--
موعظة بليغة من كتاب "البداية والنهاية "لابن كثير لأهل غزة وغيرهم.
البداية والنهاية - لابن كثير - (ج 12 / ص 338):
ثم دخلت سنة ست وثمانين وخمسمائة
استهلت والسلطان محاصر لحصن عكا ، وأمداد الفرنج تفد إليهم من البحر في كل وقت ، حتى أن نساء الفرنج ليخرجن بنية القتال ومنهن من تأتي بنية راحة الغرباء لينكحوها في الغربة فيجدون راحة وخدمة وقضاء وطر ، قدم إليهم مركب فيه ثلاثمائة امرأة من أحسن النساء وأجملهن بهذه النية فإذا وجدوا ذلك ثبتوا على الحرب والغربة حتى ان كثيرا من فسقة المسلمين تحيزوا إليهم من أجل هذه النسوة واشتهر الخبر بذلك وشاع بين المسلمين والفرنج بأن ملك الألمان قد أقبل بثلاثمائة ألف مقاتل من ناحية القسطنطينية يريد أخذ الشام وقتل أهله انتصارا لبيت المقدس فعند ذلك حمل السلطان والمسلمون هما عظيما وخافوا غاية الخوف مع ما هم فيه من الشغل والحصار الهائل وقويت قلوب الفرنج بذلك ، واشتدوا للحصار والقتال ولكن لطف الله وأهلك عامة جنده في الطرقات بالبرد والجوع والضلال في المهالك - على ما سيأتي بيانه - وكان سبب قتال الفرنج وخروجهم من بلادهم ونفيرهم ما ذكره ابن الأثير في كامله أن جماعة من الرهبان والقسيسين الذين كانوا ببيت المقدس وغيره ركبوا من صور في أربعة مراكب وخرجوا يطوفون ببلدان النصارى البحرية وما هو قاطع البحر من الناحية الأخرى يحرضون الفرنج ويحثونهم على الانتصار لبيت المقدس ويذكرون لهم ما جرى على أهل القدس وأهل السواحل من القتل والسبي وخراب الديار وقد صوروا صورة المسيح وصورة عربي آخر يضربه ويؤذيه فإذا سألوهم من هذا الذي يضرب المسيح قالوا هذا نبي العرب يضربه وقد جرحه ومات فينزعجون لذلك ويحمون ويبكون ويحزنون فعند ذلك خرجوا من بلادهم لنصرة دينهم ونبيهم وموضع حجهم على الصعب والذلول حتى النساء المخدرات والزواني والزانيات الذين هم عند أهليهم من أعز الثمرات ...
وكان القاضي الفاضل بمصر يدير الممالك بها ويجهز إلى السلطان ما يحتاج إليه من الأموال وعمل الأسطول والكتب السلطانية:
فمنها كتاب يذكر فيه أن سبب هذا التطويل في الحصار :
كثرة الذنوب
وارتكاب المحارم بين الناس
فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته ولا يفرج الشدائد إلا بالرجوع إليه وامتثال أمره
فكيف لا يطول الحصار والمعاصي في كل مكان فاشية
وقد صعد إلى الله منها ما يتوقع بعده الإستعاذة منه
وفيه أنه قد بلغه أن بيت المقدس قد ظهر فيه المنكرات والفواحش والظلم في بلاده ما لا يمكن تلافيه إلا بكلفة كثيرة
ومنها كتاب يقول فيه: إنما أتينا من قبل أنفسنا ولو صدقنا لعجل الله لنا عواقب صدقنا
ولو أطعناه لما عاقبنا بعدونا ولو فعلنا ما نقدر عليه من أمره لفعل لنا ما لا نقدر عليه إلا به فلا يختصم أحد إلا نفسه وعمله ولا يرج إلا ربه ولا يغتر بكثرة العساكر والأعوان ولا فلان الذي يعتمد عليه أن يقاتل ولا فلان فكل هذه مشاغل عن الله ليس النصر بها وإنما النصر من عنده الله ولا نأمن أن يكلنا الله إليها والنصر به واللطف منه ونستغفر الله تعالى من ذنوبنا
فلولا أنها تسد طريق دعائنا لكان جواب دعائنا قد نزل وفيض دموع الخاشعين قد غسل
ولكن .. في الطريق عائق .
...
انتهى .