﴿ حُكْمُ الْجَهرِ وَ الْإِسْرَارِ بِالْبَسْمَلَةِ ﴾
مـقـدمـة الطـبـعــة الأولـى
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإن أصل هذا البحث أنه شرح لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي في عمدة الأحكام في حكم الإسرار بالبسملة، ولَمَّا كان البحث نافعًا ومفيدًا رأيت إفراده في رسالة صغيرة بعد إشارة بعض الْمُحبين بذلك، ولذلك فقد قدمته لـ"دار المنهاج" للنشر والتوزيع رغبة منِّي في طبعه ونشره لعل الله أن ينفع به كل من قرأه، وسميته: "فتح الرب الرحيم في حكم الجهر والإسرار بــ (بسم الله الرحمن الرحيم)". وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
الـمـؤلف
باب ترك الجهر بـ"بسم الله الرحمن الرحيم"
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النَّبِي صلى الله عليه و سلم وأبا بكر وعمر كانوا يستفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين) ([1]).
وفي رواية: (صليت مع أبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم)([2]).
ولمسلم: (صليت خلف النَّبِي صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخره)([3]).
موضوع الحديث: إسرار البسملة في الصلاة الجهرية.
المفردات: يستفتحون: يبدءون الصلاة، على حذف مضاف أي: القراءة في الصلاة.
بالحمد لله رب العالمين: يجوز في الحمد الرفع على الحكاية إذا كان المعنى أن يبدأ بِهذا اللفظ.
ويجوز فيه الجر إذا كان المعنى يبدءون بالفاتحة قبل السورة والحمد لله رب العالمين اسم لها.
في أول قراءة: هي الفاتحة، ولا في آخرها: هي السورة.
المعنى الإجمالي: يخبر أنس رضي الله عنه أن النَّبِي صلى الله عليه و سلم وأبا بكر وعمر كانوا يدخلون في قراءة الصلاة بالحمد لله رب العالمين، أي يبدءون بِهذا اللفظ دون ذكر البسملة، أو دون إسماعها وعلى الوجه الثالث تحمل الروايتان الأخيرتان.
فقه الحديث: اعلم أن بحث الإسرار بالبسملة بحث كبير وهام، ولذلك فقد أفرده جماعة من العلماء بالتأليف كابن عبد البر([4])، والدارقطني([5])، والمقدسي وغيرهم، ومدار البحث في هذا الموضوع يرتكز على أمرين:
الأمر الأول: قرآنية البسملة.
الأمر الثاني: قراءتُها في الصلاة، وهل تسر أو تجهر ؟
فأما الأمر الأول وهو قرآنية البسملة فقد اختلف العلماء فيه:
فذهب مالك في المشهور عنه إلى أنَّها ليست قرآنًا إلا من سورة النمل، ونقل هذا القول عن الأوزاعي وابن جرير الطبري([6])، وداود الظاهري وحكاه الطحاوي([7]) عن أبي حنيفة وأبي يوسف([8]) ومحمد([9])، وهو رواية عن أحمد وقول لبعض أصحابه واختاره ابن قدامة في المغنى، وذهب أحمد إلى أنَّها آية من الفاتحة وليست قرآنًا في أوائل باقي السور، وهو قول أبي إسحاق وأبي عبيد([10])، وأهل الكوفة وأهل مكة وأهل العراق، قال وهو أيضًا رواية عن الشافعي, وقال الشافعي: هي آية من كل سورة سوى براءة، قال وحكاه ابن عبد البر عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير، وعطاء([11]) وطاوس ومكحول([12]) قال وحكاه ابن كثير عن أبي هريرة وعلي وسعيد بن جبير([13]) والزهري وهو رواية عن أحمد.
انتهى نقلاً من تعليقات أحمد شاكر على الترمذي.
وإذ قد سردنا مذاهب العلماء فسنستعرض الأدلة ونؤيد ما تؤيده.
فنقول وبالله التوفيق:
روى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أظهرنا في المسجد إذ أغفى إغفاءة ثُمَّ رفع رأسه فضحك، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال: أنزلت علي آنفًا سورة. فقرأ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ -1, إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ..﴾)([14]) الحديث. وعزاه في المنتقى للنسائي وأحمد.
فهذا دل على أن البسملة من السورة، حيث قال: (أنزلت علي سورة ثُمَّ قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم منها، وهذا دليل واضح على قرآنيتها ويضاف إلى ذلك إجماع الصحابة على كتابتها في أول كل سورة ماعدا براءة.
وزعم القرطبي بأن ذلك لا يدل على قرآنيتها فقال: فإن قيل إنَّها تثبت في المصحف وهي مكتوبة بخطه ونقلت نقلة كما نقلت في النمل وذلك متواتر عنهم.. قلنا ما ذكرتموه صحيح ولكن كونُها قرآنًا، أو لكونِها فاصلة بين السور.. أو للتبرك (94/95).
قلت: ما قرره القرطبي([15]) مردود لأن الأمة أجمعت على أنه لَم يدخل في المصحف شيء سوى القرآن، حتى لقد استبعدوا حين كتبوا المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه ما كتب على المصاحف من تفسير وإيضاح، فلو كانت البسملة غير قرآن لاستبعدوها.
ومن هنا يتبين ضعف ما ذهب إليه مالك ومن نحا منحاه من قولهم: أن البسملة غير قرآن إلا في سورة النمل فقط.
أما كونُها من الفاتحة فقد دل عليه ما رواه الدارقطني والبيهقي([16]) من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله ج: (إذا قرأتم: ﴿الحمد لله﴾ فاقرءوا: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾, إنَّها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني و ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ إحدى آياتِه) ذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير رقم (742) وقال: صحيح. وأومأ أنه في الأحاديث الصحيحة (1183).
قال الحافظ في التلخيص: وهذا الإسناد رجاله كلهم ثقات، صححه غير واحد من الأئمة ورجح وقفه على رفعه، وأعله ابن القطان بتردد نوح فيه، فإنه رفعه تارة ووقفه تارة أخرى، قال وأعله ابن الجوزي من أجل عبد الحميد بن جعفر فإن فيه مقالاً، قال: ومتابعة نوح له مما يقويه"([17]). ا.’.
قلت: يظهر لي من إسناده أن نوح بن أبي بلال شيخه فيه وليس بمتابع له وقد اقتنيت سنن الدارقطني بعد فرأيت الحديث فيه (ص312/ج1) ونوح بن أبي بلال([18]) شيخ عبد الحميد بن جعفر([19]) فيه وفي آخره قال أبو بكر الحنفي: ثُمَّ لقيت نوحًا فحدثني عن سعيد ابن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة بمثله ولَم يرفعه.
وقال الحافظ: ويؤيده رواية الدارقطني من طريق أبي أويس عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النَّبِي صلى الله عليه و سلمأنه كان إذا قرأ وهو يؤم الناس افتتح ببسم الله الرحمن الرحيم، قال أبو هريرة: هي الآية السابعة.
وأما الأمر الثاني: وهو قراءة البسملة في الصلاة، فقد اختلف العلماء فيه.
فذهب مالك في المشهور عنه إلى عدم قراءتِها أصلاً لا سرًّا ولا جهرًا. وذهب أحمد بن حنبل وأبو حنيفة إلى قراءتِها سرًا في الجهرية والسرية وهو مروي عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود مع اختلاف عن بعضهم.
وذهب الشافعي إلى أنَّها تبع للسورة، فيسر بِها في السرية ويجهر بِها في الجهرية وهو مروي عن أبي هريرة وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وأبي بن كعب بأسانيد صحيحة.
وقال به من التابعين مجاهد وسعيد بن جبير ومعمر والزهري وسليمان التيمي حكى ذلك عنهم عبد الرزاق والشافعي.
F استدل القائلون بالإسرار بحديث أنس هذا وهو مروي في الصحاح والسنن والمسانيد بألفاظ مختلفة، ذكر المصنف أصولها غير أن اللفظ المتفق عليه منها كانوا يستفتحون أو يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين.
ولهذا فقد ادعى جماعة من العلماء منهم ابن عبد البر والخطيب أن ما عداه من الألفاظ مضطرب وأنَّها رويت بالمعنى واستدلوا على ذلك بإعراض البخاري عنها وإلى ذلك أشار الحازمي في الناسخ والمنسوخ، وقد تصدى الحافظ بن حجر لهذه الدعوى فردها وأثبت صحة جميع ألفاظه بِما سبر له من الطرق والمتابعات في جميع أدوار السند من بدايته إلى نِهايته ومن أراد الوقوف على ذلك فليرجع إلى فتح الباري (ج2) أبواب صفة الصلاة باب ما يقال بعد التكبير.
F واستدلوا أيضًا بحديث عائشة الذي سبق معنا في أول هذا الجزء بلفظ كان يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين([20]).
وتأول الشافعي هذين الحديثين بأن المراد منهما أنه كان يبدأ بالفاتحة قبل السورة وذلك لا ينفي قراءة البسملة، وهذا التأويل يتمشى في حديث عائشة وفي اللفظ المتفق عليه من حديث أنس أما سائر ألفاظه فلا يتمشى فيها.
F واستدلوا أيضًا بِما رواه الخمسة إلا أبا داود عن ابن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: (سمعني أبي وأنا أقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فقال: أي بني محدث) الحديث([21]).
وقد ضعف بسعيد الجريري فإنه قد اختلط في آخر عمره، وضعف أيضًا بجهالة ابن عبد الله بن مغفل.
F أما الإسرار فهو ثابت من حديث أنس بألفاظ لا تحتمل التأويل، ولا يجوز أن ننتحل التأويلات المتعسفة ولا أن نتمسك بأوهى الأسباب لتضعيف ما صح لا لشيء سوى أنه لَم يوافق مذهب إمام معين فالله لَم يكلفنا باتباع فلان ولا علان، وإنَّما كلفنا باتباع عبده ورسوله محمد ج، كما قال تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء:65].
ولسنا بِمثابة سرد الأدلة على وجوب التسليم لأمره فذلك شيء لا يحتمل الشك، ولكن العجيب أن ترى باحثًا يتحامل على بعض النصوص فيردها، لا لشيء سوى أنَّها لَم توافق مذهب إمامه.
F والذي ينبغي أن تعلمه أيها القارئ الكريم: أن الجهر ثابت كما أن الإسرار ثابت، وأنه لا ينبغي الإنكار على من فعل واحدًا منهما.
قال الشوكاني في نيل الأوطار: "وأكثر ما في المقام الاختلاف في مستحب ومسنون وليس شيء من الجهر وتركه يقدح في الصلاة ببطلان بالإجماع، فلا يهولنك تعظيم جماعة من العلماء لهذه المسألة والخلاف فيها". ا.’ ([22]).
ولعلك تلاحظ أني قد تعجلت بإثبات أحاديث الجهر قبل سبرها وتطلب مني ذلك فأقول:
وردت في الجهر أحاديث كثيرة غير أن الكثير منها لَم يسلم من الطعن، وسأذكر منها ما بلغ درجة الصحة أو قاربَها.
أولها: ما رواه النسائي([23]) بسنده عن نعيم المجمر قال: (صليت وراء أبي هريرة رضي الله عنه فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثُمَّ قرأ بأم القرآن) الحديث. وفي آخره يقول: (والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله ج). ورواه ابن خزيمة (ج1/ص251) في باب ذكر الدليل على أن الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والمخافتة بِها جميعًا مباح ليس واحد منها محظورًا وهذا من اختلاف المباح.
وقد ادعى بعضهم عدم صراحته ويبعد جدًّا أن يقسم صحابي أنه أشبههم صلاة برسول الله صلى الله عليه و سلم وفي صلاته شيء يخالف صلاة رسول الله ج.
وإذا ضم إلى ذلك أن صحبته لرسول الله صلى الله عليه و سلم كانت متأخرة, وأنه كان أحفظ القوم للسنن كان أبين في الدلالة، وضعف الألباني الحديث بسعيد ابن أبي هلال لأنه اختلط تبعًا لابن حزم.
قلت: قال الحافظ لَم أر لابن حزم سلفًا في تضعيفه إلا أن الساجي حكى عنه([24]) أنه اختلط([25]).
وروى البخاري في صحيحه من طريق قتادة قال: (سألت أنس بن مالك: كيف كانت قراءة رسول الله ج، قال كانت مدًّا، ثُمَّ قرأ ببسم الله الرحمن الرحيم)([26]) وهو أعم من كونه خارج الصلاة. بل يدخل فيه داخل الصلاة وخارجها.
ثالثًا: ما رواه الشافعي في الأم فقال: أخبرنا إبراهيم بن محمد([27]) قال: حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم([28]) عن إسماعيل بن عبيد([29]). أو ابن عبيد الله بن رفاعة عن أبيه([30]): (أن معاوية قدم المدينة فصلى بِهم ولَم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولَم يكبر إذا خفض وإذا رفع، فناداه المهاجرون حين سلم والأنصار أن يا معاوية سرقت صلاتك، أين بسم الله الرحمن الرحيم وأين التكبير). ورجال الإسناد كلهم ثقات.
ورواه الشافعي أيضًا من طريق يحيى بن سليم([31]) وقال أحسبه أحفظ([32]). ورواه أيضًا من طريق عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي داود([33]) عن ابن جريج عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي بكر ابن حفص بن عمر([34]) عن أنس بن مالك رضي الله عنه كحديث عبيد الله ابن رفاعة وهو شاهد لحديث عبيد الله بن رفاعة ورواه الحاكم من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم([35]) عن الربيع بن سليمان([36]) عن الشافعي بالسند المذكور وقال صحيح على شرط مسلم، فقد احتج بعبد المجيد وسائر رواته متفق على عدالتهم ووافقه على ذلك الذهبي([37]).
رابعًا: ما رواه الحاكم قال: ومنها ما حدثناه أبو محمد عبد الرحمن بن حمدان الجلاَّب([38]) بِهمذان قال: حدثنا عثمان بن خرَّزاد الأنطاكي قال: حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني([39]) قال: صليت خلف المعتمر بن سليمان مالا أحصي صلاة الصبح والمغرب،فكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قبل فاتحة الكتاب وبعدها، وسمعت المعتمر يقول: ما آلو أن أقتدي بصلاة أبي، وقال أبي: ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس، وقال أنس: ما آلو أن أقتدي بصلاة رسول الله ج.
وقال الحاكم: رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات ووافقه الذهبي([40]) وأشار ابن دقيق العيد في شرح العمدة([41]) إلى تصحيحه كما قالوا.
خامسًا: ما رواه الحاكم أيضًا قال ومنها ما حدثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ([42]) قال حدثنا علي بن أحمد بن سليمان([43]) حدثنا سليمان بن داود المهري([44]) قال حدثنا أصبغ بن الفرج([45]) قال حدثنا حاتم بن إسماعيل([46]) عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر([47]) عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، قال الحاكم: رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات ووافقه الذهبي([48]).
سادسًا: ما رواه الدارقطني من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبِي ج: (أنه كان إذا قرأ وهو يؤم الناس افتتح ببسم الله الرحمن الرحيم). رواه الدارقطني (ج1/ ص306) من طريق أبي أويس عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، وأبو أويس قال عنه في التقريب: قريب مالك وصهره، صدوق يهم، وقال في التعليق المغني على الدارقطني على الحديث: أبو أويس وثقه جماعة وضعفه آخرون، وممن ضعفه أحمد بن حنبل وابن معين وأبو حاتم، وممن وثقه الدارقطني وأبو زرعة وقال ابن عدي يكتب حديثه، وروى له مسلم في صحيحه ومجرد الكلام في الرجل لا يسقط حديثه.
ولو اعتبرنا ذلك لذهب معظم السنة إذ لَم يسلم من كلام الناس إلا من عصمه الله تعالى، قال الزيلعي: قلت: ترجم له في التهذيب (ج5/ص280، 281، 282) ترجمة مطولة، ورأيت كلام الأئمة حوله كله يدور حول عبارات صالح, مقارب, ليس بالقوي, يحتمل حديثه, يكتب حديثه, صدوق. يهم، وقليل من صرح بتضعيفه وهذا يدل على أن ضعفه من قبل حفظه فقط، ومثل هذا يرتفع بالشواهد إلى رتبة الحسن لغيره.
سابعًا: ما رواه الدارقطني والبيهقي([49]) من طريق سعيد بن أبي سعيد المقبري([50]) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ج: (إذا قرأتم: ﴿الحمد لله﴾ فاقرءوا: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ إنَّها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتِه). وقد تقدم الكلام عليه وأن الألباني صححه، وحكى الحافظ في تصحيحه موقوفًا عن جماعة من أهل العلم بالحديث وأئمة هذا الشأن فارجع إليه (ص233/1).
ثامنًا: حديث أم سلمة عند الحاكم أنَّها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم يقطعها حرفًا حرفً). قال الحاكم: هذا صحيح على شرط الشيخين ولَم يخرجاه. ووافقه الذهبي وقد تقدم.
تاسعًا: حديث ابن عباس عند الترمذي قال: (كان النَّبِي صلى الله عليه و سلم يفتتح صلاته ببسم الله الرحمن الرحيم).
قال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بذاك، وأبو خالد هو الوالبي. ا.’.
قلت: قال الحافظ: اسمه هرمز ويقال هرم مقبول من الثانية وفد على عمر. ا.’.
وذكر الزيلعي في نصب الراية أن العقيلي وابن عدي ضعفا هذا الحديث بجهالة أبي خالد إذ قال بعضهم أنه مجهول.
قلت: هذا زعم لا يثبت عند البحث العلمي، فها هو الترمذي قد عرفه، وقال الحافظ في التهذيب: وعنه الأعمش ومنصور وفطر ابن خليفة وإسماعيل ابن حماد بن أبي سليمان وزائدة بن نشيط.
وقال ابن أبي حاتم: صالح الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، فتبين بِهذا أنه غير مجهول لأن الجهالة تنتفي عن الشخص إذا روى عنه اثنان فأكثر كما تقرر في علم المصطلح وهذا قد روى عنه خمسة، وزيادة يقال في قول الترمذي يقال في هو الوالبي يغلب علي ظني أنَّها مقحمة، فإنَّها ذكرت في بعض النسخ دون بعض.
وخلاصة القول: أن هذا الحديث مما يحتج به في المتابعات وسنده مقارب وقد احتج أهل الحديث بمثله في المتابعات.
أما هنا فالأحاديث عشرة منها ما هو صحيح ومنها ما هو حسن ومنها ما هو مقارب يرتفع بالشواهد إلى رتبة الحسن لغيره، وهي بمجموعها تكون حجة قوية لا يجوز إطراحها بل يجب الأخذ بِها، ومن أجل ذلك أقول إن الجهر ثابت كما أن الإسرار ثابت ولا يلام من أخذ بواحد منهما، فمن جهر فبسنة أخذ، ومن أسر فبسنة أخذ وإلى ذلك ذهب بعض المحققين من العلماء كابن القيم - رحمه الله -([51]).
وبه أخذ شيخنا عبد الله بن محمد القرعاوي([52])، وتلميذه حافظ بن أحمد الحكمي([53]) -رحمهما الله تعالى-، وعليه مشى الشيخ في نظم السبل السوية حيث قال:
وجاء في البسملة الإسرار
وقد أسرها النَّبِي وقد جهر
وأنس قـد شاهـد الْحَالين
كذاك في الجهر أتت أخبار
بِها وكل قد روى لما حضر
ثُـمَّ رواهمـا مفصـليـن
وإليه مال الشيخ عبد العزيز بن باز في تعليقه على الفتح مع ترجيح الإسرار على الجهر كما سيأتي، فإن قيل أحاديث الإسرار رواها أصحاب الصحاح والسنن و المسانيد والمعاجم فلذلك تكون أرجح لشهرتِها وصحتها فالجواب عنه من وجوه:
الوجه الأول: حديث الإسرار عن أنس وحده وقد عارضه روايته هو ورواية غيره كما مضى.
الوجه الثاني: أن الرواية عن أنس مختلفة فتارة يروي الإسرار وتارة أخرى يروي الجهر وتارة يخبر بأنه قد نسي الجميع.
والجمع حاصل بين هذه الروايات وذلك أن أنسًا طال عمره حتى نيف على المائة، ومن طال عمره هذا الطول فإنه لابد أن ينسى كثيرًا.
وسليمان بن طرخان التيمي([54]) والد المعتمر([55]) توفي في (143) بعد أن عاش سبعًا وتسعين سنة فيكون قد عاش في القرن الأول أربعًا وخمسين سنة منها سبع وأربعون في حياة أنس، وعلى هذا فإنه قد أخذ عنه الجهر قبل أن يطرقه الكبر وحين كان يؤم الناس, ثُمَّ نسي فسأله أبو مسلمة سعيد بن يزيد([56]) فأجابه بأنه قد نسي ثُمَّ تذكر الإسرار فأجاب به قتادة بحضرة جماعة من أقرانه الذين تتلمذوا على أنس بن مالك, ثُمَّ تذكر الجهر أيضًا فأجاب به قتادة أيضًا. وبقريب من هذا الجمع جمع الحافظ في الفتح (ج2/ص228) حيث قال: وغايته أن أنسًا أجاب قتادة بالحكم دون أبي مسلمة فلعله تذكره لما سأله قتادة بدليل قوله في رواية أبي مسلمة ما سألني عنه أحد قبلك أو قاله لهما فحفظه قتادة دون أبي مسلمة فإن قتادة أحفظ من أبي مسلمة بلا نزاع. ا.’.
قلت: أما سليمان التيمي فقد أخذ الجهر من فعل أنس لا من قوله.
ثُمَّ قال الحافظ: وإذا انتهى البحث إلى أن محصل حديث أنس نفي الجهر بالبسملة على ما ظهر من طريق الجمع بين الروايات، فمتى وجدت رواية فيها إثبات قدمت على نفيه لا لمجرد تقديْم رواية المثبت على النافي، بل لأن أنسًا يبعد أن يصحب النَّبِي صلى الله عليه و سلم عشر سنين ثُمَّ أبا بكر وعمر وعثمان خمسًا وعشرين سنة فلم يسمع منهم الجهر بِها في صلاة واحدة، بل لكون أنس اعترف بأنه لا يحفظ هذا كأنه لبعد عهده به ثُمَّ تذكر منه الافتتاح بِها سرًّا ولَم يستحضر الجهر بالبسملة فيتعين الأخذ بحديث من أثبت الجهر. ا.’.
وتعقبه الشيخ عبد العزيز بن باز فقال: هذا فيه نظر، والصواب تقديْم ما دل عليه حديث أنس من شرعية الإسرار بالبسملة لصحته وصراحته في هذه المسألة وكونه نسي ذلك ثُمَّ ذكره لا يقدح في روايته كما علم ذلك في الأصول والمصطلح وتحمل رواية من روى الجهر بالبسملة على أن النَّبِي صلى الله عليه و سلم كان يجهر في بعض الأحيان ليعلم من وراءه أنه يقرأها وبِهذا تجتمع الأدلة. ا.’.
الوجه الثالث: أن الجهر قد ثبت من رواية غيره ولَم يختلف عنهم فثبت من رواية أبي هريرة مرفوعًا كما تقدم، وعنه موقوفًا وهو أحفظ القوم وصحبته للنَّبِي صلى الله عليه و سلم متأخرة.
وثبت عن ابن عمر من فعله وهو معروف بحرصه الشديد على متابعة السنن.
وثبت عن ابن عباس من فعله ومرفوعًا يحتمل الصحة ورواه عبد الرازق عن أبي ابن كعب أيضًا، وليست رواية أنس وحده بأولى بالاتباع من روايته مع غيره.
الوجه الرابع: أن البسملة آية من الفاتحة على القول الصحيح:
أولاً: لأن الله عز و جل وصف الفاتحة بأنَّها سبعًا من المثاني وآياتُها ست فتكون البسملة هي الآية السابعة.
ثانيًا: أن النَّبِي صلى الله عليه و سلم وصفها بأنَّها سبعًا من المثاني كما في حديث سعيد ابن المعلى حيث قال: (وهي السبع المثاني والقرآن العظيم).
ثالثًا: جاء في حديث أبي هريرة مرفوعًا: (إذا قرأتم الحمد لله فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم إنَّها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتِه). ذكره الألباني في صحيح الجامع رقم (742).
وإذا كانت آية من الفاتحة فإنَّها تأخذ حكمها في وجوب القراءة والإسرار والجهر.
الوجه الخامس: أن الإسرار دائمًا يؤدي إلى ترك البسملة ونسيانِها وترك البسملة يؤدي إلى بطلان الصلاة لأن الفاتحة ركن كما في حديث عبادة بن الصامت: (لا صلاة لمن لَم يقرأ بفاتحة الكتاب). فيجب التنبهْ لهذا الأمر والتنبيه عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) أخرجه البخاري في باب ما يقول بعد التكبير رقم الحديث (743).
([2]) أخرجه مسلم في الصلاة باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة رقم الحديث (399).
([3]) هذه الرواية أخرجها مسلم في نفس الباب المذكور سابقًا بلفظ: (وعن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس.. إلخ) (ص299/رقم الحديث 399).
([4]) ابن عبد البر: هو يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي علامة المغرب في زمنه، ولد سنة (368) وتوفي سنة (463) عن خمس وتسعين سنة، وله مؤلفات كثيرة من أعظمها كتاب التمهيد وغيره، ترجمه في شذرات الذهب (ج3/314).
([5]) الدارقطني: هو أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود البغدادي الحافظ الكبير، صاحب التصانيف، توفي سنة خمس وثمانين وثلاث مائة. شذرات (3/116).
([6]) محمد بن جرير بن يزيد الطبري الآملي أبو جعفر صاحب التصانيف البديعة، ولد سنة (224) وتوفي سنة (310)، وله كتب كثيرة نافعة منها التفسير. سير (14/227).
([7]) الطحاوي: هو أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي الآزدي الحجري المصري شيخ الحنفية بمصر، سمع هارون بن سعيد الأيلي وغيره، وعنه الحساب والطبراني وغيرهما، توفي سنة (321).
([8]) أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم: الكوفي القاضي صاحب أبي حنفية، روي عنه أنه قال عند موته: "كل ما أفتيت به رجعت عنه إلا ما وافق السنة"، توفي سنة (182). شذرات (1/298) وترجمته في معجم المؤلفين لكحالة (13/240).
([9]) محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني: الكوفي أبو عبد الله، ولد بواسط سنة
(132) ثُمَّ نزل الكوفة ولازم أبا حنيفة وحمل عنه الفقه وسمع من سفيان الثوري ومالك وغيرهم، وعنه الشافعي وأحمد وغيرهم، وثقه الشافعي وقال ابن المديني صدوق ولينه النسائي وابن معين، تعجيل المنفعة (361).
([10]) أبو عبيد القاسم بن سلام: البغدادي مولى الأزد ذو التصانيف عن إسماعيل ابن عياش وإسماعيل بن جعفر وشريك وعنه الدارمي وعلي البغوي وابن أبي الدنيا، عاش (68) سنة وكان ثقة علامة، مات سنة (224) ا.’. كاشف (ت4581).
([11]) عطاء بن أبي رباح: أسلم أبو محمد القرشي مولاهم المكي أحد الأعلام عن عائشة وأبي هريرة وعنه الأوزاعي وابن جريج وأبو حنيفة والليث، عاش ثمانين سنة، مات سنة (114) وقيل سنة (115) ا.’. كاشف (ت3852).
([12]) مكحول: فقيه الشام عن عائشة وأبي هريرة مرسلاً وعن واثلة وأبي أمامة وكثير بن قرة وجبير بن نفير وعنه الزبيدي والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز، توفي سنة (113) كاشف ت (5720).
([13]) سعيد بن جبير: الوالبي مولاهم أبو محمد وأبو عبد الله أحد الأعلام عن ابن عباس وعبد الله بن مغفل وعنه الأعمش وأبو بشر وأمم قتل في شعبان شهيدًا سنة (95)، ا.’. كاشف (ت 1879).
([14]) أخرجه مسلم في الصلاة باب حجة من قال البسملة آية من أول كل سورة سوى سورة براءة، رقم الحديث (400) والنسائي في الصلاة أيضًا باب من قال يجهر بالبسملة (2/133), وأحمد (ج3/102).
([15]) القرطبي: محمد بن أحمد بن أبي بكر الأنصاري القرطبي نسبة إلى قرطبة في الأندلس، أبو عبد الله صاحب التفسير والتذكرة بأمور الآخرة، توفي سنة
(671’). شذرات الذهب (5/335).
([16]) البيهقي: هو أبو بكر أحمد بن الحسين الشافعي صاحب التصانيف المفيدة، ولد في شعبان سنة (384’) وتوفي في عاشر جمادى الأولى سنة (458’) تذكرة (1132).
([17]) التلخيص (1/233).
([18]) نوح بن أبي بلال عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة وعنه زيد بن الحباب وأبو بكر الحنفي، ثقة. ا.’. كاشف (5990).
([19]) عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله الأنصاري: الأوسي المدني عن عم أبيه عمر بن الحكم ونافع وعنه القطان وابن وهب ثقة غمزه الثوري من أجل القدر، مات سنة (153’). ا.’. (3138).
([20]) سبق تخريجه.
([21]) رواه الترمذي في الصلاة باب ما جاء في ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، والنسائي في الاستفتاح باب ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وابن عبد الله بن مغفل مجهول.
([22]) (230) نيل الأوطار.
([23]) أخرجه النسائي في الافتتاح باب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم (2/134)، وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/232) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولَم يخرجاه, ووافقه الذهبي وقال على شرطهما، وأخرجه البيهقي في السنن (2/46) في باب افتتاح القراءة في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم وقال: وإسناده صحيح له شواهد، وقال في التعليق المغني على الدارقطني، قال بعد ذكر قول البيهقي في السنن أنه صحيح، وقال في الخلافيات رواته كلهم ثقات مجمع على عدالتهم محتج بِهم في الصحيح. ا.’.
وإذا علمت بأنه قد صححه الحاكم والبيهقي والذهبي والدارقطني وأبي الطيب شمس الحق العظيم آبادي وابن حجر وغيرهم، تبين لك بطلان قول من ضعفه، أما دعوى أنه غير صريح فهي مردودة أيضًا بأنه لا يتصور أن يقسم الصحابي على صلاة أنَّها أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه و سلموقد ابتدع فيها بدعة، هذا محال في حق الصحابة عمومًا وفي حق أبي هريرة خاصة لأنه كان أحفظ القوم، نسأل الله أن يلهمنا الحق ويجنبنا التعصب.
([24]) بياض بالأصل.
([25]) وقال في تعليقه على صحيح ابن خزيْمة إسناده صحيح لولا أن ابن أبي هلال قد اختلط، قلت: رد ابن حجر العسقلاني لهذا الزعم دليل على صحة الحديث.
([26]) أخرجه البخاري في فضائل القرآن من صحيحه، باب مد القراءة.
([27]) إبراهيم بن محمد العباسي المطلبي: الشافعي، صدوق من العاشرة، تقريب
(235)، وقال مات سنة سبع أو ثمان وثلاثين، وقال في التهذيب ترجمة
(276). قال حرب الكرماني: سمعت أن أحمد بن حنبل يحسن الثناء عليه، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي والدارقطني: ثقة.
([28]) عبد الله بن عثمان بن خثيم: بالمعجمة والمثلثة مصغر القاري المكي أبو عثمان صدوق من الخامسة، مات سنة (132)، البخاري تعليقًا ومسلم والأربعة ا.’. تقريب (3466).
([29]) إسماعيل بن عبيد الله بن رفاعة بن رافع العجلاني؛ ويقال بن عبيد بلا إضافة مقبول من السادسة بخ ت ق ا.’. تقريب (467).
([30]) عبيد ويقال عبد الله بن رفاعة بن مالك الأنصاري الزرقي، ولد في عهد النَّبِي صلى الله عليه و سلموثقه العجلي، ا.’. تقريب (4372).
([31]) يحيى بن سليم الطائفي: نزيل مكة صدوق سيئ الحفظ من التاسعة، مات سنة (193) أو بعدها،الجماعة ا.’. تقريب (7563).
([32]) راجع الأم للشافعي باب القراءة بعد التعوذ صفحة (93، 94).
([33]) عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي داود: صدوق يخطئ وكان مرجئًا أفرط ابن حبان فقال: متروك من التاسعة، مات سنة (206 م 4)، ا.’. تقريب (4160).
([34]) أبو بكر بن حفص: هو عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني مشهور بكنيته ثقة من الخامسة ا.’. تقريب (3277).
([35]) أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم الأموي النيسابوري: الحافظ في الشذرات حدث له الصمم بعد الرحلة ثُمَّ استحكم به وكان يحدث من لفظه حدث في الإسلام نيفًا وسبعين سنة وأذن سبعين سنة، وتوفي سنة (347) وله مائة إلا سنة واحدة. ا.’. شذرات الذهب (2/373).
([36]) الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي: أبو محمد المصري المؤذن صاحب الشافعي ثقة من الحادية عشر، مات سنة سبعين وله (96) سنة (4) ا.’. تقريب (1894).
([37]) المستدرك (1/233) وقال الذهبي وهو علة لحديث قتادة عن أنس صليت خلف النَّبِي صلى الله عليه و سلموأبي بكر وعمر فلم يجهروا ببسم الله الرحمن الرحيم فإن قتادة يدلس.
([38]) أبو محمد عبد الرحمن بن حمدان الجلاب الهمذاني: أحد أئمة السنة بِهمذان رحل وطوف وعني بالأثر توفي سنة (342). ا.’. شذرات الذهب (362/2).
([39]) محمد بن المتوكل عبد الرحمن الهاشمي: مولاهم العسقلاني المعروف بابن أبي السري، صدوق عارف له أوهام كثيرة من العاشرة، مات سنة (238) د. ا.’. تقريب (ت 6263).
([40]) المستدرك (1/234).
([41]) العدة مع شرح العمدة (2/411).
([42]) أبو علي الحسن بن علي بن داود النيسابوري: الثقة أحد الأعلام، توفي في جمادى الأولى (349) وله اثنتان وسبعون سنة، قال الحاكم كان واحد عصره في الحفظ والإتقان والورع. ا.’. شذرات (2/380).
([43]) علي بن أحمد بن سليمان: لَم أجد له ترجمة، وموافقة الذهبي للحاكم على توثيق رجال السند يدل على أنه ثقة.
([44]) سليمان بن داود أبو الربيع المهري المصري عن ابن وهب وعدة, عنه (د. س) وابن أبي داود ثقة فقيه توفي (253) عاش (85) سنة. ا.’. كاشف (2103).
([45]) أصبغ بن الفرج بن سعيد الأموي: الفقيه المصري أبو عبد الله، ثقة مات مستترًا أيام المحنة سنة (225) خ، د، ت، س (536).
([46]) حاتم بن إسماعيل المدني أبو إسماعيل الحارثي: مولاهم أصله من الكوفة، صحيح الكتاب، صدوق يهم مات سنة (86 أو 87) روى له الجماعة (ت 994)، تقريب.
([47]) شريك بن عبد الله بن أبي نمر أبو عبد الله: المدني صدوق يخطئ من الخامسة، مات في حدود (140) خ م تم س ق. ا.’. تقريب (2788).
([48]) انظر المستدرك (1/233).
([49]) انظر سنن البيهقي (2/45).
([50]) سعيد بن أبي سعيد كيسان المقبري: أبو سعد المدني ثقة من الثالثة تغير قبل موته بأربع سنين وروايته عن عائشة وأم سلمة مرسلة، مات في حدود العشرين وقيل قبلها وقيل بعدها. ا.’. تقريب: (ت 1321).
([51]) ابن القيم: هو الشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي إمام الجوزية وابن قيمها، ولد سنة (691) وسمع الحديث واشتغل بالعلم وبرع في علوم متعددة لاسيما علم التفسير والحديث والأصلين، ولما عاد الشيخ بن تيمية من الديار المصرية في سنة (712) لازمه إلى أن توفي الشيخ فأخذ عنه علمًا جمًّا مع ما سلف له من الاشتغال فصار فريدًا في بابه في فنون كثيرة مع كثرة الطلب ليلاً ونَهارًا وكثرة الابتهال، وكان حسن القراءة والتودد لا يحسد أحدًا ولا يؤذيه ولا يستعيبه ولا يحقد على أحد، وكان متصديًا للإفتاء بمسألة الطلاق الَّتِي اختارها الشيخ تقي الدين، وجرت فصول يطول بسطها مع قاضي القضاة تقي الدين بن السبكي وغيره، توفي في (13 رجب 751’) وبلغ من العمر ستين سنة وكانت جنازته حافلة -رحمه الله-. ا.’. من البداية لابن كثير (14/246).
([52]) هو الإمام الأوحد والعلم الأرشد والداعية الْمجدد الزاهد الورع الشيخ عبد الله بن محمد بن حمد القرعاوي: من آل نجيد والقرعاوي لقب لأحد أجداده الذي سكن مكانًا يقال له القرعاء فنسب إليه، ولد رحمه الله في عام (1315’)، كما سمعته منه عدة مرات ونشأ يتيمًا حيث مات أبوه وهو حمل ربته أمه وكانت امرأة صالحة كما ذكر لنا ونشأ أيضًا تحت رعاية عمه فباشر التجارة في أول أمره ثُمَّ ترك التجارة وأقبل على الطلب بعد أن بلغ الثلاثين من عمره، وسافر إلى الهند ودرس بِها ثُمَّ عاد ودرس على شيوخ بلده، ثُمَّ سافر إلى الهند سفرته الأخيرة فسمع الأمهات الست ونخبة الفكر وشرحها، والآجرومية وبعض الألفية، وتصريف العزي وغيرها، وكان يحفظ المتون غيبًا، وكان يتردد إلى الذي كان يدرسه فيها إلى مكان بعيد على قدميه كما أخبرنا غير مرة، وجد واجتهد وثابر حتى بلغ الدرجة المرموقة والرتبة القصوى وحاز الإجازة في فن الحديث من شيخه أمير بن أحمد القرشي بالسند المتصل بمؤلفي الكتب الستة في سنة سبع وخمسين وثلاث مائة، ثُمَّ عاد إلى بلده ولقي بعض مشائخها ثُمَّ جاور بمكة وأقبل على المطالعة والتحصيل وعرضت عليه وظائف في بلده منها إدارة مدرسة المجمعة، وأن يكون مدرسًا في دار الحديث وغير ذلك فأباها كلها واتجه في شهر صفر إلى مقاطعة جازان بعد أن استشار شيخه المفتي الأكبر -سابقًا- الشيخ محمد بن إبراهيم، ولما وصل صامطة استأجر دكانًا وعمل له فيه بضاعة وكان يجذب إليه بعض الناس الذين يتوسم فيهم الرغبة في طلب العلم ثُمَّ سافر إلى بلده ليصل أولاده، فوصل إليهم في نصف ذي العقدة وبقي عندهم إلى نصف ذي الحجة ثُمَّ كر راجعًا إلى الجنوب واشترى كتبًا من مكة، وبعد وصوله عمر عريشًا في دار الشيخ ناصر خلوفة -رحمه الله-، وافتتح فيه المدرسة السلفية في يوم 2 صفر سنة (1359’) وكنت ممن زاره في عام (59) مع عمي حسن بن محمد نجمي وحسين بن محمد نجمي -رحمهما الله- ولَم أواصل في ذلك العام، ثُمَّ انقطعت للدراسة في أول عام (1360’) وهو العام الذي ازدهرت فيه المدرسة وكثر فيه الطلاب، وقد بدأ الشيخ بفتح بعض المدارس وتعيين النابِهين فيها عام (62)، ولما أصيبت منطقة صامطة بقحط شديد في الأعوام (62، 63، 64)، وذهب كثير من طلابه إلى البلاد الخصبة من البلدان المجاورة للبحث عن لقمة العيش، فتح الشيخ -رحمه الله- في تلك البلاد مدارس كمدرسة الخضراء، والبيض، ومدرسة ضمد، وبيش، وغير ذلك، وما زال يتوسع في المدارس حتى عمت مدارسه مقاطعة جازان وأبْها وغير ذلك -رحمه الله-. ولَم يزل جاهدًا في نشر الدعوة من خلال بث المدارس والتعليم حتى صدر قرار بإلغاء مدراسه في عام (1379’) لأسباب الله أعلم بِها، فجلس في بيته يتلو القرآن، واتجه إلى بناء المساجد وحفر الآبار حتى وافاه الأجل في عام (1389’) عن عمر يبلغ (74) سنة، ولقد أحيا الله أممًا من الجهل بعلمه ودعوته ومثابرته ولا ننسى أنه ما نال الذي ناله إلا بعون من الله ثُمَّ بتأييد الدولة وعطائها المتواصل ولَم يزل بعد إلغاء مدارسه يلهج بالثناء على المسئولين والدعاء لهم رحمه الله رحمة واسعة ورفع درجته في الفردوس الأعلى، فلقد كان من الرجال الأفذاذ والدعاة المصلحين والأئمة المهذبين.
([53]) حافظ بن أحمد الحكمي: حافظ العصر ونادرة الدهر وأعجوبة الزمان في الذكاء، ولد في (1342’) بقرية السلام قرية من قرى الحكامية، تسمى الآن الخمس يأتي عليها الزفلت إلى صامطة، نشأ عند أبويه وكان يرعى الغنم وكانوا ينْزلون الجاضع لقرابة لهم فيه ولأسباب معيشية فسمع حافظ بالشيخ الذي نزل المنطقة فكتب إليه فذهب إلى الجاضع هو وطلبته وقابله فرأى فيه موهبة الذكاء العظيم, وذلك أن الشيخ أملى عليه وعلى زملائه تحفة الأطفال وشرحها لهم فحفظها من مجلس واحد فطلب من أبويه تفريغه للدراسة ولكنهما لَم يتمكنا في ذلك الوقت, وكان ذلك في عام (1359’)، وقد فرغه والده في عام الستين فدرس وبز الأقران وصار أعجوبة الزمان، وبعد سنة بدأ يعيد الدرس الذي يلقيه الشيخ وبعد سنتين تقريبًا بدأ يدرس زملائه وذلك في عام (61) وأول اثنين وستين تقريبًا، وفي عام (1362’) نظم كتابه سلم الوصول في التوحيد، ثُمَّ بعد ذلك تابع التأليف وقد بقي في صامطة إلى نِهاية عام (66) في ذلك العريش جاثمًا بين دولابين من الكتب يقرأ ويؤلف ويدرس، وقد اعتمد عليه شيخه أخيرًا في التدريس وانشغل هو بالتجول على المدارس الَّتِي فتحها مؤخرًا، وألف في هذه الفترة معظم مؤلفاته: كنيل السول في تاريخ الأمم وسيرة الرسول ج، ووسيلة الحصول في علم الأصول، واللؤلؤ المكنون في المصطلح، والنور الفائض في علم الفرائض، ودليل أرباح الفلاح في علم المصطلح، ومعارج القبول شرح سلم الأصول، والقاتية، والرد على من رد عليها، وغير ذلك، وفي نِهاية عام (1366’) حج الشيخ عبد الله -رحمه الله- وأرسل لأولاده فحجوا، حج بِهم عمه فزوج ابنته الصغرى على الشيخ حافظ بمكة بعد نِهاية الحج ، وحج معه في ذلك العام الشيخ حسين بن عبد الله حكمي ابن عم الشيخ حافظ وأخوه الشيخ محمد، والشيخ حسن زيد والشيخ محمد القرني، وفي عودتِهم في عام (1367’) كلفه الشيخ عبد الله أن يبقى في بيش فبقي في السلامة فترة ثُمَّ انتقل إلى مدينة بيش وبقي فيها يؤمه طلاب العلم من كل مكان من أهل المنطقة حتى عام (1373’), فعين مدرسًا بالمدرسة الثانوية بجازان وبقي في جازان عامًا ثُمَّ عين مديرًا لمعهد صامطة عند إنشائه في غرة عام (1374’)، وبقي يعمل فيه. إلى أن توفي في (18/12/1377’)، ولقد كان -رحمه الله- شعلة في الذكاء، أذكر أن الشيخ -رحمه الله- كلفني وإياه بحفظ القرآن فحفظت في اليوم الأول ثمن وهو حفظ جزءًا، وفي اليوم الثاني كذلك وفي اليوم الثالث، وفي كل هذه الثلاثة الأيام أنا أحرس له فيما حفظ وهو يحرس لي فيما حفظت فرحمه الله رحمة واسعة ورفع درجته في عليين.
([54]) سليمان بن طرخان التيمي: أبو المعتمر البصري نزل في التيم فنسب إليهم، ثقة عابد من الرابعة، مات سنة (143) وله (97) سنة، ا.’. تقريب (ت 2575).
([55]) معتمر بن سليمان التيمي: أبو محمد البصري يلقب الطفيل، ثقة من كبار التاسعة، مات سنة (187) وقد جاوز الثمانين. ا.’. تقريب (6785).
([56]) أبو مسلمة سعيد بن يزيد بن مسلمة: الأزدي ثُمَّ الطاحي أبو مسلمة البصري القصير، ثقة من الرابعة، روى له الجماعة. ا.’. تقريب (ت 2419).