م نهج الشيخ تقي الدين الهلالي: ثمرة التوحيد والعبادات تهذيب النفوس وتزكية الروح
الكاتب : أحمد بن محمد الحمزاوي
بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم
لا يخفى على طلبة العلم أن من أشهر رواد الحركة السلفية في العصر الحديث، ومجددي الدعوة التوحيدية ليس في المغرب فقط، بل في أقطار مختلفة: الشيخ العلامة الدكتور محمداً تقي الدين الهلالي- رحمه الله- فقد كان سلفي المعتقد، سني المذهب في الفروع والأصول، عالمي الثقافة والفكر والمعرفة، جمع إلى التقدم في العلوم الشرعية من التفسير والفقه والحديث والعقائد والأصول، البراعة في علوم العربية من نحو وصرف وبلاغة وعروض، والموسوعية في الاطلاع على ثقافات الأمم والشعوب، كالثقافات السامية، والبربرية، والهندية، والفارسية، والغربية، والإجادة لكثير من اللغات، ويندر أن يجتمع في رجل واحد ما اجتمع في هذا النابغة العبقري، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، مما جعله في الصفوف الأولى لكبار العلماء، والمفكرين، والكتاب والشعراء، حيثما حل في الشرق والغرب، في العراق، ومصر، والسعودية، والهند، وألمانيا، وفرنسا، والمغرب، وغيرها من الأقطار، وكان العلمُ نفسَه الذي يتنفسه، والدعوةُ إلى التوحيد، واتباع الكتاب والسنة روحَه التي يحيى بها، ، فحيثما حل حلت الدعوة، ونزل العلم، وخيم الفكر، واخضرت ربوع اللغة، وأزهرت دوحة الأدب والشعر، ولم يثنه عن ذلك- والله- فقدان للبصر، ولا ضعف في البدن، ولا وهن في العظم، ولا مرض ملازم، ولا تضييق دائم، فقد عرفته- رحمه الله- عام 1977 م وأنا ابن خمس عشرة سنة، وكان قد ناهز التسعين من عمره، ولازمته سنتين في حله وترحاله، أخذت عنه ما قسمه الله لي من علمه- رحمه الله- فرأيت- والله- من علو الهمة، وماضي العزيمة، وقوة الإرادة، والصلابة في قول الحق، واستفراغ الوسع في الدعوة إلى الله، ومنتهى الجد في طلب العلم، وغاية الحرص على نشر المعرفة ما لم يكن يخطر على بالي من قبل.
ولو ظفر غير أهل السنة بنصف هذا الداعية العظيم لطاروا به فرحا، ولأقاموا له الندوات والمؤتمرات، ونشروا له الرسائل والمؤلفات، وأنشدوا قول الفرزدق: أولئك آبائي فجئني بمثلهم.
لكنه- رحمه الله- من معشر لا يرى بعضهم وسيلة للظهور، إلا بالصعود على سلم من عظام الأسلاف، والارتقاء فوق أنقاض بناء الأشياخ، وأخلق بمنهج- هذه صفة بعض أبنائه- أن لا يبلغ الكمال:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه *** إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
وهذه العقلية العلمية الفريدة جعلت البعض- عمدا أو تقليدا- لا يذكر الشيخ العلامة- رحمه الله- إلا في معرض العناية بالجانب العلمي، والتقعيد العقلي، والمناقشات، والمناظرات، مع التصريح أو التلميح إلى أنه لم يعتن في دعوته التوحيدية بالجانب الروحي، والتربية السلوكية، والأخلاقية- شنشة أعرفها من أخزم- فإن بعض الطوائف لما أعجزهم أن ينالوا من أهل السنة في الجانب العلمي رموهم بالتقصير في الجانب العملي، والخلقي، والسلوكي، وتلك شكاة ظاهر عنهم عارها.
وإن تعجب فعجب أن يردد بعض المنتمين إلى أهل السنة تلك المزاعم، وهو لا يدري أنه يفل سيفه الذي به يصول، ويفت من عضده الذي به يجول، فليس المقصود- أيها السني- هو ذات الشيخ تقي الدين الهلالي، بل المقصود وصف منهج السلفيين بذلك، وهذا مصرح به قديما وحديثا.
وقد أحببت أن أبين في هذا المقال الموجز أن جوهر دعوة الشيخ- رحمه الله- إنما هي دعوة إلى إصلاح القلب، وتهذيب النفوس، وتقوية الروح- وفق المنهج الشرعي الثابت في الكتاب والسنة- وقد التزمت أن يكون ما أورده من كلام الشيخ- رحمه الله- مأخوذا من مقالاته؛ لأنه مصوغ بأسلوب صحفي قريب المتناول، فذلك أليق بالمقام من النقل من كتبه العلمية، ولأن هذه المقالات ليست في متناول الجميع، فالعزو إليها كالإرشاد إلى مكانها، والإغراء بقراءتها.