قال الحافظ الذهبي رحمة الله في سير أعلام النبلاء
مفخر العراق جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمان بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله ابن الفقيه عبد الرحمان ابن الفقيه القاسم بن محمد ابن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق القرشيالتيمي البكري البغدادي الحنبلي الواعظ صاحب التصانيف
ولد سنة تسع أو عشر وخمس مئة
وأول شيء سمع في سنة ست عشرة سمع من أبي القاسم بن الحصين وأبي عبد الله الحسين بن محمد البارع وعلي بن عبد الواحد الدينوري وأحمد بن أحمد المتوكلي وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن والفقيه أبي الحسن ابن الزاغوني وهبة الله بن الطبر الحريري وأبي غالب ابن البناء وأبي بكر محمد بن الحسين المزرفي وأبي غالب محمد بن الحسن الماوردي وأبي القاسم عبد الله ابن محمد الأصبهاني الخطيب والقاضي أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري وإسماعيل ابن السمرقندي ويحيى ابن البناء علي بن الموحد وأبي منصور بن خيرون وبدر الشيحي وأبي سعد أحمد بن محمد الزوزني وأبي سعد أحمد بن محمد البغدادي الحافظ وعبد الوهاب بن المبارك الأنماطي الحافظ وأبي السعود أحمد بن علي بن المجلي وأبي منصور عبد الرحمان بن زريق القزاز وأبي الوقت السجزي وابن ناصر وابن البطي وطائفة مجموعهم نيف وثمانون شيخا قد خرج عنهم مشيخة في جزءين
ولم يرحل في الحديث لكنه عنده مسند الإمام أحمد و الطبقات لإبن سعد و تاريخ الخطيب وأشياء عالية و الصحيحان والسنن الأربعة والحلية وعدة تواليف وأجزاء يخرج منهاوكان آخر من حدث عن الدينوري والمتوكلي وانتفع في الحديث بملازمة بن ناصر وفي القرآن والأدب بسبط الخياط وابن الجواليقي وفي الفقه بطائفة
حدث عنه ولده الصاحب العلامة محيي الدين يوسف أستاذ دار المستعصم بالله وولده الكبير علي الناسخ وسبطه الواعظ شمس الدين يوسف بن قزغلي الحنفي صاحب مرآة الزمان والحافظ عبد الغني والشيخ موفق الدين ابن قدامة وابن الدبيثي وابن النجار وابن خليل والضياء واليلداني والنجيب الحراني وابن عبد الدائم وخلق سواهم وبالاجازة الشيخ شمس الدين عبد الرحمان وابن البخاري وأحمد بن أبي الخير والخضر بن حموديه والقطب بن عصرون
وكان رأسا في التذكير بلا مدافعة يقول النظم الرائق والنثر الفائق بديها ويسهب ويعجب ويطرب ويطنب لم يأت قبله ولا بعده مثله فهو حامل لواء الوعظ والقيم بفنونه مع الشكل الحسن والصوت الطيب والوقع في النفوس وحسن السيرة وكان بحرا في التفسير علامة في السير والتاريخ موصوفا بحسن الحديث ومعرفة فنونه فقيها عليما بالإجماع والإختلاف جيد المشاركة في الطب ذا تفنن وفهم وذكاء وحفظ واستحضار وإكباب على الجمع والتصنيف مع التصون والتجميل وحسن الشارة ورشاقة العبارة ولطف الشمائل والأوصاف الحميدة والحرمة الوافرة عند الخاص والعام ما عرفت أحدا صنف ما صنف
توفي أبوه وله ثلاثة أعوام فربته عمته وأقاربه كانوا تجارا فيالنحاس فربما كتب اسمه في السماع عبد الرحمان بن علي الصفار ثم لما ترعرع حملته عمته إلى ابن ناصر فأسمعه الكثير وأحب الوعظ ولهج به وهو مراهق فوعظ الناس وهو صبي ثم ما زال نافق السوق معظما متغاليا فيه مزدحما عليه مضروبا برونق وعظه المثل كماله في ازدياد واشتهار إلى أن مات رحمه الله وسامحه فليته لم يخض في التأويل ولا خالف إمامه
صنف في التفسير المغني كبير ثم اختصره في أربع مجلدات وسماه زاد المسير وله تذكرة الأريب في اللغة مجلد ، الوجوه والنظائر مجلد ، فنون الأفنان مجلد ، جامع المسانيد سبع مجلدات وما استوعب ولا كاد ، الحدائق مجلدان ، نقي النقل مجلدان ، عيون الحكايات مجلدان ، التحقيق في مسائل الخلاف مجلدان ، مشكل الصحاح أربع مجلدات ، الموضوعات مجلدان ، الواهيات مجلدان ، الضعفاء مجلد ، تلقيح الفهوم مجلد ، المنتظم في التاريخ عشرة مجلدات ، المذهب في المذهب مجلد ، الإنتصار في الخلافيات مجلدان ، مشهور المسائل مجلدان ، اليواقيت وعظ مجلد ، نسيم السحر مجلد ، المنتخب مجلد ، المدهش مجلد ، صفوة الصفوة أربع مجلدات ، أخبار الأخيار مجلد ، أخبار النساء مجلد ، مثير العزم الساكن مجلد ، المقعد المقيم مجلد ، ذم الهوى مجلد ، تلبيس إبليس مجلد ،صيد الخاطر ثلاث مجلدات ، الأذكياء مجلد ، المغفلين مجلد ، منافع الطب مجلد ، صبا نجد مجلد ، الظرفاء مجلد ، الملهب مجلد ، المطرب مجلد ، منتهى المشتهى مجلد ، فنون الألباب مجلد ، المزعج مجلد ، سلوة الأحزان مجلد ، منهاج القاصدين مجلدان ، الوفا بفضائل المصطفى مجلدان ، مناقب أبي بكر مجلد ، مناقب عمر مجلد ، مناقب علي مجلد ، مناقب إبراهيم بن أدهم مجلد ، مناقب الفضيل ، مجلد مناقب بشر الحافي ، مجلد مناقب رابعة جزء ، مناقب عمر بن عبد العزيز مجلد ، مناقب سعيد بن المسيب جزءان ، مناقب الحسن جزءان ، الثوري مجلد ، مناقب أحمد مجلد ، مناقب الشافعي مجلد ، موافق المرافق مجلد ، مناقب غير واحد جزء ، مختصر فنون ابن عقيل في بضعة عشر مجلد ، مناقب الحبش مجلد ، لباب زين القصص ، فضل مقبرة أحمد ، فضائل الأيام ، أسباب البداية ، واسطات العقود ، شذور العقود في تاريخ العهود ، الخواتيم ، المجالس اليوسفية ، كنوز العمر ، إيقاظ الوسنان بأحوال النبات والحيوان ، نسيم الروض ، الثبات عند الممات ، الموت وما بعده مجلد ، ديوانه عدة مجلدات ، مناقب معروف ، العزلة ، الرياضة ، النصر على مصر ، كان وكان في الوعظ ، خطب اللآلئ ، الناسخ والمنسوخ ، مواسم العمر ، أعمار الأعيان ، وأشياء كثيرة تركتها ولم أراها
وكان ذا حظ عظيم وصيت بعيد في الوعظ يحضر مجالسه الملوك والوزراء وبعض الخلفاء والأئمة والكبراء لا يكاد المجلس ينقص عن ألوف كثيرة حتى قيل في بعض مجالسه إن حزر الجمع بمئة ألف ولا ريب أن هذا ما وقع ولو وقع لما قدر أن يسمعهم ولا المكان يسعهم قال سبطه أبو المظفر سمعت جدي على المنبر يقول بأصبعي هاتين كتبت ألفي مجلدة وتاب على يدي مئة ألف وأسلم على يدي عشرون ألفا وكان يختم في الأسبوع ولا يخرج من بيته إلا إلى الجمعة أو المجلس قلت فما فعلت صلاة الجماعة ثم سرد سبطه تصانيفه فذكر منها
كتاب المختار في الأشعار عشر مجلدات ، درة الإكليل في التاريخ أربع مجلدات ، الأمثال مجلد ، المنفعة في المذاهب الأربعة مجلدان ، التبصرة في الوعظ ثلاث مجلدات ، رؤوس القوارير مجلدان ثم قال ومجموع تصانيفه مئتان ونيف وخمسون كتابا قلت وكذا وجد بخطه قبل موته أن تواليفه بلغت مئتين وخمسون تأليفا
ومن غرر ألفاظهعقارب المنايا تلسع ، وخدران جسم الأمال يمنع ، وماء الحياة في إناء العمر يرشح ، يا أمير اذكر عند القدرة عدل الله فيك ، وعند العقوبة قدرة الله عليك ، ولا تشف غيظك بسقم دينك
وقال لصديق أنت في أوسع العذر من التأخر عني لثقتي بك وفي أضيقه من شوقي إليك
وقال له رجل ما نمت البارحة من شوقي إلى المجلس قال لأنك تريد الفرجة وإنما ينبغي الليلة أن لا تنام وقام إليه رجل بغيض فقال يا سيدي نريد كلمة ننقلها عنك أيما أفضل أبو بكر أو علي فقال اجلس فجلس ثم قام فاعاد مقالته فاقعده ثم قام فقال اقعد فأنت أفضل من كل أحد وسأله آخر أيام ظهور الشيعة فقال أفضلهما من كانت بنته تحته وهذه عبارة محتملة ترضي الفريقين
وسأله أخر أيما أفضل أسبح أو أستغفر قال الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور
وقال في حديث أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين إنماطالت أعمار الأوائل لطول البادية فلما شارف الركب بلد الإقامة قيل حثوا المطي
وقال من قنع طاب عيشه ومن طمع طال طيشه
وقال يوما في وعظه يا أمير المؤمنين إن تكلمت خفت منك ، وإن سكت خفت عليك ، وأنا أقدم خوفي عليك على خوفي منك فقول الناصح اتق الله خير من قول القائل أنتم أهل بيت مغفور لكم
وقال يفتخر فرعون مصر بنهر ما أجراه ما أجرأه وهذا باب يطول ففي كتبه النفائس من هذا وأمثاله وجعفر الذي هو جدة التاسع قال ابن دحية جعفر هو الجوزي نسب إلى فرضة من فرض البصرة يقال لها جوزة وقيل كان في داره جوزة لم يكن بواسط جوزة سواها وفرضة النهر ثلمته وفرضة البحر محط السفن
قال أبو المظفر جدي قرأ القرآن وتفقه على أبي بكر الدينوري الحنبلي وابن الفراء قلت وقرأ القرآن على سبط الخياطوعني بأمره شيخه بن الزاغوني وعلمه الواعظ واشتغل بفنون العلوم وأخذ اللغة عن أبي منصور بن الجواليقي وربما حضر مجلسه مئة ألف وأوقع الله له في القلوب القبول والهيبة
قال وكان زاهدا في الدنيا متقللا منها وكان يجلس بجامع القصر والرصافة وبباب بدر وغيرها إلى أن قال وما مازح أحدا قط ولا لعب مع صبي ولا أكل من جهة لا يتيقن حلها
وقال أبو عبد الله ابن الدبيثي في تاريخه شيخنا جمال الدين صاحب التصانيف في فنون العلوم من التفسير والفقه والحديث والتواريخ وغير ذلك وإليه إنتهت معرفة الحديث وعلومه والوقوف على صحيحه من سقيمه وكان من أحسن الناس كلاما وأتمهم نظاما وأعذبهم لسانا وأجودهم بيانا تفقه على الدينوري وقرأ الوعظ على أبي القاسم العلوي وبورك له في عمره وعلمه وحدث بمصنفاته مرارا وأنشدني بواسط لنفسه
* يا ساكن الدنيا تأهب * وانتظر يوم الفراق *
* وأعد زادا للرحيل * فسوف يحدى بالرفاق *
* وابك الذنوب بأدمع * تنهل من سحب المآقي *
* يا من أضاع زمانه * أرضيت ما يفنى بباق *
وسألته عن مولده غير مرة ويقول يكون تقريبا في سنة عشر وسألت أخاه عمر فقال في سنة ثمان وخمس مئة تقريبا
ومن تواليفه التيسير في التفسير مجلد ، فنون الأفنان في علوم القرآن مجلد ، ورد الأغصان في معاني القرآن مجلد ، النبعة في القراءات السبعة مجلد ، الإشارة في القراءات المختارة جزء ، تذكرة المنتبه في عيون المشتبه ، الصلف في المؤتلف والمختلف مجلدان ، الخطأ والصواب من أحاديث الشهاب مجلد ، الفوائد المنتقاة ستة وخمسون جزءا ، أسود الغابة في معرفة الصحابة ، النقاب في الألقاب مجيليد ، المحتسب في النسب مجلد ، المدبج مجلد ، المسلسلات مجيليد ، أخاير الذخاير مجلد ، المجتني مجلد ، آفة المحدثين جزء ، المقلق مجلد ، سلوة المحزون في التاريخ مجلدان ، المجد العضدي مجلد ، الفاخر في أيام الناصر مجلد ، المضيء بفضل المستضيء مجيليد ، الأعاصر في ذكر الإمام الناصر مجلد ، الفجر النوري مجلد ، المجد الصلاحي مجلد ، فضائل العرب مجلد ، كف التشبيه بأكف أهل التنزيه مجيليد ، البدايع الداله على وجود الصانع مجيليد ، منتقد المعتقد جزء ، شرف الإسلام جزء ، مسبوك الذهب في الفقه مجلد ، البلغة في الفقه مجلد ، التلخيص في الفقه مجلد ، الباز الأشهب مجلد ، لقطة العجلان مجلد ، الضيا في الرد على إلكيامجلد ، الجدل ثلاث أجزاء ، درء الضيم في صوم يوم الغيم جزء ، المناسك جزء ، تحريم الدبر جزء ، تحريم المتعة جزء ، العدة في أصول الفقه جزء ، الفرائض جزء ، قيام اليل ثلاثة أجزاء ، مناجزة العمر جزء ، الستر الرفيع جزء ، ذم الحسد جزء ، ذم المسكر جزء ، ذكر القصاص مجلد ، الحفاظ مجلد ، الآثار العلوية مجلد ، السهم المصيب جزآن ، حال الحلاج جزآن ، عطف الأمراء على العلماء جزآن ، فتوح الفتوح جزآن ، إعلام الأحياء بأغلاط الإحياء جزآن ، الحث على العلم مجلد ، المستدرك على ابن عقيل جزء ، لفتة الكبد جزء ، الحث على طلب الولد جزء ، لقط المنافع في الطب مجلدان ، طب الشيوخ جزء ، المرتجل في الوعظ مجلد ، اللطائف مجلد ، التحفه مجلد ، المقامات مجلد ، شاهد ومشهود مجلد ، الأرج مجلد ، مغاني المعاني مجيليد ، لقط الجمان جزآن ، زواهر الجواهر مجيليد ، المجالس البدريه مجيليد ، يواقيط الخطب جزآن ، لآلىء الخطب جزآن ، خطب الجمع ثلاثة أجزاء ، المواعظ السلجوقية ، اللؤلؤة الياقوتة ، تصديقات رمضان ، التعازي الملوكية ، روح الروح ، كنوز الرموز وقيل نيفت تصانيفه على الثلاث مئة
ومن كلامه ما اجتمع لإمرىء أمله إلا وسعى في تفريطه أجله
وقال عن واعظ احذروا جاهل الأطباء فربما سمى سما ولم يعرف المسمى وكان في المجلس رجل يحسن كلامه ويزهزه له فسكت يوما فإلتفت إليه أبو الفرج وقال هارون لفظك معين لموسى نطقي فأرسلهمعي ردءا
وقال يوما أهل الكلام يقولون ما في السماء رب ولا في المصحف قرآن ولا في القبر نبي ثلاث عورات لكم وحضر مجلسة بعض المخالفين فأنشد على المنبر
* ما للهوى العذري في ديارنا * أين العذيب من قصور بابل *
وقال وقد تواجد رجل في المجلس واعجبا كلنا في إنشاد الضاله سواء فلم وجدت أنت وحدك
* قد كتمت الحب حتى شفني * وإذ ما كتم الداء قتل *
* بين عينيك علالت الكرى * فدع النوم لربات الحجل *
وقد سقت من أخبار الشيخ أبي الفرج كراسة في تاريخ الإسلام وقد نالته محنه في أواخر عمره ووشوا به إلى الخليفة الناصر عنه بأمر اختلف في حقيقته فجاء من شتمه وأهانه وأخذ قبضا باليد وختم على داره وشتت عياله ثم أقعد في سفينة إلى مدينة واسط فحبس بها في بيت حرج وبقي هو يغسل ثوبه ويطبخ الشيء فبقي على ذلك خمس سنين ما دخل فيها حماما قام عليه الركن عبد السلام بن عبد الوهاب ابن الشيخ عبد القادر وكان ابن الجوزي لا ينصف الشيخ عبد القادرويغض من قدره فأبغضه أولاده ووزر صاحبهم ابن القصاب وقد كان الركن رديء المعتقد متفلسفا فأحرقت كتبه بإشارة بن الجوزي وأخذت مدرستهم فأعطيت لإبن الجوزي فانسم الركن وقد كان بن القصاب الوزير يترفض فأتاه الركن وقال أين أنت عن بن الجوزي الناصبي وهو أيضا من أولاد أبي بكر فصرف الركن في الشيخ فجاء وأهانه وأخذه معه في مركب وعلى الشيخ غلالة بلا سراويل وعلى رأسه تخفيفة وقد كان ناظر واسط شيعيا أيضا فقال له الركن مكني من هذا الفاعل لأرميه في مطمورة فزجره وقال يا زنديق أفعل هذا بمجرد قولك هات خط أمير المؤمنين والله لو كان على مذهبي لبذلت روحي في خدمته فرد الركن إلى بغداد وكان السبب في خلاص الشيخ ان ولده يوسف نشأ واشتغل وعمل في هذه المدة الوعظ وهو صبي وتوصل حتى شفعت أم الخليفه وأطلقت الشيخ وأتى إليه ابنه يوسف فخرج وما رد من واسط حتى قرأ هو وابنه بتلقينه بالعشر على بن الباقلاني وسن الشيخ نحو الثمانين فانظر إلى هذه الهمة العالية نقل هذا الحافظ بن نقطة عن القاضي محمد بن أحمد بن حسن
قال الموفق عبد الطيف في تأليف له كان بن الجوزي لطيف الصورة حلو الشمائل رخيم النغمة موزون الحركات والنغمات لذيذ المفاكهه يحضر مجلسه مئة ألف أو يزيدون لا يضيع من زمانه شيئا يكتب في اليوم أربع كراريس وله في كل علم مشاركة لكنه كان في التفسير من الأعيان وفي الحديث من الحفاظ وفي التاريخ من المتوسعين ولديه فقه كاف وأما السجع الوعظي فله فيه ملكه قويه
ولهفي الطب كتاب اللقط مجلدان قال وكان يراعي حفظ صحته وتلطيف مزاجه وما يفيد عقله قوة وذهنه حدة جل غذائه الفراريج والمزاوير ويعتاض عن الفاكهه بالأشربه والمعجونات ولباسه أفضل لباس الأبيض الناعم المطيب وله ذهن وقاد وجواب حاضر ومجون ومداعبة حلوة ولا ينفك من جارية حسناء قرأت بخط محمد بن عبد الجليل الموقاني أن ابن الجوزي شرب البلاذر فسقطت لحيته فكانت قصيرة جدا وكان يخضبها بالسواد إلى أن مات
قال وكان كثير الغلط فيما يصنفه فإنه كان يفرغ من الكتاب ولا يعتبره قلت هكذا هو له أوهام وألوان من ترك المراجعة وأخذ العلم من صحف وصنف شيئا لو عاش عمرا ثانيا لما لحق أن يحرره ويتقنه قال سبطه جلس جدي تحت تربة أم الخليفه عند معروف الكرخي وكنت حاضرا فأنشد أبياتا قطع عليها المجلس وهي
* الله أسأل أن يطول مدتي * لأنال بالأنعام ما في نيتي *
* لي همه في العلم ما إن مثلها * وهي التي جنت النحول هي التي *
* خلقت من العلق العظيم إلى المنى * دعيت إلى نيل الكمال فلبت *
* كم كان لي من مجلس لو شبهت * حالاته لتشبهت بالجنة *
* أشتاقه لما مضت أيامه * عطلا وتعذر ناقة إن حنت *
* يا هل لليلات بجمع عودة * أم هل على وادي منى من نظرة *
* قد كان أحلى من تصاريف الصبا * ومن الحمام مغنيا في الأيكة *
* فيه البديهات التي ما نالها * خلق بغير مخمر ومبيت *
في أبيات ونزل فمرض خمسة أيام
وتوفي ليلة الجمعة بين العشاءين الثالث عشر من رمضان سنة سبع وتسعين وخمس مئة في داره بقطفتا وحكت لي أمي أنها سمعته يقول قبل موته أيش أعمل بطواويس يرددها قد جبتم لي هذه الطواويس وحضر غسله شيخنا بن سكينة وقت السحر وغلقت الأسواق وجاء الخلق وصلى عليه ابنه أبو القاسم علي اتفاقا لأن الأعيان لم يقدروا من الوصول إليه ثم ذهبوا به إلى جامع المنصور فصلوا عليه وضاق بالناس وكان يوما مشهودا فلم يصل إلى حفرته بمقبرة أحمد إلى وقت صلاة الجمعة وكان في تموز وأفطر خلق ورموا نفوسهم في الماء إلى أن قال وما وصل إلى حفرته من الكفن إلا قليل كذا قال والعهدة عليه وأنزل في الحفرة والمؤذن يقول الله أكبر وحزن عليه الخلقوباتوا عند قبره طول شهر رمضان يختمون الختمات بالشمع والقناديل ورآه في تلك الليله المحدث أحمد بن سلمان السكر في النوم وهو على منبر من ياقوت وهو جالس في مقعد صدق والملائكة بين يديه وأصبحنا يوم السبت عملنا العزاء وتكلمت فيه وحضر خلق عظيم وعملت فيه المراثي ومن العجائب أنا كنا بعد انقضاء العزاء يوم السبت عند قبره وإذا بخالي محيي الدين قد صعد من الشط وخلفه تابوت فقلنا نرى من مات وإذا بها خاتون أم محيي الدين وعهدي بها ليلة وفاة جدي في عافية فعد الناس هذا من كرماته لأنه كان مغرى بها وأوصى جده أن يكتب على قبرة
* يا كثير العفو عمن * كثر الذنب لديه *
* جاءك المذنب يرجو ال * صفح عن جرم يديه *
* أنا ضيف وجزاء ال * ضيف إحسان إليه *
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران أخبرنا الإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد حدثنا أبو الفرج عبد الرحمان بن علي أخبرنا يحيى بن ثابت أخبرنا أبي حدثنا أبو بكر البرقاني أخبرنا أحمد بن إبراهيم أخبرنا بن عبد الكريم الوزان حدثنا الحسن بن علي الأزدي حدثنا علي بنالمديني حدثني أحمد بن حنبل حدثنا علي بن عياش الحمصي حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذة الدعوة التامه والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له الشفاعة " وأنبأناه عليا بدرجات عبد الرحمان بن محمد أخبرنا عمر بن طبرزد أخبرنا هبة الله بن الحصين أخبرنا محمد بن محمد أخبرنا أبو بكر الشافعي أخبرنا إبراهيم بن الهيثم البلدي حدثنا علي بن عياش مثله لكن زاد فيه إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة فكأن شيخي سمعه من أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الفقيه
وكتب إلى أبو بكر بن طرخان أخبرنا الإمام موفق الدين قال بن الجوزي إمام أهل عصره في الوعظ وصنف في فنون العلم تصانيف حسنة وكان صاحب فنون كان يصنف في الفقه ويدرس وكان حافظا للحديث إلا أننا لم نرض تصانيفه في السنة ولا طريقته فيها وكانت العامة يعظمونه وكانت تنفلت منه في بعض الأوقات كلمات تنكر عليه في السنة فيستفتى عليه فيها ويضيق صدره من أجلهاوقال الحافظ سيف الدين بن المجد هو كثير الوهم جدا فإن في مشيخته مع صغرها أوهاما قال في حديث أخرجه البخاري عن محمد بن المثني عن الفضل بن هشام عن الأعمش وإنما هو عن الفضل بن مساور عن أبي عوانة عن الأعمش وقال في آخر أخرجه البخاري عن عبد الله بن منير عن عبد الرحمان بن عبد الله بن دينار وبينهما أبو النظر فأسقطه وقال في حديث أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد الأثرم وإنما هو محمد بن أحمد وقال في آخر أخرجه البخاري عن الأويسي عن إبراهيم عن الزهري وإنما هو عن إبراهيم بن سعد عن صالح عن الزهري وقال في آخر حدثنا قتيبة حدثنا خالد بن إسماعيل وإنما هو حدثنا حاتم وفي آخر حدثنا أبو الفتح محمد بن علي العشاري وإنما هو أبو طالب وقال حميد بن هلال عن عفان بن كاهل وإنما هو هصان بن كاهل وقال أخرجه البخاري عن أحمد بن أبي إياس وإنما هو آدم وفي وفاة يحيى بن ثابت وابن خضير وابن المقرب ذكر ما خولف فيه قلت هذه عيوب وحشة في جزئين قال السيف سمعت بن نقطة يقول قيل لإبن الأخضر ألا تجيب عن بعض أوهام بن الجوزي قال إنما يتتبع على من قل غلطه فأما هذا فأوهامه كثيرة
ثم قال السيف ما رأيت أحدا يعتمد عليه في دينه وعلمه وعقله راضيا عنه قلت إذا رضي الله عنه فلا اعتبار بهم قال وقال جدي كان أبو المظفر بن حمدي ينكر على أبي الفرج كثيرا كلمات يخالف فيها السنة قال السيف وعاتبه أبو الفتح بن المني في أشياء ولما بان تخليطه أخيرا رجع عنه أعيان أصحابنا وأصحابه
وكان أبو إسحاق العثلي يكاتبه وينكر عليه أنبأني أبو معتوق محفوظ بن معتوق بن البزوري في تاريخه في ترجمة بن الجوزي يقول فأصبح في مذهبه إمام يشار إليه ويعقد الخنصر في وقته عليه درس بمدرسة بن الشمحل وبمدرسة الجهة بنفشا وبمدرسة الشيخ عبد القادر وبنى لنفسه مدرسه بدرب دينار ووقفعليها كتبه برع في العلوم وتفرد بالمنثور والمنظوم وفاق على أدباء مصره وعلا على فضلاء عصره تصانيفه تزيد على ثلاث مئة وأربعين مصنفا ما بين عشرين مجلدا إلى كراس وما أظن الزمان يسمح بمثله وله كتاب المنتظم وكتابنا ذيل عليه
قال سبطه أبو المظفر خلف من الولد عليا وهو الذي أخذ مصنفات والده وباعها بيع العبيد ولمن يزيد ولما أحدر والده إلى واسط تحيل على الكتب بالليل وأخذ منها ما أراد وباعها ولا بثمن المداد وكان أبوه قد هجره منذ سنين فلما امتحن صار ألبا عليه وخلف يوسف محيي الدين فولي حسبة بغداد في سنة أربع وست مئة وترسل عن الخلفاء إلى أن ولي في سنة أربعين أستاذ دارية الخلافة وكان لجدي ولد أكبر أولاده اسمه عبد العزيز سمعه من الأرموي وابن ناصر ثم سافر إلى الموصل فوعظ بها وبها مات شابا وكان له بنات رابعة أم سبطة أبي المظفر بن علي وشرف النساء وزينب وجوهرة وست العلماء الصغيرة .
وقال بن كثير رحمه الله في البداية والنهاية
عبد الرحمان بن علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن حمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر الجوزي نسبة إلى فرضة نهر البصرة ابن عبد الله بنالقاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبدا لرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق الشيخ الحافظ الواعظ جمال الدين أبو الفرج المشهور بابن الجوزي القرشي التيمي البغدادي الحنبلي أحد أفراد العلماء برز في علوم كثيرة وانفرد بها عن غيره وجمع المصنفات الكبار والصغار نحوا من ثلاثمائة مصنف وكتب بيده نحوا من مائتي مجلدة وتفرد بفن الوعظ الذي لم يسبق إليه ولا يلحق شأوه فيه وفي طريقته وشكله وفي فصاحته وبلاغته وعذوبته وحلاوة ترصيعه ونفوذ وعظه وغوصه على المعاني البديعة وتقريبه الأشياء الغريبة فيما يشاهد من الأمور الحسية بعبارة وجيزة سريعة الفهم والادراك بحيث يجمع المعاني الكثيرة في الكلمة اليسيرة هذا وله في العلوم كلها اليد الطولى والمشاركات في سائر أنواعها من التفسير والحديث والتاريخ والحساب والنظر في النجوم والطب والفقه وغير ذلك من اللغة والنحو وله من المصنفات في ذلك ما يضيق هذا المكان عن تعدادها وحصر أفرادها منها كتابه في التفسير المشهور بزاد المسير وله تفسير أبسط منه ولكنه ليس بمشهور وله جامع المسانيد استوعب به غالب مسند أحمد وصحيحي البخاري ومسلم وجامع الترمذي وله كتاب المنتظم في تواريخ الأمم من العرب والعجم في عشرين مجلدا قد أوردنا في كتابنا هذا كثيرا منه من حوادثه وتراجمه ولم يزل يؤرخ أخبار العالم حتى صار تاريخا وما احقه بقول الشاعر
ما زلت تدأب في التاريخ مجتهدا * حتى رأيتك في التاريخ مكتوبا
وله مقامات وخطب وله الأحاديث الموضوعة وله العلل المتناهية في الأحاديث الواهية وغير ذلك ولد سنة عشر وخمسمائة ومات أبوه وعمره ثلاث سنين وكان أهله تجارا في النحاس فلما ترعرع جاءت به عمته إلى مسجد محمد بن ناصر الحافظ فلزم الشيخ وقرا عليه وسمع عليه
الحديث وتفقه بابن الزاغوني وحفظ الوعظ ووعظ وهو ابن عشرين سنة أو دونها وأخذ اللغة عن أبي منصور الجواليقي وكان وهو صبي دينا مجموعا على نفسه لا يخالط أحدا ولا يأكل ما فيه شبهة ولا يخرج من بيته إلا للجمعة وكان لا يلعب مع الصبيان وقد حضر مجلس وعظه الخلفاء والوزراء والملوك والأمراء والعلماء والفقراء ومن سائر صنوف بني آدم وأقل ما كان يجتمع في مجلس وعظه عشرة آلاف وربما اجتمع فيه مائة ألف أو يزيدون وربما تكلم من خاطره على البديهة نظما ونثرا وبالجملة كان استاذا فردا في الوعظ وغيره وقد كان فيها بهاء وترفع في نفسه وإعجاب وسمو بنفسه أكثر من مقامه وذلك ظاهر في كلامه في نثره ونظمه فمن ذلك قوله
ما زلت أدرك ما غلا بل ما علا * وأكابد النهج العسير الأطولا
تجري بي الآمال في حلباته * جرى السعيد مدى ما أملا
أفضى بي التوفيق فيه إلى الذي * اعيا سواي توصلا وتغلغلا
لو كان هذا العلم شخصا ناطقا * وسألته هل زار مثلي قال لا
ومن شعره وقيل هو لغيره
إذا قنعت بميسور من القوت*بقيت في الناس حرا غير ممقوت
ياقوت يومي إذاما در حلقك لي * فلست آسى على در وياقوت
وله من النظم والنثر شيء كثيرا جدا وله كتاب سماه لقط الجمان في كان وكان ومن لطائف كلامه قوله في الحديث
اعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين إنما طالت أعمار من قبلنا لطول البادية فلما شارف الركب بلد الإقامة قيل لهم حثوا المطى وقال له رجل أيما أفضل أجلس أسبح أو أستغفر فقال الثوب الوسخ أحوج إلى البخور وسئل عمن أوصى وهو في السياق فقال هذا طين سطحه في كانون والتفت إلى ناحية الخليفة المستضيء وهو في الوعظ فقال يا أمير المؤمنين
إن تكلمت خفت منك وإن سكت خفت عليك وإن قول القائل لك اتق الله خير لك من قوله لكم إنكم أهل بيت مغفور لكم كان عمر بن الخطاب يقول إذا بلغني عن عامل لي أنه ظلم فلم أغيره فأنا الظالم يا أمير المؤمنين وكان يوسف لا يشبع في زمن القحط حتى لا ينسى الجائع وكان عمر يضرب بطنه عام الرمادة ويقول قرقرأولا تقرقرا والله لا ذاق عمر سمنا ولا سمينا حتى يخصب الناس قال فبكى المستضيء وتصدق بمال كثير وأطلق المحابيس وكسى خلقا من الفقراء
ولد ابن الجوزي في حدود سنة عشر وخمسمائة كما تقدم وكانت وفاته ليلة الجمعة بين العشاءين الثاني عشر من رمضان من هذه السنة وله من العمر سبع وثمانون سنة وحملت جنازته على رؤس الناس وكان الجمع كثيرا جدا ودفن بباب حرب عند أبيه بالقرب من الإمام أحمد وكان يوما
مشهودا حتى قيل إنه أفطر جماعة من الناس من كثرة الزحام وشدة الحر وقد أوصى أن يكتب على قبره هذه الأبيات
يا كثير العفوعمن * كثر ذنبي لديه
جاءك المذنب يرجو ال * صفح عن جرم يديه
أنا ضيف وجزاء ال * ضيف إحسان إليه
وقد كان من الأولاد الذكور ثلاثة عبد العزيز وهو أكبرهم مات شابا في حياة والده في سنة أربع وخمسين ثم أبو القاسم علي وقد كان عاقا لوالده إلبا عليه في زمن المحنة وغيرها وقد تسلط على كتبه في غيبته بواسط فباعها بأبخس الثمن ثم محيي الدين يوسف وكان أنجب أولاده وأصغرهم ولد سنة ثمانين ووعظ بعد أبيه واشتغل وحرر وأتقن وساد أقرانه ثم باشر حسبة بغداد ثم صار رسول الخلفاء إلى الملوك بأطراف البلاد ولا سيما بني أيوب بالشام وقد حصل منهم من الأموال والكرامات ما ابتنى به المدرسة الجوزية بالنشابين بدمشق وما أوقف عليها ثم حصل له من سائر الملوك أموالا جزيلة ثم صار أستاذ دار الخليفة المستعصم في سنة أربعين وستمائة واستمر مباشرها إلى أن قتل مع الخليفة عام هارون تركي بن جنكيزخان وكان لأبي الفرج عدة بنات منهن رابعة أم سبطه أبي المظفر بن علي صاحب مرآة الزمان وهي من أجمع التواريخ وأكثرها فائدة وقد ذكره ابن خلكان في الوفيات فأثنى عليه وشكر تصانيفه وعلومه .
وهذا من نفيس ما قرأت له
يا مَنْ قد أضاعَ يوسفُ قَلْبَهُ جُزْ بخيام القوم لعلَّكَ تجدُ ريحَهُ، قِفْ بالسَحَر على أقدام الذُلَ لم وقل بلسان التذلُل (يا أيها العزيز مَسَّنا وأهلنا الضُرُّ)، لمّا أجدبت أرضُ قلب يعقوب لفقد قطر سحاب جمال يوسف، خرج أهل كنعان يستسقون في مصلّى صحراءِ مصر مُرتدين بأردية (مَسَّنا وأهلنا الضُرُّ وَجئْنا ببضاعةٍ مُزْجاة فَأَوْفِ لنا الكيلَ وتَصَدَّقْ علينا).
نشأت سحابُ الغيث (هل علمتم ما فعلتم بيوسف).
غردَ قمريُّ الاعتراف (تالله لقد آثركَ اللهُ علينا وان كُنا لخاطئين) فتبسم ثغر سحاب العفو لا (تَثْرِيبَ عليكم). رحمة الله على الامام بن الجوزي ابو الفراج وجزاه الله خيرا