مصطفى صادق الرافعي (1297 – 1356هـ)
عبدالله بن إبراهيم الهويش
عندما يُذْكَر الرافعي، فإنَّما يُذْكَر أُسْلُوبه البياني الذي تَفرَّد بِهِ بَيْنَ أدباء عصره، ودفاعُه المجيد عن القرآن الكريم، وقَناتُه التي لا تَلِين عندما يتَهَجَّم مُدَّعٍ، أو مُتطَفِّلٌ على هذا الدِّين، أو على لغته العربية؛ لغةِ القرآن الكريم.
وكأنما كان الرافعيُّ أمَّةً وَحْدَه، قَيَّضه الله في تلك الفترة ليكون الحِصْنَ الحصين للُّغة العربية، وللأدب العربي وتاريخ الأُمَّة وسيرة رسولها؛ من نفثات وسموم كلِّ منحرفٍ وضالٍّ، أو مستشرق مُغْرِض.
ومع كثْرَةِ هؤُلاء، وتعدُّد أساليبهم، وتلوُّن طُرُق كَيْدِهم، فما يكاد الرافعي يَنْتَضِي قَلَمَهُ الأصيل، حتى تَتَهَاوَى أَمَامَه تلك الصروحُ الورقية، والنمور الهُلاميَّة؛ {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [سورة الأنبياء: 18]، فكان - رحمه الله - يُصحِّح الأفكار، ويوضِّح ما الْتَبَس على الأفهام في صلابة وجرأة لا تعرف الهوادة أو الملاينة، في مواقفَ خلَّدَها التاريخ، وقف فيها تحت راية القرآن، يدافع في كل مجال، ويصول على أعداء هذه اللغة ودينها وأدبها، يُصْلِيهِم نارًا من نَقْدِه المُرِّ، الذي ينفذ إلى القلوب ويشوِي أفكارهم على سفُّوده المَحْمِيّ، حتى تصير رمادًا، وهباءً، فتنتهي المعركة حينئذٍ.
ودَّع الرافعي الحياة عام 1356هـ، بعد أن عاش سبعًا وثلاثين سنة فقط، خلَّد فيها ذلك المجدَ كلَّه، فتنفس أعداء القرآن الكريم الصُّعَداء، فقد هوى بموته عَلَمٌ شامخ من أعلام هذه الأمة الخالدة، ثم يسدل عليه ستار النسيان، وكأنه لم يكن صاحب الصوت المجلِّل والمكان العريض! وما ذلك إلا مظهرٌ من مظاهر غفلة الأمة، وعدم قدرتها على التمييز الصحيح، عندما تتعلق ببعض الرموز ممن فرضهم الاستعمار وأعوانه، مِمَّن يحمِلُونَ عناصِرَ هدْمِها، ومادَّة فسادها بما ينشرون ويقولون، دون الخُلَّص من الأعلام الروَّاد، الذين يحملون المشعل المنير عن سلفهم الأمجاد، في سلسلةٍ مُتَواصِلة الحلَقات، مستنيرةِ الطريق حتَّى تَصِلَ إلى إمام هذه الأمة ورسولها محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وسلم.
فرَحِمَ الله الرافعيَّ، صاحبَ الفِكْر المنير، والعبقرية النادرة، والروح التي عرَفت طريقها يوم عرَفت انتماءها الصحيح؛ فكانت خير داعية إليه، بينما كان بعض مَن يُسمَّوْن أقطاب الأدب، لا يزالون يَهيمون في كل وادٍ، ويستجْلِبُون لأمَّتِهم مرذولَ الفِكْر، وساقطَ الرأي في دعوات هدامة مشبوهة.
وكم سعدتُ كثيرًا عندما طالعتُ ملف مجلة "الفيصل" عن "نابغة الأدب وحجة العرب مصطفى صادق الرافعي" العدد 179 - جمادى الأولى 1412هـ، وهي بادرة طيبة، واتجاه حسن يدل على وعي وأصالة، وأشكر القائمين على هذه المجلة.
وإن كنت أَوَدُّ لو أن الملف توسَّع قليلاً في بعض النَّواحي؛ مثل:
التركيز على انتماء الرافعي وأصالة فكره، وكذا استكتاب بعض من عايش الرافعيَّ وعاصره من الأدباء الأحياء؛ مثل الأستاذ علي الطنطاوي، وهو من المجلة على طرف الثُّمام، والأستاذ بهجة الأثري، ويحيى حقي وغيرهم، وكذلك الاتصال بعائلته ومعرفة ما لديهم؛ مما يُثري الملف، ويجعله يضيف جديدًا، ولعل ذلك يكون في دراسة ثانية، أو في مجلة أخرى، كما أدعو بهذه المناسبة كافَّة مجلاتنا الأدبية والثقافية إلى الانتباه إلى هذه الناحية، ولفْت النظر إلى أمثال هؤلاء الأُدَباء، مِمَّن يُمَثِّلون – في الواقع – ضمير الأُمَّة الصحيح، ولهم دور بارز في النهضة الحديثة، وإن كانت الأضواء لا تُسلَّط عليهم كثيرًا.