الأصل الثاني : ومن أصول أهل السنَّة والجماعة أن الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية
فليس الإيمان قولًا وعملًا دون اعتقاده ؛ لأن هذا إيمان المنافقين ، وليس هو مجرد المعرفة بدون قول وعمل لأن هذا إيمان الكافرين الجاحدين . قال تعالى : وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا .
وقال تعالى : فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ .
وقال تعالى : وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ .
وليس الإيمان اعتقادًا فقط أو قولًا واعتقادًا دون عمل لأن هذا إيمان المرجئة والله تعالى كثيرًا ما يسمي الأعمال إيمانًا قال تعالى : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا .
وقال تعالى : وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ .
أي صلاتكم إلى بيت المقدس ، سمى الصلاة إيمانًا اهل السنة والجماعة)
الأصل الثالث :
ومن أصول أهل السنَّة والجماعة : أنهم لا يكفرون أحدًا من المسلمين إلا إذا ارتكب ناقضًا من نواقض الإسلام أما ما كان من الكبائر التي هي دون الشرك ولم يدل دليل على كفر مرتكبها - كترك الصلاة تكاسلًا - فإنهم لا يحكمون على مرتكبها - أي الكبائر - بالكفر وإنما يحكمون عليه بالفسق ونقص الإيمان . وإذا لم يتب منها فإنه تحت المشيئة - إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه لكنه لا يخلد في النار - قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ .
ومذهب أهل السنَّة في ذلك وسط بين الخوارج الذين يكفرون مرتكب الكبيرة وإن كانت دون الكفر وبين المرجئة الذين يقولون هو مؤمن كامل الإيمان ويقولون : لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة .
الأصل الرابع :
ومن أصول أهل السنَّة والجماعة وجوب طاعة ولاة أمور المسلمين ما لم يأمروا بمعصية فإذا أمروا بمعصية فلا تجوز طاعتهم فيها وتبقى طاعتهم بالمعروف في غيرها .
عملًا بقوله تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ .
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد . ويرون أن معصية الأمير المسلم معصية للرسول - صلى الله عليه وسلم - عملًا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : من يطع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني . ويرون الصلاة خلفهم والجهاد معهم والدعاء لهم بالصلاح والاستقامة ومناصحتهم .
الأصل الخامس :
ومن أصول أهل السنَّة تحريم الخروج على ولاة أمور المسلمين إذا ارتكبوا مخالفة دون الكفر لأمره - صلى الله عليه وسلم - بطاعتهم في غير معصية ما لم يحصل منهم كفر بواحٍ ، بخلاف المعتزلة الذين يوجبون الخروج على الأئمة إذا ارتكبوا شيئًا من الكبائر ولو لم يكن كفرًا ويعتبرون هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والواقع أن عمل المعتزلة هذا هو أعظم المنكر : لما يترتب عليه من مخاطر عظيمة من الفوضى وفساد الأمر واختلاف الكلمة وتسلط الأعداء .
الأصل السادس :
ومن أصول أهل السنَّة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما وصفهم الله بذلك في قوله - تعالى - لما ذكر المهاجرين والأنصار وأثنى عليهم قال تعالى : وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ .
وعملًا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه . خلافًا للمبتدعة من الرافضة والخوارج الذين يسبون الصحابة ويجحدون فضائلهم . ويرى أهل السنَّة أن الخليفة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي - رضي الله عنهم أجمعين - فمن طعن في خلافة واحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله لمخالفته النص والإجماع على خلافة هؤلاء على هذا الترتيب .
الأصل السابع :
ومن أصول أهل السنَّة والجماعة محبة أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتوليهم عملًا بوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله : أذكركم الله في أهل بيتي .
ومن أهل بيته أزواجه أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن وأرضاهن - ، فقد قال الله تعالى - بعد ما خاطبهن بقوله : يَانِسَاءَ النَّبِيِّ ، ووجه إليهن نصائح ووعدهن بالأجر العظيم - : إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا .
والأصل في أهل البيت قرابة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والمراد بهم هنا الصالحون منهم خاصة ، أما قرابته غير الصالحين فليس لهم الحق كعمه أبي لهب ومن شابهه ، قال تعالى : تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ .
فمجرد القرابة من الرسول - صلى الله عليه وسلم - والانتساب إليه من غير صلاح في الدين لا يغني صاحبه من الله شيئًا ، قال - صلى الله عليه وسلم - : يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئًا . يا عباس عم رسول الله لا أغني عنك من الله شيئًا . يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئًا . يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئًا .
وقرابة الرسول الصالحون لهم علينا حق الإكرام والمحبة والاحترام ، ولا يجوز لنا أن نغلو فيهم فنتقرب إليهم بشيء من العبادة أو نعتقد فيهم أنهم ينفعون أو يضرون من دون الله لأن الله سبحانه يقول لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا .
قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ .
فإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - كذلك فيكف بغيره ! فما يعتقده بعض الناس بمن ينتسبون لقرابة الرسول اعتقاد باطل .
الأصل الثامن :
ومن أصول أهل السنَّة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء - وهي ما قد يجريه الله على أيدي بعضهم من خوارق العادات إكرامًا لهم كما دل على ذلك الكتاب والسنَّة . وقد أنكر وقوع الكرامات المعتزلة والجهمية وهو إنكار لأمر واقع معلوم - ولكن يجب أن نعلم أن من الناس في وقتنا من ضل في موضوع الكرامات وغالى فيها حتى أدخل فيها ما ليس منها من الشعوذة وأعمال السحرة والشياطين والدجالين - والفرق واضح بين الكرامة والشعوذة - فالكرامة ما يجري على أيدي عباد الله الصالحين . والشعوذة ما يجري على يد السحرة والكفرة والملاحدة بقصد إضلال الخلق وابتزاز أموالهم ، والكرامة سببها الطاعة . والشعوذة سببها الكفر والمعاصي .
الأصل التاسع :
ومن أصول أهل السنَّة والجماعة في الاستدلال اتباع ما جاء في كتاب الله أو سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باطنًا وظاهرًا واتباع ما كان عليه الصحابة من المهاجرين والأنصار عمومًا واتباع الخلفاء الراشدين خصوصًا حيث أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم - : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين .
ولا يقدمون على كلام الله وكلام رسوله كلام أحد من الناس . ولهذا سموا أهل الكتاب والسنَّة . وبعد أخذهم بكتاب الله وسنة رسوله يأخذون بما أجمع عليه علماء الأمة وهذا هو الأصل الثالث الذي يعتمدون عليه بعد الأصلين الأولين : الكتاب والسنَّة . وما اختلف فيه الناس ردوه إلى الكتاب والسنَّة عملًا بقوله تعالى : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا .
فهم لا يعتقدون العصمة لأحد غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يتعصبون لرأي أحد حتى يكون موافقًا للكتاب والسنَّة ويعتقدون أن المجتهد يخطئ ويصيب ، ولا يسمحون بالاجتهاد إلا لمن توفرت فيه شروطه المعروفة عند أهل العلم . ولا إنكار عندهم في مسائل الاجتهاد السائغ . فالاختلاف عندهم في المسائل الاجتهادية لا يوجب العداوة والتهاجر بينهم كما يفعله المتعصبة وأهل البدع . بل يحب بعضهم بعضًا ويوالي بعضهم بعضًا ويصلي بعضهم خلف بعض مع اختلافهم في بعض المسائل الفرعية بخلاف أهل البدع فإنهم يعادون أو يضللون أو يكفرون من خالفهم .