بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ، وبعد :
فقد وصل إليَّ كتابٌ عنوانه واسمه : " التِّبْيان في كفر من أعان الأمريكان " هكذا أطلق المؤلف الذي كتب اسمه على الكتاب : " ناصر بن حمد الفهد " أطلق هذا الإطلاق بدون شروطٍ ، ولا ضوابط مما يثير علامات الاستفهام حول هذا العنوان ، ونحن نقول لعن الله الكافرين جميعاً ، وأبعد الله وخيب الله من تعاون معهم تعاوناً يوجب به غضب الله على نفسه ؛ بأن كان ذلك منه إعجاباً بهم أو محبةً في ملتهم أو إيثاراً لها على الإسلام أو محبةً لهم وكرهاً للمسلمين ، فهذا هو المذموم والمحرم ومنه ما يكون كفراً ، ومنه ما يكون فسقاً ، ويحكم في ذلك بحسب الوقائع :
1- فمن تعاون معهم على محرم لا إيثاراً لدينهم على الدين الإسلامي ، ولا محبةً لهم من أجل ما هم عليه من الكفر ، ولا كرهاً للمسلمين من أجل ما هم عليه من الإسلام ، ولكن فعل ذلك من أجل مطمعٍ دنيوي مع اعتقاده بأنَّهم كفاراً ، وأنَّه مسيء ، فهذا فعله يعتبر فسقاً .
2- أمَّا من أعانهم على شيءٍ يهدم به الإسلام أو يضعفه ؛ بأن نصرهم على الإسلام وأهله حباً لهم ، وبغضاً للمسلمين أو إعجاباً بدينهم ، وكرهاً للإسلام ، فإنَّه بهذا يكفر كفراً يخرجه من الإسلام .
3- التعاون بين المسلمين والكفار غير الحربيين على أمور عادية كالمشاركة لهم في البيع أو التعامل معهم في زراعة أو الاستئجار منهم أو تأجيرهم أو الاستعارة منهم أو الاستدانة منهم ، ورهنهم فهذا كله جائز ، والأدلة عليه متوافرة فقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونةٌ عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير أخذها نفقةً لأهله ، وهذا ثابتٌ في الصحيحين ، وقد ثبت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم اتفق مع يهود خيبر أن يعملوا فيها بشطر ما يخرج منها ، وهذا ثابتٌ في الصحيحين أيضـاً ، وثبـت في صحيح البخاري في كتاب البيوع باب ما يذكر في الصوَّاغين عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنَّـه قال : (( حصلت على شارف من غنيمة بدرٍ ، وأعطاني النبي صلى الله عليه وسلم شارفاً من الخمس ، فاتفقت مع يهودي من يهود بني قينقاع أن يذهب معي لآتي بإذخر أبيعه من الصواغين ؛ لأستعين به في وليمة فاطمة )) وقد استأجر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أريقط الدِيلي دليلاً ، وسلَّمه الراحلتين وهو مشرك وقد استعار النبي صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية دروعاً وسيوفاً لما خرج إلى هوازن وقال له : (( بل عاريةٌ مضمونة )) وكان صفوان ما زال كافراً ، وقد كان غلامٌ من اليهود يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فذهب النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فعرض عليه الإسلام ، فنظر إلى أبيه كالمستشير ، فقال له أبوه : أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فتشهد ، ثمَّ مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( الحمد لله الذي أنقذه بي من النار )) والشاهد منه أنَّه كان خادماً للنبي صلى الله عليه وسلم والخدمة تعاون مع المخدوم ، وفي هذه الأدلة كفاية لمن يريد الحق أنَّ التعاون بين الكفار والمسلمين على الأمور العادية جائز لا غبار عليه .
4- إذا طلب الكفار منَّا أن يتعاونوا معنا ، ونتعاون معهم على منع ما يمنعه الإسلام ، ومحاربة ما يحاربه الإسلام كمحاربة الفساد ، ويدخل في ذلك أشياء كمنع المخدرات ، ومحاربتها بجميع أنواعها ، ومنه الفواحش ، ومحاربتها ، وتعقب أصحابها ، ومنه الإرهاب ومحاربته ، ومحاربة أهله ويدخل في ذلك الاغتيالات ، والتفجيرات ، والثورات ، والاختطافات ، وغير ذلك من الأمور التي تعتمد على السرية التامة حتى تقع ، ومتى وقعت أصابت الناس بالذعر والخوف الشديد بحيث لا يهنأ لهم عيش ، ولا يستتب لهم أمنٌ ، ولا يستقر لهم قرار ، والإسلام يحث على الأمن ويمدحه ، ويشيد به ، فيقول نبي الإسلام والرحمة المهداة إلى البشرية صلى الله عليه وسلم : (( من أصبح منكم آمنا في سربه ؛ معافى في جسده ؛ عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيـا بحذافيرها )) وقد جـاء في حديث خباب بن الأرت رضى الله عنه قال : (( شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا ؟ ! فقال : قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون )) أخرجه البخاري ، وأبو داود
فالإسلام يأمر باستقامة الحال ، وإشاعة الأمن ، ويحرم إخافة الآمنين ، وإشاعة الذعر بينهم ويعدها محاربة يستحق فاعلها القتل والقتال ، ولذلك أخبر بأنَّ الخوارج يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، وأمر بقتلهم وقتالهم فقال : (( إنه ستكون هنات و هنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان )) وقال : (( طوبى لمن قتلهم أو قتلوه )) وقال : (( لئن أدركتهم لأقتلنَّهم قتل عاد )) وفي رواية : (( قتل ثمود )) وأخبر أنَّهم :((كلاب النار ))
وأخبر أنَّهم : (( شر الخلق والخليقة )) والمهم أنَّ محاربة الفساد يأمر بها الإسـلام بشتى أنــواع المحاربة ، فإذا عرضت علينا دولةٌ كافرةٌ أن تتعاون معنا على منع الفساد ، وتعقب المفسـدين فإنَّه يجوز لنا أن نوافقهم على ذلك بشروط :
أ- إذا كان المفسدون من المسلمين ، فنحن نتولَّى محاربتهم ، وأنتم يا غير المسلمين أعينونا بالسلاح .
ب-إذا احتجنا إلى محاكمة أحدٍ من المسلمين ، فنحن المسلمين نتولَّى محاكمته ، والحكم فيه .
ج- إذا أسر أحدٌ من المسلمين ، فنحن نتولَّى ذلك الأسير أو الأسرى بأن نسجنهـم عندنا ونحكم فيهم بحكم الإسلام ، فإن وافقت الدولة التي تعرض ذلك على أهل الإسلام على هذه الشروط بأن نتولَّى نحن المسلمين من يكون من المسلمين ، وتتولَّى تلك الدولة الكافرة من يكون منهم سواءً كانت نصرانية أو يهودية أو غير ذلك .
4- إذا منعت الدولة الكافرة إلاَّ أن تتولَّى هي بنفسها محاربة من يقوم بعمل الإرهاب من المسلمين ، والمسلمون وافقوا على ذلك باللسان خوفاً من التورط في الحرب مع ضعف قوة المسلمين ، ومع استقامة المسلمين على عقيدتهم ، وبغضهم للكفار ، ولكن وافقوهم في الظاهر ليدفعوا شرهم ، ففي هذه الحالة فعل المسلمون ما هو مباح لهم ، والله تعالى يقول :
((لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعـل ذلك فليس من الله في شيء إلاَّ أن تتقوا منهـم تقـاة ويحـذركـم الله نفسه وإلى الله المصير)) آل عمران 28
ومثل قوله تعالى :
((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون قل إن كان آباءكم وأبناءكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين )) التوبة23
إلى غير ذلك من الآيات ، وهذه الآيات وما في معناها صريحةٌ في أنَّ تولي الكفار من دون المؤمنين بأن أحبَّهم ووالاهم ، ومال إليهم ، ونصرهم أو أفضى إليهم بأسرار المسلمين أوتجسس للكفار عليهم ، ودلَّهم على مواطن الضعف عند المسلمين ، فإنَّه حينئذٍ يكفر كما سبق شرحه .
وكل الآيات التي ساقها المؤلف ترتب على تولي الكفار الردة ، وحبوط العمل ، والخلود في النار.
لكن ما هو التولي الذي يوجبه ؟ أهو مطلق السلام والكلام مع الكفار؟ أو هو الميل القلبي والمحبة والنصرة من المسلم للكافر على المسلم؟ أقول هو الثاني لا الأول كما هو مقتضى الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة
أمَّا إذا اتفقت فئتان فئةٌ مسلمة ، وفئةٌ كافرة على منع أو محاربة ما يمنعه الإسلام ، ويحاربه كالفساد في الأرض بالتفجيرات ، والاغتيالات ، والمظاهرات ، فهي تسمَّى حرابة ؛ لأنَّها محاربة لله ولرسوله ؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى يقول :
((إنَّما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطَّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزيٌ في الدنيا ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم )) المائدة 33
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ج 28 من مجموع الفتاوى صفحة 470 لمَّا ذكر هذه الآية آية المحاربة قال : " فكل من امتنع من أهل الشوكة عن الدخول في طاعة الله ورسوله فقد حارب الله ورسوله ، ومن عمل في الأرض بغير كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقد سعى في الأرض فسادا ، ولهذا تأول السلف هذه الآية على الكفار ، وعلى أهل القبلة حتى أدخل عامَّة الأمة فيها قطَّاع الطرق الذين يشهرون السلاح لمجرد أخذ المال ، وجعلوهم بأخذ أموال الناس بالقتال محاربين لله ولرسوله ساعين في الأرض فسـادا وإن كانوا يعتقدون تحريم ما فعلوه ، ويقرون بالإيمان بالله ورسوله " إلى أن قال : " … ولهذا اتفق أئمة الإسلام أنَّ هذه البدع المغلَّظة شرٌّ من الذنوب التي يعتقد أصحابها أنَّها ذنوب ، وبذلك مضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أمر بقتال الخوارج الذين خرجوا عن السنة ، وأمر بالصبر على جور الأئمة وظلمهم ، والصلاة خلفهم مع ذنوبهم ، وشهد لبعض المصرين من أصحابه على بعض الذنوب أنَّه يحب الله ورسوله ، ونهى عن لعنه ، وأخبر عن ذي الخويصرة وأصحابه مع ورعهم وعبادتهم أنَّهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، وقد قال الله في كتابه ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثمَّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً ))النساء 65
فكل من خرج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته فقد أقسم الله بنفسه المقدسة أنَّه لا يؤمن حتى يرضى بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع ما يشجر بينهم في أمور الدنيا والدين وحتى لا يبقى في أنفسهم حرجٌ من حكمه ، ودلائل القرآن على هذا الأصل كثيرة " اهـ .
وأقول إذا عرضت علينا دولةٌ كافرةٌ أن نتعاون معها على منع أمرٍ ومحاربته مما يمنعه ديننا الحنيف
كمحاربة نوعٌ من الفساد وهو الإرهاب ، وهو الغدر الذي نهى عنه نبي الإسلام وحرَّمه ، فإنَّه يجوز أن نتعاون معهم على منعه ، وتتبع فاعليه ، ومعاقبتهم ؛ لأنَّ ديننا يأمر بمنع ذلك الشيء وينهى عنه ، ويذم فاعليه ، ولأنَّ ذلك نوعٌ من الفساد الذي حرَّمه الله ورتب عليه عقوبة في الدنيا ، وتوعد بالعذاب من فعله ، ولا يعد ذلك من المسلمين خروجاً عن الدين ، ولا موالاةً للكافرين ، ولا يترتب عليه تكفيرٌ لمن فعله ، ولا تفسيقٌ له سواءً كان المتفق مع الدولة الكافرة دولةٌ مسلمة أو فردٌ أو جماعة ، وإنَّما يترتب التكفير ، والتفسيق على ذلك إذا اتفقنا مع الكفار على شيءٍ يضر بديننا أو بإخواننا المسلمين محبةً للكفر ، وإيثاراً له على الإسلام ، ورغبة فيه دون الإسلام ، والدليل على ذلك قول الله تعالى :
(( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آبائكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون )) التوبة 33
فجعل استحباب الكفر شرطاً في تحريم الموالاة لهم .
وقال في موضعٍ آخر صفحة 535 من الجزء نفسه وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال : (( يغزو جيش الكعبة ، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم و آخرهم . قالت : قلت يا رسول الله : كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم . قال : يخسف بأولهم وآخرهم ، ثم يبعثون على نياتهم )) والحديث مستفيضٌ أخرجه أرباب الصحيح عن عائشة و حفصة ، وأمِّ سلمة رضي الله عنهنَّ اهـ بتصرف .
فإذا كان من سار معهم تَصوَّر في حقه الإكراه ، وعذره الله عز وجل ، وبعثه على نيته من كراهية ما فعلوه ، فالإكراه متصور في حق من وافقهم بلسانه خوفاً من القنابل التي كل واحدةٍ منها عدة أطنان يرمى بها ، فتهدم المنازل ، وتهلك الحرث ، والنسل ، فمن خاف على نفسه أو على شعبه أو على قومه ، فإنَّه يعتبر مكرهاً من باب أولى ، فأين إطلاقاتكم التي تحكمون فيها على المسلمين بالكفر المخرج من الملة ؟ !! بل صريحٌ أنَّ المسلم على أصل إسلامه لا يخرج عنه إلاَّ بدليل واضح الدلالة على مراد المستدل ، وإذا أجلنا النظر في الآيات التي تنهى عن تولي الكفار وتحرمه ، وتمقت فاعليه ، ونظرنا في الأدلة من السنة التي تبيح التعامل مع الكفار بالبيع والشراء والإجارة أو الاستئجار ، والتعاون معهم أو طلب الإعانة منهم على أمرٍ مباح ، والكلام معهم لحاجة بدون انبساط إليهم ، ومحبة لهم ، فإنَّ هذه الأدلة تدل على إباحة ذلك بدون تحريم ولا كراهة ، وبعد ذلك نخرج بالنتيجة الآتية :
1- أنَّ الأدلة على تحريم موالاتهم ، وتوليهم الذي هو محبتهم ، ونصرتهم ، وإفشاء أسرار المسلمين إليهم ، والتجسس على المسلمين ، وإعانتهم على قتال المسلمين ، والإعجاب بكفرهم وتعظيمهم ، واحتقار المسلمين .
2- الولاية لها معانٍ عند العرب :
أ- فالمولى : هو الولي . قال في لسان العرب لابن منظور ج15 / 406 : " ولي في أسماء الله تعالى والولي هو الناصر ، وقيل المتولي لأمور العالم ، والخلائق ؛ القائم بها ، وقال في ص 408 وروى ابن سلام عن يونس قال : المولى له مواضع في كلام العرب :
منها المولى في الدين ، وهو الولي ، وذلك في قوله تعالى : ( ذلك بأنَّ الله مولى الذين آمنوا وأنَّ الكافرين لا مولى لهم ) أي لا ولي لهم " اهـ . قلت : ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد رداً على أبي سفيان حين قال : (( اعل هبل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أجيبوه . قالوا ما نقول ؟ قال قولوا : الله أعلى وأجل . قال أبو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أجيبوه . قالوا ما نقول ؟ قال قولوا : الله مولانا ، ولا مولى لكم . قال أبو سفيان يوم بيوم بدر ، والحرب سجال ، وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني)).
ب- وقال في نفس الصفحة ، والمولى العصبة ، ومن ذلك قوله تعالى : ( وإنِّي خفت الموالي من ورائي ) وقال اللِّهْبِي يخاطب بني أمية : مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا .........
ج- والمولى الحليف : وهو من انضم إليك ، فعزَّ بعزك ، وامتنع بمنعتك اهـ .
قلت : ويجب على المسلم أن يكون نصيراً لأخيه في الإسلام ، فالولاية أمرٌ واجب بين المسلمين يتناصرون بالأخوة الإسلامية ، ولو تباعد النسب ، ولا يحتاج إلى حلف كما كان في الجاهلية ، ولا إلى معاقدة ومعاهدة قال تعالى :
(إنَّما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتولَّ الله ورسوله والذين آمنوا فإنَّ حزب الله هم الغالبون)المائدة 56
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه : (( المسلم أخو المسلم : لا يخونه ، ولا يكذبه ، ولا يخذله ؛ كل المسلم على المسلم حرام ؛ عرضه ، وماله ودمه ؛ التقوى ها هنا بحسب امرئ من الشر أن يحتقر أخاه المسلم )) وقال عليه الصلاة والسلام من حديث أنس رضي الله عنه : (( انصر أخاك ظالما أو مظلوما فقال رجل يا رسول الله : أنصره إذا كان مظلوما . أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره ؟ قال : تحجزه أو تمنعه من الظلم ، فإن ذلك نصره )) والولاية لله عز وجل بأن تنصره على نفسك ، وبني جنسك ، وحتى أقرب الناس إليك ، وتقديم مراده على مراد غيره .
د- والمولى يطلق على ولي النعمة : وهو المُعْتِق . قال تعالى :
(( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتقي الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحقُّ أن تخشـاه )) الأحزاب 37
هـ ـ ويطلق المولى كثيراً على المعتَق ، ويسمَّون الموالي ، فكل مولى يلتحق بوليه أي أنَّ المعتَق يطلق عليه نسبة معتِقه .
والمهم أنَّ المولى يطلق على عدة أمور : فيطلق على الرب جلَّ وعلا ؛ لأنَّه متولي أمرك والمتصرف فيك ، ويطلق على العبد المتَّبِع لأوامر الله القائم بحقوقه ، ومن ذلك قوله تعالى
(ألا إنَّ أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولاهم يحزنون الذين آمنوا وكانـوا يتقون )) يونس 62
ويطلق المولى على القرابة الذين ينصرون الشخص عادة ، ومن ذلك قوله : ( إنِّي خفت الموالي من ورائي )[ مريم : 5 ] ومن ذلك أن يطلق على المولى الأعلى ، وهو المعتِق ، ويطلق على المولى الأسفل ، وهو المعتَق ، ويطلق على ولاية الدِّين ، وهي رابطة الإسلام بين المسلمين التي يتناصرون
بها ، وكان في الجاهلية يطلق على ولاء الحلف ، وفي تاج العروس ج10 / 398 المولى له معانٍ كثـيرة فمنها المحب ، وهو ضد العدو ، ومنها الصديق ، ومنها الولاية بالكسر ؛ أي الإمارة أو السلطان والولاء كسماء ؛ الملك ، ويطلق على المعتِق ، وعلى المعتَق ، ويطلق على القرابـة ويطلق على الصهر إلى أن قال في ص399 : " فهذه أحد وعشرون معنى للمولى أكثرها قد جاءت في الحديث ، فيضاف كل واحدٍ إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه ، وقد تختلف مصادر هذه الأسماء " انتهى بتصرف ،
وأقول إذا كانت هذه المادة لها واحدٌ وعشرون معنى فهل يجوز إطلاق الكفر على كل من اتصف بواحدٍ منها ؟ الجواب : لا . لا يجوز إطلاق الكفر إلاَّ فيما يقتضيه وهي الولاية بمعنى المحبة ، والنصرة ، والميل القلبي ، وإنَّ هذا الإطلاق يعتبر خطأً كبيراً يقع صاحبه في عقيدة الخوارج ؛ الذين يكفرون بالمعصية ، وهذا ما أردت التنبيه عليه لعلَّ مؤلف هذا الكتاب يتدارك ما وقع فيه ، فيعلق الكفر على ما تقتضيه هذه المعاني .
إنَّ تكفير المسلمين بما لا يوجب التكفير أمرٌ لا يجوز ، وقد جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه المتفق عليه : (( ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ، ومن ادعى ما ليس له فليس منا ، وليتبوأ مقعده من النار ، ومن دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حـار عليه )) وفي رواية للبخاري عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ، ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك )) .
ويعلم الله عالم الغيب والشهادة أنِّي لم أكتب هذه الكتابة تزلفاً لأحد ، ولا رغبةً في إرضاء أحدٍ غير الله عز وجل ، ولكنِّي كتبت ذلك تنبيهاً على الخطأ ، وتقويماً للاعوجاج الذي حصل في هذا الإطلاق ، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه :
((فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا))
أسأل الله عز وجل أن يجعل عملي خالصاً مبتغياً به رضاه مقصوداً به بيان الحق لا غير ، وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه .
أحمد بن يحيى النَّجمي
18 / 12 / 1422 هـ