دحض شبهات على التوحيد من سوء الفهم لثلاثة أحاديث -4- [[color=green]/color] "فصل"
وأما من ادعى أن من قال لا إله إلا الله فإنه لا يجوز قتله ولا قتال الطائفة الممتنعة إذا قالوا هذه الكلمة وإن فعلوا أي ذنب، فهذا قول مخالف للكتاب والسنة والإجماع، ولو طرد هذا القائل أصله لكان كافرا بلا شك.
أما الكتاب فقول الله تعالى:{ فَاقْتُلُواْ (2) الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } إلى قوله: { فَإِن تَابُواْ} أي عن الشرك (3) { وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } [التوبة:5] فجعل قتالهم ممدودا إلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، بعد الإتيان بالتوحيد.
وقال تعالى:{ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } أي شرك (4) { وَيَ كُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه} [الأنفال:39].
وأما السنة فكثيرة جدا (منها) ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" (5).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ليس في الأصلين.
(2) وقع في المطبوعة والمخطوطة (اقتلوا) وهوخطأ.
(3) قاله أنس وقتادة انظر الدر المنثور4/132،134- وتفسير ابن كثير2/336.
(4) قاله ابن عباس وقتادة وأبوالعالية ومجاهد والحسن والربيع ومقاتل بن حيان والسدي وزيد بن أسلم- انظر تفسير الطبري2/194،والدر المنثور للسيوطي1/495، وابن كثير1/227.
(5) تقدم الكلام عليه في أول الرسالة.
ص -47- وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم استُخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب، فقال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس- وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" فقالأبو بكر: " لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال، فوالله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه" فقال عمر:"فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق" (1). فقد جعل الصديق رضي الله عنه المبيح للقتال مجرد المنع لا جحد الوجوب.
قال النووي في شرح مسلم(باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ويؤمنوا بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وأن من أتى بلك عصم نفسه وماله إلا بحقها، ووكلت سريرته إلى الله, وقتال مانع الزكاة وغيرها من حقوق الإسلام ، واهتمام الإمام بشرائع (2) الإسلام) ثم ساق الحديث- ثم قال: قال الخطابي في شرح هذا الحديث كلاما حسنا لا بد من ذكره لما فيه من الفوائد:
قال : رحمه الله: مما يجب تقديمه أن يعلم أن أهل الردة كانوا صنفين ارتدوا عن الدين، ونابذوا الملة وعادوا لكفرهم، وهم الذين عنى أبو هريرة بقوله:" وكفر من كفر من العرب".
والصنف الثاني (3): فرقوا بين الصلاة والزكاة فأقروا بالصلاة وأنكروا فرض الزكاة ووجوب أدائها إلى الإمام. وقد كان في ضمن هؤلاء المانعين من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تقدم الكلام عليه في أول الرسالة.
(2) في المطبوعة من صحيح مسلم (بشعائر).
(3) يبدوا أن الشيخ نقل كلام الخطابي باختصار وتصرف فإنه قد حذف من كلام الخطابي الكثير انظر شرح مسلم202/1.
ص -48- يكاد يسمح بالزكاة لا يمنعها إلا أن رؤساءهم صدوهم عن ذلك الرأي، وقبضوا على أيديهم في ذلك، كبني يربوع، فإنهم جمعوا صدقاتهم وأرادوا أن يبعثوا بها إلى أبي بكر فمنعهم مالك بن نويرة من ذلك وفرقها فيهم (1)، وفي أمر هؤلاء عرض الخلاف، ووقعت الشبهة عند عمر رضي الله عنه، فراجع أبا بكر وناظره واحتج عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم:" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم نفسه وماله"، وكان هذا من عمر تعلقا بظاهر الكلام قبل أن ينظر في آخره ويتأمل شرائطهن فقال له أبو بكر: "الزكاة حق المال" يريد أن القضية قد تضمنت عصمة دم ومال معلقة بإيفاء شرائطها. والحلق المعلق بشرطين لا يحصل بأحدهما والآخر معدوم.
ثم قايسه بالصلاة ورد الزكاة إليها. وكان في ذلك من قوله دليل على قتال الممتنع من الصلاة وإن (2)كان إجماعا من الصحابة رضي الله عنهم، ولذلك رد المختلف فيه إلى المتفق عليه.
فلما استقر عندهم رأي أبي بكر رضي الله عنه وبان لعمر صوابه تابعه على قتال القوم، وهو معنى قوله: " فلما رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال عرفت أنه الحق" يريد انشراح صدره بالحجة التي أدلى، والبرهان الذي أقامه نصا ودلالة, انتهى.
وقال النووي أيضا: قال الخطابي –ويبين لك أن حديث أبي هريرة مختصر – أن عبد الله بن عمر وأنسا روياه بزيادة لم يذكرها أبو هريرة.
ففي حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" (3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر تفصيل حادثة الردة في البداية والنهاية لابن كثير6/350.
(2) سقطت من المخطوطة.
(3) تقدم الكلام عليه.
ص -49- وفي رواية أنس :" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن يستقبلوا قبلتنا، وأن يأكلوا ذبيحتنا وأن يصلوا صلاتنا، فإذا فعلوا ذلك حرمت علينا دماءهم إلا بحقها، ولهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين" (1).انتهى.
قلت(2) : وقد ثبت في الطريق الثالث المذكور في الكتاب من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به ، فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها".
وفي استدلال أبي بكر واعتراض عمر رضي الله عنهما دليل على أنهما لم يحفظا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حفظه ابن عمر وأنس وأبو هريرة رضي الله عنهم (3). وكأن (4) هؤلاء الثلاثة سمعوا هذه الزيادة في روايتهم في مجلس آخر، فإن عمر لو سمع ذلك لما خالف ولما كان احتج بالحديث، فإن الزيادة حجة عليه، ولو سمع أبو بكر هذه الزيادة لاحتج بها, ولما كان احتج بالقياس والعموم والله أعلم. انتهى كلام النووي رحمه الله.
وقال النووي في شرح قوله صلى الله عليه وسلم:" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قالها عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله" قال الخطابي:" معلوم أن المراد بهذا أهل الأوثان دون أهل الكتاب؛ لأنهم يقولون لا إله إلا الله ثم يقاتلون ولا يرفع عنهم السيف . قال: ومعنى"حسابهم على الله" أي فيما يسرونه ويخفونه، ففيه أن من أظهر الإسلام وأسر الكفر يقبل إسلامه في الظاهر وهذا قول أكثر العلماء، وذلك مالك إلى أن توبة الزنديق لا تقبل . ويحكي ذلك عن أحمد بن حنبل (5). هذا كلام الخطابي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تقدم الكلام عليه.
(2) القائل هو النووي.
(3) سقطت من المطبوعة.
(4) في المخطوطة والمطبوعة (كان) والتصويب من شرح النووي لمسلم.
(5) ورد عن الإمام أحمد في هذه المسألة روايتان أحدهما ما ذكره الخطابي وعليها أكثر =
ص -50- وذكر القاضي عياض معنى هذا وزاد عليه ووضحه (1) فقال: اختصاص عصمة المال والنفس لمن قال لا إله إلا الله تعبير عن الإجابة إلى الإيمان وأن المراد مشركوا العرب وأهل الأوثان ومن لا يوحد، وهم أول من دعي إلى الإسلام وقوتل. فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد فلا يكتفي في عصمته بقول لا إله إلا الله إذا كان يقولها في كفره، وهي من اعتقاده فلذلك جاء في الحديث الآخر: "أني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة" وهذا كلام القاضي.
قلت: ولابد من الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في الرواية الأخرى عن أبي هريرة :"حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله, ويؤمنوا بي وبما جئت به". انتهى كلام النووي.
ولازم قول من قال: إنه لا يجوز قتال من قال لا إله إلا الله تخطئة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتالهم مانعي الزكاة، وإجماعهم على قتال من لا يصلي، إذا كانوا طائفة ممتنعين (2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الأصحاب. والأخرى أنها تقبل وفاقا للجمهور وهو اختيار أبي بكر الخلال وظاهر كلام الخرقي رحمهما الله.
قال الإمام ابن قدامة في المغني بعد سياق الخلاف(9/8 ط مكتبة القاهرة) : -وفي الجملة فالخلاف بين الأئمة في قبول توبتهم في الظاهر من أحكام الدنيا، من ترك قتلهم، وثبوت أحكام الإسلام في حقهم. وأما قبول الله تعالى لها في الباطن، وغفرانه لمن تاب وأقلع ظاهرا أم باطنا فلا خلاف فيه، فإن الله تعالى قال في المنافقين: { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا }.ا.هـ.
(1) في نسخة صحيح مسلم شرح النووي (وأوضحه).
(2) قال ابن القيم في كتابه القيم الصلاة ص23: " وأما إجماع الصحابة- أي على كفر تارك الصلاة- فقال ابن زنجوية حدثنا عمر بن الربيع حدثنا يحيى بن أيوب عن يونس عن ابن شهاب قال حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس أخبره أنه جاء عمر بن الخطاب حين طعن في المسجد... الحديث وفيه :"فقال – أي عمر- لا إسلام لمن ترك الصلاة وفي سياق آخر لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.." فقال هذا =
ص -51- بل يلزم من ذلك تخطئة جميع الصحابة في قتالهم بني حنيفة (1)، وتخطئة علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قتال الخوارج (2). بل لازم ذلك رد النصوص, بل رد نصوص القرآن كما قدمنا، ورد نصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا تحصى.
ويلزم صاحب هذه المقالة الفاسدة أنه لا يجوز قتال اليهود؛ لأنهم يقولون لا إله إلا الله.
فتبين بما قررناه أن صاحب هذا القول مخالف للكتاب والسنة والإجماع. ونذكر بعض ما أطلعنا عليه من كلام فقهاء المذاهب:
قال الشيخ علي الأجهوري المالكي: من ترك فرضا أخره لبقاء ركعة بسجدتيها من غير الضرورة (3)، قتل بالسيف حدا على المشهور. وقال ابن حبيب وجماعة ظاهر (4) المذهب كفره (5) واختاره ابن عبد السلام. وقال: في فضل الأذان معنيان: (أحدهما) إظهار الشعائر والتعريف بأن الدار دار إسلام، وهو فرض كفاية يقاتل أهل القرية حتى يفعلوه إن عجز عن قهرهم على أقامته إلا بقتال. (الثاني) الدعاء إلى الصلاة والإعلام بوقتها.
وقال الأبي في شرح مسلم: والمشهور أن الأذان فرض كفاية على أهل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=بمحضر من الصحابة ولم ينكره أحد عليه... وقال الحافظ عبد الحق الأشبيلي في كتابه الصلاة : ذهب جملة من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم إلى تكفير تارك الصلاة متعمدا لتركها حتى يخرج وقتها...الخ. ا.هـ.
(1)انظر تفصيل الوقعة في البداية والنهاية لابن كثير6/364.
(2)انظر تفصيل الكلام على واقعة علي رضي الله عنه مع الخوارج في البداية والنهاية لابن كثير7/311.
(3)ليست في المخطوطة.
(4)في المخطوطة (خارج) وهو خطأ.
(5)سقطت هاء الضمير في المخطوطة والمطبوعة.
ص -52- المصر؛ لأنه شعار الإسلام، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يسمع أذانا أغار وإلا أمسك (1).
وقول المصنف: يقاتلون عليه- ليس القتال عليه من خصائص القول بالوجوب؛ لأنه نص عن عياض في قول المصنف- والوتر غير واجب- لأنهم اختلفوا في التمالؤ (2) على ترك السنن، هل يقاتلون عليها. والصحيح قتالهم وإكراههم؛ لأن في التمالؤ (2) على تركها إماتتها ا.هـ.وقال في فضل صلاة الجماعة: مستحبة للرجل في نفسه، فرض كفاية في الجملة يعني على أهل (3) المصر (4)، قال ولو تركوها قوتلوا كما تقدم ا.هـ.
وقال الشيخ أحمد بن حمدان الأدرعي الشافعي – في كتاب قوة المحتاج في شرح المنهاج: من ترك الصلاة جاحدا وجوبها كفر بالإجماع، وذلك جار في جحود كل مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة ، فإن تركها كسلا قتل حدا على الصحيح والمشهور. أما قتله فلأن الله قال: { فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ}ثم قال: { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } [التوبة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يأتي تخريجه في الرسالة الثانية إن شاء الله.
(2) في المخطوطة (التمالي).
(3) سقطت من المطبوعة والمخطوطة.
(4) الصواب : أن صلاة الجماعة فرض عين على القادر. فإن الله سبحانه أمر بها في حال الخوف فقال تعالى:{ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ} فلو كانت الجماعة سنة لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف.
ولو كانت الجماعة فرض كفاية لما أعاد الله الأمر مرة أخرى للطائفة الثانية فقال:{ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ} فلم يسقط الله عن الجماعة الثانية الصلاة في جماعة بفعل الطائفة الأولى فدل على أنها على الأعيان. وقد أبدع العلامة ابن القيم في تقرير وجوب صلاة الجماعة في كتابه الصلاة فمن أراد الاستزادة فعليه بهذا الكتاب.
ص -53- 5] فدل على أن القتل لا يرفع إلا بالإيمان وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. ولما في الصحيحين: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" إلى أن قال في الروضة: تارك الصلاة يقتل على الصحيح، وجزم به الشيخ أبو حامد.
وفي البيان: لو صلى عريانا مع القدرة على السترة أو صلى الفريضة قاعدا بلا عذر- قتل- إلى أن قال: والصحيح قتله بصلاة واحدة بشرط إخراجها عن وقت الضرورة.
وقال ابن حجر الهيتمي في التحفة (في باب حكم تارك الصلاة): إن ترك الصلاة جاحدا وجوبها كفر بالإجماع, أو تركها كسلا مع اعتقاد وجوبها قتل للآية:{ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ }[التوبة:5] وحديث: "أمرت أن أقاتل الناس..." الحديث فإنهما شرطا في الكف عن القتل والمقاتلة: الإسلام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. لكن الزكاة يمكن الإمام أخذها ولو بالمقاتلة ممن امتنعوا وقاتلوا، فكانت فيها على حقيقتها بخلافها في الصلاة ؛ إنه لا يمكن فعلها بالمقاتلة، فكانت فيها بمعنى القتل ا.هـ.
وأما كلام الحنابلة فصرحوا بأن أهل البلد إذا تركوا الأذان والإقامة قوتلوا. أي قاتلهم الإمام أو نائبه حتى يفعلوها. وكذا قالوا في صلاة الجماعة يقاتل تاركها وكذا قالوا في صلاة العيد يقاتل أهل بلد تركوها، وكذا قالوا في قتال مانعي الزكاة, وإن الواحد إذا امتنع من أداء الزكاة ولم يمكن أخذها منه قهرا قتل بعد الاستتابة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا
ص -54- شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة, وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما، فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على القتال على حقوق الإسلام عملا بالكتاب والسنة.
وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج وأخبر أنهم شر الخلق والخليقة (1)مع قوله:" تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم"(2) فعلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 5/31 ، ومسلم في صحيحه- كتاب الزكاة- 2/750 ، وابن ماجه في سننه – المقدمة-1/60 كلهم من طريق عبد الله بن الصامت عن أبي ذر وعن رافع بن عمرو الغفاري رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ : "إن بعدي من أمتي قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه هم شر الخلق والخليقة ".وأخرجه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري 2/745، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده3/224-،وأبو داود في سننه – كتاب السنة- باب في قتال الخوارج5/123 كلاهما من حديث أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك رضي الله عنهما وأخرجه النسائي في سننه –كتاب تحريم الدماء- 7/119 عن أبي برزة ...به.
(2) ورد هذا الحديث عن جماعات من الصحابة منهم علي بن أبي طالب وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وغيرهم:
1 – أما حديث علي فأخرجه الإمام أحمد في مسنده1/91-92 ، ومسلم في صحيحه- كتاب الزكاة-2/748، وأبو داود في سننه – كتاب السنة- 5/125 كلهم من طريق زيد بن وهب الجهني عن علي بن أبي طالب ... به.
فائدة: حديث الخوارج روي عن علي رضي الله عنه من اثنتي عشرة طريقا ذكرها ابن كثير بأسانيدها في البداية والنهاية له 7/317 إلى323.
2 – وأما حديث أنس فأخرجه الإمام أحمد في مسنده 3/224- وأبو داود في سننه – كتاب السنة – 5/123 كلاهما من طريق الأوزاعي حدثني قتادة عن أنس... به.
3 – وأما حديث أبي سعيد الخدري فأخرجه الإمام أحمد 3/60- والبخاري في =
ص -55- عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال. فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله، وحتى لا تكون فتنة ، فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب فأيما طائفة ممتنعة امتنعت من بعض الصلوات المفروضة أو الصيام أو الحج أو عن التزام تحريم الدماء والأموال، والخمر والميسر ونكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الكتاب أو غير ذلك من التزام واجبات الدين أو محرماته التي لا عذر لأحد في جحودها أو تركها التي يكفر الواحد بجحودها. فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها. وهذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء، وإنما اختلف الفقهاء في الطائفة إذا أصروا على بعض ترك السنن كركعتي الفجر والأذان والإقامة عند من لا يقول بوجوبهما ونحو ذلك من الشعائر فهل تقاتل الطائفة الممتنعة على تركها أم لا. فأما الواجبات أو المحرمات المذكورة ونحوها فلا خلاف في القتال عليها. ا.هـ.
وأيضا فالمقصود من لا إله إلا الله البراءة من الشرك وعبادة غير الله تعالى ومشركوا العرب يعرفون المراد منها؛ لأنهم أهل اللسان، فإذا قال أحدهم: لا إله إلا الله فقد تبرأ من الشرك وعبادة غير الله تعالى، فلو قال لا إله إلا الله وهو مصر على عبادة غير الله لم تعصمه هذه الكلمة لقوله سبحانه وتعالى:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= صحيحه – كتاب المناقب 6/617، وفي فضائل القرآن – 9/99 ، وفي استتابة المرتدين12/290، ومسلم في صحيحه- كتاب الزكاة- 2/744، وابن ماجه في سننه – المقدمة- 1/60 كلهم من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم...به, وأخرجه الإمام أحمد في مسنده3/224.وأبو داود في سننه- كتاب السنة- 5/123 كلاهما من طريق الأوزاعي حدثني قتادة عن أبي سعيد الخدري وأنس...به, وأخرجه البخاري في صحيحه- كتاب الأدب- 10/552 من طريق الضحاك وأبي سلمة عن أبي سعيد...به، وأخرجه أيضا في صحيحه- كتاب استتابة المرتدين- 12/283، ومسلم في صحيحه- كتاب الزكاة- 2/743 كلاهما من طريق عطاء بن يسار وأبي سلمة عن أبي سعيد الخدري... به.
ص -56- { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ} أي شرك{ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ} [الأنفال:39] وقوله:{ فَاقْتُلُواْ (1) الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } [التوبة :5].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له" (2), وهذا معنى قوله تعالى:{ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)وقع في المطبوعة والمخطوطة (اقتلوا) وهو خطأ.
(2)حسن: أخرجه الإمام أحمد في مسنده 2/50-92 من طريق حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم"، ورجاله كلهم ثقات سوى عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العنسي وثقه أبو حاتم ودحيم، وقال أبو داود : ليس به بأس. وقال ابن المديني: صدوق لا بأس به، وقال أبو زرعة وابن معين- في إحدى قوليه- "ليس به بأس" وضعفه الإمام أحمد وابن معين والنسائي وغيرهم، وقال الحافظ: صدوق يخطئ، وقال الذهبي في المغني :"صدوق". قلت: فحديثه لا بأس به إن شاء الله لذلك .
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية في الاقتضاء1/236 بعد أن ساق سند هذا الحديث:"وهذا إسناد جيد".
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح 6/98 : " وله شاهد مرسل بإسناد حسن أخرجه ابن أبي شيبة من طريق الأوزاعي عن سعيد بن جبلة عن النبي صلى الله عليه وسلم " اهـ. وله شاهد آخر من حديث أنس عند أبي نعيم في أخبار أصبهان1/129 وإسناده ضعيف جدا فيه(بشر بن الحسين الأصبهاني) قال البخاري : فيه نظر. وقال الدارقطني : متروك . وقال أبو حاتم : يكذب على الزبير.
تنبيه: عزا بعض الأفاضل هذا الحديث لأبي داود وليس هو فيه بهذا اللفظ بل رواه مختصرا بلفظ : " من تشبه بقوم فهو منهم". كما أخرج بعضه البخاري في صحيحه تعليقا- كتاب الجهاد- 6/98 بلفظ: "وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري".
ص -57- تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ} أي الطاعة { لِلّهِ } [البقرة:193] وهذا معنى لا إله إلا الله (1).
نسأل الله أن يجعلها آخر كلامنا ويتوفانا مسلمين برحمته فهو أرحم الراحمين. وصلى الله على سيدنا (2) ونبينا محمد وعلى (3) آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
تمت هذه النسخة الشريفة المحتوية على الألفاظ المنيفة اللطيفة أسكن الله تعالى مؤلفها الغرف العالية الرفيعة آمين. وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا (4).
وجد بآخر النسخة الخطية ما نصه: (تم نسخ هذه الأوراق في 24 رمضان سنة 1345 بقلم كاتبها لنفسه عبد الله بن إبراهيم الربيعي).
تم بحمد الله وتوفيقه ما أردت تعليقه على هذه الرسالة النفيسة. وكان الفراغ من ذلك قبيل صلاة العصر من اليوم الثاني عشر من شهر شوال المبارك من شهور سنة خمس وأربعمائة بعد الألف. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وتدوم , وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وسيدنا محمد وآله وصحبه. قال ذلك كاتبه الفقير إلى ربه عبد السلام بن برجس العبد الكريم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) روى ابن جرير الطبري في تفسيره 2/195 عن قتادة أنه قال: {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ}أن يقال لا إله إلا الله.
(2) ليست في المخطوطة.
(3) ليست في المخطوطة.
(4) ليست هذه الخاتمة في المخطوطة.