زكاة الفطر عن الجنين ـــ لعبد القادر الجنيد
--------------------------------------------------------------------------------
زكاة الفطر عن الجنين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه.
وبعد:
فهذا جزء حول إخراج زكاة الفطر عن الجنين، نفع الله به الكاتب والقارئ إنه سميع الدعاء.
وسيكون الكلام في ثلاث مسائل:
المسألة الأولى / عن المراد بالجنين.
الجنين هو: الحمل في بطن أمه.
وسمي جنيناً لاستتاره في بطنها، فإن خرج حياً فهو ولد، وإن خرج ميتاً فهو سقط.
المسألة الثانية / عن عدم وجوب زكاة الفطر عن الجنين.
قال الإمام ابن المنذر ـ رحمه الله ـ في كتابه "الإشراف"(3/72-73):
كل من نحفظ عنه من علماء أهل الأمصار لا يوجب على الرجل إخراج زكاة الفطر عن الجنين في بطن أمه، وممن حفظنا ذلك عنه عطاء ومالك وأبو ثور وأصحاب الرأي، وكان أحمد بن حنبل يستحب ذلك ولا يوجبه، ولا يصح عن عثمان خلاف ما قلناه.اهـ
ونقله عنه ابن قدامة في "المغني"(4/316) والنووي في "المجموع"(6/105).
وقال في كتابه "الإجماع"(ص47رقم:111):
وأجمعوا على أن لا زكاة على الجنين في بطن أمه، وانفرد ابن حنبل: فكان يحبه ولا يوجبه.اهـ
وقال الإمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في كتابه "المغني"(4/316):
المذهب أن الفطرة غير واجبة على الجنين، وهو قول أكثر أهل العلم، قال ابن المنذر: كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار لا يوجبون على الرجل زكاة الفطر عن الجنين في بطن أمه.
وعن أحمد رواية أخرى: أنها تجب عليه، لأنه آدمي تصح الوصية له وبه ويرث، فيدخل في عموم الأخبار ويقاس على المولود.اهـ
وقال الزركشي ـ رحمه الله ـ في شرحه على "مختصر الخرقي"(1/409):
المشهور المعروف من الروايتين أن إخراج زكاة الفطر عن الجنين مستحب.اهـ
وقال ابن حزم ـ رحمه الله ـ في كتابه "المحلى"(4/253مسألة:704):
وأما الحمل فان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجبها على كل صغير أو كبير، والجنين يقع عليه اسم صغير، فإذا أكمل مائة وعشرين يوماً في بطن أمه قبل انصداع الفجر من ليلة الفطر، وجب أن تؤدى عنه صدقة الفطر.اهـ
المسألة الثالثة / عن استحباب إخراج زكاة الفطر عن الجنين.
نقل العلامة ابن مفلح ـ رحمه الله ـ في كتابه "الفروع" (2/526) اتفاق المذاهب الأربعة على استحباب إخراج زكاة الفطر عن الجنين، فقال:
ويستحب أن يخرج عن الجنين في ظاهر المذهب (و).اهـ
وتابعه على ذلك العلامة عبد الرحمن القاسم ـ رحمه الله ـ في "حاشية الروض المربع"(3/277) عقب قول المصنف: " ويستحب " فقال:
واتفق عليه الأئمة الأربعة وغيرهم.اهـ
لكن لم أجد التصريح بالاستحباب في ما اطلعت عليه من كتب المذاهب الأخرى.
وقد قال الإمام ابن المنذر ـ رحمه الله ـ في كتابه "الإجماع"(ص47رقم:111):
وانفرد ابن حنبل: فكان يحبه ولا يوجبه.اهـ
ولكن يدل على الاستحباب، ويضعف ما ذكره ابن المنذر ما أخرجه عبد الرزاق (2/319رقم:5788)عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال:
(( كان يعجبهم أن يعطوا زكاة الفطر عن الصغير والكبير حتى على الحبل في بطن أمه )).
وإسناده صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة (2/432رقم:10738) فقال:
حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة قال:
(( كانوا يعطون صدقة الفطر حتى يعطون عن الحبل)).
وإسناده صحيح.
وقال ابن حزم ـ رحمه الله ـ في كتابه "المحلى"(4/254مسألة:704)عقبه:
وأبو قلابة أدرك الصحابة، وصحبهم وروى عنهم.اهـ
قلت:
وفيه دلالة واضحة على استحباب السلف الصالح إخراج زكاة الفطر عن الجنين الذي في بطن أمه.
وقد نقل عن عثمان بن عفان رضي الله عنه إخراج زكاة الفطر عن الجنين، نقله عنه بكر بن عبد الله المزني وقتادة.
فقال عبد الله بن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في "مسائله" (1/170رقم:644):
سمعت أبي يقول: يُعطى زكاة الفطر عن الحمل إذا تبين، حدثني أبي قال حدثنا معمر بن سليمان التيمي عن حميد بن بكر وقتادة:
(( أن عثمان كان يعطي صدقة الفطر عن الصغير والكبير والحمل زكاة الفطر )).
وفي نسخة أخرى (رقم:806): عن حميد عن بكر وقتادة.
وهو الصواب.
وقد قال ابن حزم في "المحلى"(4/253-254مسألة:704):
روينا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل: ثنا أبى ثنا المعتمر بن سليمان التيمي عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني وقتادة:
(( أن عثمان بن عفان كان يعطى صدقة الفطر عن الصغير والكبير والحمل )).
ولا يعرف لعثمان في هذا مخالف من الصحابة، وهم يعظمون بمثل هذا إذا وافقهم.اهـ
قلت:
وإسناده صحيح إلا أنه منقطع بين بكر بن عبد الله المزني وقتادة وبين عثمان.
واختار الاستحباب:
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة العلامة ابن باز، وابن عثيمين إذا نفخت فيه الروح.
وينظر لذلك أيضاً:
المجموع (6/105) وروضة الطالبين (2/157) وتحفة المحتاج في شرح المنهاج (12/388) والجوهرة النيرة (2/6) والفتاوى الهندية (1/192) والمسائل الفقهية لأبي يعلى (1/246) والمبدع (2/388) والإنصاف (3/168) ومنار السبيل (1/195) والإرواء (3/330-331رقم:841) والشرح الممتع (6/161-162) ومجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (18/263سؤال رقم:176) وفتاوى اللجنة الدائمة (9/366-367رقم:1747و10816و3382).
وكتبه: عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.