الحمد لله الذي أكمل لنا الدين ، وأتم علينا النعمة ، ورضي لنا الإسلام دينا . وحذرنا من تقليد الكفار والركون إلى الأشرار . ولنكون أمة واحدة متماسكة ، لها مكانتها وعزتها . وأشهد أن لا إله إلا الله لا رب لنا سواه . ولا نعبد إلا إياه . وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله رحمة للعالمين ، فأغنى به بعد عيلة . وكثر به بعد قلة . وأعز به بعد ذلة . واستقامت ببعثته الملة ، نبي شرح الله له صدره . ورفع له ذكره . وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بسنته وسار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا . أما بعد :
أيها المسلمون : اتقوا الله تعالى ، يقول الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ﴾ . [ الجاثية : 18 ] ، ويقول - سبحانه - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ . [ الزخرف : 43 - 44 ] . ويأمرنا - سبحانه - بمثل ما أمر به نبينا فيقول : ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ . [ الأنعام : 153 ] .
أجل ، إن هذا الدين هو صراط الله المستقيم من سار عليه نجا ، ومن حاد عنه هلك ، وقد وفر الله في هذا الدين كل أسباب الفلاح والرقي والتقدم ، فلو تمسكنا به حق التمسك لصرنا أرقى الناس ؛ لأصبح كل العالم يحتاج إلى ما عندنا ولسنا بحاجة إلى أحد غير الله ، ولكننا ضيعنا ديننا ؛ فضعنا ، وصرنا نستورد من أعدائنا كل عادة سيئة ، وكل خلق ذميم وكل سنة جاهلية . فننشر ذلك في مجتمعنا ونربي عليه أولادنا ونساءنا دون تفكير في عواقبه ، وتقدير لنتائجه لنساير ركب الحضارة ونمشي مع الركب العالمي ، ولو كان يسير إلى الهاوية ، ولو كان يسعى إلى الهلاك . المهم ، أن لا نتخلف عنهم ، وهم يخططون لنا أسباب هلاكنا ، ونحن ننفذها بكل اعتزاز وافتخار ، وهم يحاولون القضاء على ديننا أو إبعادنا عنه ، ونحن نساعدهم على ذلك ؛ ففي كل يوم ندفن جزءً من ديننا ونحل محله عادة غريبة ، أو سنة من سنن الجاهلية ، وصدق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حيث يقول : ( إنما ننقض عرى الإسلام عروة عروة ، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية ) .
إن ديننا لا يحرم علينا أن نستورد من الكفار المدفع والدبابة وسلاح القتال بأنواعه ، وأن نستفيد من خبراتهم في مجال التقنية وخطط الصناعة ، وديننا لا يحرم علينا التعامل مع الكفار في مجال التجارة المباحة وتبادل المنافع المفيدة . إنما الذي يحرمه ديننا كذلك التشبه بهم فيما هو من خصائصهم ، لما في ذلك من المفاسد العاجلة والآجلة ، فلا نتشبه بهم في أعيادهم وعاداتهم ، ولا نتشبه بهم في لباسهم وهيآتهم ، ومن ذلك ما نسمعه دائمًا من جعل أسبوع للشجرة ، وعام للطفل ، وأسبوع للنظافة ، وعيد للأم وما إلى ذلك مما يميله أعداؤنا ويتلقفه سفهاؤنا لينشروه بيننا .
إن ديننا لا يخصص يومًا من الأيام لعمل من هذه الأعمال ؛ فهو يحث على غرس الأشجار النافعة والزراعة المفيدة في كل وقت مناسب ، وديننا يحث على تربية الأطفال والعناية بهم والإحسان إلى الأيتام منهم في كل الأوقات وفي جميع الساعات . يقول - صلى الله عليه وسلم - : ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع ! واضربوهم عليها لعشر ! وفرقوا بينهم في المضاجع ! ) . ويقول - صلى الله عليه وسلم - : ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) ، والله تعالى يقول : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ . [ التحريم : 6 ] .
وإن ديننا يأمر بالنظافة في كل وقت ويحث على التجمل في الثياب والهيئة ويرغب في استعمال الطيب ، ويوجب الوضوء للصلاة والاغتسال من الجنابة ويأمر بتجنب الأنجاس والقاذورات ، وديننا يأمر بالإحسان إلى الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الفقراء والأيتام في كل وقت وفي كل فرصة حسب الإمكان .
إن ديننا كمال كله . وخير كله . لو تمسك به المسلمون ونفذوه على وجهه الصحيح ؛ لأصبح العالم كله بحاجة إليهم وليسوا بحاجة إلى أحد سوى الله : ﴿ وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ﴾ . [ المنافقون : 8 ] . ﴿ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ . [ آل عمران : 139 ] . ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ . [ الإسراء : 9 ] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : ( ثم إن الله شرع على لسان خاتم النبيين من الأعمال ما فيه صلاح الخلق على أتم الوجوه وهو الكمال المذكور في قوله تعالى : ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ . ولهذا أنزل الله هذه الآية في أعظم أعياد الأمة الحنيفية فإنه لا عيد أعظم من العيد الذي يجتمع فيه شرف المكان والزمان ، وهو عيد النحر ولا عين من أعيان هذا النوع أعظم من يوم كان قد أقامه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعامة المسلمين ، وقد نفى الله الكفر وأهله . والشرائع هي غذاء القلوب وقوتها . كما قال ابن مسعود - رضي الله عنه - ويروى مرفوعًا : ( إن كل آداب يحب أن تؤتى مأدبته وإن مأدبة الله هي القرآن ) .
ومن شأن الجسد إذا كان جائعًا فأخذ من طعام حاجته استغنى عن طعام آخر ؛ فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته قلت رغبته في المشروع وانتفاعه به بقدر ما اعتاض عنه من غيره ، بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع ؛ فإنه تعظم محبته له ومنفعته به ويتم دينه به ويكمل إسلامه ، ولهذا تجد أكثر من سماع الأغاني تنقص رغبته في سماع القرآن حتى ربما يكرهه ، ومن أكثر من السفر إلى زيارة المشاهد ونحوها لا يبقى لحج البيت المحرم في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنة ، ومن أدمن على أخذ الكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع ، ومن أدمن على قصص الملوك وسيرهم لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام . ونظائر هذا كثيرة . ولهذا جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها ) . [ رواه الإمام أحمد ] ... ) .
إلى أن قال : ( فالمشابهة والمشاكلة توجب مشابهة الظاهر توجب أيضًا مناسبة وائتلافًا وإن بعد المكان والزمان ؛ فمشابهتهم في أعيادهم ولو بالقليل هي سبب لنوع ما من اكتساب أخلاقهم التي هي ملعونة ) .
وقال - رحمه الله - : على قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) : ( وهذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم . وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله : ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ . وهو نظير ما سنذكره عن عبد الله بن عمرو أنه قال : ( من بنى بأرض المشركين ، وصنع نيروزهم ومهرجانهم ، وتشبه بهم حتى يموت ! حشر معهم يوم القيامة ) ... ) . انتهى كلامه - رحمه الله - .
فانتبهوا لأنفسكم أيها المسلمون ، واشكروا الله على ما هداكم إليه من هذا الدين ، وتمسكوا به ، ولا تبتغوا به بديلاً إن كنتم تريدون السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ . [ المائدة : 51 ] .