قال في اللسان: التعصب من العصبية. و العصبية: أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته و التألب معهم على من يناوئهم، ظالمين كانوا أو مظلومين. و قد تعصبوا عليهم إذا تجمعوا فإذا تجمعوا على فريق آخر، قيل: تعصبوا. والعصبي من يعين قومه على الظلم. والعصبي، هو الذي يغضب لعصبيته، ويحامي عنهم. والعصبة : الأقارب من جهة الأب، لأنهم يعصبونه، ويعتصب بهم، أي يحيطون به، ويشتد بهم. وفي الحديث: "ليس منا من دعا إلى عصبية، أو قاتل عصبية".
العصبية والتعصب: المحاماة والمدافعة. وتعصبنا له ومعه: نصرناه، وعصبة الرجل قومه الدين يتعصبون له. اهـ
قال الله تعالى في سورة الحجرات 13: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. يقول الله تعالى مخاطبا عباده كلهم {إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} يعني آدم وحواء {وجعلناكم شعوبا} كل شعب يجمع قبائل عديدة كقريش مثلا، أو كالعرب. والقبيلة دون الشعب، ثم العشيرة، ثم الفصيلة، ثم الفخذ، ثم الأسرة. {لتعارفوا} أي ليعرف بعضكم بعضا، حتى ينال كل إنسان حقه في الميراث والعقل، وهو دفع دية قتل الخطأ، فان عصبة القاتل تؤدى الدية شرعا إلى غير ذلك من فوائد التعارف، كصلة الرحم، ونصر الأخ ظالما أو مظلوما كما جاء في الحديث الصحيح، فان كان مظلوما يدفع عنه الظلم أخوه، وذلك نصره، وإن كان ظالما يمنعه من الظلم فينصره على نفسه التي تريد أن تلقيه في المهالك حين سولت له الظلم. قال تعالى في سورة النمل: {فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا}. وقد جاء في الخبر:إن الظلم يدع الديار بلاقع
.
ولم يجعلنا الله شعوبا وقبائل ليتعصب بعضنا على بعض، فان ذلك من شأن أهل الجاهلية كما سيأتي. ولا يوجد نسب في بني آدم يعتبر كريما ساميا فاضلا على غيره. وكيف يكون ذلك وكلهم خلقوا من نفس واحدة، وهي نفس آدم، وبعض النفس لا يكون أفضل من بعضها.
والتفاضل بين الناس إنما يكون بالأعمال، فعمل الإنسان هو الذي يرفعه أو يخفضه، وعليه يثاب أو يعاقب، قال تعالى: {من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها} وقال تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} أي أعلاكم منزلة عند الله أكثركم تقوى . والتقوى اجتناب ما نهى الله عنه وامتثال ما أمر الله به، {إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون}.
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم، قال: أكرمهم عند الله أتقاهم، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فأكرم الناس يوسف نبي الله بن نبي الله بن خليل الله، قالوا: ليس عن هذه نسألك، قال: فعن معادن العرب تسألوني قالوا: نعم، قال: فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا.
لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكرم الناس لم يتبادر إلى ذهنه الكريم إلا الكرم الذي يجيء من العمل، فلذلك أجاب بقوله: أكرمهم عند الله أتقاهم. فهكذا ينبغي لكل مسلم وكل منصف أن لا يفكر عند التفاضل إلا في العمل، ولا يفكر في جنس ولا لون ولا نسب ولا حسب. ولما علم أن السائلين لا يقصدون بسؤالهم التفاضل بالعمل وحده ظهر له أنهم يقصدون الحسب، وهو مفاخر الآباء، فأجاب عليه الصلاة والسلام بقوله: يوسف نبي الله بن نبي الله بن خليل الله، فلم ينظر نظرة ضيقة إلى العرب وحدهم، و هو عربي والسائلون من العرب، بل ذهب فكره الشريف إلى الحقيقة الواقعة، فأخبر أن أكرم الناس من حيث الحسب يوجد في الأمة الإسرائيلية، فهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل صلوات الله عليهم أجمعين.
هذا هو الإنصاف المحمدي الذي ينبغي أن يضرب به المثل، لا الديمقراطية. ولما علم أن السائلين لا يريدون التفاضل الآتي من حسب الآباء وعلو مرتبتهم، وإنما يريدون تفاضلا محصورا في العرب أجابهم بجواب حكيم متواضع كريم فقال: خيارهم في الجاهلية، هم خيارهم في الإسلام بزيادة شرط واحد، وهو التفقه في الدين علما وعملا. فكل من كان شريفا في الجاهلية بخلقه وعمله فهو شريف في الإسلام إذا تفقه في دين الله وتمسك به. أما إذا لم يتفقه في الدين ولم يتمسك به، فهو من شرار العرب ان كان عربيا، وإن لم يكن عربيا فهو من شرار قومه، فرجع الأمر إلى الخلق والعمل، وطابق الختام الابتداء.
فبماذا يسود السيد عند العرب؟ بانتسابه إلى بيت ملك، كما هو الشأن عند العجم الجواب نجده في شعر العرب، وهو ديوانهم، قال شاعرهم:
وإني وإن كنت ابن سيد عامر *** وفارسها المشهور في كل موكب
فمـا سودتني عامر عن وراثة *** أبى الله أن أسمو بأم ولا أب
ولكنني أحمي حماها وأتقي *** أذاها وأرمي من رماها بمنكبي