الأحاديث النبوية في ذم العنصرية الجاهلية
-المقدمة-
الحمد لله وصلي الله وسلم علي رسول الله ، أما بعد : : لقد ابتلي كثير من أهل الإسلام في هذه الأزمان بخصلة مشينة ، تمتد جذورها إلى زمن الجاهليين المشركين ، وكانت حرب هذه الخصلة مقصداً من مقاصد بعثة رسول الله r إلى العالم ، تلك هي خصلة العصبية الجاهلية ، بفعله الشريف وقوله المنيف ، بل نزل القرآن الكريم بإبطالها وإحلال القاعدة الشريفة مكانها ) هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا( )إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (
)يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً (. )إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (
)وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ(
وهذا هو المناسب لكون دين الله تعالي الإسلام عاماً لجميع الثقلين الإنس والجن ، كما أنه المناسب لدين باق إلى قيام الساعة .
لقد كان أهل الجاهلية متفرقين ) كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ( لا يحكمهم دين ولا عقل سليم ، قويهم يأكل ضعيفهم ) إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً( تفنيهم الحرب أجيالاً بعد أجيال من أجل استغاثة رجل بقبيلته ولو على باطل ، ونحو ذلك من تفاهات الأسباب وحقيرات البواعث .
فجاء الإسلام ماحياً كل هذه الظواهر المقيتة في حياتهم ، حيث ساوى بينهم في الحقوق ، وجعل شعار عصبيتهم (( الإسلام )) وفاضل بينهم بالتقوى وطاعة الله تعالى ، فلا فضل لعربي على عجمي ، ولا عجمي على عربي ، ولا لأحمر علي أسود ، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم .
قال الله تعالى : )هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ( (الجمعة:2)
ولا سبيل إلي انتشار الإسلام كما كان أول أمره إلا إذا ألغي المسلمون جميع الشعارات إلا شعار الإسلام ، فصارت موالاتهم ومعاداتهم على هذا الدين القويم ، إذا أحبوا أحبوا لله ، وإذا أبغضوا أبغضوا لله ، وبذلك تنال ولاية الله عز وجل : ) نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ( (لأنفال: من الآية40)
إن معرفة الإنسان لقبيلته وانتسابه لها والمحافظة على الانتساب لا يذم في الشرع بل جاء عنه r (( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم )) ، إنما المذموم الافتخار بالقبائل ، وذم أنساب الناس واحتقار من لم يعرف بقبيلة ، فتلك دعوى الجاهلية ، وتلك الدعوة المنتِنة .
وتذكيراً لنفسي ولإخواني المسلمين جمعت بعض الأحاديث والآثار في هذا الباب إذ هي كفيلة بنزع ما قد يعلق في بالقلوب من عنصرية بغيضةٍ وعصبيةٍ جاهلية ، فوجب التسليم والقبول لأمر الله تعالي وأمر رسوله r قال الله تعالى : ) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ( (النور 51 :52 )
) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً( (الأحزاب:36)
وقال تعالي )فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً( (النساء:65)
هذا وليعلم أني لا أريد بما كتبت هاهنا إبطال الأنساب أو تمزيق القبائل ، كلا فإن شرف القبيلة فضل الله يؤتيه من يشاء )وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ( (القصص:68) بل نريد أن تكون القبيلة ملتزمة شرع الله واقفة عند حدوده فلا تسلك مسلك الجاهلية في الافتخار والتعاظم بغير حق ، بل تكون عزوتها الإسلام ، وفخرها التقوى ، وشعرها الذي تجتمع عليه : دين الله تعالى .
فقد كان شعار المهاجرين في الحروب : عبد الله، وشعار الأنصار عبد الرحمن . رواه أبو داود في (( السنن )). حمّ (1) حم (1)
وفيها – أيضاً – عن المهلب بن أبي صفرة أن رسول الله r قال : إن بيتكم العدو فليكن شعاركم ( حّم) لا ينصرون )) . حديث صحيح .
وصلى الله وسلم علي نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتب : عبد السلام بن برجس العبد الكريم
الرياض 20/2/1420 هـ