ ، فَدَخَلاَ عَلَيْهِ فَتَكَلَّمَا ، وَقَالاَ لَهُ : فَطَلَبَا إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُمَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ : إِنَّا بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ ، قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا المَالِ ، وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا ، قَالاَ : فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا ، وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ قَالَ : فَمَنْ لِي بِهَذَا ، قَالاَ : نَحْنُ لَكَ بِهِ ، فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلَّا قَالاَ : نَحْنُ لَكَ بِهِ ، فَصَالَحَهُ ، فَقَالَ الحَسَنُ : وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المِنْبَرِ وَالحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ ، وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً ، وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ : " إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ "
القضاء بين المتخاصمين بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
في الصحيحين عن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالاَ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ ، فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ : صَدَقَ ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ ، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ : إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا ، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ ، فَقَالُوا لِي : عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ ، فَفَدَيْتُ ابْنِي مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنَ الغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ العِلْمِ ، فَقَالُوا : إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ ، أَمَّا الوَلِيدَةُ وَالغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ لِرَجُلٍ فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا ، فَارْجُمْهَا " ، فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا . وبوب له البخاري قال : بَابُ إِذَا اصْطَلَحُوا عَلَى صُلْحِ جَوْرٍ فَالصُّلْحُ مَرْدُودٌ
ويدل على رد الجور في الصلح مما استدل به البخاري في صحيحه من طريق : القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ ، فَهُوَ رَدٌّ . وهو عند مسلم أيضا .
الكتابة في الصلح والحرص على مافيه خير .
في الصحيحين من طريق : شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، قَالَ : سَمِعْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الحُدَيْبِيَةِ ، كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَيْنَهُمْ كِتَابًا ، فَكَتَبَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ : لاَ تَكْتُبْ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، لَوْ كُنْتَ رَسُولًا لَمْ نُقَاتِلْكَ ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ : " امْحُهُ " ، فَقَالَ عَلِيٌّ : مَا أَنَا بِالَّذِي أَمْحَاهُ ، فَمَحَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ، وَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ، وَلاَ يَدْخُلُوهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلاَحِ ، فَسَأَلُوهُ مَا جُلُبَّانُ السِّلاَحِ ؟ فَقَالَ : القِرَابُ بِمَا فِيهِ .
الصلح في الدية
روى البخاري من طريق : حُمَيْدٌ ، أَنَّ أَنَسًا ، حَدَّثَهُمْ : أَنَّ الرُّبَيِّعَ وَهِيَ ابْنَةُ النَّضْرِ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ ، فَطَلَبُوا الأَرْشَ ، وَطَلَبُوا العَفْوَ ، فَأَبَوْا ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَرَهُمْ بِالقِصَاصِ ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ : أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ، لاَ تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا ، فَقَالَ : " يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ القِصَاصُ " ، فَرَضِيَ القَوْمُ وَعَفَوْا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ " زَادَ الفَزَارِيُّ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، فَرَضِيَ القَوْمُ وَقَبِلُوا الأَرْشَ . ورواه مسلم بنحوه من طريق ثابت عن أنس .
الحكم بالحق بين المتخاصمين ولو كان ضد أحدهما
عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ الزُّبَيْرَ ، كَانَ يُحَدِّثُ : أَنَّهُ خَاصَمَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِرَاجٍ مِنَ الحَرَّةِ ، كَانَا يَسْقِيَانِ بِهِ كِلاَهُمَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْزُّبَيْرِ : " اسْقِ يَا زُبَيْرُ ، ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ " ، فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، آنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : " اسْقِ ، ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَبْلُغَ الجَدْرَ " ، فَاسْتَوْعَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ حَقَّهُ لِلْزُّبَيْرِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِرَأْيٍ سَعَةٍ لَهُ وَلِلْأَنْصَارِيِّ ، فَلَمَّا أَحْفَظَ الأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، اسْتَوْعَى لِلْزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الحُكْمِ ، قَالَ عُرْوَةُ : قَالَ الزُّبَيْرُ : " وَاللَّهِ مَا أَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ إِلَّا فِي ذَلِكَ " : فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ الآيَةَ . وبوب البخاري للحديث فقال : بَابُ إِذَا أَشَارَ الإِمَامُ بِالصُّلْحِ فَأَبَى ، حَكَمَ عَلَيْهِ بِالحُكْمِ البَيِّنِ .
في الصحيحين من طريق : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ ، أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ ، أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ ، فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المَسْجِدِ ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ فِي بَيْتٍ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمَا ، حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ ، فَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ : فَقَالَ " يَا كَعْبُ " ، فَقَالَ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ ، فَقَالَ كَعْبٌ : قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قُمْ فَاقْضِهِ " واللفظ للبخاري وبوب له فقال : بَابُ الصُّلْحِ بِالدَّيْنِ وَالعَيْنِ
باب الصلح في المواريث
روى البخاري من طريق : عُبَيْدُ اللَّهِ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : تُوُفِّيَ أَبِي وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَعَرَضْتُ عَلَى غُرَمَائِهِ أَنْ يَأْخُذُوا التَّمْرَ بِمَا عَلَيْهِ ، فَأَبَوْا وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ فِيهِ وَفَاءً ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : " إِذَا جَدَدْتَهُ فَوَضَعْتَهُ فِي المِرْبَدِ آذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ، فَجَاءَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ ، وَدَعَا بِالْبَرَكَةِ ، ثُمَّ قَالَ : " ادْعُ غُرَمَاءَكَ ، فَأَوْفِهِمْ " ، فَمَا تَرَكْتُ أَحَدًا لَهُ عَلَى أَبِي دَيْنٌ إِلَّا قَضَيْتُهُ ، وَفَضَلَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ ، وَسْقًا سَبْعَةٌ عَجْوَةٌ ، وَسِتَّةٌ لَوْنٌ - أَوْ سِتَّةٌ عَجْوَةٌ ، وَسَبْعَةٌ لَوْنٌ - فَوَافَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَغْرِبَ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ ، فَضَحِكَ ، فَقَالَ : " ائْتِ أَبَا بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، فَأَخْبِرْهُمَا " ، فَقَالاَ : لَقَدْ عَلِمْنَا إِذْ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا صَنَعَ أَنْ سَيَكُونُ ذَلِكَ ، وَقَالَ هِشَامٌ ، عَنْ وَهْبٍ ، عَنْ جَابِرٍ : صَلاَةَ العَصْرِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا بَكْرٍ وَلاَ ضَحِكَ ، وَقَالَ : وَتَرَكَ أَبِي عَلَيْهِ ثَلاَثِينَ وَسْقًا دَيْنًا . ورواه مسلم أيضا .
بوب البخاري للحديث بقوله : بَابُ الصُّلْحِ بَيْنَ الغُرَمَاءِ وَأَصْحَابِ المِيرَاثِ وَالمُجَازَفَةِ فِي ذَلِكَ .