من مجلة البحوث الإسلامية
التمسح بالأبواب والجدران والشبابيك
في المسجد الحرام والمسجد النبوي بدعة
لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة المكرم الشيخ محمد واعظ زادة الخراساني منحني الله وإياه الفقه في الدين ، وأعاذنا جميعا من طريق المغضوب عليهم والضالين آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد:
فقد وصلني كتابكم وصلكم الله بحبل الهدى والتوفيق ، وجميع ما شرحتم كان معلوما .
وقد وقع في كتابكم أمور تحتاج إلى كشف وإيضاح ، وإزالة ما قد وقع لكم من الشبهة عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: رواه مسلم في: '' كتاب الإيمان '' برقم 82. الدين النصيحة وقوله صلى الله عليه وسلم: رواه مسلم في: '' كتاب الإمارة '' برقم 3509. من دل على خير فله مثل أجر فاعله وغيرهما من الأحاديث الكثيرة في هذا الباب .
وقد أرشد إلى ذلك مولانا سبحانه في قوله عز وجل: سورة المائدة الآية 2 وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وقوله سبحانه:
سورة النحل الآية 125 ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .
فأقول: ذكرتم في كتابكم ما نصه: (ومع احترامي وتقديري لجهودكم في هذا السبيل خطر ببالي بعض الملاحظات ، أحببت أن أبديها لكم راجيا أن يكون فيها خير الإسلام والمسلمين ، والاعتصام بحبل الله المتين في سبيل تقارب المسلمين ، ووحدة صفوفهم في مجال العقيدة والشريعة .
أولا: لاحظتكم تعبرون دائما عن بعض ما شاع بين المسلمين من التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعض الأولياء كمسح الجدران ، والأبواب في الحرم النبوي الشريف وغيره شركا وعبادة لغير الله . وكذلك طلب الحاجات منه ومنهم ، ودعاؤهم وما إلى ذلك. إني أقول: هناك فرق بين ذلك ، فطلب الحاجات من النبي ومن الأولياء، باعتبارهم يقضون الحاجات من دون الله أو مع الله، فهذا شرك جلي لا شك فيه ، لكن الأعمال الشائعة بين المسلمين، والتي لا ينهاهم عنها العلماء في شتى أنحاء العالم الإسلامي. من غير فرق بين مذهب وآخر، ليست هي في جوهرها طلبا للحاجات من النبي والأولياء، ولا اتخاذهم أربابا من دون الله ، بل مرد ذلك كله- لو استثنينا عمل بعض الجهال من العوام- إلى أحد أمرين: التبرك والتوسل بالنبي وآثاره ، أو بغيره من المقربين إلى الله عز وجل .
أما التبرك بآثار النبي من غير طلب الحاجة منه ، ولا دعائه ،
فمنشأه الحب والشوق الأكيد ، رجاء أن يعطيهم الله الخير ، بالتقرب إلى نبيه ، وإظهار المحبة له ، وكذلك بآثار غيره من المقربين عند الله .
وإني لا أجد مسلما يعتقد أن الباب والجدار يقضيان الحاجات ، ولا أن النبي أو الولي يقضيها ، بل لا يرجو بذلك إلا الله ، إكراما لنبيه ، أو لأحد من أوليائه ، أن يفيض الله عليه من بركاته . والتبرك بآثار النبي كما تعلمون ويعلمه كل من اطلع على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، كان معمولا به في عهد النبي ، فكانوا يتبركون بماء وضوئه ، وثوبه وطعامه وشرابه وشعره . وكل شيء منه ، ولم ينههم النبي عنه ، ولعلكم تقولون: أجل كان هذا ، وهو معمول به الآن بالنسبة إلى الأحياء من الأولياء والأتقياء لكنه خاص بالأحياء ، دون الأموات لعدم وجود دليل على جوازه إلا في حال الحياة بالذات
فأقول: هناك بعض الآثار تدل على أن الصحابة قد تبركوا بآثار النبي بعد مماته ، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يمسح منبر النبي تبركا به .
وهناك شواهد- على أنهم كانوا يحتفظون بشعر النبي ، كما كان الخلفاء العباسيون ومن بعدهم العثمانيون ، يحتفظون بثوب النبي تبركا به ، ولا سيما في الحروب ، ولم يمنعهم أحد من العلماء الكبار والفقهاء المعترف بفقههم ودينهم) انتهى المقصود من كلامكم .
والجواب أن يقال: ما ذكرتم فيه تفصيل:
فأما التبرك بما مس جسده عليه الصلاة والسلام من وضوء أو عرق أو شعر ونحو ذلك ، فهذا أمر معروف وجائز عند الصحابة رضي الله عنهم ، وأتباعهم بإحسان . لما في ذلك من الخير والبركة . وهذا أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم عليه .
فأما التمسح بالأبواب والجدران والشبابيك ونحوها في المسجد الحرام أو المسجد النبوي ، فبدعة لا أصل لها ، والواجب تركها لأن العبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما أقره الشرع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: رواه البخاري في: '' كتاب الصلح '' برقم 2499، ومسلم في: '' كتاب الأقضية '' برقم 3242. واللفظ متفق عليه. من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ، متفق على صحته ، وفي رواية لمسلم وعلقها البخاري رحمه الله في صحيحه جازما بها: رواه البخاري في: '' البيوع '' باب: '' النجش ''، ومسلم في: '' كتاب الأقضية '' برقم 3243. واللفظ له. من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد
وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه ، قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة: رواه مسلم في: '' كتاب الجمعة '' برقم 1435. أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة والأحاديث في ذلك كثيرة .
فالواجب على المسلمين التقيد في ذلك بما شرعه الله كاستلام الحجر الأسود وتقبيله ، واستلام الركن اليماني .
ولهذا صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لما قبل الحجر الأسود: رواه البخاري في: '' كتاب الحج '' برقم 1494 واللفظ له، ورواه مسلم في: '' كتاب الحج '' برقم 2230. إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك
وبذلك يعلم أن استلام بقية أركان الكعبة ، وبقية الجدران والأعمدة غير مشروع لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ، ولم يرشد إليه ولأن ذلك من وسائل الشرك . وهكذا الجدران والأعمدة والشبابيك وجدران الحجرة النبوية من باب أولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع ذلك ولم يرشد إليه ولم يفعله أصحابه رضي الله عنهم .
وأما ما نقل عن ابن عمر رضي الله عنه ، لم يوافقه عليه أبوه ولا غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم أعلم منه بهذا الأمر ، وعلمهم موافق لما دلت عليه الأحاديث الصحيحة . وقد قطع عمر رضي الله عنه الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية لما بلغه أن بعض الناس يذهبون إليها ويصلون عندها؛ خوفا من الفتنة بها ، وسدا للذريعة .
وأما دعاء الأنبياء والأولياء والاستغاثة بهم والنذر لهم ونحو ذلك فهو الشرك الأكبر وهو الذي كان يفعله كفار قريش مع أصنامهم وأوثانهم ، وهكذا بقية المشركين يقصدون بذلك أنها تشفع لهم عند الله ، وتقربهم إليه زلفى ، ولم يعتقدوا أنها هي التي تقضي حاجاتهم وتشفي مرضاهم وتنصرهم على عدوهم ، كما بين
الله سبحانه ذلك عنهم في قوله سبحانه: سورة يونس الآية 18 وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ، فرد عليهم سبحانه بقوله: سورة يونس الآية 18 قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ .
وقال عز وجل في سورة الزمر: سورة الزمر الآية 2 فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ سورة الزمر الآية 3 أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ فأبان سبحانه في هذه الآية الكريمة: أن الكفار لم يقصدوا من آلهتهم أنهم يشفون مرضاهم ، أو يقضون حوائجهم وإنما أرادوا منهم أنهم يقربونهم إلى الله زلفى ، فأكذبهم سبحانه ورد عليهم قولهم بقوله سبحانه: سورة الزمر الآية 3 إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ سماهم كذبة وكفارا بهذا الأمر .
فالواجب على مثلكم تدبر هذا المقام وإعطاءه ما يستحق من العناية . ويدل على كفرهم- أيضا- بهذا الاعتقاد قوله سبحانه: سورة المؤمنون الآية 117 وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ فسماهم في هذه الآية كفارا وحكم عليهم بذلك لمجرد الدعاء لغير الله من الأنبياء والملائكة والجن وغيرهم .
ويدل على ذلك أيضا قوله سبحانه في سورة فاطر: سورة فاطر الآية 13 ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ سورة فاطر الآية 14 إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ فحكم سبحانه بهذه الآية على أن دعاء المشركين لغير الله ، من الأنبياء والأولياء ، أو الملائكة أو الجن ، أو الأصنام أو غير ذلك بأنه شرك ، والآيات في هذا المعنى لمن تدبر كتاب الله كثيرة .
وننقل لك هنا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى ص 157 ج 1 ما نصه:
( والمشركون الذين وصفهم الله ورسوله بالشرك أصلهم صنفان: قوم نوح ، وقوم إبراهيم .
فقوم نوح كان أصل شركهم العكوف على قبور الصالحين ثم صوروا تماثيلهم ، ثم عبدوهم ، وقوم إبراهيم كان أصل شركهم عبادة الكواكب والشمس والقمر وكل من هؤلاء يعبدون الجن ، فإن الشياطين قد تخاطبهم ، وتعينهم على أشياء ، وقد يعتقدون أنهم يعبدون الملائكة ، وإن كانوا في الحقيقة إنما يعبدون الجن ، فإن الجن هم الذين يعينونهم ، ويرضون بشركهم قال الله تعالى: سورة سبأ الآية 40 وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ سورة سبأ الآية 41 قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ
والملائكة لا تعينهم على الشر ، لا في المحيا ولا في الممات ، ولا يرضون بذلك ، ولكن الشياطين قد تعينهم وتتصور لهم في صور الآدميين ، فيرونهم بأعينهم ويقوله أحدهم: أنا إبراهيم أنا المسيح ، أنا محمد أنا الخضر أنا أبو بكر أنا عمر ، أنا عثمان أنا علي أنا الشيخ فلان ، وقد يقول بعضا عن بعض هذا هو النبي فلان ، أو هذا هو الخضر ، ويكون أولئك كلهم جنا ، يشهد بعضهم لبعض ، والجن كالإنس فمنهم الكافر ، ومنهم الفاسق ، ومنهم العابد الجاهل ، فمنهم من يحب شيخا فيتزي في صورته ويقول: أنا فلان ، ويكون ذلك في برية ومكان قفر ، فيطعم ذلك الشخص طعاما ويسقيه شرابا أو يدله على الطريق أو يخبره ببعض الأمور الواقعة الغائبة ، فيظن ذلك الرجل أن نفس الشيخ الميت أو الحي فعل ذلك ، وقد يقوله: هذا سر الشيخ وهذه رقيقته ، وهذه حقيقته ، أو هذا ملك جاء على صورته ، وإنما يكون ذلك جنيا ، فإن الملائكة لا تعين على الشرك والإفك ، والإثم والعدوان .
وقد قال الله تعالى: سورة الإسراء الآية 56 قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا سورة الإسراء الآية 57 أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا .
قال طائفة من السلف ، كان أقوام يدعون الملائكة
والأنبياء؛ كالعزير والمسيح ، فبين الله تعالى أن الملائكة والأنبياء عباد الله . كما أن الذين يعبدونهم عباد الله ، وبين أنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه ، ويتقربون إليه كما يفعل سائر عباده الصالحين .
والمشركون من هؤلاء قد يقولون: إنا نستشفع بهم ، أي نطلب من الملائكة والأنبياء أن يشفعوا ، فإذا أتينا قبر أحدهم طلبنا منه أن يشفع لنا فإذا صورنا تمثاله- والتماثيل إما مجسدة وإما تماثيل مصورة كما يصورها النصارى في كنائسهم- قالوا: فمقصودنا بهذه التماثيل تذكر أصحابها ، وسيرهم ونحن نخاطب هذه التماثيل ومقصودنا خطاب أصحابها ليشفعوا لنا إلى الله فيقول أحدهم: يا سيدي فلان ، أو يا سيدي جرجس أو بطرس ، أو يا ستي الحنونة مريم أو يا سيدي الخليل أو موسى بن عمران أو غير ذلك اشفع لي إلى ربك .
وقد يخاطبون الميت عند قبره: سل لي ربك ، أو يخاطبون الحي وهو غائب كما يخاطبونه لو كان حاضرا حيا وينشدون قصائد بقول أحدهم فيها: يا سيدي فلان أنا في حبك أنا في جوارك اشفع لي إلى الله ، سل الله لنا أن ينصرنا على عدونا ، سل الله أن يكشف عنا هذه الشدة ، أشكو إليك كذا وكذا فسل الله أن يكشف هذه الكربة ، أو يقول أحدهم: سل الله أن يغفر لي .
ومنهم من يتأول قوله تعالى: سورة النساء الآية 64 وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ويقولون: إذا طلبنا منه الاستغفار بعد موته كنا بمنزلة الذين طلبوا الاستغفار من الصحابة . ويخالفون بذلك الإجماع من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، وسائر المسلمين ، فإن أحدا منهم لم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته أن يشفع له ، ولا سأله شيئا ، ولا ذكر ذلك أحد من أئمة المسلمين في كتبهم وإنما ذكر ذلك من ذكره من متأخري الفقهاء ، وحكموا حكاية مكذوبة على مالك رضي الله عنه ، وسيأتي ذكرها ، وبسط الكلام عليها إن شاء الله تعالى .
فهذه الأنواع من خطاب الملائكة والأنبياء والصالحين بعد موتهم عند قبورهم وفي مغيبهم ، وخطاب تماثيلهم ، هو من أعظم أنواع الشرك الموجود في المشركين ، من غير أهل الكتاب ، وفي مبتدعة أهل الكتاب والمسلمين الذين أحدثوا من الشرك والعبادات ما لم يأذن به الله تعالى ، قال تعالى: سورة الشورى الآية 21 أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ إلى آخر ما ذكره رحمه الله في رسالته الجليلة المسماة: "القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة " قد أوضح فيها أنواع الشرك فراجعها إن شئت .
وقال أيضا- رحمه الله- في رسالته إلى أتباع الشيخ عدي بن مسافر ص 31 ما نصه:
(فصل: وكذلك الغلو في
بعض المشايخ إما في الشيخ عدي ، ويونس القني ، أو الحلاج وغيرهم ، بل الغلو في علي بن أبي طالب رضي الله عنه ونحوهم ، بل الغلو في المسيح عليه السلام ونحوه ، فكل من غلا في حي أو في رجل صالح كمثل علي رضي الله عنه أو عدي أو نحوه ، أو في من يعتقد فيه الصلاح كالحلاج أو الحاكم الذي كان بمصر أو يونس القني ونحوهم . وجعل فيه نوعا من الألوهية مثل أن يقول: كل رزق لا يرزقنيه الشيخ فلان ما أريده ، أو يقول إذا ذبح شاة باسم سيدي . أو يعبده بالسجود له ، أو لغيره أو يدعوه من دون الله تعالى مثل أن يقول: يا سيدي فلان اغفر لي أو ارحمني أو انصرني أو ارزقني أو أغثني أو أجرني أو توكلت عليك أو أنت حسبي أو أنا في حسبك أو نحو هذه الأقوال والأفعال التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله تعالى ، فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل . فإن الله إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب لنعبد الله وحده لا شريك له ولا نجعل مع الله إلها آخر .
والذين كانوا يدعون مع الله آلهة أخرى مثل الشمس والقمر والكواكب والعزير والمسيح والملائكة واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى . ويغوث ويعوق ونسرا ، وغير ذلك لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق الخلائق أو أنها تنزل المطر أو أنها تنبت النبات وإنما كانوا يعبدون الأنبياء والملائكة والكواكب والجن والتماثيل المصورة لهؤلاء ، أو يعبدون قبورهم ، ويقولون إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى . ويقولون هم شفعاؤنا عند الله ،
فأرسل الله رسله تنهى أن يدعى أحد من دونه لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة . قال تعالى: سورة الإسراء الآية 56 قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا سورة الإسراء الآية 57 أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا .
قال طائفة من السلف: كان أقوام يدعون المسيح وعزيرا والملائكة فقال الله لهم: هؤلاء الذين تدعونهم يتقربون إلي ، كما تتقربون ويرجون رحمتي كما ترجون رحمتي ويخافون عذابي كما تخافون عذابي .
وقال تعالى: سورة سبأ الآية 22 قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ سورة سبأ الآية 23 وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ فأخبر سبحانه أن ما يدعى من دون الله ليس له مثقال ذرة في الملك ولا شريك في الملك وأنه ليس له في الخلق عون يستعين به وأنه لا تنفع الشفاعة عنده إلا بإذنه) .
إلى أن قال رحمه الله: ( وعبادة الله وحده هي أصل الدين ، وهو التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب ، فقال تعالى: سورة الزخرف الآية 45 وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ، وقال تعالى: سورة النحل الآية 36 وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ
وقال تعالى: سورة الأنبياء الآية 25 وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحقق التوحيد ويعلمه أمته حتى رواه أحمد في: '' مسند بني هاشم '' برقم 1742، بلفظ : '' أجعلتني والله عدلا''. وله بلفظ آخر: '' جعلتني كله عدلا '' برقم 2430. ولفظه في '' فتح المجيد شرح كتاب التوحيد '': '' أجعلتني لله ندا ''. قال له رجل: ما شاء الله وشئت . فقال: " أجعلتني لله ندا بل ما شاء الله وحده وقال: رواه الدارمي في: '' الاستئذان '' برقم 2583 واللفظ له، ورواه ابن ماجه في: '' كتاب الكفارات '' برقم 2109، وأحمد في: '' مسند البصريين '' برقم 19773 . لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد ونهى عن الحلف بغير الله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم: رواه البخاري في: '' الشهادات '' برقم 2482، وفي: '' الأيمان والنذور '' برقم 6155. ورواه مسلم في: '' الأيمان '' برقم 2482 واللفظ متفق عليه. من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت وقال صلى الله عليه وسلم: رواه أبو داود في: '' الأيمان والنذور '' برقم 2829 واللفظ له، ورواه الترمذي في: '' النذور والأيمان '' برقم 1455 بلفظ: '' فقد كفر أو أشرك ''. من حلف بغير الله فقد أشرك وقال صلى الله عليه وسلم: رواه البخاري في: '' كتاب الأنبياء '' برقم 3189. لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم وإنما أنا عبد الله فقولوا عبد الله ورسوله
ولهذا اتفق العلماء على أنه ليس لأحد أن يحلف بمخلوق كالكعبة ونحوها . ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السجود له ، ولما سجد
بعض أصحابه له نهى عن ذلك وقال: رواه أحمد في: '' باقي مسند المكثرين '' برقم 12153، بلفظ: '' لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر''. وفي لفظ آخر له برقم 4168: '' إنا لا نسجد إلا لله ''. لا يصلح السجود إلا لله وقال: رواه الترمذي في: '' الرضاع '' برقم 1079 عن أبي هريرة، ورواه ابن ماجه في: '' النكاح '' برقم 1842، وأحمد في مسند الكوفيين برقم 18591. لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها وقال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: رواه أبو داود في: '' النكاح '' برقم 1828. أرأيت لو مررت بقبري أكنت ساجدا له " قال: لا ، قال: " لا ، فلا تسجد لي ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد وقال في مرض موته: رواه البخاري في: '' الجنائز '' برقم 1301، ومسلم في: '' المساجد ومواضع الصلاة '' برقم 825، واللفظ متفق عليه. لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد
إلى أن قال رحمه الله: ( ولهذا اتفق أئمة الإسلام على أنه لا يشرع بناء المسجد على القبور ولا تشرع الصلاة عند القبور ، بل كثير من العلماء يقول الصلاة عندها باطلة ) .
إلى أن قال- رحمه الله تعالى-: ( وذلك أن من أكبر أسباب عبادة الأوثان كانت تعظيم القبور بالعبادة ونحوها ، قال الله تعالى في كتابه: سورة نوح الآية 23 وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا قال طائفة من السلف: كانت هذه الأسماء لقوم صالحين فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم
وعبدوها .
ولهذا اتفق العلماء على أن من سلم على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره أنه لا يتمسح بحجرته ولا يقبلها ) انتهى المقصود من كلامه رحمه الله .
وقال العلامة ابن القيم - رحمه الله- في الجواب الكافي ص 156 ما نصه:
( فصل: ويتبع هذا الشرك الشرك به سبحانه في الأفعال والأقوال والإرادات والنيات فالشرك في الأفعال كالسجود لغيره ، والطواف بغير بيته ، وحلق الرأس عبودية وخضوعا لغيره ، وتقبيل الأحجار غير الحجر الأسود الذي هو يمين الله في الأرض ، وتقبيل القبور واستلامها والسجود لها ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من اتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد يصلى لله فيها ، فكيف بمن اتخذ القبور أوثانا يعبدها من دون الله . ففي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: سبق تخريجه. لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: رواه أحمد في: '' مسند المكثرين من الصحابة '' برقم 3651. إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، ومن يتخذ القبور مساجد وفي الصحيح أيضا عنه صلى الله عليه وسلم: رواه مسلم في: '' المساجد ومواضع الصلاة '' برقم 827. إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك
وفي مسند الإمام أحمد رضي الله عنه وصحيح ابن حبان
عنه صلى الله عليه وسلم قال: رواه ابن حبان 7 \ 3179 ، 3180. لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج وقالت: رواه مالك في الموطأ في: '' كتاب النداء للصلاة '' برقم 376. اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وقال: رواه البخاري في: '' الصلاة '' برقم 409 و 416، ومسلم في: '' المساجد ومواضع الصلاة '' برقم 822. إن من كان قبلكم كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة فهذا حال من سجد لله في مسجد على قبر فكيف حال من سجد للقبر نفسه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: رواه مالك في الموطأ في: '' كتاب النداء للصلاة '' برقم 376. اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد انتهى كلامه رحمه الله .
وبما ذكرنا في صدر هذا الجواب ، وبما نقلناه عن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- وتلميذه العلامة ابن القيم - رحمه الله- يتضح لكم ولغيركم من القراء أن ما يفعله الجهال من الشيعة وغيرهم ، عند القبور من دعاء أهلها والاستغاثة بهم والنذر لهم والسجود لهم وتقبيل القبور طلبا لشفاعتهم أو نفعهم لمن قبلها . كل ذلك من الشرك الأكبر لكونه عبادة لهم ، والعبادة حق لله وحده كما قال الله سبحانه: سورة النساء الآية 36 وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وقال سبحانه: سورة البينة الآية 5 وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ الآية .
وقال عز وجل: سورة الذاريات الآية 56 وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ إلى غير ذلك من الآيات التي سبق بعضها .
أما تقبيل الجدران ، أو الشبابيك أو غيرها ، واعتقاد أن ذلك عبادة لله ، لا من أجل التقرب بذلك إلى المخلوق . فإن ذلك يسمى بدعة لكونه تقربا لم يشرعه الله فدخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: رواه البخاري في: '' الصلح '' برقم 2499، ومسلم في: ''الأقضية'' برقم 3242 واللفظ متفق عليه. من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد وفي قوله صلى الله عليه وسلم: رواه أبو داود في: '' السنة '' برقم 3991، وأحمد في: '' مسند الشاميين '' برقم 16522. إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة
وأما تقبيل الحجر الأسود ، واستلامه واستلام الركن اليماني فكل ذلك عبادة لله وحده واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم لكونه فعل ذلك في حجة الوداع وقال: رواه البيهقي في: السنن الكبرى '' 5 \ 125، وابن عبد البر في: '' التمهيد '' 2، 90، 98، 4 \ 40233، 5 \ 117، 7 \ 272، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 3 \ 269 ، وابن حجر في: '' فتح الباري '' 1 \ 499 . خذوا عني مناسككم وقد قال الله عز وجل: سورة الأحزاب الآية 21 لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ الآية .
وأما التبرك بشعره صلى الله عليه وسلم وعرقه ووضوئه ، فلا حرج في ذلك كما تقدم لأنه عليه الصلاة والسلام أقر الصحابة عليه ولما جعل
الله فيه من البركة ، وهي من الله سبحانه ، وهكذا ما جعل الله في ماء زمزم من البركة حيث قال صلى الله عليه وسلم عن زمزم: رواه مسلم في: '' كتاب فضائل القرآن '' برقم 4520، وأحمد في: '' مسند الأنصار '' برقم 20546 بلفظ: '' إنها مباركة إنها طعام طعم ''. إنها مباركة وإنها طعام طعم وشفاء سقم
والواجب على المسلمين الاتباع والتقيد بالشرع ، والحذر من البدع القولية والعملية . ولهذا لم يتبرك الصحابة رضي الله عنهم بشعر الصديق رضي عنه ، أو عرقه أو وضوئه ولا بشعر عمر أو عثمان أو علي أو عرقهم أو وضوئهم ، ولا بعرق غيرهم من الصحابة ، وشعره ووضوئه لعلمهم بأن هذا أمر خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا يقاس عليه غيره في ذلك ، وقد قال الله عز وجل: سورة التوبة الآية 100 وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .
وقال كثير من الصحابة رضي الله عنهم: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم .
وأما توسل عمر رضي الله عنه والصحابة بدعاء العباس في الاستسقاء وهكذا توسل معاوية رضي الله عنه في الاستسقاء بدعاء يزيد بن الأسود فذلك لا بأس به لأنه توسل بدعائهما وشفاعتهما ولا حرج في ذلك . ولهذا يجوز للمسلم أن يقول لأخيه: ادع
الله لي وذلك دليل من عمل عمر والصحابة رضي الله عنهم ومعاوية رضي الله عنه على أنه لا يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء ولا غيره بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ولو كان ذلك جائزا لما عدل عمر الفاروق والصحابة رضي الله عنهم عن التوسل به صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بدعاء العباس ولما عدل معاوية رضي الله عنه عن التوسل به صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بيزيد بن الأسود وهذا شيء واضح بحمد الله .
وإنما يكون التوسل بالإيمان به صلى الله عليه وسلم ومحبته والسير على منهاجه وتحكيم شريعته وطاعة أوامره ، وترك نواهيه . هذا هو التوسل الشرعي به صلى الله عليه وسلم بإجماع أهل السنة والجماعة وهو المراد بقول الله سبحانه: سورة الأحزاب الآية 21 لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ .
وبما ذكرنا يعلم أن التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم أو بذاته من البدع التي أحدثها الناس ولو كان ذلك خيرا لسبقنا إليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم أعلم الناس بدينه وبحقه صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم .
وأما توسل الأعمى به صلى الله عليه وسلم إلى الله سبحانه في رد بصره إليه فذلك توسل بدعائه وشفاعته حال حياته صلى الله عليه وسلم ولهذا شفع له النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له .
والله المسؤول بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يمنحني وإياكم وسائر إخواننا الفقه في دينه والثبات عليه وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان وأن يمنحهم الفقه في الدين وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم وأن يوفق جميع حكام
المسلمين للفقه في الدين والحكم بشريعة الله سبحانه والتحاكم إليها وإلزام الشعوب بها والحذر مما يخالفها عملا بقول الله عز وجل: سورة النساء الآية 65 فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ، وبقوله سبحانه: سورة المائدة الآية 50 أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته