بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة و السلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه .
وبعد: فقد ورد إلَيَّ سؤالٌ من إحدى مدارس البنات بِمحافظة صامطة تسأل كاتبته عن فتـوى الشيخ عبد الله ابن جبرين بشأن المقاطعة للمنتجات الأمريكية والإسرائيلية هذا نصها: "فضيلة الشيخ أحمد بن يحيى النَّجمي -يحفظه الله- سلام الله عليك ورحمته وبركاته؛ وبعد: نود من فضيلتكم النظر في هذه الفتوى -يعنِي فتوى الشيخ عبد الله بن جبرين في وجوب مقاطعة المنتجات الأمريكية- والَّتِي تعجبت من أمرها يا شيخنا الكريم فوالله أغلب الموجودات هي من منتجات أمريكا فكيف نعمل، ونحن يعلم الله ليس في نيتنا مساعدتُهم أو أن نكون عونًا على إخواننا المسلمين، فتطبيق هذه الفتوى أمرٌ صعب بالنسبة لنا؛ أليس إسلامنا يبيح لنا التعامل معهم فيما ينفعنا ونترك منهم ما يضرنا، ويكون محرمًا في كتابنا شيخنا فصِّل فِي أمر هذه الفتوى، فوالله لقد انتشرت انتشارًا عظيمًا بين الناس وكلهم يسأل نفس السؤال انتهى ؟
الإجابة : وأقول وبالله التوفيق: إنَّ الواجب على كل مسلمٍ أن يتَّبع ما جاء في الشريعة الإسلامية من تحليل وتحريم وأخذٍ ومنع؛ متجنبًا للانفعالات الهوجاء؛ الَّتِي تأتي على غير بصيرة ولقد صحَّ لنا عن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم أنَّه مات، ودرعه مرهونةٌ عند يهودي في شعير أخذه نفقةً أو قال قوتًا لأهله ، والحديث بذلك في الصحيحين .
وصحَّ عنه أنَّه صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها من زرعٍ وثمر وقد ورد أنَّ الصحابة -رضوان الله عليهم- أنَّهم كانوا يجاهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغنمون الثياب وغيرها فيلبسونَها من غير غسلٍ، وآجر عليُّ بن أبي طالب نفسه من يهودي ، فنَزع له خمس دلاءٍ أو ستًّا كلَّ دلوٍ بتمرة واستأجر النَّبِي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أريقط الدِّيلي دليلاً في الطريق ؛ علمًا بأنَّه كان على شِرْكِه واتفق علي بن أبي طالب مع صائغٍ يهودي من بني قينقاع أن يأتي بإذخر يبيعه منه ليستعين به في وليمة فاطمة والحديث في صحيح البخاري .
وفي الصحيحين أيضًا كان يأتينا أنباطٌ من الشام فنسلفهم في البر والشعير، فقال النَّبِي صلى الله عليه وسلم : (( من أسلف فليسلف في كيلٍ معلوم أو وزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم )) .
والمهم أولاً : أنَّ الأدلة على جواز معاملة الكفار كثيرة جدًّا ؛ سواءً كانوا يهودًا أو نصارى أو مشركين ، ولَم يأت دليلٌ واحد ينهى عن معاملتهم إلاَّ إذا كانوا محاربين .
ثانيًا : إنَّ المقاطعة وعدم المقاطعة حقٌّ من حقوق الدولة، ومسئولية من مسؤلياتِها لا يجوز أن يفتات به عليها أحد.
ثالثًا : من الواجب على الدولة إذا همَّت بِهذا الأمر أن تدرس ذلك دراسة وافية للنظر في المصالح والمفاسد المترتبة على المقاطعة وعدمها، وتعمل بما ترجح عندها أنَّ فيه المصلحة ؛ لتضمن بذلك مصلحة مواطنيها.
رابعًا : وقد أفتى بوجوب مقاطعة منتجات أمريكا عبد الله بن جبرين، وهذا افتياتٌ على الدولة وكان الواجب عليه ألاَّ يفعل .
خامسًا : إن قيل تجب مقاطعة منتجات اليهود -دولة إسرائيل- فهذا مقبول؛ لأنَّها هي الدولة المحاربة، وقد أعلنت الدولة السعودية، وسائر الدول العربية من زمن طويل فيما أعلم مقاطعتها لدولة إسرائيل، والظاهر أنَّهم ما زالوا على ذلك . والمهم أنَّ فتوى ابن جبرين خالفت الشرع الإسلامي من جهتين :
الجهة الأولى : أنَّها حرَّمت التعامل مع دولة كافرة غير محاربة، وهذا خروجٌ عن التعاليم الشرعية وتحريم لما أباحه الله لعباده، وفي ضمن ذلك تضييقٌ على المسلمين بتحريم ما أحلَّ الله .
الجهة الثانية : أنَّه افتياتٌ على الدولة، وابتزازٌ لحقها، وإنِّي لأعلن استنكاري لهذه الفتوى وأرى عدم الأخذ بِها . هذا وأسأل الله أن يهدي ضالنا، ويرشد زائغنا، ويعلم جاهلنا، ويهدينا سبل السلام، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه .
أملى هذه الفتوى
أحمد بن يحيى النَّجمي
19 / 10 / 1421 هـ
ملحوظة : هذه الفتوى قديمة ، والمناسبة الآن لنشرها أنًَّ بعض الناس أعلنوا مقاطعة منتجات دولة الدانمرك ، وذلك لأنَّه قد حصل من بعض أفراد هذه الدولة استهزاءٌ بالرسول صلى الله عليه وسلم ، ونحن نقول أنَّ الواجب أن يغضب المسلمون لهذا العمل وأمثاله ، ولكن المقاطعة حقٌّ للدولة ، وليس للأفراد ، والله تعالى يقول : (( ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدْواً بغير علم )) وبالله التوفيق .
كتبه
أحمد بن يحيى النَّجمي
25 / 12 / 1426 هـ