منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف
منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف
منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصوردخولالتسجيل
الكلام في ماهية الحب   في رسالة طوق الحمامة -11- G5g5-7f7110b59c الكلام في ماهية الحب   في رسالة طوق الحمامة -11- G5g5-4d203bdcc7 الكلام في ماهية الحب   في رسالة طوق الحمامة -11- G5g5-7f7110b59c الكلام في ماهية الحب   في رسالة طوق الحمامة -11- G5g5-4d203bdcc7

 

 الكلام في ماهية الحب في رسالة طوق الحمامة -11-

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الفارس
إداري
إداري
الفارس


ذكر عدد الرسائل : 1160
السٌّمعَة : 13
نقاط : 2574
تاريخ التسجيل : 08/02/2009

الكلام في ماهية الحب   في رسالة طوق الحمامة -11- Empty
مُساهمةموضوع: الكلام في ماهية الحب في رسالة طوق الحمامة -11-   الكلام في ماهية الحب   في رسالة طوق الحمامة -11- Emptyالجمعة فبراير 05, 2010 1:12 pm

[الكلام في ماهية الحب]:
الحب - أعزك الله - أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة. وليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة، إذ القلوب بيد الله عز وجل.
وقد أحب من الخلفاء المهديين والأئمة الراشدين كثير، منهم

(1/90)


--------------------------------------------------------------------------------

بأندلسنا (1) عبد الرحمن بن معاوية (2) لدعجاء، والحكم بن هشام (3) ، وعبد الرحمن بن الحكم وشغفه بطروب (4) أم عبد الله ابنه أشهر من الشمس، ومحمد بن عبد الرحمن (5) وأمره مع غزلان أن بنيه عثمان والقاسم والمطرف معلوم (6) ، والحكم المستنصر وافتتانه بصبح أم هشام المؤيد بالله (7) رضي الله عنه وعن جميعهم وامتناعه عن التعرض للولد
__________
(1) عبارة: وقد أحب من الخلفاء الراشدين والأئمة المهتدية (هكذا): وردت عند ابن قيم الجوزية في كتاب الجواب الكافي: 164؛ وعند الشيخ يوسف ين مرعي الحنبلي في منية المحبين (نسخة مكتبة بلدية الاسكندرية) الورقة: 9 (انظر مقالة غرسيه غومس " مجلة الأندلس (1951): 326؛ إلا أن كليهما لم يذكر أئمة الآندلس، ولعلهما لم يكونا يعتقدان أنهم أئمة راشدون واكتفيا بذكر عشق عمر بن عبد العزيز لجارية زوجته (وقد فصل ابن القيم القصة ص: 171 كما وردت في تزيين الأسواق 2: 65) وذكرا خبر عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود (انظر الجواب الكافي: 158).
(2) هو عبد الرحمن الداخل صقر قريش أبو المطرف (138 - 172/755 - 788).
(3) الحكم بن هشام حفيد عبد الرحمن الداخل (180 - 206/796 - 821) ولم يذكر من كان يحب؛ وقد ذكر ابن عذاري (البيان المغرب 2: 79) أنه كان له خمس جوار قد استخلصهن لنفسه وملكهن أمره؛ ولعل هذه الكثرة في العدد هي التي حالت بين ابن حزم وذكر هذه الحقيقة، لأن هذا التكثر يعارض معنى الحب كما يفهمه، مما سيجيء تبيانه.
(4) عبد الرحمن بن الحكم أبو المطرف (206 - 238/821 - 852)؛ وانظر جانباً من أخباره مع طروب عند ابن عذاري (2: 92) وابن الأبار (الحلة السيراء 1: 114، 116) ومن غزله فيها:
وإما بدت لي شمس النهار ... طالعة ذكرتني طروبا (5) محمد بن عبد الرحمن بن الحكم أبو عبد الله (238 - 273/852 - 866)، ولد نيفاً وثلاثين ذكراً، وكان جلهم قد انقرض في أيام ابن حزم (الجمهرة: 99).
(6) نوه ابن حزم بالمطرف ابن الأمير محمد وبأنه كان شاعراً مفلقاً عالماً بالغناء، قال: وكان عثمان وابراهيم ابنا محمد عارفين بالغناء جداً، ولم يذكر شيئاً عن القاسم إلا أنه كان يعرف أن رجلاً واحداً من عقبه ربما بقي حتى أيامه (الجمهرة: 99)؛ وترجم الحميدي (الجذوة: 377) لمن اسمه أبو القاسم من أبناء الأمير محمد، وقال انه كان يعرف بابن غزلان؛ وكان القاسم قد اختص الشاعر العتبي وله معه حكايات (المغرب 1: 134).
(7) الحكم المستنصر أبو المطرف بن عبد الرحمن الناصر (350 - 366/961 - 976) الخليقة العالم؛ تزوج جارية بشكنسية اسمها صبح (Aurora) ورزق منها بابنه هشام الذي تولى الخلافة من بعده، ولم يكن له فيها إلا الاسم إذ قام بالأمر الحاجب المنصور بن أبي عامر؛ أما هشام فكان حكمنه الاسمي (366 - 399/876/1008) ومرة ثانية (400 - 403/1009 - 1013)؛ وقد ذهب بعضهم إلى تصور علاقة عاطفية بين صبح والمنصور، دفعت بهذا إلى تحقيق طموحه؛ ولكن المصادر تشير إلى انه استمالها بالهدايا والالطاف، وانتهى تضارب المصالح إلى كراهية عميقة.

(1/91)


--------------------------------------------------------------------------------

من غيرها. ومثل هذا كثير، ولولا ان حقوقهم على المسلمين واجبة - وإنما يجب أن نذكر من أخبارهم ما فيه الحزم وإحياء الدين، وغنما هو شيء كانوا ينفردون به في قصورهم مع عيالهم فلا ينبغي الإخبار به عنهم - لأوردت من أخبارهم في هذا الشأن غير قليل.
وأما كبار رجالهم ودعائهم دولتهم فأكثر من أن يحصوا، واحدث ذلك ما شاهدناه بالأمس من كلف المظفر عبد الملك بن أبي عامر (1) بواجد، بنت رجل من الجنانين (2) حتى حمله حبها أن يتزوجها، وهي التي خلف عليها بعد فناء العامريين الوزير عبد الله بن مسلمة (3) ، ثم تزوجها بعد قتله رجل من رؤساء البربر.
ومما يشبه هذا أن أبا العيش بن ميمون القرشي الحسني (4) أخبرني أن نزار بن معد صاحب مصر لم ير ابنه منصور بن نزار (5) الذي ولي الملك بعد وادعى الإلهية إلا بعد مدة من مولده، مساعدة
__________
(1) الحاجب عبد الملك المظفر بن المنصور (392 - 398/1002 - 1008) خلف أباه المنصور في الحجابة، وكانت السلطة الفعلية بيده، وفي أيامه أخلد الأندلسيون إلى الراحة وتنافسوا في زخرف الدنيا (انظر الذخيرة 4/1: 78 وما بعدها).
(2) بواجد الجناين؛ هذا هي قراءة بروفنسال، (انظر مجلة الأندلس 15 (1950): 350 وسأشير إليها من بعد باسم: الاندلس)، وقد قرئت قبله " بواحد الجبائين " ، وإذا صحت القراءة فيبدو أن اسم " واجد " كان شائعاً، إذ كانت لابن الشرح زوجة بهذا الاسم (البيان المغرب 3: 80).
(3) عبد الله بن مسلمة: لعله الذي كان صاحب مدينة الزاهرة عندما ثار محمد بن هشام ابن عبد الجبار لينتزع الخلافة من هشام المؤيد (ابن عذاري 3: 58) وقد اتصل به صاعد البغدادي أول دخوله الأندلس، ثم نكب عبد الله فكان صاعد يستعطف له أبا جعفر بن الدب ليشفع به لدى سليمان المستعين (الذخيرة 4/1: 10 - 11).
(4) أغلب ظني أنه حسني لا حسيني، وان كنت لم أجده بين أسماء الطارئين على الآندلس.
(5) نزار بن معد هو أبو منصور العزيز بالله بن المعز لدين الله، ولد سنة 345 وبويع بالخلافة سنة 365 وبقي حتى 386، أما منصور فهو المعروف بالحاكم بأمر الله (368 - 411).

(1/92)


--------------------------------------------------------------------------------

لجارية كان يحبها حباً شديداً، هذا ولم يكن له ذكر ولا يرث ملكه ويحيي ذكره سواه.
ومن الصالحين والفقهاء في الدهور الماضية والأزمان القديمة من قد استغني بأشعارهم عن ذكرهم؛ وقد ورد من خبر عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود (1) وشعره ما فيه الكفاية، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة (2) ، وقد جاء من فتيا ابن عباس رضي الله عنه ما لا يحتاج إلى غيره حين يقول (3) : هذا قتيل الهوى لا عقل ولا قود.
وقد اختلف الناس في ماهيته وقالوا وأطالوا والذي أذهب إليه (4) أنه اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع (5) ، لا على ما حكاه محمد بن داود (6) رحمه
__________
(1) من أعلام التابعين، وكان عالماً ناسكاً، توفي بالمدينة (بين 98، 102 ه) وله شعر غزلي رقيق (انظر ابن خلكان 3: 115 والأغاني 9: 135 وفي حاشية ابن خلكان توسع في ذكر مصادر أخرى).
(2) الفقهاء السبعة: عروة بن الزبير، سعيد بن المسيب، سليمان بن ياسر، عبيد الله بن عتبة، أبو بكر بن عبد الرحمن، قاسم بن محمد، خارجة بن زيد، وقد جمعهم بعضهم بقوله:
ألا كل من لا يقتدي بأئمة ... فقسمته ضيزى عن الحق خارجه
فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد سليمان أبو بكر خارجه (ابن خلكان 1: 283).
(3) انظر محاظرات الراغب 2: 45 (ط. بيروت) وفيه قال ابن عباس " قتيل الهوى هدر الخ، وانظر القول مقترناً بقصته في الموشى (72 - 73)؛ ونقل ابن القيم (الجواب الكافي: 175) هذا القول عن ابن حزم مصرحاً باسمه.
(4) قوله: والذي اذهب إليه إلى قوله: فعلمنا أنه شيء في ذات النفس، نقله ابن القيم في روضة المحبين: 74 - 76.
(5) في أصل عنصرها الرفيع: كأنه تعبير آخر عن القول " في عالم المثل " .
(6) محمد بن داود الظاهري أبو بكر ( - 297): كان فقيهاً أديباً شاعراً ظريفاً، وهو صاحب كتاب الزهرة، وهو في جزءين أحدهما في الحب وقد طبع بتحقيق نيكل وطوقان (1932) والثاني في التقوى وقد طبع في بغداد (1975) بتحقيق الدكتورين ابراهيم السامرائي ونوري حمودي القيسي. (انظر ابن خلكان 4: 259، والفهرست: 217 وتاريخ بغداد 5: 256، والوافي 3: 58).

(1/93)


--------------------------------------------------------------------------------

الله عن بعض أهل الفلسفة: الأرواح أكر مقسومة، لكن على سبيل مناسبة قواها في مقر عالمها العلوي، ومجاورتها في هيئة تركيبها (1) .
وقد علمنا أن سر التمازج والتباين في المخلوقات إنما هو الاتصال والانفصال، والشكل دأب (2) يستدعي شكله، والمثل إلى مثله ساكن، وللمجانسة عمل محسوس وتأثير مشاهد، والتنافر في الأضداد والموافقة في الأنداد والنزاع فيما تشابه موجود فيما بيننا، فكيف بالنفس وعالمها العالم الصافي الخفيف، وجوهرها الجوهر الصعاد المعتدل، وسنخها المهيأ لقبول الاتفاق والميل والتوق والانحراف والشهوة والنفار - كل ذلك معلوم بالفطرة في أحوال تصرف الإنسان فيسكن إليها (3) ، والله عز وجل يقول {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها} (الأعراف:189) فجعل علة السكون أنها منه. ولو كان علة الحب حسن الصورة الجسدية لوجب ألا يستحسن الأنقص في الصورة (4) ،
__________
(1) هذا القول مأخوذ من كتاب " الزهرة " ونصه هنالك " وزعم بعض المتفلسفين ان الله جل ثناؤه خلق كل روح مدورة الشكل على هيئة الكرة ثم قطعها أيضاً فجعل في كل جسد نصفاً وكل جسد لقي الجسد الذي فيه النصف الذي قطع من النصف الذي معه كان بينهما عشق للمناسبة القديمة (الزهرة 1: 15 وانظر محاضرات الراغب 2: 40)؛ والفرق بين رأي ابن حزم ورأي ابن داود هو في القسمة نفسها، فبينا يذهب ابن حزم إلى أن النفوس تجزأت عدة أجزاء، يرى ابن داود أن الكرة انقسمت نصفين وحسب، كل منهما يطلب صاحبه، وفي نهاية المطاف نجد ابن حزم الذي لا يؤمن بالتكثر، يأخذ برأي ابن داود من وجهة عملية؛ لماذا رفض ابن حزم الشكل الكري للأرواح؛ هذا ما لا يقدم تفسيراً له؛ هل كان ابن حزم يرى تعدد التوق إلى ائتلاف الأقسام في مراحل مختلفة من العمر .
(2) روضة المحبين: فالشكل إنما؛ وقضية انجذاب المثل إلى مثله (أو كما قال المتنبي وشبه الشيء منجذب إليه) موجودة في مأدبة أفلاطون ص: 68، وتردد في مواضع مختلفة، انظر روضة المحبين: 67.
(3) الضمير في " إليها " مبهم، ولعل هنا سقطاً في النص؛ وربما كانت عبارة " فيسكن إليها " زائدة لا ضرورة لها لأن ما بعدها يغني عنها. أو لعلنا أن نقرأ " ليجد النفس التي هي شطر منه فيسكن إليها " ؛ وقد سقطت العبارة " كل ذلك إليها " من روضة المحبين.
(4) روضة المحبين: من الصور.

(1/94)


--------------------------------------------------------------------------------

ونحن نجد كثيراً ممن يؤثر الأدنى ويعلم فضل غيره ولا يجد محيداً لقلبه عنه (1) . ولو كان للموافقة في الأخلاق لما أحب المرء من لا يساعده ولا يوافقه، فعلمنا انه شيء في ذات النفس.
وربما كانت المحبة لسبب من الأسباب، وتلك تفنى بفناء سببها، فمن ودك لأمر ولي مع انقضائه، وفي ذلك أقول: [من الطويل]
ودادي لك الباقي على حسب كونه ... تناهى فلم ينقص بشيء ولم يزد
وليست له غير الإرادة (2) علة ... ولا سبب حاشاه يعلمه أحد
إذا ما وجدنا الشيء علة نفسه ... فذاك وجود ليس يفنى على الأبد
وإما وجدناه لشيء خلافه ... شطر ثانيفإعدامه في عدمنا ما له وجد ومما يؤكد هذا القول أننا علمنا أن المحبة ضروب (3) ، فأفضلها: محبة المتحابين في الله عز وجل، إما لاجتهاد في العمل، وإما لاتفاق في أصل النحلة والمذهب (4) ، وإما لفضل علم بمنحه الإنسان؛ ومحبة القرابة، ومحبة الألفة في الاشتراك في المطالب، ومحبة التصاحب والمعرفة، ومحبة البر (5) يضعه المرء عند أخيه، ومحبة الطمع (6) في جاه المحبوب، ومحبة المتحابين لسر يجتمعان
__________
(1) قارن بقول ابن الجوزي: وإذا كان سبب العشق اتفاقاً في الطباع بطل قول من قال ان العشق لا يكون إلا للأشياء المستحسنة وإنما يكون العشق لنوع مناسبة وملاءمة ثم قد يكون الشيء حسناً عند شخص، غير حسن عند آخر (ذم الهوى: 300).
(2) تعبير " الارادة " هنا لا أضنه يعني " الارادة الإنسانية " وإنما التقدير الإلهي، أي ان ذلك شيء مرتب في طبيعة النفس، حسب التوفيق الإلهي، ولهذا عبر عن هذا الموقف بقوله: " الشيء علة نفسه " .
(3) هنا يوسع ابن حزم في مفهوم " الحب " ، حتى يصبح معنى الاتصال بين أجزاء النفوس ليس اتصالاً بين ذكر وانثى، وإنما هو اتصال بين الأجزاء المتشابهة في كل صعيد، وعلى هذا الفهم، سيمضي في كل رسالته؛ فجهة العشق التي علتها اتصال النفوس ليست إلا وجهاً واحداً من وجوه المحبة، وقارن بما ورد في رسالة في مداواة النفوس (رسائل: 138).
(4) روضة المحبين: في أصل المذهب.
(5) روضة المحبين: ومحبة البر.
(6) روضة المحبين: ومحبة لطمع.

(1/95)


--------------------------------------------------------------------------------

عليه يلزمهما ستره، ومحبة بلوغ (1) اللذة وقضاء الوطر، ومحبة العشق التي لا علة لها إلا ما ذكرنا من اتصال النفوس.
فكل هذه الأجناس منقضية (2) مع انقضاء عللها، وزائدة بزيادتها، وناقصة بنقصانها، متأكدة بدنوها فاترة ببعدها، حاشا محبة العشق الصحيح المتمكن من النفس فهي التي لا فناء لها إلا بالموت. وإنك لتجد الإنسان السالي بزعمه، وذا السن المتناهية، إذا ذكرته تذكر وارتاح وصبا واعتاده الطرب واهتاج له الحنين.
ولا يعرض في شيء من هذه الأجناس المذكورة، من شغل البال والخبل والوسواس وتبدل الغرائزالمركبة، واستحالة السجايا المطبوعة، والنحول والزفير وسائر دلائل الشجا، ما يعرض في العشق، فصح بذلك أنه استحسان روحاني وامتزاج نفساني.
فإن قال قائل: لو كان هذا كذلك لكانت المحبة بينهما مستوية، إذ الجزءان مشتركان في الاتصال وحظهما واحد، فالجواب عن ذلك أن نقول: هذه لعمري معارضة صحيحة، ولكن نفس (3) الذي لا يحب من يحبه مكتنفة الجهات ببعض الأعراض الساترة والحجب المحيطة بها من الطبائع الأرضية فلم تحس بالجزء الذي كان متصلاً بها قبل حلولها حيث هي، ولو تخلصت لاستويا في الاتصال والمحبة. ونفس المحب متخلصة عالمة بمكان ما كان يشركها في المجاورة، طالبة له، قاصدة إليه، باحثة عنه، مشتهية لملاقاته، جاذبة له لو أمكنها كالمغنيطس والحديد.
فقوة جوهر المغنيطس المتصلة بقوة جوهر الحديد لم تبلغ من
__________
(1) روضة المحبين: ومحبة لبلوغ.
(2) روضة المحبين: وكل فمنقضية.
(3) ولكن نفس والحديد.. وردت في رغبة المحبين: 76 وزاد إليها قول ابن حزم بعد ذلك " وكالنار في الحجر " مع حذف ما بينهما.

(1/96)


--------------------------------------------------------------------------------

تحكمها ولا من تصفيتها أن تقصد إلى الحديد على انه من شكلها وعنصرها، كما أن قوة الحديد لشدتها قصدت إلى شكلها وانجذبت نحوه، إذ الحركة أبداً إنما تكون من الأقوى، وقوة الحديد متروكة الذات غير ممنوعة بحابس، تطلب ما يشبهها وتنقطع إليه وتنهض نحوه بالطبع والضرورة وليس بالاختيار والتعمد. وأنت متى أمسكت الحديد بيدك لم ينجذب، إذ لم يبلغ من قوته أيضاً مغالبة الممسك له مما هو أقوى منه. ومتى كثرت أجزاء الحديد اشتغل بعضها ببعض واكتفت بأشكالها عن طلب اليسير من قواها النازحة عنها، فمتى عظم جرم المغنيطس ووازت قواه جميع قوى جرم الحديد عادت إلى طبعها المعهود.
وكالنار في الحجر (1) لا تبرز على قوة النار في الاتصال والاستدعاء لأجزائها حيث كانت إلا بعد القدح ومجاورة الجرمين بضغطهما واصطكاكهما، وإلا فهي كامنة في حجرها لا تبدو ولا تظهر.
ومن الدليل على هذا أيضاً أنك لا تجد اثنين يتحابان إلا وبينهما مشاكلة واتفاق [في] الصفات الطبيعية، لابد في هذا وإن قل، وكلما كثرت الأشباه زادت المجانسة وتأكدت المودة، فانظر هذا تره عياناً، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكده: " الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " (2) ، وقول مروي عن أحد الصالحين:
__________
(1) هذا التمثيل إنما يصح اعتماداً على نظرية " الكمون " التي كانت سائدة حينئذ؛ أي أن النار كامنة في الحجر، ومهمة القدح أن يستخرجها " انظر الحيوان للجاحظ 5: 10 وما بعدها " ؛وتشبيه الحب بالنار الكامنة، ورد على لسان جارية في قصة في الموشي: 71 " له كمون ككمون النار في الحجر إن قدحته أورى، وإن تركته توارى " ؛ وفي ديوان الصبابة: 10.
(2) ورد هذا الحديث في البخاري (باب الأنبياء:2) ومسلم " باب البر: 159، 160) ومسند أحمد 2: 295، 527،537 وانظر بهجة المجالس 1: 641 والصداقة والصديق: 136 والموشى: 25 ومحاضرات الراغب 2: 9، 53، ونسب إلى سقراط قوله: " النفوس أشكال فما تشاكل منها اتفق وما تضاد اختلف " (مختار الحكم: 93) وانظر روضة المحبين: 73 وأورد فيه قصة؛

(1/97)


--------------------------------------------------------------------------------

" أرواح المؤمنين تتعارف " . ولذلك ما اغتم بقراط حين وصف له رجل من أهل النقصان يحبه، فقيل له في ذلك فقال: ما أحبني إلا وقد وافقته في بعض أخلاقه (1) .
وذكر أفلاطون أن بعض الملوك سجنه ظلماً، فلم يزل يحتج عن نفسه حتى أظهر براءته، وعلم الملك أنه له ظالم، فقال له وزيره الذي كان يتولى إيصال كلامه إليه: أيها الملك، قد استبان لك أنه بريء فما لك وله فقال الملك: لعمري ما لي إليه سبيل غير أني أجد لنفسي استثقالاً لا أدري ما هو. فأدي ذلك إلى افلاطون. قال: فاحتجت أن أفتش في نفسي وأخلاقي شيئاً أقابل به نفسه وأخلاقه مما يشبهها، فنظرت في أخلاقه فإذا هو محب للعدل كاره للظلم، فميزت هذا الطبع في، فما هو إلا أن حركت هذه الموافقة وقابلت نفسه بهذا الطبع الذي بنفسي فأمر بإطلاقي وقال لوزيره: قد انحل كل ما أجد في نفسي له.
وأما العلة التي توقع الحب أبداً في أكثر الأمر على الصورة الحسنة، فالظاهر أن النفس تولع بكل شيء حسن وتميل إلى التصاوير المتقنة، فهي إذا رأت بعضها تثبتت فيه (2) ، فإن ميزت وراءها شيئاً من
__________
(1) أقرب الأقوال إلى هذا قول منسوب إلى أنطيانس، إذ مدحه رجل شرير فقال له: ما أحوجني أن أكون قد فعلت شراً إذ كنت قد استحسنت مني شيئاً (صوان الحكمة: 247) وقول أبقراط هذا قد نقله ابن حجة في كتابه ديوان الصبابة: 49 وابن القيم في روضة المحبين: 73؛ وانظر: دراسات عن ابن حزم للدكتور الطاهر مكي (القاهرة 1977) ص 324 - 339.
(2) قارن هذا بقول علي بن ربن الطبري " فإن من شان النفس الولوع والعجب بكل شيء حسن من جوهر أو نبت أو دابة، فإذا اتفق مثل الحسن في شيء هو من جنس الإنسان ومما في غريزته الحب له اهتاجت الشهوة حينئذ وحرصت النفس على مواصلته وقربه " (فالنصفان متشابهان إلى حد بعيد، وابن ربن توفي سنة 247 ه). ويقول ابن الجوزي: العشق شدة ميل النفس إلى صورة تلائم طبعها فإذا قوي فكرها فيها تصورت حصولها وتمنت ذلك (ذم الهوى: 293 وانظر أيضاً: 296).

(1/98)


--------------------------------------------------------------------------------

أشكالها اتصلت وصحت المحبة الحقيقية، وإن لم تميز وراءها شيئاً من أشكالها لم يتجاوز حبها الصورة، وذلك هو الشهوة؛ وإن للصور لتوصيلاً عجيباً بين أجزاء النفوس النائية.
وقرأت في السفر الأول من التوراة (1) أن النبي يعقوب عليه السلام أيام رعيه غنماً للابان خاله مهراً لابنته شارطه على المشاركة في إنسالها، فكل بهيم ليعقوب وكل أغر للابان، فكان يعقوب عليه السلام يعمد إلى قضبان الشجر يسلخ نصفاً ويترك نصفاً بحاله، ثم يلقي الجميع في الماء الذي ترده الغنم، ويتعمد إرسال الطروقة في ذلك الوقت فلا تلد إلا نصفين، نصفا بهما ونصفاً غراً.
وذكر عن بعض القافة أنه أتي بابن أسود لأبيضين، فنظر إلى أعلامه فرآه لهما عير شك، فرغب ان يوقف على الموضع الذي اجتمعا عليه، فأدخل البيت الذي كان فيه مضجعهما، فرأى فيما يوازي نظر المرأة صورة أسود في الحائط، فقال لأبيه: من قبل هذه الصورة أتيت في ابنك.
وكثيراً ما يصرف شعراء أهل الكلام هذا المعنى في اشعارهم، فيخاطبون المرئي في الظاهر خطاب المعقول الباطن، وهو المستفيض في شعر النظام إبراهيم بن سيار (2) وغيره من المتكلمين، وفي ذلك أقول شعراً منه: [من البسيط]:
__________
(1) انظر سفر التكوين؛ الاصحاح: 30/ 25 - 43.
(2) ابراهيم بن سيار النظام أبو اسحاق 231/ 845 أستاذ الجاحظ من أبرز المتكلمين البصريين، له عدة مؤلفات (انظر الفهرست: 205 وطبقات المعتزلة: 49) وأخباره وآراؤه مبثوثة في كتب الجاحظ، وللدكتور محمد عبد الهادي أبو ريدة دراسة عنه (القاهرة 1946)؛ قال ابن النديم: وذهب في شعره مذهب الكلام الفلسفي، وقد أورد ابن نباتة في سرح العيون: 230 - 231 نماذج من شعره، ينطبق عليها ما يومئ إليه ابن حزم.

(1/99)


--------------------------------------------------------------------------------

ما علة النصر في الأعداء نعرفها ... وعلة الفر منهم إذ يفرونا
إلا نزاع نفوس الناس قاطبة ... إليك يا لؤلؤاً في الناس مكنونا
ومن كنت قدامه لا ينثني أبداً ... فهم إلى نورك الصعاد يعشونا
ومن تكن خلفه فالنفس تصرفه ... إليك طوعاً فهم دأباً يكرونا ومن ذلك أقول: [من الطويل]
أمن عالم الأملاك (1) أنت أم آنسي ... أبن لي فقد أزرى بتمييزي العي
أرى هيئة إنسية غير أنه ... إذا أعمل التفكير فالجرم علوي
تبارك من سوى مذاهب خلقه ... على انك النور الأنيق الطبيعي
ولا شك عندي أنك الروح ساقه ... إلينا مثال في النفوس اتصالي
عدمنا دليلاً في حدوثك شاهداً ... نقيس عليه أنك مرئي
ولولا وقوع العين في الكون لم نقل ... سوى أنك العقل الرفيع الحقيقي وكان بعض أصحابنا يسمي قصيدة لي " الإدراك المتوهم " منها: [من المتقارب].
ترى كل ضد به قائماً ... فكيف تحد اختلاف المعاني
فيا أيها الجسم لا ذا جهات ... ويا عرضاً ثابتاً غير فان
نقضت علينا وجوه الكلام ... فما هو مذ لحت بالمستبان وهذا بعينه موجود في البغضة، ترى الشخصين يتباغضان لا لمعنى ولا علة، ويستثقل بعضهما بعضاً بلا سبب.
والحب - أعزك الله - داء عياء وفيه الدواء منه على قدر
__________
(1) المعروف أن " أملاك " جمع ملك - بكسر اللام - ولكنه استعملها هنا جميعاً لملك - بفتح اللام - ، مفرد ملائكة؛ ولا بأس من قراءتها " الافلاك " لتحدثه من بعد " الجرم العلوي " .

(1/100)


--------------------------------------------------------------------------------

المعاناة (1) ، وسقام مستلذ وعلة مشتهاة لا يود سليهما البرء ولا يتمنى عليلها الإفاقة؛ يزين للمرء ما كان يأنف منه، ويسهل عليه ما كان يصعب عنده حتى يحيل الطبائع المركبة والجبلة المخلوقة، وسيأتي كل ذلك مخلصاً في بابه إن شاء الله.
خبر:
ولقد علمت فتى من بعض معارفي قد وحل في الحب وتورط في حبائله، وأضر به الوجد، وأنصبه (2) الدنف، وما كانت نفسه تطيب دعاؤه إلا بالوصل والتمكن ممن يحب، على عظيم بلائه وطويل همه، فما الظن بسقيم لا يريد فقد سقمه ! ولقد جالسته يوماً فرأيت من إكبابه وسوء حاله وإطراقه ما ساءني، فقلت له في بعض قولي: " فرج الله عنك " فلقد رأيت أثر الكراهية في وجهه؛ وفي مثله أقول من كلمة طويلة: [من البسيط]
وأستلذ بلائي فيك يا أملي ... ولست عنك مدى الأيام انصرف
إن قيل لي تتسلى عن مودته ... فما جوابي إلا اللام والألف خبر:
وهذه الصفات مخالفة لما أخبرني به عن نفسه أبو بكر محمد بن قاسم بن محمد القرشي المعروف بالشبانسي (3) ، من ولد الإمام هشام
__________
(1) في طبعة بتروف وغيرها: المعاملة؛ وما أثبته هو قراءة برشيه.
(2) هذه هي قراءة برشيه؛ وفي مختلف الطبعات: " وأنضحه الدنف " وليس في معاني لفظ " أنضح " ما يمكن توجيهه نحو هذا المعنى.
(3) محمد بن قاسم بن محمد بن اسماعيل بن هشام بن محمد بن هشام بن الوليد بن هشام الرضى بن عبد الرحمن بن معاوية القرشي المرواني المعروف بالشبانسي،كان عالماً بالآداب متقدماً في البلاغة والكتابة، استقر بعد الفتنة بطليطلة كاتباً للرسائل بها، وتوفي سنة 447 (التكملة 1: 389) ولأبيه القاسم بن محمد الشبانسي ترجمة في الجذوة: 310) والبغية رقم: 1296 وكان الأب أيضاً أديباً شاعراً، سجن في أيام المنصور فكتب إليه بقصيدة يستعطفه فيها فرق له وأطلقه؛ ولأخيه عبد الرحمن ترجمة في التكملة رقم: 1549؛ وقد تصحفت كلمة " الشبانسي " في طبعات الطوق وتنبه لها غرسيه غومس (انظر ترجمته للطوق: 103 الحاشية رقم: 2).

(1/101)


--------------------------------------------------------------------------------

ابن عبد الرحمن بن معاوية أنه لم يحب أحداً قط، ولا أسف على إلف بان منه، ولا تجاوز حد الصحبة والألفة إلى حد الحب والعشق منذ خلق.

(1/102)

يتبع إن شاء الله بباب علامات الحب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الكلام في ماهية الحب في رسالة طوق الحمامة -11-
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» صدررسالة الطوق وأبوابها والكلام في ماهية الحب -9-
» أبواب رسالة طوق الحمامة -10-
» علامات الحب - طوق الحمامة لإبن حزم - 12-
» من لا يحب إلا مع المطاولة - طوق الحمامة لإبن حزم -16-
» طوق الحمامة - بين النظرية والتطبيق -5-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتــــدى أبنـــاء السلــــــــف :: منتدى الادباء،الشعر والخواطر-
انتقل الى: