جماعة أهل الحديث
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
التعريف:
جماعة أهل الحديث أقدم الحركات (*) الإسلامية في شبه القارة الهندية، قامت على الدعوة لإتباع الكتاب والسنة وفهمهما على ضوء فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وتقديمهما على كل قول وهدي سواء كان في العقائد أو العبادات أو المعاملات أو الأخلاق (*) أو السياسة والاجتماع على طريقة الفقهاء المحدثين، ومحاربة الشركيات والبدع (*) والخرافات بأنواعها.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
• تاريخ أهل الحديث في شبه القارة الهندية:
ـ يرجع تاريخ أهل الحديث في شبه القارة الهندية إلى العهد الإسلامي الأول حيث استضاءت بعض مناطق الهند بنور الإسلام بجهود التجار والمجاهدين العرب الذين وصلوا إلى مقاطعات السند ومالابار وكجرات على سواحل البحر الهندي، فكانت هناك مراكز للحديث في بلاد السند وملتان وفد إليها المحدثون من العرب والعجم، وقد زارها الرحالة المعروف أبو القاسم المقدسي عام 375هـ ووصف الحالة الدينية في بلاد السند في كتابه أحسن التقاسيم قائلاً: "إن مذاهب أكثرهم أصحاب الحديث، ولا تخلو القصبات من فقهاء على مذهب أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ وأنهم على طريقة مستقيمة، ومذاهب محمودة، وصلاح وعفة، وقد أراحهم الله من الغلو والعصبية والفتنة".
ـ وفي أواخر القرن الرابع بدأ الضعف يدب في نشاط أهل الحديث وقد بلغ منتهاه في القرن التاسع الهجري، نظراً لانتشار الخلافات السياسية والعصبيات، وظهور فتنة الباطنية الإسماعيلية التي جرت على أهل السنة (*) الفتن والمشاكل، فقل الاهتمام بالسنة، وفشا التقليد (*) والتعصب للمذاهب (*)، والجمود عليها، وسادت علوم اليونان. ومع هذا كله وجد في شبه القارة الهندية عدد من علماء أهل الحديث من تلاميذ الحافظ بن حجر العسقلاني والإمام السخاوي وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري وغيرهم، حيث ظلوا محافظين على منهج أهل الحديث.
• حركة أهل الحديث في شبه القارة الهندية في العصر الحديث:
ـ مع بداية القرن الحادي عشر الهجري بدأ دور جديد لأهل الحديث حيث ظهرت في عصر الشيخ أحمد السرهندي (ت 1034هـ)، وقويت في عهد أنجال الإمام شاه ولي الله المحدث الدهلوي (ت 1175هـ) وبخاصة ابنه الكبير شاه عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي (1159 ـ 1239هـ) حيث استفادوا من منهج (*) أبيهم في الدعوة والإرشاد والتدريس والإفادة والتأليف، ونبذ الجمود والتعصب المذهبي، وزادت قوتها وانتشارها في عهد حفيده الإمام إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي (ت 1243هـ) قائد الدعوة والجهاد وصاحب كتاب تقوية الإيمان.
ـ بعد استشهاد الإمام شاه إسماعيل الدهلوي المعروف باسم إسماعيل الشهيد في معركة بالاكوت (1243هـ) تحمل أهل الحديث مسؤولية الدعوة والجهاد (*) بكل أمانة وإخلاص، وكانت جهودهم في هذه الفترة مرتكزة على ثلاثة ميادين رئيسية:
1 ـ ميدان الجهاد (*): لم تقتصر حركة شاه إسماعيل الدهلوي على إحياء العمل بالكتاب والسنة وإقامة الخلافة (*) على منهاج النبوة والقضاء على التعصب المذهبي والجمود والبدع والعقائد الباطلة فقط، بل قادت حركة الجهاد ضد السيخ والاستعمار (*) الإنجليزي وبخاصة في الحدود الشمالية للهند إلى أن رحل الاستعمار الإنجليزي من الهند عام 1947م. وبعد تقسيم القارة إلى الهند وباكستان، واصل المجاهدون جهادهم وفتحت أحد كتائبهم مدينة مظفرآباد، وتحت قيادة الشيخ فضل إلهي الوزير آبادي فتحت باقي الرقعة التي تشكل كشمير الحرة الآن. ومن أبرز الشخصيات في هذا الميدان الشيخ ولايت علي الصادقفوي (ت 1269هـ) وشقيقه الشيخ عنايت علي الصادقفوري (ت 1274هـ) وأسرة (صادقفور) الذين تحملوا مسؤولية الجهاد ورفعوا رايته، وأبلوا فيه بلاءً حسناً.
2 ـ ميدان التأليف: لأهل الحديث دور بارز في إحياء ونشر الثقافة الإسلامية من خلال الاهتمام بمجال التأليف والتصنيف في القرآن وعلومه، وعلوم الحديث، وبيان السنة وشروحها، مع الدفاع عن العقيدة، والرد على المبتدعة وأهل الاعتقادات الباطلة فكان منهم العلماء والمحدثون. ومن أبرز الشخصيات في هذا المجال العلامة النواب صديق حسن خان البهوبالي (ت 1307هـ) حاكم بوبهبال حيث اشتغل بالتصنيف والتأليف ونشر كتب الحديث ودواوين السنة فألف ما يبلغ قريباً من ثلاثمائة كتاب، مع اشتغاله بمهمات الدولة، كما شكل مجلساً علمياً مكوناً من العلماء السلفيين ليقوم بمهمات التأليف والترجمة وإفادة المسلمين بالتدريس، وأنشأ لذلك عدة مطابع على حسابه الخاص لطبع ونشر وتوزيع كتب السلف الصالح، وخاصة ما يتعلق منها بأصول الاعتقاد والتفسير والحديث.
3 ـ في ميدان التدريس: برز اهتمام أهل الحديث بالدعوة والتدريس وإنشاء المدارس والجامعات ومن أبرز الشخصيات في هذا الجانب العلامة الشيخ نذير حسين المحدث الدهلوي (ت 1320هـ) والذي انتهت إليه رئاسة الحديث في بلاد الهند واستمر في تدريس العلوم الشرعية والحديث في دهلي قرابة ستين عاماً بالإضافة إلى الدعوة إلى الإسلام الصحيح، حتى قيل إنه اعتنق في عصره نحو مليونين من المسلمين العقيدة الصحيحة تائبين عن العقائد الشركية والبدعية، وتخرج على يده عدد من أعلام السنة والدعوة في العصر الحديث أمثال: الإمام المحدث عبد الله الغزنوي (ت 1298هـ) وشمس الحق العظيم آبادي (ت 1329هـ) مؤلف عون المعبود شرح سنن أبي داود والعلامة عبد الرحمن المباركفوري (ت1353هـ) صاحب تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي والعلامة محمد بشير السهسواني (ت1326هـ) صاحب صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان والشيخ عبد الله بن إدريس السنوسي المغربي والشيخ محمد بن ناصر المبارك النجدي والشيخ سعد بن حمد بن عتيق النجدي والذي نشر سند شيخه في بلاد الحجاز ونجد، وغيرهم، ولا زالت مدرسته إلى اليوم بدهلي والمعروفة بجامعة السيد نذير حسين الدهلوي تخرج العلماء والدعاة.