أيها العرب، لا تتخذوا الفرقة وسيلة إلى الوحدة!!
الكاتب : الشيخ تقي الدين الهلالي
تفرق العرب اليوم فريقين مختلفين متضادين، فريق ينادي بأعلى صوته ׃ الاشتراكية، الحرية، الوحدة، الثورة، الجمهورية، فما معنى هذه الألفاظ ؟
الاشتراكية في هذا الزمان لها معنيان ׃ الأول الشيوعية، والعرب لا يدعون إليها. والثاني الاشتراكية الجزئية _إن صح التعبير_ وهذه تنقسم إلى قسمين ׃ اشتراكية ديمقراطية، كالتي في بريطانيا عند حزب العمال وفي ألمانيا الغربية، وفي فرنسا وإيطاليا والبلاد البلجيكية وغيرها. واشتراكية نازية فاشية، أي قومية استبدادية، ويظهر أن العرب يميلون إلى هذه الأخيرة، فإن كان ذلك صحيحا، فقد جربها هتلر وموسوليني وغيرهما فلم تنجح.
فينبغي على العرب أن يعتبروا بمن سبقهم، ولاسيما إذا كان أعلم منهم، وأكثر تجارب وأمضى عزيمة، واجمع شملا، واشد بأسا، وأحد سلاحا.
و هنا أرى أن أذكر مثلا أشاعه اليهود الألمانيون في أول الحرب العالمية الأخيرة. وهذا المثل ضربوه لزعماء الدول المتحاربة، هتلر، موسوليني، وتشرشل، فقد شبه هؤلاء اليهود النصر بسمكة في بركة ماء يتنافس عليها الزعماء الثلاثة، وكل منهم يستعمل أساليبه الخاصة لاستخراجها والفوز بها.
فأما هتلر فقد جمع المهندسين والغواصين، وعلماء طبقات الأرض وغيرهم وقال لهم ׃ أريد منكم أن تعلموا أفكاركم ومقدراتكم العلمية والفنية في استخراج هذه السمكة فاستعمل العلماء علومهم وأفكارهم في تحديد مكان السمكة، فلما تم تحديده أمروا الغواصين فغاصوا وأخرجوا السمكة وقدموها إلى هتلر فأعجبته، فأخذ ينظر إليها ويقلبها في يديه ظهرا لبطن، فأفلتت من يديه ووقعت في البركة ثم اجتهد علماؤه أن يخرجوها مرة أخرى فلم يقدروا عليها.
و أما موسوليني فلم يجمع العلماء والمهندسين، بل أمر الجيش أن يغوص عليها، فغاصت الجيوش، فغرق أكثرها ورجعت البقية الباقية خائبة مذعورة.
و أما تشرشل فلم يفعل شيئا من ذلك بل عبأ شعبه كله رجالا ونساء، وأمرهم أن ينزحوا ماء البركة ليأخذوا السمكة بلا تعب.
هذا المثل سمعته وأنا في برلين سنة 1941 حين استولى هتلر على فرنسا وأكثر أوربا وأكثر أهل الأرض لا يشكون في انتصاره، ولكن الأمر جاء مطابقا لما توقعه اليهود أصحاب هذا المثل.
مزايا الانتخاب الحر وفضائله
ثم إن الشعار الثاني، وهو الحرية، يتناقض ويتنافى مع الاشتراكية لأن الحرية إذا توفرت لجميع أفراد الشعب وأبدوا آراءهم بدون خوف ولا وجل ولا تهديد فقد اتضحت السبيل، وعرفت إرادة كل الشعب أو أكثره، وسار على صراط مستقيم، آمنا من النكبات، بريئا من الأحقاد، حتى الأقلية المهزومة في الانتخاب الحر ترضى بما قسم الله لها، ولا ترى في ذلك غبنا ولا حيفا، كحزب الأحرار في بريطانيا، فلا تحقد على الأكثرية ولا تضمر لها عداوة، ولا تتربص بها الدوائر، ولا تحتاج إلى ثورة، لأن ميدان العمل مفتوح أمامها، وطريق الدعاية معبد ليس فيه عقبة. وهذه الحرية لا تكون بالقهر وحمل السلاح، وكم الأفواه، والخداع والدس والمكر، وسيلة إلى الاستيلاء على الحكم، زاعمة أن ذلك القهر، وذلك الاستبداد، إنما هو دواء مؤلم مؤقت اضطرت إلى استعماله ريثما تستقيم لها الأمور. و حينئذ تعود إلى الحرية، وتجري الانتخاب بنزاهة ليقول الشعب كلمته بملء إرادته.
و تنسى هذه الشعوب أو تتناسى ما في الإنجيل (إن العنب لا يجنى من الشوك فمتى العنف لا يجنى من الشوك) فمتى كان القهر والعنف والكبت وسيلة إلى الحرية ؟ ومتى نجحت فرقة من الشعب في ثورة مسلحة تستعمل كل الوسائل لحفظ سلطانها، وتخضع لها الفرقة الأخرى طوعا وكرها وطمعا، لا رضا وإقناعا، ولا تزال تتربص بها الدوائر، وتنتظر غرتها حتى تسنح لإحداهن الفرصة فتثب عليها، وتسقيها بالكأس التي سقت بها غيرها، وهكذا دواليك. فمتى يصل الشعب إلى الاستقرار والأمان والاطمئنان؟
و من ذلك تعلم أن سبيل الحرية ليست هي الثورة والأثرة، وإنما تكون بالدعوة الهادئة، وميل الشعب كله إلى الإنصاف والتسامح، واستنكار الغلظة والشدة.