فخذ مثلاً من الأحزاب المتحزبة، والجماعات المتحركة، والمنظمات المتكتلة، حزب التحرير، وحزب التوحيد الإسلامي، وجماعة التكفير والهجرة، والجماعة القرآنية، وجماعة شباب محمد، وجماعة الجهاد، وجماعة الإخوان، وجماعة التبليغ، وجماعة الجبهة الإسلامية، وجماعة جبهة الإنقاذ.
وكل حزب من هذه الأحزاب له فكر وخطوط ومنهج ابتكرها ونظمها مؤسسه ودعاته، وكل جماعة من تلك الجماعات لها كذلك أفكار متعددة، ومناهج مختلفة، وأساليب خاصة غير أن تلك الأفكار وتلك المناهج والأساليب لَم تستمد من نصوص الوحيين، وإنما مصدرها الهوى الذي يعقبه الردى، والتقليد الأعمى الذي يزحزح صاحبه عن الطريق الأسمى، مع العلم أن كل حزب من تلك الأحزاب يدعي أنه هو صاحب الحق ورجاله رجال الجهاد في سبيل رفع راية الإسلام.
وهكذا تلك الجماعات ذات العدد، كل جماعة تدعي أنَّها هي الطائفة الناجية، وأن المتخلف عنها والمتخذ غير سبيلها من الفرقة الهالكة.
وسبب هذا التخرص: هو ما أسلفته مرارًا أن هؤلاء الأحزاب وتلك الجماعات، لَم يزنوا مناهجهم وتحركاتِهم بميزان الشرع الشريف، ولَم يفهموا القسط في شأن الدعوة الصحيحة إلى شريعة الإسلام التي ورثها العلماء الربانيون السائرون على نَهج السلف الصالح عن الرسل والأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-.
ولما كان هذا شأن أولئك الأحزاب والجماعات، فإن أنشطتهم الدعوية لَم تثمر خيرًا تنتفع به الأمة، بل الذي حصل هو العكس وذلك بشهادة الواقع الذي يعلم تفاصيله أهل الحكمة والبصيرة.
ورغم ذلك فإن لأفكارهم ومناهجهم -على اختلاف اتجاهاتِهم- تأثيرًا على قلوب وعقول كثير من الشباب ذكورًا وإناثًا، وذلك لكثرة الدعايات الصادرة منهم في وسائل النشر من تأليف الكتب وإصدار النشرات وإلقاء المحاضرات والندوات بواسطة الكاسيت، وكلها تلهب المشاعر فيثور أهلها فيركبون متن عمياء ويخبطون خبط عشواء استجابة لنداءات زعمائهم ومنظريهم، ولو ترتب على ذلك شيء من سفك الدماء وانتهاك الأعراض وانتشار الفوضى في الأرض، وهم مع ذلك يحسبون أنَّهم يحسنون صنعًا، وكفى بذلك إرهابًا حسًّا ومعنًا.
وأما الإرهاب الفكري الصادر عن أشخاص مرموقين، ولكنهم من خصوم المنهج السلفي وأهله، فسأضرب له أمثلة لأفراد امتلأت الدنيا بأفكارهم، وتغنى السذج من الشباب وأمثالهم -بل وقادتُهم- بأقوالهم، وأضفوا عليهم الهالات من المدح فقط، ضاربين بأعداد كثيرة من البدع والمخالفات الصادرة منهم عرض الحائط بدون ذكر لها ولا تحذير منها ولا بيان لشرها وأضرارها.
ومن أولئك الأشخاص:
1- سيد قطب ويكفي ما كتبه( ) عن عقيدته وفكره الشيخ العلامة عبد الله ابن محمد الدويش -رحمه الله-، وما كتبه( ) العلامة الشيخ ربيع بن هادي عمير المدخلي -حفظه الله-، وأكتفي هنا بإيراد ثلاثة أمثلة من إرهاب سيد قطب الفكري الذي أصاب به في المقاتل من قل نصيبه من العلم وساء فهمه للفروق بين دعاة الحق المنير وبين دعاة التضليل والتلبيس الخطير.
المثال الأول: قال سيد قطب -بعد كلام كثير خطير يتضمن تكفير الأمة القاطنة على وجه الأرض- ما نصه:
( أ ) إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه شريعة الله والفقه الإسلامي( ).