عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ به من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه ، وعلى آله ، وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين . أما بعد :فيا أيها الناس ، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى .
عباد الله : المجتمع المسلم متميز عن كل المجتمعات ، المجتمع المسلم مجتمع التراحم والتعاطف والمحبة والمودة والتكافل بين أفراده ، مجتمع يرحم كبيره صغيره ، ويوقر صغيره كبيره ، ويعقب غنيه على فقيره ، ويحب فقراء الأغنياء ؛ فالمحبة والمودة سائدة بين الجميع بتطبيق تعاليم هذه الشريعة ، ومبادئها الخالدة .
أيها المسلم : في الإسلام التعاون على الخير : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ) ؛ في الإسلام رحمة والإحسان : ( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) .
أيها المسلم : في الإسلام الرحمة بينهم ، ( الراحمون يرحمهم الرحمن ) ، ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) ، ( من لا يرحم لا يرحم ) .
أيها المسلم : قد توجد في بعض المجتمعات غير إسلامية شيء من التكافل الاجتماعي كما يقولون ، ولكنك إذا نظرت إليها ، وقرنت بينها وبين مبادئ الإسلام ، وجدت تلك التكافل عند غير المسلمين ، مبني على الفرضية والإلزام ، أما الإسلام ؛ فمبادئه تنطلق من ضمير المسلم الحي ، الذي يشعر بالرحمة والمودة نحو إخوانه المسلمين ، دين الإسلام أباح التكسب والاتجار ، وأثنى على المكتسبين والراحمين في طلب الرزق : ( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) ؛ فأباح للمسلم الاتجار ، وأثنى على الباذلين المنفقين ، ولم يذم ، وإنما ذمه لأجل تصرفاته من مالكه ، الذي يتصرف فيه على غير وفق الشريعة ، وأما من أخذه بحقه ، وأنفقه في حقه ؛ فنعم المال الصالح للرجل الصالح .
أيها المسلم : وإن من حكمة الرب أن فاوت بين الخلق في الغناء والفقر ؛ فجعل هذا غنيًا ، وجعل هذا فقيرًا ، وجعل ما بين ذلك لحكمة أرادها ، ومصلحة للعباد في آجلهم وعاجلهم ، وإن تجاهلها البعض أو قل إدراكه لها ، لكنه حكمة عظيمة : ( لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ) .
أيها المسلم : فالغناء بلاء والفقر بلاء ومن وفقه الله تخلص من هذين البلائين ؛ فالغناء بلاء للغني وفتنة وامتحان فإن وفقه الله له ؛ فأدى الحق الواجب فيه وتخلص من التبعة والعهدة ؛ فيا نعم المال : ( والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير ) ، والفقر بلاء لصاحبه ؛ فإن وفق للرضى عن الله ، والصبر على قضاء الله ، واعتقاد أن الله حكيم عليم ؛ فصرف عنه ما صرف لحكمة يعلمها فرضي بذلك واطمأن : ( فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ) ، وإن ضاق صدره لفقره وقلة ذات يده ، عاش مهمومًا مكبوتًا ، عاش مهمومًا مغمومًا ، لا ينفعه تسخطه ، ولا يعطيه تسخطه شيئًا .
أيها المسلم : إن الإسلام يحارب البطالة ، يحارب الكسل والخمول ، ويدعو إلى الجد والعمل والاكتساب ، ويرقى بالمسلم من ذل السؤال إلى عز العمل والإنتاج ؛ فرسول الله -صلى الله عليه وسلم - لما سأل أي الكسب أفضل !؟ قال : ( عمل الرجل بيده ، وكل بيع مبرور ) ، الإسلام لا يريد من المسلم أن يكون كلاً على الآخرين ، ولا متكًأ على الآخرين ، يريد منه العمل والجد والنشاط وبذل الأسباب في الحصول على الرزق ، ثم يدعو الأغنياء إلى العطف على الفقراء ومواساتهم ، وليس ذلك منة منهم ولا تفضلاً ، ولكن حق أوجبه الله في أموالهم ليؤدوه ، كما افترضهم الله عليهم .
أمة الإسلام : وإذا نظر المسلم إلى فرضية الزكاة ، وجد أن الزكاة أحد أركان الإسلام الأساسي ؛ فهي قليلة الصلاة في أكثر من ثمانين آية في كتاب الله يقول الله - جل وعلا- : ( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) ، ويقول : ( وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ ) ، يعني زكاة بذلتموها ابتغاء وجه الله وطاعة لله فذاك العمل المضاعف لكم .
أيها المسلمون : افترض الله الزكاة على أمة الإسلام ، وجعلها قرينة التوحيد والصلاة في كتاب الله العزيز ، وجعلها من أخلاق المؤمنين ، الذين يؤدونها طيبة بها نفوسهم ، طيبة بها نفوسهم ، يؤدونها شكر لله على نعمته عليهم بالغنى ، ويرون أن ما يعطونه يسير بالنسبة إلى عظيم فضل الله وإنعامه وإكرامه لهم ، قال تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ) . فالمؤمنون الذين يؤدون الزكاة نالوا الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة .
أيها المسلم : إن الله - جل وعلا - حكيم عليم فيما شرعه من الأحكام ؛ فيما افترضه علينا من فرائض ، وفيما نهانا عنه من نواهي ، وكل أوامره ونواهيه قائمة على كمال الحكمة ، وكمال العدل ، وكمال العلم ، وكمال الحكمة ، وكمال العدل ، وكمال الرحمة .
أيها المسلم : إن الله - جل وعلا - بيّن في كتابه العزيز حكمته من فرض الزكاة على أهل الإسلام في الآية : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ) ؛ فوصف الزكاة بأنها صدقة ؛ لأن المؤدي لها مصدق بوجوبها ، صادق في أدائها موقن بذلك ليس شاكًا ولا مرتابًا ، ولكنه يؤديها بنفس طيبة ، سخاء نفس ، واعتقاد الفرضية ، والتقرب إلى الله في ذلك : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ) ؛ فهذان الأمران هما حكمة الزكاة : الأول : تطهرهم ، إنها طهرة للمزكي ، إنها تطهر ماله ؛ فتذهب أوساخه وأدناسه ؛ فكل مال لا تؤدى زكاته ؛ فهو مشتملاً على الأوساخ والأدناس ، والمال المزكى مال طاهر نقي نظيف يعين على الخير وبذل المعروف ، وإنها لتطهر أخلاق المسلم ؛ فترفع عنه أوساخ الشح والبخل ، وإنها لتزكي نفسه ؛ فتجعلها نفسًا زكية نفسًا طاهرة تسمو إلى الخير : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) ، وإنها لتزكي ماله ؛ فتكون سببًا لنموه وحصول البركة فيه ، وإنها لتزكي ذلك الآخذ ؛ فتستل منه خلق الحقد ، والبغضاء ، والحسد .
أيها المسلم : إن في أداء الزكاة تلاحمًا بين أفراد المجتمع ، إن في إخراج الزكاة تلاحمًا بين أفراد المجتمع ، وتعاطفًا بينهم ، وتكافلاً وتساعد ، وإن في البخل بها من أسباب الصراع الطبقي ، الذي تحدثه منع الزكاة ؛ فإذا منع الأغنياء زكاة أموالهم ، ظلموا الفقراء ، وأساءوا إليهم ، وحملوهم على البحث عن المال بكل الطرق الملتوية ، التي لا خير فيها ، من سرقة ، وعدوان ، وظلم ، ووقوع في الجرائم المختلفة ؛ ففي الزكاة إذا أخرجت بحق ، وأحصيت بحق ، وأوصلت إلى المستحقين بحق ، إنها التكافل الاجتماعي الحق ، وإنها يسد خلة الفقير ، وتحسن إليه ، وتقيه الشر والبلاء ، إنها ليست دعوة للبطالة ؛ فلا يعطى الأقوياء ، وذوي القدرة على الاكتساب وطلب المعيشة ، إنما تعطى للعاجزين ، الذين لا حول لهم ولا قوة .
أيها المسلم : إن الزكاة فريضة الإسلام ، يقول - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ لما بعثه لليمن : ( فإن هم أجابوك لذلك ؛ فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة ، تؤخذ من أغنيائهم ؛ فترد على فقرائهم ) ، وقد أوجب الله الزكاة في أصناف من الأموال ؛ فأوجبها في الخارج من الأرض من الحبوب والثمار : ( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ) ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ ) ، وجعل نصاب ذلك 5 أوسق 300 صاع ، بالصاع النبوي ، وجعل زكاة الخارج من الأرض ، من الحبوب والثمار المدخرة ، العشر إن سقي بلا كلفة ، بأن سقي بالأنهر ونحو ذلك ، ونص العشر إن سقي بالمؤونة .
وأوجبها في بهيمة الأنعام من العجل والبقر والغنم ، إذا كانت سلئمة ، بمعنى أنها ترعى الكلأ بنفسها ، وترد الماء بنفسها ؛ فلا تحتاج إلى من يجذب لها الماء والعلف ، وإذا كانت تعلف وتسقى ؛ فإنها لا زكاة فيها ، إلا إذا أعدها صاحبها للتجارة ؛ فيزكيها بربع عشر قيمتها كل عام .
وأوجبها - جل وعلا - في النقدين الذهب والفضة إذا بلغ نصابًا : ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ) ؛ فأوجبها في النقدين ، إذا بلغ نصابًا ، ونصاب الذهب 11 جنيه ونصف سعوديًا ، ونصاب الفضة العربية 56 ، وما يعادلها من الأوراق النقدية ؛ فإن الأوراق النقدية قائمة مقام الذهب والفضة ؛ فالزكاة فيها فرض ، ولا يجهل ذلك إلا مغالط للأمر .
وأوجبها - جل وعلا - في عروض التجارة ، التي هي السلع المعدة للبيع والشراء ، كما قال - جل وعلا - : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ) ، ويقول - صلى الله عليه وسلم - في حديث سمرة ، يقول - صلى الله عليه وسلم - ؛ فيما ثبت عنه في وجوب الزكاة ، أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : ( أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع ) ؛ فجميع ما أعد للبيع للسلع كلها على اختلافها ، سواء كان من الملبوسات ، أو من المطعوم ، أو من مركوب ، أو من أي شيء ينتفع به له قيمته ؛ فإن صاحبه يقوم جميع ما أعده للبيع على اختلاف أصنافه ، وأنواعه ؛ فيؤدي زكاته بأن يقومه ويخرج ربع عشر قيمته ، وأما النقدان الذهب والفضة ؛ فكما سبق أن الواجب فيهما ربع العشر أي خمس وعشرين في الألف .
أيها المسلم : هذه الأموال التي تجب فيها الزكاة ؛ فلا تجب في العقار ، الذي يؤجر ، إلا إذا مضى على أجرته حول ؛ فإنه يزكيها زكاة نقدين ، ولا بالأشياء ، التي يستهلكها من فرش أو سيارات أو نحو ذلك ، مما يستعملها أو يؤجرها ؛ فإن الزكاة تجب فيما يؤجر في الأجرة خاصة إذا مضى عليها الزمن حول ، وأما ما يركب ، ويستعمل في الاستعمال الخاص ؛ فلا زكاة عليه ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( ليس على المسلم في عبده ، ولا فرسه صدقة ، إلا صدقة الفطر عن الرقيق ) .
أيها المسلم : وهذه الزكاة ليس مصروفها لهواك ومشتهيات نفسك ، ولكنها لأصناف عينها الشارع يجب أن تصرف إليهم ؛ فالله يقول في كتابه العزيز : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ؛ فأخبر تعالى عن حصر الأصناف المستحق للزكاة ؛ فالفقراء والمساكين ، الذين لا يجدون كفايتهم ، أو يجدوها ، لكن ليست كاملة في أمورهم الحاجيات ؛ فإنهم يعطون ، إذا لم يكن لهم نقود بأيديهم حاضرة ، ولا صناعة قائمة ، ولا أجور كافية ، وليس لهم رواتب ، إنما أو لهم رواتب ، لكن دخلهم لا يقوم بكفايتهم ؛ فيعطون ما يعينهم على نفقة الحياة ، حتى ولو كان له مرتب ، إذا كان مرتبه لا يغطي مصارفه ، التي لا بد له منها بحسب الزمن ؛ فإنه يعطى ما يعينه على ذلك ، ويعطى العاملون ، الذين يبعثون من قبل المسؤولين لقطف الثمار والحبوب ، وأما من يوزع زكاته ؛ فإنه يوزعها بنفسه ، وإن كلف أحدًا أعطاه أجرة خارج الزكاة ، لكي يوزع زكاة ماله .
ويعطى المؤلفة قلوبهم مما يرجى أسلامهم ، أو كف شرهم عن المسلمين ، أو إسلام نظرائهم ، ويعطى الغارم ، الذي غرم لمصلحة المسلمين ، بأن سعى بالإصلاح والتوفيق ، وحقن الدماء ، وكف الأذى ؛ فيعطى ، ولو كان غنيًا ؛ لأن أمره عام ويعطى الغارم لنفسه ، إذا أخذ بمصلحة نفسه مالا يستعن بها على معصية ؛ فيعطى ما يعينه على قضاء دينه ، ويعطى ابن السبيل الذي انقطعت به النفقة خارج بلده ، ويعطى - أيضًا - في سبيل الله للمجاهدين لإعلاء دين الله ، هذه الأصناف هم المستحقون للزكاة ، قال العلماء : لا تبنى بالزكاة المساجد ، ولا تشرى بها المقابر ، ولا تطبع بها كتب العلم ، وإنما هي خاصة لإنقاذ فئة من المسلمين ؛ فهي تعطى للفقراء ما يكفيهم لعام كامل .
وعلى المسلم أن يتحرى المستحقين لها ، ويدقق ويعتمي بذلك ؛ فما كل سائل يعطى ، وإنما يعطى من يعرف حاجته وضرورته ، أتى رجلان للنبي - صلى الله عليه وسلم - يسألانه ؛ فقلب فيهما النظر ؛ فرآهما جلدين ؛ فقال : ( إن شئتما أعطيتكما ، ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب ) ، ويخص الإنسان زكاته برحمه من أخوانه وأخواته ، وأعمامه وعماته ، وأخواله وخالاته ، وأقاربه فئة الرحم ، التي من جهة أبيه ، أو من جهة أمه ، إن رأى فيهم إعوازًا وفقرًا ؛ فإنهم أحق بزكاته دون غيرهم ، يقول - صلى الله عليه وسلم - : ( صدقتك على المسكين صدقة ، وعلى الرحم اثنتان : صدقة ، وصلة ) ، يعطى المتزوج ، الذي يريد الزواج ، والخاطب المتهيأ للزواج ؛ فيعطى ما يعينه على تكلفة زواجه ؛ فإن ذلك غض للبصر ، وإحصانًا للفرج ، ومصلحة له للحاضر والمستقبل .
أيها المسلم : ولا تجعل زكاتك باستخدام منافعك الخاصة بك ، وإنما أعطها لله سواء نفعك ذلك الآخذ أو لم تنتفع به .
أيها المسلم : ولا تسقط الديون في ذمة الناس عنك ؛ لأجل أن تجعلها زكاة ؛ فإذا كانت في ذمة الآخرين لك مال ؛ فلا تجعله عوضًا عن الزكاة ؛ لأن الزكاة أخذ وعطاء ، ولأن الدين مال غائب .
أيها المسلم : اتقي الله في زكاتك ؛ فأحص مالك ، ووزعه ، واتق الله فيه ، وأخرجه بأمانة وإخلاص ؛ فإن الله سائلك عنه .
أيها المسلم : تأكد من أهل الزكاة ، تأكد من طالبيها ؛ فلا تعطها إلا من غلب على ظنك أهليته لذلك ، واستحقاقه ، قد يكون في المسلمين أناس أهل عفة وصيانة ، كما قال الله : ( لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ) ، ( يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ ) ، هؤلاء هم أولى الزكاة أن تتحسن مشاكلهم ، وتبحث عنهم بأمانة ، ودقة ، وتوصلها إليهم بسرية تامة ؛ لأن البعض قد يتقزز من أن تقولها هذه زكاة ؛ فأعطها إياه بصفة خاصة ، ولا يهمنك جمال ثوبه ، ونظافة نفسه ، وعفتها ؛ فقد يكون ذا جمال في مظهره ، وحسن ملبسه ، ولكن ما وراء ذلك مالله به عليم ؛ فأعن على قضاء دين المدينين ، وتفريج هم المهمومين ، وتنفيس كرب المكروبين ، وإذا علمت بأهل الديون ، الذين ربما سجنوا لأجل ديونهم ؛ فساهم في إنقاذهم ، وإعطائهم ما يعينهم على قضاء ديونهم .
أيها المسلم : الأموال يزكيها المال بيدك ، والأموال في دمم الناس لك من الأموال ، التي أنت على ثقة بالحصول عليها ، قد أخذت عليها ، قد أخذت عليها أسنادًا ، وأخذت عليها ضمناء ؛ فإن الواجب أن تزكي الدين ، الذي فيهما من الناس لك ، مما يغلب على ظنك أنه سيصل إليك ، الأموال المجهولة ، التي قد يتعذر وصولها ، ولا تعلم حالها ككثير من المساهمات ، التي تلاعب رؤسائها بها ؛ فمتى استلمتها ؛ فزكيها لعام واحد ، الأسهم التي لك ، وإن خفضت قيمتها ؛ فزكها على قدر قيمتها الحاضرة ، ولو كان منذ سنة لها قيمة أعلى ، لكن زكها أنت بقيمتها الحاضرة ، الأسهم التي أنت تعرضها كل يوم ، طالبًا للزيادة تزكيها ، الأسهم الثابتة التي تريد فقط غلتها ، ولا تريد ذات السهم ؛ فإنك تزكي الغلة ، لو مضى عليها سنة ، كحال أجرة العقار ، لا تزكي ذات العقار ، ولكن الأجرة لو مضى عليها عام ، تزكيها ، وإن أهلكتها كلها فلا زكاة عليها .
فلنتق الله في أنفسنا ، ولنتق الله في أموالنا ، ولنتق الله في إيصالها إلى مستحقيها ، ولنتق الله في إيصالها إلى مستحقيها ، وإذا تعذر على الإنسان الوصول إلى الفقراء ، أو كان المال الذي عنده كثير ، ربما يعجزه أن يسلمها لأربابها ؛ فهناك الضمان الاجتماعي بما أعطوا من إمكانيات ، وعلمهم بكثير من الأحوال ، هم جدير بأن يوصلوها إلى مستحقيها بتوفيق من الله .
فلنتق الله في أنفسنا ، وفي أموالنا ، ولنعلم أنها أمانة بيننا وبين الله ، لا يدري الناس عن أرصدتنا كم هي قليلة أم كثيرة ، لكن يعلمها ويحيط علمًا بها من يعلم السر ، وأخفى ، من لا تخفى عليه خافية في الأرض ، ولا في السماء .
يقول الله : ( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) ، الشيطان يثقل الزكاة عليك ، الشيطان يوحي إليك بوساوسه ، مالك جمعته ، وسعيت ، وكدحت في جمعه ، أنت اليوم تسلمه لأفراد الناس ، لماذا ما اغتنى هؤلاء !؟ وأخشى أن يقول ، كما قال المشركون ، لما قال الله عنهم : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ ) ، هكذا الشيطان يحّسن للإنسان الباطل ، ويثقل الزكاة عليه ؛ فأرغم أنت عدو الله ، وأدها كاملة طيبة بها نفسك .
أيها المسلم : إن سؤال الناس مع الغنى ذل ، وهوان ومعصية ، يقول - صلى الله عليه وسلم - : ( من سأل الناس أموالهم تكّثرًا ؛ فإنما يسأل جمرًا ؛ فليستقل أو ليستكثر ) ، ويقول - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم ) ، ويقول - أيضًا - : ( وما فتح عبدًا باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر ) ، ويقول حكيم بن حزام : إن هذا المال حلو خضر ؛ فمن أخذه بسخاء نفس بورك له فيه ، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه ، وكان كمن يأكل ، ولا يشبع ؛ فإذا كنت غنيًا فلا تقبلها ، ولا تسأل الناس ، واكتفي بما أعطاك الله ، وارض بقسم الله ، وإن كنت فقيرًا ؛ فأعطيت ؛ فخذ ما يكفيك ، واستعن به على طاعة الله ، ولنتق الله في أنفسنا وفي فقرائنا .
أسأل الله ، أن يغنينا بفضله ، وأن يكفينا بحلاله عن حرامه ، وبطاعته عن معصيته ، وبفضله عما سواه .
ا