الألوكة
المصدر: كتاب "أوهام وحقائق في الطب"
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بِحسْب ابن آدم لُقيماتٌ يقمن صلبه))، وقال: ((نحن قومٌ لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع))، وهذا منهاج لو اتَّبعه مريضُ السُّكَّر، لتفادى المرض ومضاعفاته.
ومرض السُّكر يتطلَّب في المقام الأوَّل طبيبًا متمرسًا؛ ليكونَ ملمًّا بتفاصيل العلاج، وأسباب ظهور المرَض والاحتِمالات، وأبعاد المرض ومضاعفاته ونوعه؛ لأنَّ آليَّة ظهور هذا المرض لا تنحصِر في قلَّة إفراز الأنسولين بالدَّم، أو القصور في إفْرازه من البِنْكرياس فقط، فقد يكون سبب هذا المرض عدَّة أمراض وأعراضٍ أُخْرى تؤثِّر على نسبة السُّكَّر بالدَّم.
فلقد كان لتطوُّر العلاج وأساليبِه، وتنوُّع التحاليل الطبِّيَّة والفحوصات التشخيصيَّة - أثرُها في إطالة أعْمار مرضى السكر؛ لهذا فالثقافة الطبِّيَّة حول هذا المرض المزمن مطلوبةٌ للتعرف على المرض وكيفية التعامل معه؛ لأنَّ للمريض دوره الأساسي والفعال في علاجه وتفادي مضاعفاته.
وهذا ما جعلني أكتب هذا المقال؛ ولا سيَّما أنَّ 20 % منَّا مصابون بِهذا المرض أو معرَّضون للإصابة به، فلقد أصبح مرض السُّكَّر وباءً عالميًّا على الخريطة الصحية لمنظمة الصحة العالمية؛ حيث يصيب شخصًا من بين كل 6 أشخاص.
فمرض السكر لا شفاءَ منه؛ لأنه يلازم المريض به بقية عمره، فهو الرَّفيق قبل أن يكون الصديق، وكان المرض معروفًا قديمًا، وكان ابن سينا قد شخَّصه منذ عشرة قرون حيث كان يبخر البوْل السكري ليتحوَّل إلى مادة شرابية لزِجَة أو يتحوَّل لسكر أبيض، وكان مريض السكر حتَّى مطلع هذا القرن يعتبر الحيَّ الميت، وأنَّه قد حلت به لعنته بعدما حكم المرض عليه بالموت المبكِّر؛ لأنَّ علاجه لم يكن معروفًا، وكان الأطفال والمراهقون عندما يصابون به تذوي أجسامهم ليموتوا بعد عدَّة شهور.
وحتَّى عام 1920 لم يكن الأطبَّاء يستطيعون التَّفريق بين مرض البول السكري الحلو المذاق، وبين مرض السكر الكاذب الذي لا طعم للبول فيه، إلا أنَّ المرضَيْن يتشابَهان في العطش الشَّديد وكثرة البول؛ ولهذا كان يصعُب على الأطبَّاء التَّفريق بينهُما قبل ظهور التَّحاليل الطبية.
ومرض البول السكري مرتبط بهرمون الأنسولين، الذي تفرِزُه غدَّة البنكرياس، الذي يعتبر سائل الحياة بالنسبة لنا، وبسكر الجلوكوز ونسبته في الدَّم، عكس مرض السكر الكاذب (الزائف) فلا علاقة له بنسبة السكر بالدم، ولكن أسبابه مرتبطة بهرمونات الغدَّة النخامية بالمخ وهرمونات الكلى، ويُطْلَق على هذا النَّوع من المرض مرضَ البول المائي.
وكان الأطباء يفرقون بينهما بغمس أصابعهم في بول المريض ويتذوقون حلاوته، فإن كان حلو المذاق فهو بول سكري، وإن لم يكن فهو بول مائي، وظل هذا متَّبعًا حتَّى اكتشف محلول (فهلنج)، الذي كان يسخَّن فيه البول فيعطي راسبًا أحْمر، وحسب شدَّة الحُمْرة يكون تركيز السُّكَّر بالبول، وكان العلاج قبل اكتِشَاف الأنسولين عام 1921 تنظيم طعام المريض، والإقْلال من تناول السكريات والنشويات، التي تتكسَّر بالجسم، وتتحوَّل لسكر جلوكوز.
اكتشاف مذهل:
لاحظ العالم (بوشاردت) عام 1815: أنَّ ثمَّة علاقة وثيقة بين مرض السكر وعدم كفاءة غدة البنكرياس على إفراز هرمون الأنسولين، ولقد قام العالمان (مينوكوفسكي) و(جوزيف فون) لتأكيد هذه العلاقة، عندما أجرَيَا تَجارِبَهما على الكلاب بعد تخديرها واستِئْصال غدَّة البنكرياس، وبعد عدَّة ساعات من إجْراء هذه العمليَّات ظهرت أعراضُ السُّكَّر عليْها، فكان الكلب المريض يُفْرِز حوالَيْ أوقيَّتين سكَّر في بوْلِه يوميًّا، كما لاحظا ارتِفاعًا حادًّا في السُّكَّر بدمائِها.
وقد قام العالم (مينوكوفسكي) بتقطيع بنكرياس لقطْعِ وأخْذِ قطاعٍ منها؛ وزرعها تحت جلد الكلب الذي انتزع منه غدة البنكرياس، فوجدها تعيش بصورة عادية، ولم تظهر عليه أعراض السكر، كما وجد أنَّ عصارة البنكرياس التي تفرز في الجهاز الهضمي لا تؤثر على نسبة السكر في الدم، فاكتشف بِهذا أنَّ البنكرياس يفرز موادَّ أخرى مباشرة بالدَّم؛ وبهذا اكتشف هرمون الأنسولين.
وقام العالم (لانجرهانز) عام 1893 بوضع شرائح من البنكرياس تحت الميكروسكوب، فلاحظ نوعَيْن من الخلايا، أحدُهما أشبه بعناقيد العِنَب، وبها جزر أطلق عليها "جزيرات لانجرهانز"، ووجد أنَّها تفرز موادَّ لها أهمِّيَّتها بالنِّسبة للسكر في الدم، وعندما فحص غددَ بنكرياس موتى كانوا مصابين بالسكر، وجد أنَّ بعضَها غير طبيعي، وهذا ما أكَّد أنَّ البنكرياس يقوم بوظيفتين، هُما: إفراز عصارات هاضمة بالأمعاء الصغرى، وهرمون الأنسولين بالدم؛ للقيام باستِغْلال السُّكَّر به.
وقام العالم (باتنج) عام 1921 باستِخْلاص الأنسولين من بِنْكرياس الكلاب، حيث قام بتقطيعها وخلْطِها بالرماد والماء الملح، ثم رشَّح الخليط، وأخذ المحلول، وحقن به كلابًا استؤصل بنكرياساتها، فلاحظ أنَّ معدَّل السكر بدمها قد انْخفض ولم يصبح البول سكَّريًّا، الْتَأَمت جروحها، واستعادت عافِيَتها، وعاشت مددًا أطْول مما يتوقَّع؛ وبهذا أمكن تَحضير سائل الأنسولين، ولا سيما من بنكرياسات الأبْقار والخنازير؛ ليصبح منقِذًا لحياة ملايين البشر في العالم، ويعتبر حاليًّا خطَّ الدِّفاع الأوَّل والأخير ضدَّ مرض السُّكَّر.
فالبنكرياس عبارةٌ عن غدَّة رماديَّة اللَّون، ويقع في شمال التَّجويف البطني، ويزن 60 جرامًا، وطوله 12 - 15 سم، ويفرز الأنسولين الذي ينظِّم كميَّة سكَّر الجلوكوز بالدَّم؛ لتحْوِيله لطاقة داخلَ الخلايا بالأنسجة والعضلات، ويُوجد بِجسم الإنسان حوالي 2 ملعقة صغيرة من الأنسولين، وتظلُّ هذه النسبة ثابتةً، فلو قلَّت إلى نصف ملعقة أو تضاعفت إلى 4 ملاعق صغيرة، يصاب الشخص بغيبوبة ويتعرَّض للموت.
آلية الأنسولين:
تفرز خلايا (بيتا) بالبنكرياس الأنسولين، وتعريفنا لمرض السكر نَجده: هو ارتفاع دائم للسكر في الدَّم، ودرجة ارتِفاعه ترتبِطُ مُباشرةً بقُصورٍ في إفْراز الأنسولين من البِنْكرياس، أو القصور في فاعليَّته، وعندما يصِلُ هذا القصور إلى حدٍّ شديدٍ وحرِج، فإنَّ ثمَّة أعراضًا تظهر، ومن بينها كثرة التبوُّل ولا سيَّما باللَّيل، والعطش الشَّديد مع فقدان في الوزن، والشعور بالإعياء مع بقاء الشهيَّة للطَّعام، ولو كان القصور في إفراز الأنسولين متوسطًا، فإنَّ هذه الأعراض قد لا تظهر.
وإذا زاد معدَّل السكر بالدم لدى الشخص العادي، قبل خلايا (بيتا) التي تفرز الأنسولين - تزيد من كمياته لاستِهْلاك السكر، وعندما يستهلك ويهبط معدَّله بالدَّم، تتوقَّف خلايا (بيتا) عن الإفراز، وإذا زادتْ كميَّة الأنسولين عن الحاجة، فهذا معناه استِهْلاك كميات كبيرة من السكر بالدم، فيجوع المخ والأعصاب التي تتغذى خلاياهما عليه ويتعرَّضان للتلف.
والمريض قد يتعرَّض لغيبوبة نقْص سكر حادٍّ تُفْضِي إلى موْتِه، وعندما يكون تركيز الأنسولين منخفضًا بسبب عدم كفاءة البِنْكرياس، أو أنَّ تركيزه عالٍ، ولا يقوى على استِهْلاك السُّكَّر، فيرتفع معدَّل سكر الجلوكوز بالدَّم، فيقوم برفْع قُدْرَة الدَّم على اجْتِذاب الماء من الأنسجة لتخفيفِه، وعلى الكلى إفراز الماء والسكر أوَّلاً بأوَّل، وهذا قد يعرِّض المريض إلى غيبوبة قد تفضي إلى موته.
وامتِصاص خلايا الجسم للجلوكوز ليس مهِمَّة سهْلة كما تبدو؛ لأنَّه يعتمِدُ على جزئيَّات ناقلة تنقله من الدَّم لداخل أغشِيَتها لإمدادها بالطاقة؛ ولهذا يقوم الأنسولين بِهذه العمليَّة الحيويَّة، وهذه النَّاقلات للجلوكوز تُوجَد في خلايا الدَّم الحمراء، ويقوم الأنسولين بتحريكها تِجاه أغشية الخلايا، فعندما ينخفِضُ معدَّل الأنسولين، أو معدَّل الجلوكوز بالدم، فهذه الناقلات تغيّر اتجاهها بالدم.
ولا يعتبر الطعام المتَّهم الوحيد في ظهور مرض السكر، فهناك عدَّة عوامل، من بينها: قلَّة أو عدم إفراز الأنسولين، والعوامل النفسية والعاطفية، والقلق والخوف، والغضب والحزن والأسى، فهذه عوامل تُساهم في ظهوره، وفي هذه الحالة لا يَكْفِي الطَّعام وإعطاء الأنسولين في التغلُّب على المرض.
وقد يكون سببه زيادة إفْراز هرمون النُّموِّ؛ لهذا يظهر بسبب العلاج بِهرمون (ACTH)، أو في المراحل النشطة لظاهرة العملقة، والبدناء أو الشُّبان الذين يعانون من مرض السكر الكيتوني، فرغم وجود الأنسولين بدمائهم؛ إلا أنَّهم يعانون من حالة تضادٍّ ضدَّ مفعول الأنسولين، فكلَّما ارتفع معدَّل الجلوكوز لديهم، كلَّما أفرز البنكرياس كميات كبيرةً؛ للتغلُّب على هذا الارتفاع في السكر دون طائل، ممَّا يُجْهد البنكرياس، وقد يتوقف عن الإفراز للأنسولين.
إلاَّ أنَّ البدناء بعد التَّخسيس يُمْكِنهم الاستفادة بالأنْسولين الطبيعي في دمائِهم بشكْلٍ ملْحوظ؛ لأنَّ هناك علاقةً وثيقةً بين الجلوكوز والأحْماض الدهنِيَّة بالدَّم؛ لأنَّ زيادَتَها تتدخَّل في عمل الأنسولين، فَهُناك أنسجة مقاومة للأنسولين، وهذه مرتبطة بالبدانة وارتفاع ضغط الدم.
وقد يُعاني مريض السُّكَّر من خلل في التَّمثيل الغذائي داخلَ الجسم؛ فلِعَدم إفْراز الأنسولين بكميَّات كافية لاستِهلاك السُّكَّر، ولعدم استِغْلاله ينزل الجلوكوز بالبَوْل؛ ممَّا يَجعل الجسم يلْجَأُ إلى بروتينات العضلات فيكسرها للحصول منها على الجلوكوز والطاقة؛ لهذا ترتفع نسبة (اليوريا) بالدم والبول، ويظهر على المريض النقرس.
وهناك بعض العقاقير ترفع السكر بالدم كالكورتيزونات والكافيين (بالشاي والقهوة والشيكولاتة والكولا)، ومدرَّات البول والهرمونات الأنثويَّة في أقْراص منع الحمل، كما توجد أدوية تخفض السكر بالدم غير الأدوية المخفّضة للسكر، ومنها الأسبرين والسلفا بكافَّة أنواعها، والباربيتيورات، كما أنَّ الصيام والتمارين الرياضية والمشي كلها تخفض السُّكَّر بالدَّم.
ماذا نأكل؟
الطَّعام يتكوَّن من كربوهيدرات (نشويات وسكريات)، وبروتينات، ودهون، وفيتامينات، وأملاح، وماء، ونفايات لا قيمة غذائية لها، وهذه موادُّ أساسيَّة، ولابدَّ من وجودِها في الطَّعام بنسب صحيحةٍ للحصول على تغذية سليمة، وتوفُّر السُّكَّريَّات في الدَّم يَجعلُ الجِسْم ليس في حاجة للدُّهون والبروتينات الزَّائدَتَين عن حاجَتِه لتوْليد الطَّاقة؛ فالدهون تخزن به، والبروتينات الزائدة تتحوَّل إلى يوريا تفرز في البَوْل، أو تخزن بالجسم على هيئة دهون.
فالكربوهيدرات تتكسَّر بالجسم لتتحوَّل إلى سكَّر جلوكوز وفركتوز، وتَمُدُّ الجسم بالطَّاقة والحرارة، والبروتينات تتكسَّر إلى أحْماض أمينيَّة، وتَمدُّ الجسم بالطَّاقة والحرارة أيضًا، وتدخُل في تكوين بروتينات الدَّم والجِسْم، والدُّهون تمدُّ الجسم بالطَّاقة والحرارة، كما تقوم بتثْبيتِ الأعْضاء بِها كوسائِدَ للكُلى والقلب والعينين والطحال، كما تغلف الأعصاب وتعْزِلُها كهربائيًّا عن بعْضِها أو عن الأنسِجَة الموجودة بِها، كما تدخُل في صناعةِ الكوليسترول.
والفيتامينات مركَّبات كيماويَّة لا تُغْنينا عن تناول الطعام؛ إلا أنَّها تقوم بدوْرٍ أساسيٍّ في عمليَّة التَّمثيل الغِذائي، كما تُساهم في تَحويل الدُّهون والبروتينات إلى طاقةِ الجِسْم، كما تُساعِد في تكْوين العِظام والأنسِجة، وتعتبر أحدَ الخطوط الدفاعيَّة الرئيسة للوِقاية من أعْراض ومُضاعفات السُّكَّر، مع الحِفاظ على حيويَّة الخلايا والأنسِجة وأجْهِزة الجسْم الحيويَّة.
وتُعْتبر الأملاح والعناصر - كالحديد والكالسيوم والبوتاسيوم واليود والفوسفور - عناصرَ أساسيَّة بالجسم، وتدْخُل في العمليَّات الحيويَّة به، وكلها تُوجد في الأطْعِمة، كما يعتبر الماءُ سائِلَ الحياة لكُلِّ الكائنات الحيَّة، ونِسْبته في الجسم 50 - 60 % من حَجْمِه، وله أهمِّيَّته في تنظيم حرارتِه، ونقل المواد الغذائية به، وإفْراز العرق والبول ليخلِّصه من النِّفايات، ويرطب الطعام ليسهل بلْعُه، أو الرئة لإذابة الأكسجين وثاني أكسيد الكربون في حالة التنفُّس، والجِسْم يَحصل على الماء من الشُّرْب، أو نتيجة التَّمثيل الغِذائي بالجِسم.
أنواع مرض السكر
أ - النوع الأول: (المعتمد على تعاطي الأنسولين).
وسببُه عدم إفراز البنكرياس للأنسولين، وقد يظهر في أي عمر، و 1 % من المواليد مصابون به، ولا علاج له سوى تعاطي حقن الأنسولين، وقد يكون سبب ظهور هذا المرض المناعة الذاتية لوجود أجسام مضادَّة تتلف خلايا (بيتا)، أو بسبب تلف بالكلى أو البنكرياس، أو لوجود أمراض مزمنة بالكبد، أو بسبب اختِلال جهاز المناعة، فتُهاجِم الخلايا الليمفاويَّة التَّائيَّة خلايا (بيتا)، وتعتبرها أجسامًا غريبة كالبكتريا والفيروسات فتهاجِمُها باستِمْرار، وتولِّد أجسامًا مضادَّة لَها، وقد تُهاجم البنْكرياس نفسه أو الأنسولين عند إفرازه، وهذه الحالة يُمْكن علاجُها في مراحِلِها المبكِّرة بأدويةٍ لتثْبِيط جهاز المناعة، وقد تُصاب خلايا البِنْكرياس بالشيْخوخة المبكِّرة، أو بسبب أدويةِ السَّرطان والمبيدات الحشريَّة، أو بسبب كثْرة حثِّ البنكرياس بأدوية تَخفيض السكر ليفرز الأنسولين، ففي نهاية المطاف يلجأ المريض للأنسولين.
وهذا النوع يُمكن التعرُّف عليْه بسهولةٍ؛ لعدم الاستِجابة للأقْراص المخفضة للسكر، أو الإصابة بغيبوبة فجائيَّة لارتفاع السكر بالدم، رغم تعاطي هذه الأقْراص بانتظام، ومرضى هذا النَّوع الأوَّل أغلبهم تَحت سنِّ الثَّلاثين، وهم نِحاف وتتأخَّر لدَيْهم فترة البلوغ وعلاماته المميزة، وهذا النوع وراثي، لهذا يظهر بين 50% من المصابين به من التَّوائم المتشابِهة.
ب - النوع الثاني: (غير المعتمد على الأنسولين)
وهذا النوع أكثر انتشارًا ويمثل 90% من المصابين بمرض السكر، ومعظم مرضاه بدناء، ويظهر عادةً في مراحل متأخرة من العمر، ولا سيَّما فوق سن 40 سنة، وسببه: أنَّ البِنْكِرياس يُفْرِز كميَّات قليلة من الأنسولين، لا تكفي استِهْلاك الجلوكوز في الدَّم، ويعيده لمعدله الطبيعي، وغالبًا ما يُكتشف بالصُّدفة عند إجْراء تَحليل دوْري، ويظهر بين البدناء ذوي الكروش والصدور الممتلئة عديمي الخصور، وقد ينتج البنكرياس لديْهم كميات كبيرة من الأنسولين؛ إلا أنَّ خلايا الجسم تقاومه فيرتفِعُ السُّكر بالدم، وهذه الحالة قد تكون وراثيَّة بين بعض الأسر، وهذا النوع قد يشفى منه المريض بعد التَّخْسيس وتناوُل أطعمة متوازنة.
وقد يلجأُ المريض للأقْراص المخفِّضة للسكر، والتي تحث البنكرياس على إفراز الأنسولين، لكن مع مرور الوقْت قد يكف البنكرياس عن إفرازه، ويصبح المريض محتاجًا لحقن الأنسولين بعدما يتحوَّل للنوع الأوَّل.
ج - مرض سكر الكُلَى:
يُعتبر كثْرة وجود سكَّر الجلوكوز بالدَّم مدرًّا للبَوْل؛ لِهذا كثرة التبوُّل أحد مظاهر مرضِ السُّكر؛ لأنَّ الكلى لها قدرة على احتِجاز الجلوكوز عند حدٍّ أقْصى لتُعيدَه ثانيةً للدم، ويعتبر الشخص مريضًا بالسُّكَّر لو أنَّ كمِّيَّته بالدَّم ما بين 9 - 10 مول / لتر (164 - 180 مجم/ مل)، ويظهر السُّكر بالبول لدى 3 % من الحوامِل بِسبب قلَّة إعادة امتِصاص الجلوكوز بالكلى، وقد يظهر مرَضُ السُّكَّر بسبب خلَلٍ في وظائفِ الكُلى، فتحتفظ به عند الحدِّ الطَّبيعي، وما زاد تتخلَّص منْهُ أوَّلاً بأوَّل، ويطلق على هذه الحالة سكر البوْل أو السكر الزائف (غير السكر الكاذب)، فيظهر ارتفاع في السكر بالبول والدم سكره طبيعي.
وهناك مرض السكر المؤقت أو السكر الثَّانوي، وسببُه خللٌ في وظائفِ الغُدَد كالغُدَّة فوق الكلية أو الغدَّة النخامية بالمخ؛ حيثُ تفرِزان هرمونات مضادَّة للأنسولين فيرتفِع السُّكَّر بالدَّم، ومرض السكر البرونزي، ويمكن تشخيصه عن طريق صبغ خلايا الجلد بأمْلاح الحديد، وسببه وجود مرضٍ بالبنكرياس أو الكبِد؛ لِهذا يرسب الحديد بِهِ وبالأحْشاء كما يصيب الكبِد بالتَّلف.
غيبوبة السكر:
قد يكونُ نقْص السُّكَّر بالدَّم عن المعدَّل الطبيعي سببُه زيادة جرعة الأنسولين، أو تناوُل جرعاتٍ أكْبر من أدوِية السُّكر وقلَّة تناوُل الطعام، وأعراضه: العرق الزائد، والشعور بألم الجوع، مع اضطراب في الأعصاب، واضطراب في الكلام، أو الشلل النصفي ورعشة وزغللة في العين وتشنجات، وقد تفضي الحالة للغيبوبة والموت بعدما يصبح معدَّل السكر أقل من 50 مجم/ مل، فنجِد أنَّ السكَّر ينقص كثيرًا في المخِّ والأعْصاب، ويُمكِن التغلُّب على هذه الحالة بإعْطاء المريض سكَّريَّات وحُقَن هرمون جلوكاجون؛ لِهذا على المسنِّين تقليل جُرْعة الأنْسولين وأدوية السُّكَّر.
وقد يكون ارتِفاع السكَّر بالدم سببه عدم تناوُل المريض جرعاتِ دواء السُّكَّر، أو أنَّه لا يستجيب أصلاً للعِلاج، وفي ارْتِفاع السُّكَّر بالدَّم تُصْبِح رائحةُ فم المريض كرائحةِ الثَّوم (الأسيتون)، والشعور بالغثيان والقيْء، والإمساك وكثْرة التبوُّل، وعدم القُدْرة على الحركة، وقد يدخُل المريض في غيْبوبة تفضي للموْت، وقبل الدُّخول في الغيْبوبة يكون كلامُ المريض ثقيلاً وبطيئًا، مع الشعور بالصُّداع الشديد والترنُّح كالسُّكارى، ويزرقُّ الوجْه والقدمان.
علاج السكر:
يعتبر علاج مرض السُّكَّر علاجًا معقَّدًا، وهناك العِلاج بِحقن الأنسولين المخفِّضة للسُّكَّر، كما توجد تقنية زراعة البنْكرياس، وقد نجحت لدى 70 - 90 % ليصل معدل السكر الطبيعي خلال سنة من زراعته، وتعتبر عمليَّة جذريَّة لعِلاج المرَض، وهناك زراعة الخلايا (بيتا) أو البِنْكرياس الصِّناعي، وهو عبارة عن مضخَّة آليَّة تضخُّ الأنسولين في الغِشاء البريتوني بالبطن.
أ - الأقراص المخفضة للسكر:
سلفونيل يوريا: كالدايميكرون والدوانيل:
تزيد معدَّل الأنسولين بالدم، وتعطى للمرضى الذين ليس لديهم أجسام كيتونية بالبول، وقد يصاحبُها زيادة في الوزن، ولا تفيد مع مرضى السكَّر من النَّوع الأوَّل، ولا تستعمل مع الأطفال، أو في حالةِ الارتِفاع الشَّديد في السكَّر، أو في حالة غيبوبة السُّكَّر، ويفضَّل أقراص جليكيدون للَّذين لديْهِم مشاكل في الكلى؛ لأنَّها لا تفرز عن طريقها، ومن تأثيراتِها الجانبيَّة - ولا سيما في حالة الصيام -: خفض معدل السكر، والشعور بالاهتزاز والعرق والإرهاق والجوع والاضطرابات، وقد تظهر بعض الحساسية والهرش، فلا يوقف الدواء.
أقْراص ميتوفورمين: (سيدوفاج):
ويفضَّل استِعْمالُها بواسطة مرْضى السكَّر البدناء، بعد فشل رجيم الغذاء والرياضة في التخسيس، وتعْمل على إقْلال مقاومة الخلايا للأنْسولين، ولا تقلِّل إفْراز الأنسولين من البِنْكرياس، ولا يسبب ظهور غيبوبة نقْص السُّكَّر، ويقلِّل الدهون بالدم كما يقلل انطلاق الجلوكوز من الكبد أو امتصاصه من الأمعاء، وآثاره الجانبية: فقدان الشهية، والشعور بطعم معدني بالفم، والغثيان والقيء، وآلام بالبطن والإسهال، وهذه الآثار تقلُّ مع الوقت.
ثيازوليد بتديونات:
منها أقْراص تروجليتازون التي تزيد من حساسية الأنسولين، فتساعد الأنسجة والعضلات على أخْذ الجلوكوز من الدم، وتقلِّل كميَّة الجلوكوز التي يصنعها الكبد من الجليكوجين، ويحسن مقاومة الخلايا للأنسولين، وآثاره الجانبيَّة ظهور انْخِفاض في السُّكَّر؛ لهذا تقلّل جرعة سلفوتيل يوريا أقراص الأنسولين.
ألفا جلوكوزيداز: كأقراص (أكاربوز):
وتقلل تأثير عمل الإنزيم المسؤول عن تكسير السكر والنشويات أثْناء الهَضْم، وتَحويلها إلى جلوكوز يمتصُّ بالأمعاء؛ لهذا يؤخَذ قبل الأكْل مُباشرة ليقلِّل امتِصاص السُّكَّر من الأمعاء؛ ولِهذا تقلل جرعات أدوية السُّكَّر، ويقلُّ مفعول دواء الأكاربوز، مع تناوُل مدرَّات البول والكوتيزونات، والاستيرويدات، والفينوباربيتيورات، وأدوية الغدَّة الدَّرقيَّة، والاستيروجينات الأنثوية في حبوب منْعِ الحمْل، ودواء أيزونازيد لعلاج الدَّرن، ودواء أكازبوز لا يمتصُّ من الأمعاء، ويسبِّب تَخمُّرًا للسُّكَّريَّات في الجهاز الهضمي لبطْءِ هَضْمِها، وفي حالة انْخِفاض السُّكَّر بالدَّم مع تناوُل هذا الدَّواء يُفَضَّل إعْطاء المريض حقن جلوكوز.
وبصفةٍ عامَّة لا تستعمل الأدوية المخفضة للسُّكَّر أثْناء الحمْل أو الرَّضاعة أو إدمان الخُمور، وفي حالات الأمْراض المُعْدية والعمليَّات الجراحيَّة، أو الحساسيَّة ضدَّ السلفا ومشتقَّاتِها؛ كما في أقراص السلفونيل يوريا، أو مع تناوُل الكوتيزونات أو الاستيرويدات.
ب - الأنسولين:
يُعْتَبر فقر الأنسولين أو عوزه بالدم سببًا مباشرًا في ظهور مرَض السُّكَّر؛ لأنَّ وظيفتَه الأساسيَّة إدْخال السُّكَّر بالخلايا والأنسِجة والعضلات والمخ والأعْصاب، ويستهلك عادة السكَّر الزَّائد بالدَّم عن المعدَّل الطبيعي خلال ساعتين، والأنسولين لا يؤْخَذ بالفم (حاليًّا يوجد استِنْشاق)، ولكنَّه يؤخذ كحقن، ويوجد منه أنسولين قصير أو متوسط، أو طويل أو ممتدُّ المفعول، وأحسن مكان يمتص منه الأنسولين الحقن في البطن؛ لأنَّ حقْنَه بالذِّراع أو الفخِذين مع الحركة يمتصُّ بسرعة، وعند أخْذِ الأنسولين، يؤخذ الأنسولين العادي (الرَّائق) في المحقن (السرنجة)، ثم يخلط بالأنسولين المعكر (طويل المفعول) في نفس المحقن، والعكس يحول الأنسولين العادي السريع المفعول إلى أنسولين طويل المفعول، وهناك حقن أنسولين عليها أرقام 20 أو 40 أو 100 وحدة، وهذا معناه: أنَّ كلَّ سنتيمتر مكعب (مل) من السائل به 20 أو 40 أو 100 وحده، وبعض الزجاجات عليْها 30 / 70، وهذا الرَّقم معناه: أنَّ الزجاجة تتكوَّن من نسبة 30 % أنسولين عادية و 70% أنسولين طويل المفعول، والأنسولين عبواته 10 مل (سنتيمتر مكعب)، ويظل مفعول سائل الأنسولين لمدَّة شهْر في درجة الحرارة العادية (25 درجة مئوية)؛ لهذا يخزَّن في الثَّلاجات ولا يخزن في الفريزر حتَّى لا يفقد مفعولَه، وعند أخذ الجرعة لا ترجُّ الزجاجة بل تدار بين راحتَيِ اليد، ويوجد الأنسولين الحيواني والبشري المهَنْدَس وراثيًّا، ويفضل الأنسولين البشري؛ لأنَّه لا يسبِّب حساسية أو أجسامًا مضادَّة تقلل مفعول الأنسولين، عكس ما يسببه الأنسولين الحيواني.
تحليل السكر:
تَحليل البوْل بعد القيام من النَّوم صباحًا ليس مؤشرًا على تركيز السكر بالدم، فيفضل تحليل الدَّم، وللمرضى الذين يعالجون بالأنسولين يحلل البول بصفة منتظمة؛ للتعرف على الأجسام الكيتونية به؛ لأنَّها مؤشِّر ارتفاع السكر وعدم استغلاله؛ مما يجعل الجسم يقبل على استهلاك الدهون المخزونة به، وأنَّ جرعات الأنسولين غير كافية، أو أنه لا يعمل داخل الجسم؛ لهذا تظهر هذه الأجسام الكيتونية أثناء الصيام الطويل أو القيء المستمر، ويجرى تحليل السكر قبل الإفطار (صائم)، أو بعد العَشاء بحوالي 12 ساعة، ويأخذ المريض علاجه قبل الإفطار مباشرة، ثم يحلل الدم بعد تناول الطعام بساعتين؛ للتعرف على مفعول الدواء، ومن الأخطاء الشائعة تحليل البول بالشرائط؛ لأنَّها قد تعطينا نتائج زائفة، ولا سيما لو تناول الشخص العصائر أو الفواكه أو الكورتيزونات، أو فيتامين (ج) أو الإسبرين فقط يظهر سكَّر في البول، رغْم عدَم وجودِه أصلاً، وإذا ظهر السُّكَّر بالبول ولم يظهر بالدَّم، فهذا أمر طبيعيٌّ، وليس معناه وجودَ مرضِ السُّكَّر.
مضاعفات المرض:
تعتبر مضاعفات مرض السُّكَّر النتيجة الحتميَّة لهذا المرض، ولا سيَّما لو أُهْمِل علاجه، ومرض السُّكَّر ليس مرضًا معْدِيًا ولكنَّه قد يكون وراثيًّا؛ ولأنَّ مريض السُّكَّر يتبوَّل كثيرًا، ويعطش بشدَّة فيقلُّ حجم الماء في الدم بجسمه؛ لهذا تقلُّ الدَّوْرة الدَّمويَّة بالأطْراف مع زيادة الأزوت (اليوريا)؛ مِمَّا قد يؤدِّي للفشَل الكلوي، والمُضاعفات المرَضيَّة لمرض السُّكَّر كالجلطات، حتى ولو كان يعالج منه بالأنسولين أو الأدْوِية المخفضة للسكر، وعلى المريض مراقبة وزْن الجسم، وفحْص قاع العَيْن، وتَحليل البوْل كلَّ 24 ساعةً؛ للتَّعرُّف على الزلال به، وبصفة دورية يقوم بتحليل الكرياتنين ويوريا الدم، وإجراء مزرعة للبول، وقياس ضغط الدَّم، والكشف عن التِهاب الأعْصاب الطرفيَّة، سواء بالقَدمين والسَّاقين والذِّراعيْن، كما يجرى له اختبار (دوبللر) للكشف عن الأوعية الدَّموية بالسَّاقين والرَّقَبة، ويفحص القلْب والأُذُن واللَّثة والصَّدْر والكولسترول، وفحْص القَدَميْن جيِّدًا حتَّى لا يصابا بعدوى بكتيريَّة، قد تُسبِّب الغرغرينا.
وأهم مضاعفات مرض السكر التِهاب الأطراف، ولا سيَّما بالقدمين، حيثُ يشْعُر المريض بعد عدَّة سنوات من المرَض بِحَرقان بِهما، كما أنَّ كثيرين من المَرْضى لا يُمَيِّزون الألوان، وتُصاب عدسة العين بالعتمة ولا سيَّما لدى المسنِّين، وقد تُصاب الشَّبكيَّة بالعَيْن بالانفِصال والنَّزيف الدَّموي بعد 5 - 6 سنوات من المرض، و 30% يعانون من ارتفاع ضغط الدم وظهور العجْز الجنسي.
وأخيرًا، يتطلَّب مرض السكر تعاوُن المريض مع نفسِه، ولا سيما في الدواء وممارسة الرياضة والمشي والطعام، مع الكشف والتحليل الدوري؛ وبهذا نخفف غائلة المرض.
وبلا مواربة نقول: إن الأنسولين البشري الذي نتكالب عليه وسط أزْمته المستحكمة حاليًّا - لم يعد الاختِيار الأوَّل لعلاج مرَض السكر في عدة بلدان كبرى، ككندا وأمريكا وانجلترا وألمانيا والنرويج، بعد اكتشاف تأثيراته الجانبية، ولا سيَّما تسبُّبه في حالات مميتة من موت الفراش؛ ممَّا جعل السلطات الصحية هناك تُعْلِن المحاذير على تعاطيه، كما أنَّ العلماء مع كل أسف لا يعرفون حتَّى الآن أبعاد تأثيره على المرضى؛ لأنَّ أوَّل دواء صناعي 100% صنع بتقنية جينية عكس الأنسولين الحيواني فهو طبيعي؛ لأنَّه خلاصة من بنكرياس المواشي.
وهذا النوع من الأنسولين يحضَّر حاليًّا بتقنية بسيطة، وبنقاوة عالية؛ مما جعل تأثيره الجانبي لا يذكر، بعدما كان يسبِّب الحساسيَّة المفْرِطة، ونشوء أجْسام مضادَّة له، ويتميز عن الأنسولين البشري بأنَّ مفعوله أبطأ، وهذا ما يجعله دواءً آمنًا؛ لأنَّ الأنسولين البشريَّ المعدَّل وراثيًّا سريع المفعول؛ مِمَّا يجعله يخفض السكر بالدم والمخ بسرعة، مما يعرض المريض لغيبوبة خفض السكر بالدم والمخ بسرعة أو الموت ولا سيما أثناء النوم، فلقد ثبت من خلال التقارير العلمية المؤكدة: أنَّ الأنسولين البشري له تأثير على شبكيَّة العين، وزيادة الدُّهون بالجِسْم، والتَّفاعُل مع جلد المريض، ولا سيَّما بِمكان الحقن وظهور هرش وطفح جلدي، واحتباس عنصر الصوديوم؛ ممَّا يتعارض مع مريض القَلْب وارتِفاع ضغْطِ الدَّم، ولم يثبت حتَّى الآن تفوُّق الأنسولين البشري على الطبيعي الحيواني، لكن الشركات المنتجة للأنسولين البشري تخفي هذه الحقائق؛ لتروِّجه من خِلال حملات إعلانيَّة مدفوعة الأجر، والمغالاة في ثمنه، رغْمَ تَحذيرات جهات علميَّة عالمية من تأثيره الجانبي الخطير.
فلقد بيّنت الإحصائيَّات: أنَّ 41% من المرضى لا يعرفون التأثير العكسي للأنسولين البشري، أو أنَّه يخفض السُّكَّر بالدَّم سريعًا، و34 % منهم ينتابُهم الوهن والضَّعف، و9% منهم ينتابُهم النَّوم باستِمْرار معظم الوقْت، و 32 % منهم يزداد وزْنُهم؛ ممَّا يؤثِّر على سكَّر البدانة الذي يصيب معظمَ مَرْضَى السُّكَّر، و28% تنتابُهم حالة الامتِعاض الدَّائم، و 24% يفقدهم ذاكرتَهم ويصابون بالتَّشويش العقْلي، و 9% منهم يصابون بِخلل في ضبْط معدَّل السكر بدمائِهم، و 8% منهم يتغيَّر سلوكُهم ولا سيَّما مع عائلاتِهم، وهذا كان يتطلَّب من أطبَّاء الجمعيَّات الطبِّيَّة لمرضى السكر توعية المرْضَى بِهذه الأعْراض، وتشجيعهم على تعاطي الأنسولين الطبيعي لو كانوا يعرفون.
والسؤال: لماذا لا تقوم وزارة الصحَّة بتصنيع الأنسولين الطَّبيعي وهو لا يتطلَّب تقنية عالية؟! فلدينا السلخانات بِها بنكرياسات الذَّبائح، كما أنَّ في موسم الحج تُذْبَح مليون ذبيحة هدي سنويًّا، ويمكن إنشاء مصنع بِجوارها لاستِخْلاص الأنسولين منْها، وللعلم توجد شركات - ولا سيَّما بالأرجنتين - تُنْتِج أملاح الأنسولين النقيَّة، وتدلِّل على بيْعِها برخص التُّراب؛ لأنَّها تذبح ملايين البقر سنويًّا، وأي شركةٍ لديْنا يُمكن أن تُنْتِجه كما تنتج أي حقن بدون أي تقنية؛ لأنَّه سيكون مِلْحًا مذابًا في ماء، وعليه مادَّة حافظة، وما على الماكينات سوى تعبئتها في زجاجات، ومن مبالغ سنةٍ واحدة من الأموال التي ندعم بها الأنسولين البشري، يُمْكِن إنشاء مصنع لصنع هذا النوع الآمن من الأنسولين.
فوزارة الصحة تقتل مرضى السُّكَّر مرتين: مرَّة لعدم وجود الأنسولين البشري، والمرَّة الثانية بأعراضه الجانبية، وبِهذا التصنيع أو حتى استيراد الطبيعي بأسعاره المتدنية عالميًّا يُمكن توفير الأنسولين؛ لأنَّ الوزارة والأطباء والمرضى يلهثون في ماراثون وهمي اسمه الأنسولين البشري.