السبب الحقيقي في اختلاف العلماء في عدد ركعات التراويح
فإن قيل : سلمنا بفساد هذه الشبهات كلها وسلامة النص من أي معارض فما هو السبب الذي جعل العلماء يختلفون في عدد ركعات التراويح ؟
فنقول : الذي يبدو لنا في ذلك أمران لا ثالث لهما :
الأول : وهو الأقوى والأكثر : عدم الاطلاع على هذا النص الوارد في العدد فمن لم يبلغه ذلك فهو معذور في عدم العمل به لقوله تعالى عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق القرآن : ؟ لأنذركم به ومن بلغ ؟ بل هو مأجور لقوله صلى الله عليه وسلم :
[ إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد ] رواه البخاري وغيره
الثاني : أنهم فهموا النص فهما لا يلزمهم الوقوف عنده وعدم الزيادة عليه لوجه من وجوه التأويل التي قد تعرض لبعض العلماء بغض النظر عن كونه خطأ أو صوابا كقول الشافعية : " وأما قول عائشة : ما كان صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة فمحمول على الوتر " . ونحو ذلك من الوجوه التي لا تلزم غيرهم الأخذ بها لثبوت ضعفها لديهم فانظر مثلا إلى
هذا الوجه الذي نقلته عن الشافعية فإنه ظاهر الضعف إذا تذكرت أن قول عاشة هذا إنما كان جوابا لمن سألها : " كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان " ؟ كما سبق فالصلاة المسئول عنها شاملة لكل صلاة الليل فكيف يصح أن يحمل على الوتر فقط دون صلاة الليل كلها مع أن هذا الحمل يفيد أنه صلى الله عليه وسلم كان له صلاتان : إحداهما صلاة الليل - وما أدري كم تكون ركعاتها - والأخرى صلاة الوتر بأكثر ركعاته : إحدى عشرة ركعة وهذا مما لا يقوله عالم بالسنة فالأحاديث متضافرة على أن صلاته صلى الله عليه وسلم في الليل لم تزد على الإحدى عشرة ركعة على التفصيل المتقدم فهذا من نتائج تأويل النصوص لتأييد المذهب
موقفنا من المخالفين لنا في هذه المسألة وغيرها
إذا عرفت ذلك فلا يتوهمن أحد أننا حين اخترنا الاقتصار على السنة في عدد ركعات التراويح وعدم جواز الزيادة عليها أننا نضلل أو نبدع من لا يرى ذلك من العلماء السابقين واللاحقين كما قد ظن ذلك بعض الناس واتخذوه حجة للطعن علينا توهما منهم أنه يلزم من قولنا : بأن الأمر الفلاني لا يجوز أو أنه بدعة أن
كل من قال بجوازه واستحبابه فهو ضال مبتدع !! كلا فإنه وهم باطل وجهل بالغ لأن البدعة التي يذم صاحبها وتحمل عليه الأحاديث الزاجرة عن البدعة إنما هي " طريقة في الدين مخترعة تضاه الشريعة يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه " فمن ابتدع بدعة يقصد بها المبالغة في التعبد وهو يعلم أنها ليست من الشرع فهو الذي تنصب عليه تلك لأحاديث وأما من وقع فيها دون أن يعلم بها ولم يقصد بها المبالغة في التعبد فلا تشمله تلك الأحاديث مطلقا ولا تعنيه البتة وإنما تعني أولئك المبتدعة الذي يقفون في طريق انتشار السنة ويستحسنون كل بدعة بدون علم ولا هدى ولا كتاب منير بل ولا تقليدا لأهل العلم والذكر بل اتباعا للهوى وإرضاء للعوام وحاشا أن يكون من هؤلاء أحد من العلماء المعروفين بعلمهم وصدقهم وصلاحهم وإخلاصهم ولا سيما الأئمة الأربعة المجتهدين رضي الله عنهم أجمعين فغننا نقطع بتنزههم أن يستحسنوا بدعة مبالغة منهم في التعبد كيف وهم قد نهوا عن ذلك كما سنذكر نصوصهم في ذلك في الرسالة الخاصة بالبدعة إن شاء الله تعالى
نعم قد يقع أحدهم فيما هو خطأ شرعا ولكنه لا يؤاخذ على ذلك بل هو مغفور له ومأجور عليه كما سبق مرارا وقد
يتبين للباحث أن هذا الخطأ من نوع البدعة فلا يختلف الحكم في كونه مغفورا له ومأجورا عليه لأنه وقع عن اجتهاد منه ولا يشك عالم أنه لا فرق من حيث كونه خطأ بين وقوع العالم في البدعة ظنا منه أنها سنة وبين وقوعه في المحرم وهو يظن أنه حلال فهذا كل خطأ ومغفور كما علمت ولهذا نرى العلماء مع اختلافهم الشديد في بعض المسأئل لا يضلل بعضهم بعضا ولا يبدع بعضهم بعضا ولنضرب على ذلك مثالا واحدا لقد اختلفوا منذ عهد الصحابة في إتمام الفريضة في السفر فمنهم من أجازه ومنهم من منعه ورآه بدعة مخالفة للسنة ومع ذلك فلم يبدعوا مخالفيهم فهذا ابن عمر رضي الله عنه يقول :
صلاة المسافر ركعتان من خالف السنة كفر
رواه السراج في مسنده باسنادين صحيحين عنه
ومع هذا فلم يكفر ولم يضلل من خالف هذه السنة اجتهادا بل لما صلى وراء ن يرى الإتمام أتم معه
فروى السراج بسند صحيح عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بمنى ركعتين وأبو بكر وعمر وعثمان صدرا من أمارته ركعتين ثم أن عثمان صلى بمنى أربعا فكان ابن عمر اذا صلى معهم صلى أربعا واذا صلى وحده صلى ركعتين وروى البخاري نحوه عن ابن مسعود وفيه أنه لما بلغه إتمام عثمان استرجع
فتأمل كيف أن ابن عمر لم يحمله اعتقاده بخطأ من يخالف السنة الثابتة بالإتمام في السفر على أن يضلله أو يبدعه بل إنه صلى وراءه لأنه يعلم أن عثمان رضي الله عنه لم يتم اتباعا للهوى - معاذ الله بل ذلك يجب عن اجتهاد منه وهذا هو السبيل الوسط الذي نرى من الواجب على المسلمين أن يتخذوه لهم طريقا لحل الخلافات القائمة بينهم أن يجهر كل منهم بما يراه هو الصواب الموافق للكتاب والسنة شريطة أن لا يضلل ولا يبدع من لم ير ذلك لشبهة عرضت له لأنه هو الطريق الوحيد الذي به تتحقق وحدة المسلمين وتتوحد كلمتهم ويبقى الحق فيه ظاهرا جليا غير منطمس المعالم ولهذا نرى أيضا أن تفرق المسلمين في صلاتهم وراء أئمة متعددين : هذا حنفي وهذا شافعي . . . . مما يخالف ما كان عليه سلفنا الصالح من الاجتماع في الصلاة وراء إمام واحد وعدم التفرق وراء أئمة متعددين
هذا هو موقفنا في المسائل الخلافية بين المسلمين الجهر بالحق بالتي هي أحسن وعدم تضليل من يخالفنا لشبهة لا لهوى
الأحوط اتباع السنة
على أنه مهما قيل في جواز الزيادة أو عدمها فما أظن أن مسلما يتوقف - بعد ما سلف بيانه - عن القول بأن العدد الذي ورد عنه صلى الله عليه وسلم أفضل من الزيادة عليه لصريح قوله صلى الله عليه وسلم :
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
رواه مسلم
فما الذي يمنع المسلمين اليوم أن يأخذوا بهذا الهدي المحمدي ويدعوا ما زاد عليه ولو من باب " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " لا سيما وأن كثيرا منهم يسيؤون أداة صلاة التراويح بعشرين ركعة للسرعة الزائدة التي يؤدونها بها حتى ليمكن القول إنها لا تصح مطلقا لإخلالهم بالاطمئنان الذي هو ركن من أركان الصلاة التي لا تصح صلاة إلا بها لما سيأتي بيانه فلو أنهم صلوها بالعدد الوارد في السنة في مثل المدة التي يصلون فيها العشرين لكانت صلاتهم صحيحة مقبولة باتفاق العلماء ويؤيد ذلك حديث جابر قال : سئل صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل ؟ قال : " طول القيام " .
فعليكم أيها المسلمون بسنته صلى الله عليه وسلم تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ فإن " خير الهدى هدي محمد " صلى الله عليه وسلم
أمر عمر بال ( 11 ) ركعة
وأما أمر عمر رضي الله عنه بالإحدى عشرة ركعة فهو ما رواه مالك في " الموطأ " ( 1 / 137 ) ( ورقم 248 ) عن محمد بن يوسف عن السائب بن ييد أنه قال :
أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشر ركعة قال : وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام وما كنا ننصرف إلا في بزوغ الفجر " ...
وسنده صحيح جدا ...))
انتهى كلام الألباني رحمه الله من كتابه الماتع (( صلاة التراويح))
وقد بيّن فيه رحمه الله أنه لم يثبت أن عمر رضي الله عنه صلى التراويح عشرين ركعة , وتجد في هذه الرسالة تحقيق الأخبار الواردة في ذلك وبيان ضعفها ... فراجعها لزاما ..
وأنا أعلم بارك الله فيكم أن هناك من أهل العلم المعاصرين والقدامى من قال بجواز الزيادة على الإحدى عشرة ركعة واستدل بما روي عن عمر رضي الله عنه وقد بان لكم ضعف هذه الرواية فلا متعلق إذا بكلام فلان أو فلان من أهل العلم الفضلاء وكل يؤخذ من قوله ويترك ...
وأنا لا ألزم أحدا بأن يكون ألبانيا ! في هذه المسألة ولكني أرجو ممن كان عنده أثارة من علم أن يشارك معنا في النقاش ويبين لنا خطأ الألباني رحمه الله في تضعيفه للروايات التي ورد فيها ذكر العشرين ركعة ... هذا ما أبغيه وفوق كل ذي علم عليم ومنكم نستفيد
أما الاستدلال بالعمومات والإطلاقات فقد كفانا الشيخ الألباني مؤنة الرد على من تمسك بذلك مما لا يدع مجالا لزيادة بيان , فجزاه الله عنا خيرا ...
أسأل الله أن يوفق المسلمين لاتباع سنة النبي الأمين صلى الله عليه وسلم وهدي صحابته الكرام رضوان الله عليهم ..
والسلام عليكم ورحمة الله
منقول من شبكة سحاب
http://www.sahab.net/forums/showthread.php?t=352062