|
| مفهوم الجمال في القران والسنة والاثرالجزء 1 لفضيلة الشيخ العلامة عبد الله العبيلان | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
الفارس إداري
عدد الرسائل : 1160 السٌّمعَة : 13 نقاط : 2574 تاريخ التسجيل : 08/02/2009
| موضوع: مفهوم الجمال في القران والسنة والاثرالجزء 1 لفضيلة الشيخ العلامة عبد الله العبيلان الخميس أغسطس 06, 2009 6:14 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم جمال المظهر وحسن الملبس
ثبت في صحيح مسلم: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان, ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة خردل من كبر» , وفي رواية: « لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال من كبر, فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا, ونعله حسنا, فقال: إن الله جميل يحب الجمال, الكبر: بطر الحق, وغمط الناس». فقوله: «إن الله جميل يحب الجمال», قد أدرج فيه حسن الثياب التي هي المسئول عنها, فعلم أن الله يحب الجمال, و الجميل من اللباس, ويدخل في عمومه, وبطريق الفحوي: « الجميل من كل شيء» هذا كقوله في الحديث الذي رواه الترمذي: « إن الله نظيف يحب النظافة», وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: « إن الله طيب يحب الأطيباء», وهذا مما يستدل به على التجمل في الجمع, والأعياد, كما في الصحيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : «رأى حلة تباع في السوق, فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه تلبسها, فقال: إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة». وهذا: يوافقه في حسن الثياب ما في السنن عن أبي الأحوص الجشمي رضي الله عنه قال: « رآني النبي صلى الله عليه وسلم وعليَّ أطمار فقال: هل لك من مال؟ قلت نعم. قال: من أي المال؟ قلت: من كل ما أتى الله من الإبل, والشاء, قال: فلتر نعمة الله وكرامته عليك». وفي السنن أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده», لكن هذا الظهور لنعمة الله, وما في ذلك من شكره, والله يحب أن يشكر وذلك لمحبته الجمال.
إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده
وهذا الحديث: قد ضل قوم بما تأولوه عليه, وآخرون رأوه معارضا لغيره من النصوص, ولم يهتدوا للجمع. فالأولون قد يقولون: كل مصنوع الرب جميل, لقوله: [الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ]. {السجدة:7} فنحب كل شيء, وقد يستدلون بقول بعض المشايخ: المحبة نار, تحرق في القلب كل ما سوى مراد المحبوب, والمخلوقات كلها مراده, وهو لا يقوله قائلهم, فصرح بإطلاق الجمال, وأقل ما يصيب هؤلاء أنهم يتركون الغيرة لله, والنهي عن المنكر, والبغض في الله, والجهاد في سبيله, وإقامة حدوده , وهم في ذلك متناقضون, إذ لا يتمكنون من الرضا بكل موجود, فإن المنكرات هي أمور مضرة لهم ولغيرهم, ويبقى أحدهم مع طبعة وذوقه وهواه ينكر ما يكره ذوقه, دون ما لا يكره ذوقه, وينسلخون عن دين الله, وربما دخل أحدهم في الاتحاد والحلول المطلق, ومنهم من يحض الحلول أو الاتحاد ببعض المخلوقات: كالمسيح, أو علي بن أبي طالب أو غيرهما من المشايخ والملوك, والمردان فيقولون: بحلوله في الصور الجميلة ويعبدونها , ومنهم من لا يرى ذلك: لكن يتدين يحب الصور الجميلة من النساء الأجانب, والمردان وغير ذلك, ويرى هذا من الجمال الذي يحبه الله ويحبه هو, ويلبس المحبة الطبيعية المحرمة, بالمحبة الدينية, ويجعل ما حرمه الله مما يقرب إليه: [وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لَا يَأْمُرُ بِالفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ].{الأعراف:28} والآخرون قالوا: ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم, وإنما ينظر إلى قلوبكم, وأعمالكم », ومعلوم أنه لم ينف نظر الإدراك, لكن نظر المحبة , وقد قال تعالى عن المنافقين: [وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ]. {المنافقون:4} وقال تعالى:[وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا], {مريم:74} والأثاث: المال من اللباس ونحوه, والرئِي: المنظر فأخبر أن الذين أهلكهم قبلهم كانوا أحسن صورا وأموالا, لنتبين أن ذلك لا ينفع عنده ولا يعبأ به, وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا فضل لعربي على عجمي, ولا لأبيض على أسود, إلا بالتقوى», وفي السنن عنه أنه قال : «البذاذة من الإيمان».
اللـباس المـحرم
وأيضا: فقد حرم علينا من لباس الحرير, والذهب, وآنية الذهب والفضة, ما هو أعظم الجمال في الدنيا, وحرم الله الفخر والخيلاء, واللباس الذي فيه الفخر. والخيلاء: كإطالة الثياب حتى ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا». وفي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من جر ثوبه خيلاء, لم ينظر الله إليه يوم القيامة». وفي الصحيح أيضا: قال: « بينما رجل يجر أزاره من الخيلاء خسف به, فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة». وقد قال تعالى في حق قارون:[فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ], {[القصص:79} قالوا: ثياب الأرجوان. ولهذا ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: «رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ثوبين معصفرين, فقال: إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها, قلت: أغسلهما قال: احرقهما» , ولهذا كره العلماء المحققون: الأحمر المشبع حمرة, كما جاء النهي عن الميثرة الحمراء, وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «دعوا هذه الرايات للنساء». | |
| | | الفارس إداري
عدد الرسائل : 1160 السٌّمعَة : 13 نقاط : 2574 تاريخ التسجيل : 08/02/2009
| موضوع: تابع معي الموضوع الخميس أغسطس 06, 2009 6:18 pm | |
| النظر المحرم
وأيضا فقد قال الله تعالى: [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ]. {النور31:30} وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه : «العينان تزينان: وزناهما النظر», وفي الصحيح عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: «سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة, فقال: اصرف بصرك», وفي السنن أنه قال: لعلي: «يا علي لا تتبع النظرة النظرة, فإنما لك الأولى, وليست لك الآخرة». وقد قال تعالى:[وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى].{طه:131} وقال: و[لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ], {الحجر:88} وقال:[زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المَآَبِ*قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ]. {آل عمران15:14} وقد قال مع ذمه لمذامه من هذه الزينة:[قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ]. {الأعراف:32}
من شكر النعمة عدم معصية الله في نعمه
ومعلوم: أن القوة نعمة, والجمال نعمة, وغير ذلك من نعم الله التي لا يحصيها إلا هو, فهل يجعل أحد مجرد كون الشيء نعمة, دليلا على استحباب أعماله فيما شاء الإنسان, أم يؤمر المنعم عليه بألا يستعملها في معصية, ويندب إلى ألا يستعملها إلا في طاعة الله تعالى. فالاستدلال بهذا: منزلة من استدل بإنعام الله بالسلطان والمال, على ما جرت عادة النفوس باستعمال ذلك فيه, من الظلم, والفواحش ونحو ذلك, فاستعمال الصوت الحسن في الأغاني, وآلات الملاهي, مثل: استعمال الصور الحسنة في الفواحش, واستعمال السلطان: بالكبرياء, والظلم, والعدوان, واستعمال المال في نحو ذلك. ثم يقال له: هذه النعمة يستعملها الكفار, والفساق في أنواع من الكفر, والفسوق, أكثر مما يستعملها المؤمنون في الإيمان, فإن استمتاع الكفار والفساق بالأصوات المطربة, أكثر من استمتاع المسلمين, فأي حمد لها بذلك, إن لم تستعمل في طاعة الله ورسوله.
الُـخِـلْـقَـة لا تـذم
وأما قوله: [إن الله ذم الصوت الفظيع], فهذا غلط منه, فإن الله لا يذم ما خلقه, ولم يكن فعلا للعبد, إنما يذم العبد بأفعاله الاختيارية دون ما لا اختيار له فيه, وإن كان صوته قبيحا, فإنه لا يذم على ذلك وإنما يذم بأفعاله , وقد قال الله في المنافقين:[وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ]. {المنافقون:4} وقال:[وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ]. {البقرة:204} وإنما ذم الله ما يكون باختيار العبد من رفع الصوت, الرفع المنكر كما يوجد ذلك في أهل الغلظ, والجفاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « الجفاء والغلظ, وقسوة القلوب في الفدادين, من أهل الوبر, وهم الصياحون صياحا منكرا». وقد قال الله تعالى: [وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ]. {لقمان:19} فأمره أن يغض من صوته, كما أمر المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم, وكما أمره أن يقصد في مشيه, وذلك كله فيما يكون باختياره, لا مدخل لذه الصوت وعدم لذته في ذلك. وقال تعالى:[إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ] {الحجرات:4} وقال: [لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ] {الحجرات:2} وقال: [إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى]. {الحجرات:3} وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه في صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة قال: «ليس بفظ, ولا غليظ, ولا صخاب بالأسواق, ولا يجزي بالسيئة السيئة, ولكن يعفو ويغفر». وفي الصحيح أيضا: انه أمر: « إن يبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب, لا صخب فيه, ولا نصب». وعنه صلى الله عليه وسلم قال: «إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة لهو ولعب, ومزامير الشيطان, وصوت عند مصيبة: لطم خدود, وشق جيوب, ودعاء بدعوى الجاهلية». | |
| | | الفارس إداري
عدد الرسائل : 1160 السٌّمعَة : 13 نقاط : 2574 تاريخ التسجيل : 08/02/2009
| موضوع: تابع معي الموضوع الخميس أغسطس 06, 2009 6:20 pm | |
| التنبية على غلط أبي القاسم القشيري
ثم قال أبو القاسم: واستلذاذ القلوب, واشتياقها إلى الأصوات الطيبة واسترواحها إليها مما لا يمكن جحوده, فإن الطفل يسكن إلى الصوت الطيب, والجمل يقاسى تعب السير, ومشقة الحمولة, فيهون عليه بالحداء قال الله تعالى:[أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ], {الغاشية:17} وحكى إسماعيل بن علية قال: «كنت أمشى مع الشافعي -رحمه الله- وقت الهاجرة, فجزنا بموضع يقول فيه أحد شيئا, فقال: مل بنا إليه, ثم قال: أيطربك هذا, فقلت لا, فقال مالك حسن».
جواب شيخ الإسلام
قلت: قد كان مستغنيا عن أن يستشهد على الأمور الحسية بحكاية مكذوبة على الشافعي, فإن إسماعيل بن علية: شيخ الشافعي لم يكن ممن يمشي معه, ولم يرو هذا عن الشافعي, بل الشافعي روى عنه وهو من أجلاء شيوخ الشافعي, وابنه إبراهيم بن إسماعيل كان متكلما, تلميذا لعبد الرحمن بن كيسان الأصم أحد شيوخ المعتزلة, وكان قد ذهب إلى مصر, وكان بينه وبين الشافعي مناوأة حتى كان الشافعي يقول فيه: أنا مخالف لابن علية في كل شيء حتى في قول لا إله إلا الله, لأني أقول: « لا إله إلا الله الذي كلم موسى من وراء الحجاب», وهو يقول: « لا إله إلا الله الذي خلق في الهواء كلاما يسمعه موسى», وهذا يذكر له أول رسالة في أصول الفقه, ويظن بعض الناس أن ابنه يشتبه بأبيه, فإنه شيخ الشافعي وأحمد وطبقتهما فهذه الحكاية يعلم أنها مفتراة من له أدنى معرفة بالناس, ولو صحت عمن صحت عنه لم يكن فيها إلا ما هو مدرك بالإحساس من أن الصوت الطيب لذيذ مطرب, وهذا يشترك فيه جميع الناس, ليس هذا من أمور الدين حتى يستدل فيه بالشافعي, بل ذكر الشافعي في مثل هذا غض من منصبه, مثل ما ذكر ابن طاهر عن مالك - رحمه الله- حكاية مكذوبة, وأهل المواخر أعلم بهذه المسألة من أئمة الدين, ولو حكى مثل هذا عن إسحاق بن إبراهيم النديم, وأبي الفرج الأصبهاني صاحب الأغاني, لكان أنسب من أن يحكيها عن الشافعي ثم يقال: كون الصوت الحسن فيه لذه أمر حسي, لكن أي شيء في هذا مما يدل على الأحكام الشرعية من كونه مباحا, أو مكروها, أو محرما, ومن كون الغناء قربة أو طاعة. بل مثل هذا أن يقول القائل: استلذاذا بالوطء مما لا يمكن جحوده, واستلذاذ النفوس بالوطء مما لا يمكن جحوده, واستلذاذها بالمباشرة للجميل من النساء, والصبيان, مما لا يمكن جحوده, واستلذاذها بالنظر إلى الصور الجميلة مما لا يمكن جحوده, واستلذاذها بأنواع المطاعم والمشارب مما لا يمكن جحوده, فأي دليل في هذا لمن هداه الله على ما يحبه ويرضاه, أو يبيحه ويجيزه , ومن المعلوم أن هذه الأجناس فيها الحلال والحرام, والمعروف والمنكر, بل كان المناسب لطريقة الزهد في الشهوات, واللذات, ومخالفة الهوى أن يستدل بكون الشيء لذيذا مشتهى, على كونه مباينا لطريق الزهد والتصوف, كما قد يفعل كثير من المشايخ, يزهدون بذلك في جنس الشهوات واللذات. وهذا وإن لم يكن في نفسه دليلا صحيحا, فهو اقرب إلى طريقة الزهد, والتصوف من الاستدلال بكون الشيء لذيذا على كونه طريقا إلى الله. وكل من الاستدلالين باطل, فلا يستدل على كونه محمودا, أو مذموما, أو حلالا أو حراما إلا بالأدلة الشرعية, لا بكونه لذيذا في الطبع, أو غير لذيذ. ولهذا ينكر على من يتقرب إلى الله بترك جنس اللذات, كما قال صلى الله عليه وسلم للذين قال احدهم: « أما أنا: فأصوم لا أفطر, وقال الآخر: أما أنا فأقوم لا أنام, وقال الآخر: أما أنا فلا أتزوج النساء, وقال الآخر: أما أنا فلا آكل اللحم, فقال: النبي صلى الله عليه وسلم لكني أصوم وأفطر, وأقوم وأنام, وأتزوج النساء, وآكل اللحم, فمن رغب عن سنتي فليس مني », وقد أنزل الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ].{المائدة:87}
تناقض أبي القاسم
ثم إن أبا القاسم, وطائفة معه: تارة يمدحون التقرب إلى الله بترك جنس الشهوات, وتارة يجعلون ذلك دليلا على حسنه, وكونه من القربات, وهذا بحسب وجد أحدهم وهواه, لا بحسب ما أنزل الله وأوحاه, وما هو الحق والعدل, وما هو الصلاح والنافع في نفس الأمر. تحقيق المسألة والتحقيق: أن العمل لا يمدح ولا يذم لمجرد كونه لذة, بل إنما يمدح ما كان لله أطوع, وللعبد أنفع, سواء كان فيه لذة, أو مشقة قرب لذيذ هو طاعة ومنفعة, ورب مشق هو طاعة ومنفعة, ورب لذيذ أو مشق صار منهيا عنه. ثم لو استدل بهذا على تحسين القرآن به, لكان مناسبا, فإن الاستعانة بجنس اللذات على جنس الطاعات, مما جاءت به الشريعة كما يستعان بالأكل, والشرب على العبادات, قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ], {البقرة:172} وقال: [كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ] .{المؤمنون:51} وفي الحديث المتفق عليه قوله لسعد رضي الله عنه: «إنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله, إلا ازددت بها درجة ورفعة, حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك». وقال صلى الله عليه وسلم: « في بضع أحدكم أهله صدقة ». وكذلك حمده في النعم كما في الحديث الصحيح: « إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها». فلو قال: إن الله خلق فينا الشهوات واللذات, لنستعين بها على كمال مصالحنا فخلق فينا شهوة الأكل واللذة به, فإن ذلك في نفسه نعمة, وبه يحصل بقاء جسومنا في الدنيا, وكذلك شهوة النكاح واللذة به هو في نفسه وربه يحصل بقاء النسل, فإذا استعين بهذه القوى على ما أمرنا, كان ذلك سعادة لنا في الدنيا والآخرة, وكنا من الذين أنعم الله عليهم, نعمة مطلقة, وإن استعملنا الشهوات فيما حظره علينا: بأكل الخبائث في نفسها, أو كسبها: كالمظالم, أو بالإسراف فيها, أو تعدينا أزواجنا, أو ما ملكت أيماننا, كنا ظالمين, معتدين, غير شاكرين لنعمته, لكان هذا كلاما حسنا, والله قد خلق الصوت الحسن وجعل النفوس تحبه, وتلتذ به, فإذا استعنا بذلك في استماع ما أمرنا باستماعه, وهو كتابه, وفي تحسين الصوت به, كما أمرنا بذلك حيث قال: « زينوا القرآن بأصواتكم», وكما كان يفعل أصحابه بحضرته, مثل: أبي موسى وغيره, كنا قد استعملنا النعمة في الطاعة, وكان هذا حسنا مأمورا به, كما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأبي موسى: « يا أبا موسى ذكرنا ربنا, فيقرأ وهم يستمعون», وكان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحدا منهم أن يقرأ, والباقي يستمعون , فهذا كان استماعهم, وفي مثل هذا السماع كانوا يستعملون الصوت الحسن, ويجعلون التذاذهم بالصوت الحسن عونا لهم على طاعة الله, وعبادته باستماع كتابه فيثابون على هذا الالتذاذ, إذ اللذة المأمور بها المسلم يثاب عليها, كما يثاب على أكله وشربه, ونكاحه, وكما يثاب على لذات قلبه بالعلم والإيمان, فإنها أعظم اللذات, وحلاوة ذلك أعظم الحلاوات , ونفس التذاذه, وإن كان متولدا عن سعته وهو في نفسه ثواب, فالمسلم يثاب على عمله, وعمل ما يتولد عن عمله, ويثاب عما يلتذ به من ذلك, مما هو أعظم لذة منه, فيكون متقلبا في نعمة ربه وفضله. | |
| | | الفارس إداري
عدد الرسائل : 1160 السٌّمعَة : 13 نقاط : 2574 تاريخ التسجيل : 08/02/2009
| موضوع: تابع معي الموضوع الخميس أغسطس 06, 2009 6:22 pm | |
| بطلان الإستدلال بالظن والهوى
فأما أن يستدل بمجرد استلذاذ الإنسان للصوت, أو ميل الطفل إليه, أو استراحة البهائم به, على جواز, أو استحباب في الدين فهو من أعظم الضلال, وهو كثير فيمن يعبد الله بغير العلم المشروع. ومن المعلوم أن الأطفال والبهائم, تستروح بالأكل, والشرب فهل يستدل بذلك على أن كل أكل وشرب فهو حسن مأمور به؟. وأصل الغلط في هذه الحجج الضعيفة: أنهم يجعلون الخاص عاما في الأدلة المنصوصة, وفي عموم الألفاظ المستنبطة, فيجنحون إلى أن الألفاظ في الكتاب والسنة أباحت, أو حمدت نوعا من السماع يدرجون فيها سماع المكاء والتصدية, أو يجنحون إلى المعاني التي دلت على الإباحة, أو الاستحباب في نوع من الأصوات, والسماع يجعلون ذلك متناولا لسماع المكاء والتصدية. وهذا جمع بين ما فرق الله بينه بمنزلة قياس الذين قالوا: [إِنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا]. {البقرة:275}
أصل القياس الباطل
وأصل هذا القياس: المشركين الذين عدلوا بالله, وجعلوا لله أندادا, سووهم برب العالمين في عبادتها, أو اتخاذها آلهة, وكذلك من عدل رسوله متنبئا كذابا كمسيلمة الكذاب, أو عدل بكتابه, وتلاوته واستماعه كلاما آخر, أو قراءته, أو سماعه, أو عدل بما شرعه من الدين دينا آخرا شرعه له شركاؤه, فهذا كله من فعل المشركين, وإن دخل في بعضه من المؤمنين قوم متأولون فالناس كما قال الله تعالى: [وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ]. {يوسف:106} فالشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل, وهذا مقام ينبغي للمؤمنين التدبر فيه, فإنه ما بدل دين الله في الأمم المتقدمة, وفي هذه الأمة إلا بمثل هذا القياس, ولهذا قيل: ما عبدت الشمس, والقمر إلا بالمقاييس.
وأصل الشرك: أن تعدل بالله تعالى مخلوقاته في بعض ما يستحقه وحده, فإنه لم يعدل أحد بالله شيئا من المخلوقات في جميع الأمور, فمن عبد غيره, أو توكل عليه, فهو مشرك به, كمن عمد إلى كلام الله الذي أنزله, وأمر باستماعه فعدل به سماع بعض الأشعار. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه», رواه الترمذي وغيره, وروى أيضا عنه: «ما تقرب العباد إلى الله بشيء, أحب إليه مما خرج منه, يعني: القرآن», وهذا محفوظ عن خباب بن الأرت أحد المهاجرين الأولين السابقين, قال: «يا هناه تقرب إلى الله بما استطعت, فلن يتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه» فإذا عدل بذلك ما نزه الله عنه ورسوله بقوله تعالى: [وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ], {يس:69} وجعله قرآنا للشيطان, كما في الحديث: «فما قرآني قال: الشعر», كان هذا عدل كلام الرحمن, بكلام الشيطان, وهذا قد جعل الشيطان عدلا للرحمن فهو من جنس الذين قال الله فيهم:[فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالغَاوُونَ*وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ*قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ*تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ*إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ العَالَمِينَ]. {الشعراء98:94}
قال تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ }, {المؤمنون71}.
والاستدلال بكون الصوت الحسن نعمة, واستلذاذ النفوس به على جواز استعماله في الغناء, أو استحباب ذلك في بعض الصور مثل الاستدلال بكون الجمال نعمة, ومحبة النفوس الصور الجميلة, على جواز استعمال الجمال الذي للصبيان في إمتاع الناس به, مشاهدة, ومباشرة, وغير ذلك, أو استحباب ذلك في بعض الصور, وهذا أيضا, قد وقع فيه طوائف من المتفلسفة, والمتصوفة, والعامة, كما وقع في الصوت أكثر من هؤلاء, لكن الواقعون في الصور فيهم من له من العقل والدين ما ليس لهؤلاء, إذ ليس في هؤلاء رجل مشهور بين الناس شهرة عامة, بخلاف أهل السماع, ولكن هم طرقوا لهم الطريق, وذرعوا الذريعة, حتى آل الأمر بكثير من الناس أن قالوا, وفعلوا في الصوت, نظير ما قاله هؤلاء, وفعلوه في الصور, يحتجون على جواز النظر إليه, والمشاهدة بمثل نظير قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله جميل, يحب الجمال», وينسون قوله : «إن الله لا ينظر إلى صوركم, ولا إلى أموالكم, ولكن ينظر إلى قلوبكم, وأعمالكم», ويحتجون بما في ذلك من راحة النفوس, ولذاتها كما يحتج هؤلاء, ويكرمون ذا الصورة على ما يبذله من صورته, وإشهادهم إياها, كما يكرم هؤلاء, ذا الصوت على ما يبذله من صوته, وإسماعهم إياه, بل كثيرا ما يجمع في الشخص الواحد بين الصورة, والصوت كما يفعل في المغنيات من القينات.
تزيين الشيطان البدع لجعلها من الدين
قال تعالى: {وَقَالُواْ هَـذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ },{الأنعام138.
وقد زين الشيطان لكثير من المتنسكة, والعباد, أن محبة الصور الجميلة إذا لم يكن بفاحشة, فإنها محبة لله, كما زين لهؤلاء أن استماع هذا الغناء لله, ففيهم من يقول هذا اتفاقا, وفيهم من يظهر أنه يحبه لغير فاحشة, ويبطن محبة الفاحشة, وهو الغالب. لكن ما أظهروه من الرأي الفاسد, وهو أن يحب لله ما لم يأمر الله بمحبته, هو الذي سلط المنافق منهم على أن يجعل ذلك ذريعة إلى الكبائر, ولعل هذه البدعة منهم أعظم من الكبيرة, مع الإقرار بأن ذلك ذنب عظيم, والخوف من الله من العقوبة, فإن هذا غايته أنه مؤمن, فاسق, قد جمع سيئة, وحسنه, وأولئك مبتدعة, ضلال حين جعلوا ما نهى الله عنه مما أمر الله به, وزين لهم سوء أعمالهم, فرأوه حسنا, وبمثلهم يضل أولئك, حتى لا ينكروا المنكر, إذا اعتقدوا أن هذا يكون عبادة الله. | |
| | | الفارس إداري
عدد الرسائل : 1160 السٌّمعَة : 13 نقاط : 2574 تاريخ التسجيل : 08/02/2009
| موضوع: تابع معي الموضوع الخميس أغسطس 06, 2009 6:24 pm | |
| التشريع الباطل شرك بالله قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }الشورى21
ومن جعل ما لم يأمر الله بمحبته محبوبا لله, فقد شرع دينا لم يأذن الله به, وهو مبدأ الشرك, كما قال تعالى : [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ العَذَابَ أَنَّ القُوَّةَ للهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ العَذَابِ]. {البقرة:165} فإن محبة النفوس الصورة, والصوت قد تكون عظيمة جدا, فإذا جعل ذلك دينا, وسمى لله, صار كالأنداد, والطواغيت المحبوبة تدينا, وعبادة, كما قال تعالى: [وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ العِجْلَ بِكُفْرِهِمْ]. {البقرة:93} وقال تعالى عنهم:[أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ]. {ص:6}
خطر البدع على العبد أعظم من خطر الذنوب والمعاصي قال تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ },{التوبة37} وقال تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ },{التوبة102}.
بخلاف من أحب المحرمات, مؤمنا بأنها من المحرمات, فإن من أحب الخمر والغناء, والبغي, والمخنث مؤمنا بأن الله يكره ذلك ويبغضه, فإنه لا يحبه محبة محضة, بل عقله وإيمانه يبغض هذا الفعل ويكرهه, ولكن قد غلبه هواه, فهذا قد يرحمه الله, إما بتوبة إذا قوى ما في إيمانه من بغض ذلك وكراهته, حتى دفع الهوى, وإما بحسنات ماحية, وإما بمصائب مكفرة, وإما بغير ذلك .
أما إذا اعتقد أن هذه المحبة لله : فإيمانه بالله يقوي هذه المحبة ويؤيدها, وليس عنده إيمان يزعه عنها, بل يجتمع فيها داعي الشرع والطبع, الإيمان والهدى, وذلك أعظم من شرب النصراني للخمر: فهذا لا يتوب من هذا الذنب, ولا يتخلص من وباله إلا أن يهديه الله , فتبين له أن هذه المحبة ليست محبة لله, ولا أمر الله بها, بل كرهها ونهى عنها, وإلا فلو ترك أحدهم هذه المحبة لم يكن ذلك توبة, فإنه يعتقد أن جنسها دين, بحيث يرضى بذلك من غيره, ويأمره به, ويقره عليه, وتركه لها كترك المؤمن بعض التطوعات والعبادات.
قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }المنافقون4
وليس في دين الله محبة أحد لحسنه قط, فإن مجرد الحسن لا يثيب الله عليه ولا يعاقب, ولو كان كذلك كان يوسف عليه السلام لمجرد حسنه أفضل من غيره من الأنبياء لحسنه, وإذا استوى شخصان في الأعمال الصالحة, وكان أحدهما أحسن صورة, وأحسن صوتا كانا عند الله سواء.
قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }الكهف28 {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ },الشعراء111
فإن أكرم الخلق عند الله أتقاهم, يعم صاحب الصوت الحسن والصورة الحسنة, إذا استعمل ذلك في طاعة الله دون معصيته كان أفضل من هذا الوجه, كصاحب المال والسلطان إذا استعمل ذلك في طاعة الله دون معصيته, فإنه بذلك الوجه أفضل ممن لم يشركه في تلك الطاعة, ولم يمتحن بما امتحن به حتى خاف مقام ربه, ونهى النفس عن الهوى, ثم ذلك الغير إن كان له عمل صالح آخر يساويه به, وإلا كان الأول أفضل مطلقا, وهذا عام لجميع الأمور التي أنعم الله تعالى بها على بني آدم وابتلاهم بها, فمن كان فيها شاكرا صابرا, كان من أولياء الله المتقين, وكان ممن امتحن بمحبة حتى صبر وشكر, وإن لم يكن المبتلى صابرا شكورا بل ترك ما أمر الله به, وفعل ما نهى الله عنه, كان عاصيا, أو فاسقا, أو كافرا, وكان من سلم من هذه المحنة خيرا منه, إلا أن يكون له ذنوب أخرى يكافيه بها, وإن جمع بين طاعة, ومعصية, فإن ترجحت طاعته, كان أرجح ممن لم يكن له مثل ذلك, وإن ترجحت معصيته كان السالم من ذلك خيرا منه, فإن كان له مال يتمكن به في الفواحش والظلم, فخالف هواه وأنفقه فيما يبتغي به وجه الله, أحب الله ذلك منه, وأكرمه وأثابه. | |
| | | الفارس إداري
عدد الرسائل : 1160 السٌّمعَة : 13 نقاط : 2574 تاريخ التسجيل : 08/02/2009
| موضوع: تابع معي الموضوع الخميس أغسطس 06, 2009 6:27 pm | |
| قال تعالى: {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً }المزمل4
ومن كان له صوت حسن, فترك استعماله في التخنيث, والغناء واستعمله في تزيين كتاب الله, والتغني به, كان بهذا العمل الصالح وبترك العمل السيئ, أفضل ممن ليس كذلك, فإنه يثاب على تلاوة كتاب الله فيكون في عمله معنى الصلاة, ومعنى الزكاة. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : «ما أذن الله لشيء, كأذنه لبني حسن الصوت, يتغنى بالقرآن, يجهر به», وقال: «لله أشد أذنا للرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته».
جمال الظاهر مع جمال الباطن قال تعالى: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ}يوسف31
ومن كان له صورة حسنة فعف عما حرم الله تعالى, وخالف هواه, وجمل نفسه بلباس التقوى الذي قال الله فيه: [يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ], {الأعراف:26} كان هذا الجمال, يحبه الله, وكان من هذا الوجه أفضل ممن لم يؤت مثل هذا الجمال, ما لا يكساه وجه العاصي, فإن كانت خلقته حسنة ازدادت حسنا, وإلا كان عليها من النور والجمال بحسبها. وأما أهل الفجور: فتعلو وجوههم ظلمة المعصية حتى يكسف الجمال المخلوق, قال ابن عباس رضي الله عنه: « إن للحسنة لنورا في القلب, وضياء في الوجه, وقوة في البدن, وزيادة في الرزق, ومحبة في قلوب الخلق, وإن للسيئة لظلمة في القلب, وغبرة في الوجه, وضعفا في البدن, ونقصا في الرزق, وبغضة في قلوب الخلق».
حقيقة الجمال في القران
وهذا يوم القيامة يكمل حتى يظهر لكل احد, كما قال تعالى: [يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ]. {آل عمران:106} وقال تعالى: [وَيَوْمَ القِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ]. {الزُّمر:60} وقال تعالى: [وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ*إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ*وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ*تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ]. {القيامة25:22} وقال تعالى: [وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ*ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ*وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ*تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ*أُولَئِكَ هُمُ الكَفَرَةُ الفَجَرَةُ]. {عبس42:38} وقال تعالى:[وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ*عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ*تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً] {الغاشية4:2} و[وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ*لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ]. {الغاشية9:8} وقال تعالى:[وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ]. {الكهف:29} وقال تعالى:[إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ*عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ*تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ]. {المطَّففين24:22} وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تزال المسألة بأحدهم حتى يجئ يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم», وقال: « من سأل الناس, وله ما يكفيه, جاءت مسألته خدوشا, أو كدوحا في وجهه يوم القيامة». وقال عليه السلام: « أول زمرة تلج الجنة على صورة القمر ليلة البدر, والذين يلونهم كأشد كوكب في السماء إضاءة». وقال يوم حنين: «شاهت الوجوه, لوجوه المشركين». وأمثال هذا كثير: مما فيه وصف أهل السعادة, بنهاية الحسن والجمال, والبهاء, وأهل الشقاء, بنهاية السوء, والقبح, والعيب.
صفة أهل التقوى في الدنيا
وقد قال تعالى في وصفهم في الدنيا: [مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ {الفتح:29] فهذه السيما في وجوه المؤمنين. والسيما: العلامة, وأصلها من الوسم, وكثيرا ما يستعمل في الحسن كما جاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وسيم قسيم.
وقال الشاعر: غلام رماه الله بالحسن يافعا له سيماء لا تشق على البصر وقال الله تعالى في صفة المنافقين: [وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ], {محمد:30} فجعل للمنافقين سيما أيضا. وقال: [وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا المُنْكَرَ] {الحج:72} فهذه السيما, وهذا المنكر, قد يوجد في وجه من صورته المخلوقة وضيئة, كما يوجد مثل ذلك في الرجال والنساء, والولدان, لكن بالنفاق قبح وجهه, فلم يكن فيه الجمال الذي يحبه الله, وأساس ذلك النفاق والكذب.
ولهذا يوصف الكذاب بسواد الوجه, كما يوصف الصادق ببياض الوجه, كما أخبر الله بذلك, ولهذا روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر بتعزيز شاهد الزور, بأن يسود وجهه, ويركب مقلوبا على الدابة, فإن العقوبة من جنس الذنب, فلما اسود وجهه بالكذب, وقلب الحديث, سود وجهه وقلب في ركوبه, وهذا أمر محسوس لمن له قلب, فإن ما في القلب من النور والظلمة, والخير والشر, يسرى كثيرا إلى الوجه والعين, وهما أعظم الأشياء ارتباطا بالقلب.
ولهذا يروى عن عثمان رضي الله عنه أو غيره أنه قال: «ما أسر أحد بسريرة, إلا أبداها الله على صفحات وجهه, وفلتات لسانه», والله قد أخبر في القرآن أن ذلك قد يظهر في الوجه فقال: [وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ], {محمد:30} فهذا تحت المشيئة. ثم قال: [وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القَوْلِ], {محمد:30} فهذا مقسم عليه محقق لا شرط فيه, وذلك أن ظهور ما في قلب الإنسان على لسانه, أعظم من ظهوره في وجهه, لكنه يبدو في الوجه بدوا خفيا يعلمه الله, فإذا صار خلقا ظهر لكثير من الناس,
وقد يقوى السواد والقسمة حتى يظهر لجمهور الناس, وربما مسخ قردا, أو خنزيرا, كما في الأمم قبلنا, وكما في هذه الأمة أيضاً, وهذا كالصوت المطرب: إذا كان مشتملا على كذب, وفجور, فإنه موصوف بالقبح, والسوء الغالب على ما فيه من حلاوة الصوت. | |
| | | الفارس إداري
عدد الرسائل : 1160 السٌّمعَة : 13 نقاط : 2574 تاريخ التسجيل : 08/02/2009
| موضوع: تابع معي الموضوع الخميس أغسطس 06, 2009 6:30 pm | |
| فتنة حُسن الصورة
فذو الصورة الحسنة: إما أن يترجح عنده العفة والخلق الحسن, وإما أن يترجح فيه ضد ذلك, وإما أن يتكافآ. فإن ترجح فيه الصلاح: كان جماله بحسب ذلك, وكان أجمل ممن لم يمتحن تلك المحنة. وإن ترجح فيه الفساد: لم يكن جميلا, بل قبيحا مذموما, فلا يدخل في قوله: «إن الله جميل يحب الجمال». وإن تكافأ فيه الأمران: كان فيه من الجمال والقبح, بحسب ذلك فلا يكون محبوبا, ولا مبغضا. والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذه الكلمة, للفرق بين الكبر الذي يبغضه الله, والجمال الذي يحبه الله, فقال: « لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر, فقال رجل: يا رسول الله, الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا, ونعله حسنا, أفمن الكبر ذلك, فقال: لا إن الله جميل, يحب الجمال, الكبر بطر الحق, وغمط الناس», فأخبر أن تحسين الثوب قد يكون من الجمال الذي يحبه الله, كما قال تعالى: [خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ] {الأعراف:31} فلا يكون حينئذ من الكبر, وقد يرد أنه ليس كل ثوب جميل, وكل نعل جميل, فإن الله يحبه, فإن الله يبغض لباس الحرير, ويبغض الإسراف والخيلاء في اللباس, وإن كان فيه جمال, فإذا كان هذا في لبس الثياب الذي هو سبب هذا القول, فكيف في غيره.
وتفسير هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم, ولا إلى أموالكم, ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ». فعلم أن مجرد الجمال الظاهر في الصور والثياب, لا ينظر الله إليه, وإنما ينظر إلى القلوب والأعمال, فإن كان الظاهر مزينا مجملا بحال الباطن, أحبه الله, وإن كان مقبحا مدنسا بقبح الباطن, أبغضه الله, فإنه سبحانه يحب الحسن الجميل, ويبغض السيئ الفاحش.
وأهل جمال الصورة, يبتلون بالفاحشة كثيرا, واسمها ضد الجمال, فإن الله سماه فاحشة, وسوءا, وفسادا, وخبيثا, فقال تعالى: [وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا] {الإسراء:32} وقال:[ وَلَا تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ]. {الأنعام:151} وقال:[ أَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ العَالَمِينَ]. {الأعراف:80} وقال: [وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ]. {هود:78} وقال: [وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ القَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الخَبَائِثَ]. {الأنبياء:74} وقال: [قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى القَوْمِ المُفْسِدِينَ]. {العنكبوت:30} وقال: [وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُجْرِمِينَ]. {الأعراف:84}
الفاحش والخبيث قال تعالى: {قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }المائدة100
والفاحش والخبيث: ضد الطيب والجميل, فإذا كان كذلك, أبغضه الله ولم يحبه, ولم يكن مندرجا في الجميل. ونظير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يحب الفحش, ولا التفحش». وقوله: «إن الله يبغض الفاحش البذيء», فلو أفحش الرجل, وبذأ بصوته الحسن, كان الله يبغض ذلك.
سنة النبي صلى الله عليه وسلم في المخنثين
ونفي المخنثين سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم الثابته عنه في موضعين, في حق الزاني والزانية اللذين لم يحصنا, كما قال: «جلد مائة وتغريب عام», وفي حق المخنث: وهو إخراجه من بين الناس.
سبب نفي المخنث
وذلك أن الفاحشة لا تقع إلا مع قدرة, ومكنة الإنسان, لا يطلب ذلك إلا إذا طمع فيه بما يراه من أسباب المكنة, فمن العقوبة على ذلك قطع أسباب المكنة, فإذا تغرب الرجل عن أهله, وأعوانه وأنصاره الذي يعاونون وينصرونه ذلت نفسه, وانقهرت, فكان ذلك جزاء نكالا من الله من الجلد, ولأنه مفسد لأحوال من يساكنه, فيبعد عنهم. | |
| | | الفارس إداري
عدد الرسائل : 1160 السٌّمعَة : 13 نقاط : 2574 تاريخ التسجيل : 08/02/2009
| موضوع: تتمةالموضوع الخميس أغسطس 06, 2009 6:32 pm | |
| خطر المخنث وحكمة الشارع
وكذلك المخنث يفسد أحوال الرجال والنساء جميعا, فلا يسكن مع واحد من الصنفين, وقد كان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه, التمييز بين الرجال والنساء, والمتأهلين والعزاب, فكان المندوب في الصلاة أن يكون الرجال في مقدم المسجد, والنساء في مؤخره, وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «خير صفوف الرجال أولها, وشرها آخرها, وخير صفوف النساء آخرها, وشرها أولها», وقال: « يا معشر النساء لا ترفعن رؤوسكن حتى يرفع الرجال رؤوسهم من ضيق الأزر», وكان: « إذا سلم لبث هنيهة هو والرجال, لينصرف النساء أولا, لئلا يختلط الرجال والنساء». وكذلك يوم العيد: كان النساء يصلين في ناحية, فكان إذا قضى الصلاة, خطب الرجال, ثم ذهب فخطب النساء, فوعظهن وحثهن على الصدقة, كما ثبت ذلك في الصحيح, وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعضهم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد قال عن أحد أبواب المسجد أظنه الباب الشرقي لو تركنا هذا الباب للنساء فما دخله عبد الله بن عمر حتى مات وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للنساء: «لا تحققن الطريق, وامشين في حافته», أي: لا تمشين في حق الطريق: [وهو وسطه], وقال علي رضي الله عنه: «ما يغار أحدكم أن يزاحم امرأته العلوج بمنكبها, يعني في السوق». وكذلك لما قدم المهاجرون المدينة: كان العزاب ينزلون دارا معروفة لهم متميزة عن دور المتأهلين, فلا ينزل العزب بين المتأهلين, وهذا كله لأن اختلاط أحد المصنفين بالآخر سبب الفتنة, فالرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار والحطب, وكذلك العزب بين الآهلين فيه فتنة, لعدم ما يمنعه, فإن الفتنة تكون لوجود المقتضى وعدم المانع, فالمخنث الذي ليس رجلا محضا ولا هو امرأة محصنة لا يمكن خلطه بواحد من الفريقين, فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراجه من بين الناس.
المخنث من الصبيان
وعلى هذا المخنث من الصبيان وغيرهم, لا يمكن من معاشرة الرجال ولا ينبغي أن تعاشر المرأة المتشبهة بالرجال النساء, بل يفرق بين بعض الذكران, وبين بعض النساء إذا خيفت الفتنة, كما قال صلى الله عليه وسلم : «مروهم بالصلاة لسبع, واضربوهم عليها لعشر, وفرقوا بينهم في المضاجع», وقد نهى عن مباشرة الرجل في ثوب واحد, وعن مباشرة المرأة, المرأة في ثوب واحد, مع أن القوم لم يكونوا يعرفون التلوط, ولا السحاق, وإنما هو من تمام حفظ حدود الله, كما أمر الله بذلك في كتابه.
سنة الخليفة الراشد عمر فيهم
وقد روى أن عمر رضي الله عنه: «بلغه أن رجلا يجتمع إليه نفر من الصبيان فنهى عن ذلك», وأبلغ من ذلك أنه : «نفى من شبب به النساء, وهو نصر بن حجاج لما سمع امرأة شببت به, وتشتهيه, ورأى هذا سبب الفتنة, فجز شعره, لعل سبب الفتنة يزول بذلك, فرآه أحسن الناس وجنتين فأرسل به إلى البصرة, ثم إنه بعث يطلب القدوم إلى وطنه, ويذكر إلا ذنب له, فأبى عليه وقال أما وأنا حي فلا ».
الحكمة من ذلك
وذلك أن المرأة إذا أمرت بالاحتجاب, وترك التبرج وغير ذلك مما هو من أسباب الفتنة بها ولها, فإذا كان في الرجال من قد صار فتنة للنساء أمر أيضا بمباعدة سبب الفتنة, إما بتغيير هيئته, وإما بالانتقال عن المكان الذي تحصل به الفتنة فيه, لأنه بهذا يحصن دينه, ويحصن النساء دينهن, وبدون ذلك, مع وجود المقتضى منه ومنهن, لا يؤمن ذلك, وهكذا يؤمر من يفتن النساء من الصبيان أيضا. وذلك أنه إذا احتج إلى المباعدة التي تزيل الفتنة, كان تبعيد الواحد أيسر من تبعيد الجماعة, الرجال أو النساء إذ ذاك غير ممكن, فتحفظ حدود الله, ويجانب ما يوجب تعدي الحدود, بحسب الإمكان, وإذا كان هذا فيمن لا ريبة فيه ولا ذنب, فكيف بمن يعرف بالريبة والذنب. وهكذا المرأة التي تعرف بريبة, تفتن بها الرجال تبعد عن مواضع الريب, بحسب الإمكان, فإن دفع الضرر عن الدين بحسب الإمكان واجب, فإذا كان هذا هو السنة, فكيف بمن يكون في جمعه من أسباب الفتنة ما الله به عليم, والرجل الذي يتشبه بالنساء في زيهن.
*****
نشر بتاريخ 27-10-2008 | |
| | | | مفهوم الجمال في القران والسنة والاثرالجزء 1 لفضيلة الشيخ العلامة عبد الله العبيلان | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|