منهج جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في الإصلاح الديني - الحلقة الثانية -
سليم مجوبي حفظه الله
2- اتِّباع الكتاب والسُّنَّة ومنهج السَّلف
من المعلوم أنَّ مصدر التلقِّي عند أهل السُّنَّة والجماعة هما الأصلان الأصيلان والموردان الصَّافيان، كتاب الله عزَّ وجلّ وسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللذَين أُمرنا بردِّ الأمور إليهما عند التنازع والاختلاف، قال تعال: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا﴾[النساء: 59].
يضاف إلى هذين الأصلين أصلٌ ثالث، به تُفارق الفرقة الناجية فِرق الضَّلال وتتميَّز عنهم، وهو اتِّباع منهج السَّلف الصَّالح من الصَّحابة والتَّابعين وأئمَّة الدِّين، قال تعالى:﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115].
وعلى هذه الأصول الثلاثة بنى العلماءُ المصلحون الجزائريّون دعوتهَم، حتى قبل إنشاء جمعيّتهم؛ بل اتِّفاقُهم عليها هو الذي مهَّد لإنشاء الجمعيّة.
يقول ابن باديس - رحمه الله -: «قد رأينا ونحن نخدم أمَّة مسلمة أن نسعى لتهذيبها من طريق الإسلام، ولم نشكّ قطُّ أنّ الإسلام ليس هو ما تمثِّله بسيرة مجموعها وأفرادها، وأنَّ الإسلام إنَّما هو في كتاب الله وسنَّة رسول الله صلى الله عليثه وسلم وما كان عليه سلفُها من أهل القرون الثَّلاثة المشهود لهم بالخيريَّة على لسان الصَّادق المصدوق، فصمدنا ندعو الأمَّة إلى الرجوع إلى هذه الأصول وطرحِ كلِّ ما يخالفها من قول وعمل واعتقاد»(1).
وكان من أهمِّ أعمال ابن باديس قبل تشكيل الجمعيّة، إنشاؤه لجريدة «المنتقد» التي عُطِّلت بعد فترة وجيزة، فأتبعها بجريدة «الشهاب» التي هي بحقّ «شهابٌ رصد على الدِّين الصَّحيح من أن تلمَسه أيدي دجاجلة السُّوء وأنصار البدعة بأذى، وشهابٌ ثاقب يُقذف به كلُّ شيطان رجيم وأفَّاك أثيم ...»(2).
وقد جاء في هذه الجريدة التَّصريح الصَّريح بالدَّعوة إلى هذه الأصول العظيمة.
«إنّ من أهمِّ ما أُسِّست له هذه الصَّحيفة: الإصلاحَ الدِّيني وتطهيرَ العقائد من نزعات الشِّرك وباطل الخرافات ودحضَ أنواع البدع القوليَّة والفعليَّة(3)، والإشادةَ بلزوم الاهتداء بالكتاب والسنَّة وعمل السَّلف الصالحين، والأخذَ بكلِّ ما وافق هذه الأصول، والطّرحَ لكلِّ ما خالفها»(4).
ولمَّا أُنشئت جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين كانت الدَّعوة إلى هذه الأصول هي السِّمة البارزة في منهجها؛ فقد جاء في قانونها الدَّاخلي: «فالجمعيّة تريد أنْ ترجع بهذه الأمَّة - من طريق الإرشاد - إلى هداية الكتاب والسُّنَّة وسيرة السَّلف الصَّالح، لتكون ماشية في رقيِّها الرُّوحيّ على شعاع تلك الهداية»(5).
ولقد أوضح ابن باديس دعوة جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين وأصولَها في عدَّة نقاط؛ من بينها:
·الإسلام هو دين الله الذي وضعه لهداية عباده، وأرسل به جميع رسله، وكمَّله على يد نبيِّه محمد [صلى الله عليه وسلم] الذي لا نبيَّ بعده.
·القرآن هو كتاب الإسلام.
·السنّة - القوليّة والفعليّة - الصَّحيحة، تفسيرٌ وبيان للقرآن.
·سلوك السَّلف الصَّالح - الصَّحابة والتَّابعين وأتباع التَّابعين - تطبيقٌ صحيح لهدي الإسلام.
·فهوم أئمَّة السَّلف الصَّالح، أصدق الفهوم لحقائق الإسلام ونصوص الكتاب والسُّنَّة ...»(6).
وكان ابن باديس يُذكِّر بالسّير على هذه الأصول والدَّعوة إليها في فاتحة كلِّ سَنَةٍ جديدة من عُمر جريدته «الشِّهاب»؛ ومن ذلك ما جاء في فاتحة السَّنة الثَّالثة عشرة: «وسنخطو هذه الخطوة - إن شاء الله تعالى - على ما عرفه النَّاس من مبدئنا في الإصلاح الدِّينيّ من ناحية العقائد والأخلاق والأفكار والأعمال، تصحيحاً وتهذيباً وتنويراً وتقويماً، كلُّ ذلك في دائرة الإسلام كما نزل به القرآن، وبيَّنته السُّنَّة، ومضى عليه - علماً وعملاً - السَّلف الصَّالح من هذه الأمَّة»([7]).