اداب الصيام
للصيام آداب ينبغي التخلّق بها ليحصل التوافق مع أوامر الشّرع ويرتّب عليه مقصوده منه، تهذيباً للنّفس وتزكيتها، فيجتهد الصائم في
أدائها كاملة، والمحافظة عليها تامّة، إذ كمال صيامه موقوف عليها وسعادته منوطة بها، فمن هذه الآداب الشرعية التي يراعيها في صيامه:
أولاً: استقبال شهر رمضان بالفرح والغبطة والسرور، لأنّه من فضل الله ورحمته على الناس بالإسلام، قال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ
وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾[يونس:85]، ويحمد الله على بلوغه، ويسأل الله تعالى إعانته على صيامه، وتقديم
الأعمال الصالحة فيه، كما يستحبّ له الدعاء عند رؤية أي هلال من السَّنَةِ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رأى الهلال قال: «اللهُ أَكْبَر، اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأَمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ
وَترْضَى رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللهُ»(١٦- أخرجه الترمذي: (3447)، والدارمي: 2/4، والبغوي في "شرح السنة": (1335)، وصححه ابن
حبان: (2375)، قال الألباني في: "الكلم الطيب" [91]: "صحيح بشواهده") على أن لا يستقبل الهلال عند الدعاء ولا يرفع رأسه إليه
ولا ينتصب له وإنّما يستقبل بالدعاء ما يستقبل به الصلاة.
ثانيا: ومن الآداب المهمة أن لا يصوم قبل ثبوت بداية الشهر على أنّه من رمضان ولا يصوم بعد نهايته على أنّه منه، فالواجب أن
يصومه في وقته المحدّد شرعاً فلا يتقدّم عليه ولا يتأخّر عنه لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ، وَلاَ
تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ»(١٧- تقدّم تخريجه)، وفي قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا رَأَيْتُمُ الهِلاَلَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ
فَأَفْطِرُوا»(١٨- أخرجه البخاري: (1900)، ومسلم: (1080)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما).
ثالثا: المداومة على السّحور لبركته واستحباب تأخيره لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِِ بَرَكَةً»(١٩- أخرجه
البخاري: (1923)، ومسلم: (1095)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه)، وقد ورد في فضله وبركته -أيضا- قوله صلى الله
عليه وآله وسلم: «البَرَكَةُ فِي ثَلاَثَةٍ: فِي الجَمَاعَةِ وَالثَّرِيدِ وَالسَّحُورِ»(٢٠- عزاه المنذري في الترغيب:(1546) للطبراني في:
"الكبير"، ورواه أبو الطاهر الأنباري في: "المشيخة" (156/1-20)، والبيهقي في: "الشعب" (2/426/2)، من حديث سلمان رضي
الله عنه، والحديث حسّنه الألباني في صحيح الترغيب (1065)، وفي السلسلة الصحيحة:3/36، رقم: (1045)) وقوله صلى الله عليه
وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى المُتَسَحِّرِين»(٢١- رواه الطبراني في: "الأوسط"(6434)، وابن حبان (880)، من حديث
ابن عمر رضي الله عنهما، والحديث حسّنه الألباني في صحيح موارد الظمآن: (728) وفي "صحيح الترغيب": (1066))، وقد جعله
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممَّا يميّز أهل الإسلام عن أهل الكتاب فقال: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ
السَّحَرِ»(٢٢- أخرجه مسلم: (1096)، والترمذي: (708)، وأبو داود: (2343)، والنسائي: (4/146)، من حديث عمرو بن العاص
رضي الله عنه). والأفضل أن يتسحّر الصائم بالتمر لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «نِعْمَ سَحُورِ المُؤْمِنِ التَّمْرُ»(٢٣- أخرجه أبو
داود: (2345)، وابن حبان: (883)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: (562)، وفي
صحيح موارد الظمآن: (731))، فإن لم يتيسّر له التمر تحقّق سحوره ولو بجرعة من ماء لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَسَحَّرُوا
وَلَوْ بِجُرْعَةٍ مِنْ مَاءٍ»(٢٤- أخرجه ابن حبان: (884)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه. قال الألباني في "صحيح الموارد"
(732): حسن صحيح، [انظر السلسلة الضعيفة: ( 1405) وصحيح الترغيب (1071)]).
ويبدأ وقت السّحور قبيل الفجر وينتهي بتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وإذا سمع النداء والإناء في يده، أو كان يأكل،
فله أن يقضي حاجته منهما ويستكمل شرابه وطعامه لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ فِي يَدِهِ فَلاَ يَضَعْهُ
حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ»(٢٥- أخرجه أبو داود: (2350)، والحاكم: (1/426)، والبيهقي: (4/218) ، وأحمد: (2/423، 510)، من
حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال الألباني: حسن صحيح ( انظر صحيح سنن أبي داود: (2/57). والسلسلة الصحيحة:
(3/381))، ففي رخصة الحديث إبطال بدعة الإمساك قبل الفجر بنحو عشر دقائق أو ربع ساعة، وإلزام التعبد بتوقيت الإمساكية
الموضوعة بدعوى خشية أن يدرك الناس أذان الفجر وهم على سحورهم لا أصل له في أحكام الشريعة وآدابها.
هذا، ويستحبّ تأخير السحور لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّا مَعْشَرَ الأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا بِتَعَجيِلِ فِطْرِنَا وَتَأْخِيرِ َسُحُورِنَا وَأَنْ نَضَعَ أَيْمَانَنَا
عَلَى شَمَائِلِنَا فِي الصَّلاَةِ»(٢٦- أخرجه ابن حبان: (885)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وصححه الألباني في صحيح موارد
الظمآن: (733) وفي الصحيحة: (4/376)).
وكان من فعله صلى الله عليه وآله وسلم تأخير قدر خمسين آية متوسطة، فقد روى أنس عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: «تَسَحَّرْنَا
مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحور؟ قَالَ: قَدْرَ خَمْسِينَ آيَةً»(٢٧- أخرجه
البخاري: (1921)، ومسلم: (1097)، من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه)، وكان دأب الصحابة رضي الله عنهم تأخير السحور،
فعن عمرو بن ميمون الأودي قال: «كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَ النَّاس إفْطَارًا وَأَبْطأَهُمْ سحورًا»(٢٨-
أخرجه عبد الرزاق: (7621)، والبيهقي: 4/238 وصحّح الحافظ إسناده في الفتح (4/199)).
رابعًا: المحافظة على تعجيل الفطر لإدامة النّاس على الخير لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا
الفِطْرَ»(٢٩- أخرجه البخاري: (1957)، ومسلم: (1098)، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه) وقوله عليه الصلاة والسلام:
«لاَ تَزَالُ أُمَّتِي عَلَى سُنَّتِي مَا لَمْ تَنْتَظِرْ بِفِطْرِهَا النُّجُومَ»(٣٠- أخرجه ابن خزيمة: 3/275 وابن حبان: (891)، من حديث سهل بن
سعد رضي الله عنه وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة": (2080)، وفي صحيح موارد الظمآن: (738)، وصحيح الترغيب:
(1074)) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لاَ يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الفِطْرَ لأَنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ»(٣١-
أخرجه أبو داود: (2353)، وابن ماجه: (1698)، وابن خزيمة: (3/275)، وابن حبان: (889) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
وحسنه الألباني في صحيح موارد الظمآن: (736)، وفي صحيح الترغيب: (1075))، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا
المعنى في قوله: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، -من جهة الشرق- وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»(٣٢-
أخرجه البخاري: (1954)، ومسلم: (1100)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه).