الأحاديث النبوية في ذم العنصرية الجاهلية
قاعدة في الفضائل
اتفق أهلا لسنة والجماعة على اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم ، وأن قريشاً أفضل العرب وأن بني هاشم أفضل قريش وأن محمد رسول الله r أفضل بني هاشم فهو أفضل الخلق نفساً وأفضلهم نسباً ([83])
قال شيخ الإسلام رحمه الله في (( اقتضاء الصراط المستقيم )) ([84]) وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم لمجرد كون النبي r منهم ، وإن كان هذا من الفض ، بل هم في أنفسهم أفضل ، وبذلك يثبت لرسول الله r أنه أفضل نفساً ونسباً ،وإلا لزم الدور ...
ثم ذكر شيخ الإسلام الأدلة على ذلك فقال : إن الله خص العرب ولسانهم بأحكام تميزوا بها ثم خص قريشاً على سائر العرب بما جعل فيهم من خلافة النبوة وغير ذلك من الخصائص ، ثم خص بني هاشم بتحريم الصدقة ، واستحقاق قسط من الفيء ، إلى غير ذلك من الخصائص فأعطي الله – سبحانه – كل درجة من الفضل بحسبها والله عليم حكيم )اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ( (الحج:75)
)وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ( (الأنعام:124)
روى البزار عن سلمان الفارسي tأنه قال : (( نفضلكم يا معشر العرب لتفضيل رسول الله r إياكم ،
لا ننكح نسائكم ، ولا نأمكم في الصلاة )) وإسناده جيد وسبب هذا الفضل والله أعلم – ما اختصوا به في عقولهم والسنتهم وأخلاقهم وأعمالهم .. وذلك أن الفضل إما بالعلم النافع ، وأما بالعمل الصالح . والعلم له مبدأ : وهو قوة العقل الذي هو الفهم والحفظ وتمام : وهو قوة المنطق الذي هو البيان والعبارة .
والعرب هم أفهم من غيرهم ،وأحفظ وأقدر على البيان والعبارة . ولسانهم أتم الألسنة بياناً وتميزاً للمعاني ، جمعاً وفرقاً ، يجمع المعاني الكثيرة في اللفظ القليل إذا شاء المتكلم الجمع ، ثم يميز بين كل شيئين مشتبهين بلفظ آخر مميز مختصر ، إلى غير ذلك من خصائص اللسان العربي التي لا يستراب فيها .
وأما العمل : فإن مبناه على الأخلاق ، وهى الغرائز المخلوقة في النفس ، وغرائزهم أطوع للخير من غيرهم ، فهم أقرب للسخاء والحلم والشجاعة والوفاء وغير ذلك من الأخلاق المحمودة ، لكن كانوا قبل الإسلام طبيعة قابلة للخير معطلة عنفعله ، ليس عندهم علم منزل من السماء ولا شريعة موروثة عن نبي ، ولا هم – أيضاً – مشتغلين ببعض العلوم العقلية المحضة كالطب والحساب ونحوها ، إنما علمهم ما سمحت به قرائحهم : من الشعر والخطب ، أو ما حفظوه من أنسابهم وأيامهم أو ما احتاجوا إليه في دنياهم من الأنواء والنجوم ، أو من الحروب .
فلما بعث الله محمداً r بالهدى الذي ما جعل الله في الأرض ولا يجعل أمراً أجل منه وأعظم قدراً ، وتلقوه عنه بعد مجاهدته الشديدة لهم ، ومعالجتهم على نقلهم من تلك العادات الجاهلية والظلمات الكفرية التي كانت قد أحالت قلوبهم عن فطرتها ، فلما تلقوا عنه ذلك الهدى زالت تلك الريون عن قلوبهم واسنارت بهدي الله الذي انزل على عبده ورسوله ، فأخذوا هذا الهدى العظيم بتلك الفطرة الجيدة ، فاكتمل لهم الكمال بالقوة المخلوقة فيهم ، والكمال الذي انزل الله إليهم ... إلى أن قال شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى :
يجب على المسلم إذا نظر في الفضائل ، أو تكلم فيها ، أن يسلك سبيل العاقل الدين ، الذي غرضه أن يعرف أن يعرف الخير ويتحراه جهده ،وليس غرضه الفخر على أحد ولا الغمض من أحد ، فقد روى مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار المجاشعي t قال : قال رسول الله r (( إنه أوحي إلي أن تواضعوا ، حتى لا يفخر أحد علي أحد ،ولا يبغي أحد على أحدٍ ))
فنهي الله سبحانه على لسان رسوله عن نوعي الاستطالة علي الخلق ، وهي : الفخر والبغي ، لأن المستطيلان استطال بحق فقد افتخر وإن كان بغير حق فقد بغي فلا يحل لا هذا ولا هذا فإن كان الرجل من الطائفة الفاضلة مثل : أن يذكر فضل بني هاشم أو قريش أو العرب أو بعضهم فلا بكن حظه استشعار فضل نفسه ، والنظر إلى ذلك فإنه مخطئ في هذا لأن فضل الجنس لا يستلزم فضل الشخص كما قدمنا فرب حبشي أفضل عند الله من جهمور قريش ، ثم هذا النظر يوجب نقصه وخروجه عن الفضل ، فضلاً عن أن يستعلى بهذا ويستطيل .
وإذا كان من الطائفة الأخرى ، مثل العجم أو غير قريش أو غير بني هاشم فليعلم أن تصديقه لرسول اللهr فيما أخبر وطاعته فيما أمر ، ومحبة ما أحبه الله ، والتشبه بمن فضل الله والقيام بالدين الحق الذي بعث به محمداً ، يوجب له أن يكون أفضل من جمهور الطائفة المفضلة ،وهذا هو الفضل الحقيقي . وانظر إلى عمر بن الخطاب t حين وضع الديوان وقالوا له يبدأ أمير المؤمنين بنفسه فقال : لا ، ولكن ضعوا عمر حيث وضعه الله ، فبدأ بأهل بيت رسول الله r ثم من يليهم ، حتى جاءت نوبة في بني عدي وهم متأخرون عن أكثر بطون قريش .
ثم هذا الإتباع للحق ونحوه قدمه على عامة بني هاشم فضلاً عن غيرهم من قريش ...ا هـ .
--------------------------------------------------------------------------------
[83] - ينظر (( اقتضاء الصراط المستقيم )) 1/374 .
[84] - (1/375 -405) .