تناولت خلال الأسبوع الماضي كثير من الأجهزة الإعلامية في كثير من البلدان نبأ المحاولة التفجيرية الفاشلة لاغتيال مساعد وزير الداخلية السعودي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ، وقد كانت نتيجة المحاولة انتحار الشاب التكفيري التفجيري وحده بما حمل من متفجرات وعدم إصابة سمو الأمير أو أحدٍ ممن كان بالمكان بأذى يذكر.
وقد أعاد إلى ذاكرتي هذا الحادث ، المجزرة التي قام بها التكفيري عباس الباقر في شهر رمضان المبارك قبل ثمان سنوات بمسجد جمعية الكتاب والسنة الخيرية بحي الجرافة الذي يقع في مدينة أم درمان بالعاصمة السودانية ، والتي أسفرت عن مقتل ثمانية وعشرين رجلاً وطفلاً وجُرِح فيها قرابة الأربعين شخصاً ، حيث كان المصلون يصلون صلاة العشاء في يوم جمعة من شهر رمضان المبارك ، وقد تجمعوا لصلاة العشاء والتراويح ففتح عليهم رشاشه وأفرغ أكثر من سبعين رصاصة في تلك الأجساد ـ التي نحسبها أجساداً طاهرة طيبة ـ وقفت تصلي لله تعالى ولبت النداء : حي على الصلاة ، حي على الفلاح.
وقدمت إلى ذلك المسجد وفي تلك الليلة لتؤدي صلاة القيام في رمضان ـ بعد صلاة العشاء ـ طمعاً في الأجر والثواب من عند الله تعالى فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)
وأما عباس الباقر فقد قدم والهوى والجهل يقوداه إلى تنفيذ تلك الجريمة ـ بل المجزرة ـ التي قد لا نجد في قواميس اللغة ما يسعفنا حتى نصفها وصفاً دقيقاً !!
نعم ، الهوى كان قائده ، فإن الهوى يعمي ويصم !! ـ والعياذ بالله ـ والجهل قد تحكم فيه ، بل الجهل المركب ، فقد أرسل بأوراق قبل مجزرته لإمام المسجد وكتب فيها بعض الآيات في مسألة الحاكمية ، صدق عليه في فهمه لها قول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام : (يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم) بمعنى أنهم يقرأونه حرفاً فقط ولكنهم لا يفقهونه بقلوبهم ولا يعلمون مدلولاته ، ثم أصدر بجهله المركب أحكاماً كفر وضلل بها علماء المسلمين وخص أربعة منهم وهم الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين رحمهم الله جميعاً والشيخ صالح الفوزان حفظه الله .
وهذه الأوراق موجودة نسخة منها معي ولعل الله تعالى أن يييسر الأمر للرد عليها بتفصيل.
وعباس الباقر وهذا العسيري الذي فجر لنفسه في محاولة لاغتيال هذا الأمير الذي يعد من أبرز اهتماماته هذه الطائفة وهذا الفكر التكفيري ، كما وقد عرف سموه بحرصه على هدايتهم ومناصحتهم ومناقشتهم ثم إطلاق سراح من يتبين تغير فكره وتركه لفكر الغلو والتكفير ، وقد أنشئت لجان متخصصة في هذا الجانب .
إن هذين الشخصين قد قاما بهذا العمل في شهر رمضان المعظم المبارك ، الذي يجتهد في المسلمون على البعد عن اللمم والغيبة وصغائر الذنوب !! وهما في هذا الزمان المبارك المعظم عند الله تعالى يقدمان على هذه الجرائم. وهذا مما يعكس ـ وبجلاء ـ الجهل العظيم الذي يعيشه التكفيريون ، وقد عرف جهلهم من قديم الزمان ، فقد ناظر الصحابة الكرام الخوارج ورجع منهم العدد الكثير، وقد ورد في رواية في مصنف عبد الرزاق الصنعاني رحمه الله أن عدد من كانوا في المناظرة التي ناظرهم فيها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (24.000) أربعة وعشرون ألفاً ، فرجع منهم إلى الصواب بعد المناظرة عشرون ألفاً ، وهذا مما يؤكد أنه فكر يقوده في المقام الأول : الجهل .
وكيف يسلم التكفيريون من الجهل وهم لا يعترفون بالعلماء الربانيين؟! الذين يبينون الحق والصواب من الباطل والخطأ؟! بل إن العلماء عند التكفيريين في مقدمة أهل الضلال!!
ولا ننسى اعتداء الليبي الخليفي على مسجد الشيخ الفاضل أبو زيد محمد حمزة وقتله لبضعة عشر من الشباب الذين أنسوا بالبقاء في المسجد ولم يخرجوا منه حتى بعد انقضاء صلاة الجمعة .
فيا لله !! ما الذي أوصل هؤلاء إلى هذا الغلو؟! وإلى هذا الضلال السحيق ؟!
لم تبق حرمة لمسلم ولا لمسجد ولا ليوم الجمعة ولا لشهر رمضان عندهم !!
أين هم من قول المصطفى عليه الصلاة والسلام : (إنّ دماءَكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ) رواه البخاري ومسلم .
أين هم من قوله عليه الصلاة والسلام : (إذا قال الرجلُ لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدُهما، فإن كان كما قال وإلاّ رجعت عليه) رواه البخاري ومسلم.
لماذا يقتلون الأنفس البريئة ؟ وقد قال الله تعالى : (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً).
لماذا يفسدون في الأرض ؟!
إن الغلو في الدين قد أهلكهم كما أهلك من كان قبلهم فقد قال المصطفى عليه الصلاة والسلام وهو يحذر بقوله : (إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين).
إن التكفير داء يستشري بين الجهال وحدثاء الأسنان ، بعد وقوعهم في مصايد من سلك هذا النفق المظلم ممن ينشرون الشُبَه ، وينشرون هذا الفكر المنحرف بين شباب المسلمين.
يضلونهم ويفسدون عقولهم حتى يجعلونهم يتقربون بقتل أهل الإسلام بل وقتلهم في المساجد أحب البقاع إلى الله!!
إن الأسباب التي تؤدي لوجود هذا الفكر وانتشاره كثيرة ، وهي معروفة ، فكان من المهم جداً أن يُعْتَنَى بهذه القضية المهمة وبهذه الأسباب على كافة المستويات حتى يحذره المسلمون .
ولعل الله تعالى أن ييسر لي لأبين الجهود العلمية لعلماء أهل السنة والجماعة ودعاة المنهج السلفي عبر القرون لدحض شبهات التكفيريين وبيان أباطيلهم وتحذير الأمة من شرهم ، وثمرات تلك الجهود السلفية المباركة.
والله ولي التوفيق ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.