الحمد الله الذي رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبد ورسوله صلى الله على وعلى آله وسلم تسليماً مزيداً .. أما بعد :
فيقول ربنا جل وعلا في محكم التنزيل : (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث)، ويقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)، لا ريب عند العقلاء في خبث الدخان ونتنه واسكاره احيانا وتفتيره وعدم نفعه في الدنيا والاخرة بل المرجو منه الضرر .
وتحريم الدخان ثبت بالنقل الصحيح والعقل الصريح وكلام الأطباء المعتبرين؛ قال الله تبارك وتعالى في شأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم :( الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث)، وفي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( كل مسكر خمر وكل خمر حرام )، ولمسلم ( وكل مسكر حرام ) وكل من الاية الكريمة والاحاديث الصحيحة دال على تحريمة فانه خبيث مسكر تارة ومفتِّر اخرى لا يماري في ذلك الا مكابر للحس والواقع ولا ريب ايضا في افادتها تحريم ما عداه من المسكرات والمفترات . وقد روى الامام أحمد رحمه الله وأبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : ( نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر ) قال الحافظ العراقي اسناده صحيح .
ومِن مَن ذكر تحريمه من فقهاء الحنفية الشيخ محمد العيني ذكره في رسالته تحريم التدخين من أربعة أوجه: أحدها كونه مضرا للصحة باخبار الاطباء المعتبرين وكل ماكان كذلك يحرم استعماله اتفاقا، ثانيها كونه من المخدرات المتفق عليها عندهم المنهي عن استعمالها شرعا لحديث أحمد عن أم سلمة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مسكر ومفتّر، وهو مفتر باتفاق الاطباء وكلامهم حجة في لك، ثالثها كون رائحته الكريهة تؤذي الناس الذين لا يستعملونه وعلى الخصوص في مجامع الصلاة ونحوها بل وتؤذي الملائكة المكرمين وقد روى الشيخان في صحيحيهما عن جابر رضي الله عنه مرفوعا ( من اكل ثوما أو بصلا فاليعتزلنا وليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته ) ومعلوم ان رائحة التدخين ليست اقل كراهية من ائحة الثوم ولبصل . وفي الصحيحين أيضا عن جابر رضي الله عنه أن الملائكة تتاذي مما يتاذي منه الناس ) وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام انه قال ( من آذى مسلما فقد آذاني ومن آذاني فقد آذا الله ) رواه الطبراني في الاوسط عن انس رضي الله عنه باسناد حسن، رابعها كونه سرفا اذ ليس فيه نفع مباح خال عن الضرر بل فيه الضرر المحقق باخبار اهل الخبرة .
و مِن مَن نصّ على تحريمه أبو الحسن المصري الحنفي قال ما نصه : الاثار النقلية الصحيحة والدلائل العقلية الصريحة تعلن بتحريم الدخان وكان حدوثه في حدود الالف – يعني من الهجرة النبوية – واول خروجه بارض اليهود والنصارى والمجوس واتى به رجل يهودي يزعم انه حكيم الى ارض المغرب ودعا الناس اليه واول من جلبه الى البر الرومي رجل اسمه الاتكلين من النصارى واول من اخرجه ببلاد السودان المجوس ثم جلب الى مصر والحجاز وسائر الاقطار ، وقد نهى الله عن كل مسكر وان قيل انه لا يسكر فهو يخدر ويفتر اعضاء شاربه الباطنة والظاهرة ، والمراد بالاسكار مطلق تغطية العقل وان لم يكن معه الشدة المطربة ولا ريب انها حاصلة لمن يتعاطاه اول مرة وان لم يسلم انه يسكر فهو يخدر ويفتر وقد روى الامام أحمد وابو داود عن أم سلمة رضي اله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مسكر ومفتر ، قال العلماء المفتر مايورث الفتور والخدر في الاطراف وحسبك بهذا الحديث دليل على تحريمه وأنه يضر بالبدن والروح ويفسد القلب ويضعف القوى ويغير اللون بالصفرة والاطباء مجمعون على انه مضر فيضر بالبدن والمروءة والعرض والمال لأن فيه التشبه بالفسقة لأنه لا يشربه غالبا الا الفساق ورائحة فم شاربه خبيثة . انتهى كلامه .
ومن فقهاء الحنابلة الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب - قدَّس الله أرواحهم- قال في أثناء جوابه على التمباك بعدما سرد نصوص تحريم المسكر وذكر كلام اهل العلم في تعريف الاسكار قال ما نصه: وبما ذكرنا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام اهل العلم يتبين لك تحريم الدخان الذي كثر في هذا الزمان استعماله وصح بالتواتر عندنا والمشاهدة اسكاره في بعض الاوقات خصوصيا اذا اكثر منه او اقام يوما او يومين لا يشربه ثم شربه فانه يسكر ويزيل العقل حتى ان صاحبه يحدث عند الناس ولا يشعر بذلك نعوذ بالله من الخزي وسوء الباس ، فلا ينبغي لمن يؤمن بالله واليوم الاخر ان يلتفت إلى قول أحد من الناس إذا تبين له كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم في مثل هذه المسائل وذلك لأن الشهادة بانه رسول الله تقتضي طاعته فيما أمر والانتهاء عما نهى عنه وزجر وتصديقه فيما اخبر .
واجاب الشيخ عبد الله ابا بطين رحمه الله عن التمباك بقوله : الذي نرى فيه التحريم لعلتين إحداهما حصول الاسكار فيما اذاما فقده شاربه مدة ثم شربه وان لم يحصل اسكار حصل تخدير وتفتير وروى الامام أحمد حديثا مرفوعا انه صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مسكر ومفتر والعلة الثانية أنه منتن مستخبث عند من لم يعتده واحتج العلماء بقول ربنا جل وعلا ( ويحرم عليهم الخبائث ) واما من الفه واعتاده فلا يرى خبثه والله المستعان .
ومن فهاء الشافعية الشيخ الشهير بـ النجمي الغزي الشافعي إذ قال ما نصه : والتوتون الذي حدث وكان حدوثه بدمشق سنة خمسة عشر بعد الالف يدعى شاربه انه لا يسكر وان سلم له فانه مفتر وهو حرام لحديث أحمد بسنده عن أم سلمة رضي الله عنها قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر ، قال وليس من كبائره تناوله المرة أوالمرتين أي بل الاصرار عليه يكون كبيرة كسائر الصغائر وقد ذكر بعض العلماء أن الصغيرة تعطى حكم الكبيرة بواحدة من خمسة اشياء احدها الاصرار عليها الثانية التهاون بها وهو الاستخفاف وعدم المبالاة بفعلها الثالثة الفرح والسرور بها الرابعة التفاخر بها بين الناس الخامسة صدورها من عالم او مِن مَن يقتدى به .
وأجاب الشيخ خالد بن أحمد من فقهاء المالكية بقوله :لا يجوز الاتجار به ولا بما يسكر . انتهى كلامه .
ومِن مَن حرَّم الدخان ونهى عنه من علماء مصر : الشيخ أحمد السنهوري البهوتي الحنبلي وشيخ المالكية ابراهيم اللقاني ومن علماء المغرب أبو الغيث المالكي رحمه الله وغفر له .
ومن علماء دمشق النجم الغزي العامري الشافعي ومن علماء اليمن ابراهيم بن جمعان وتلميذه ابوبكر الاهدل .
ومن علماء الحرمين المحقق عبد الملك العصامي وتلميذه محمد بن علام شارح رياض الصالحين ، وغيرهم من اهل العلم .
قال بعضهم : رأيت مَن يتعاطاه يقول عند النزع، يقولون له قل لا اله هلا الله! فيقول : هذا دخان حار!! إلى غير ذلك مما ذكر من الأخبار في شاربه .
وأما العقل الصريح فلما علم بالتواتر والتجربة والمشاهدة مما يترتب على شاربه غالبا من الضرر في صحته وجسمه وعقله وقد شوهد موت وغشي وامراض عسرة كالسعال المؤدي الى مرض السل الرؤي ومرض القلب والموت بالسكتة القلبية وتقلص الاعضاء الدموية وغير ذلك مما يحصل به القطع العقلي من ان تعاطيه حرام فان العقل الصريح كما يقضي ولا بد بتعاطي اسباب الصحة والحصول على المنافع كذلك يقضي حتما بالامتناع عن اسباب المضار والمهالك والمبالغة في مباعدتها ولا يرتاب في ذلك ذو لب أبدا . ولا عبرة بمن استولت الشبهة والشهوة على اداة عقله فاستعبدته واولعته بالاوهام والخيالات حتى بقي اسير لهواه مجانباً أسباب رشده وهداه.
و أما كلام الاطباء فان الحكماء الاقدمين مجمعون على التحذير من ثلاثة اشياء متفقون على ضررها أحدها النتن وهو الروائح المستخبثة بجميع اجناسها وانواعها الثاني الغبار والثالث الدخان وكتبهم طافحة بذلك واما المتاخرون منهم الذين ادركوا هذا النبات الخبيث فيتلخص ما ذكروه من أضراره وما اشتمل عليه من الاجزاء والعناصر التي نشأت عنها أضراره الفتاكة يتلخص من كلامهم ما يأتي قالوا : هو نبات حشيشي مخدر مر الطعم، وبعد التحقيق و التجربة ظهر ان التبغ بنوعيه التوتون و التمباك تشتمل على أشر النباتات السامة كالبلادون والبرش والبنج وها مركبان من املاح البوتاس والنشادر ومنه مادة صمغية ومادة تسمى نيكوتين قالوا وهي من اشد السموم فعلا ، وله استعمالات أحد استعمالاته مضغا بالفم وهو اقبح استعمالاته واشدها ضررا وهو من المخدرات القوية فتسري مواده السمة في الامعاء سريعا وتحدث تاثيرا قويا في الاعصاب البدنية. ويستعمل استنشاقا مسحوقا مع اجزاء منبه وهو مضر ايضا لأحتوائه على مواد سامة ، الثالثة استعماله تدخينا عن طريق السيجارة وهو اعظم ادوات التدخين لأن الدخان يصل الى الفم حارا وعن طريق النارجيلة والقصبة المعروفة بالقليون .
وقد أثبت الأطباء أضراراً عظيمة، وقالوا : إنها تكمن في الجسم أولاً ثم تظهر فيه تدريجيا، وذكروا أن الدخان الذي يتصاعد عن اوراق التمباك المحترقة يحتوي على كمية وافرة من المادة السامة المسماة بالنيكوتين فاذا دخل الفم والرئتين أثر فيهما تاثيرا موضعيا عموميا ، ويحصل عند المباشر له الذي لم يعتده دوار وغثيان وقيء وصداع وارتخاء للعضلات وهي الاعصاب ثم سبات وهي كناية عن حالة التخدير الذي هو من لوازم التبغ المتفق عليه وذلك لما يحويه من المادة السامة ومن اعتاده حصل عنده من فساد الذوق وعسر الهضم وقلة القابلية للطعام ما لا يخفى .
قال سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم مفتي الديار السعودية : والإكثار منه يفضي الى الهلاك اما تدريجيا واما في الحال كما وقع لأخوين تراهنا على أيهما يدخن اكثر من الاخر، فمات احدهما قبل السيجارة السابعة عشرة! ومات الاخر قبل ان يتم الثمانة عشرة!، قال: و من مضاره تخريب كريات الدم وتاثيره على القلب بتشويش انتظام ضرباته ومعارضته القوية لشهية الطعام وانحطاط القوة العصبية عامة ويحكي الاستاذ مصطفى الحمامي عن نفسه مرة انه قال كنت امشي يوما مع احد الطلبة فعرج على بائع دخان اشترى منه سجارتين اشعل احداهما واقسم علي ايمانا غليظا ان اخذها منه واستعملها قال فتناولت السيجارة اجذب في دخانها وانفخه من فمي دون ان يتجاوز الفم للداخل ، راى هو ذلك فقال ابتلع ما تجذبه فان قسمي على هذا قال فلم امانع وفعلت ماقال نفسا واحدا والله ما زدت عليه واذا بالارض قد دارت حولي دورة تشبه دورة المغزل فبادرت الى الجلوس على الارض وظننت بنفسي اني انتهيت وظننت بصاحبي الظنون وبكل تعب وصلت الى بيتي وانا راكب وهو معي يحافظ علي وبعد ذلك مكثت الى اخر اليوم التالي تقريبا حتى احسست بخفة ما كنت اجدها فحكيت هذا لكثير من الناس استكشف ما كان يخبئ لي في تلك السيجارة فاخبروني ان الدخان يعمل هذا العمل في كل من لم يعتده فقلت اذا كان نفسا واحدا فعل بي كل هذا فماذا تفعله الانفاس التي لا تعد كل يوم يجتذبها معتاد الدخان خصوصا المكثر منه ) انتهى كلام سماحة الشيخ رحمه الله وغفر له .
معاشر المؤمنين .. يقول الله تبارك وتعالى ( واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ) سمعنا كلام أهل العلم والخبرة في ضرر الدخان وتحريمه فعلى المسلم ان يتقي الله تبارك وتعالى وأن يترك ما حرم الله عليه، وليتق المقام بين يدي الله عز وجل ، وقد اخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسال عن اربع ومنها انه يسال عن هذا المال من اين اكتسبه وفيما انفقه فهذا المشروب خبيث والنفقة فيه خبيثة فاليتق الله تبارك وتعالى .
معاشر المؤمنين .. يعرض الشيطان لشارب الدخان بشبهات واراء واخطاء مختلفة، فمنها : يزعم بعضهم أن الدخان يقضي على القلق النفسي وليس هذا بصحيح فإن السعادة لا تجلب الا بطاعة الله تبارك وتعالى وليس في هذا الدخان الخبيث الا الشقاء والبلاء
فلستُ اري السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد
ولكن الشيطان قد يزين له ذلك ويوهمه بالسعادة كما يوهم متعاطي المخدرات ، ومنها ان بعضهم يظن انه اذا استخدم المصفاة اي ما يسمى بالفلتر يتخلص من اضرار الدخان وهذا ليس بصحيح ايضا ويظن بعض مدمني الدخان ان انقطاعهم عنه بعد سنوات من الادمان لا يفيد ولذلك يستمر في استعماله والصواب انه يفيد كما ذكر ذلك بعض المختصين في المجامع العلمية فيقل مثلا خطر الاصابة بالسرطان كما ذكروا بمعدل النصف وعلى كل حال يكفي انه تركه طاعة لله تبارك وتعالى فحصل طاعة الرحمن واغاظ الشيطان ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه .
ومن التضليل : ما تعد به شركات التبغ من تخفيض للاضرار بما تدخله من تحسينات على منتجاتها ومن الخطأ ظن بعضهم انه لا يتأثر اذا جلس مع المدخنين والصحيح انه يتاثر صغيرا كان ام كبيرا فقد ذكر بعض الباحثين ان ألف وفاة في دولته وحدها كانت بسبب الجلوس مع المدخنين .
ومن الخطأ ظن بعضهم أن التدخين علامة الرجولة وهذا يدل على انقلاب المفاهيم في ذلك المجتمع وإلا كيف يكون رجلا من يسعى في ضرر نفسه و دينه وعقله قال الشاعر
واترك الخمرة ان كنت فتى كيف يسعى في جنون من عقل
ولبعض وسائل الإعلام أثر في ترغيب الصغار في التدخين عن طريق تصدير المدخنين وابرازهم ونشر ثقافة التدخين في الافلام والمسلسلات زيادة على ما فيها من مخالفات ومحرمات شرعية .
فاللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء ..
المصدر : الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ سلطان بن عبد الرحمن العيد