لأنّ المنحرفين عن الجادة و عن منهج السلف طريقتهم إما يؤولون و إما يفوّضون ، إمّا يقولون المراد ب"استوى" بمعنى "استولى" أو يقولون الله أعلم بمراده بقوله (الرحمن على العرش استوى)، المعنى غير معلوم، و يكون قوله (الرحمن على العرش استوى) عندهم مثل ألم و حم و طس و كفهيعنص، حروف مقطعة في أول السور، يعني لا يفهم معناها من تلك الحروف، لأنّ المعاني تُفهم من الكلام و أما الحروف فإنّها لا تُفهم و لهذا أحسن ما قيل في الحروف المقطّعة في أول السور أن يقال الله أعلم بمراده بها، لكن العلماء استنبطوا من كون هذه الحروف تأتي في أوائل السور و يأتي بعدها ذكر القرآن، يقال هذا فيه إشارة إلى إعجاز القرآن، هذا لعل فيه إشارة إلى إعجاز القرآن و أنّ القرآن مُعجز لأنه مؤلف من الحروف التى يؤلف الناس منها كلامهم و مع ذلك فهم لا يستطيعون أن يؤلفوا من هذه الحروف كلاما مثل هذا الكلام، قالوا أنّ هذا فيه إشارة إلى أنّ هذا القرآن معجز و أنّه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله، و أنّ هذا فيه إشارة إلى عجز العرب أهل الفصاحة و البلاغة لأنّه مؤلف من الحروف التى يؤلف العرب منها كلامهم و مع ذلك فهم لا يستطيعون أن يؤلفوا كلاما مثله، و على هذا الأمر يعني القاعدة عند السلف كما جاء عن الإمام مالك :"الإستواء معلوم و الكيف مجهول و الإيمان به واجب و السؤال عنه بدعة" يعني عن الكيف و أمّا المعنى فإنه معروف و معلوم ، لأنّ "استوى " بمعنى ارتفع و علا و ليس معناها "استولى" ، هذا هو منهج السلف و هذه طريقة السلف، و معلوم أنّ أصحاب رسول الله عليه الصلاة و السلام لمّا خوطبوا بالآيات و الأحاديث ما سألوا عن هذه المعاني و لا سألوا عن الكيفيات، ما سألوا عن المعاني لأنهم يعرفونها، و ما سألوا عن الكيفيات لأنّ علم ذلك عند الله عزوجل، و لم يدخلوا في هذا المجال و لم يسألوا مثل هذه الأسئلة أو مثل هذا السؤال الذي أنكره مالك و غضب على من سأل حيث قال له كيف استوى أي سأل عن الكيفية، و على هذا فأهل السنة و الجماعة يثبتون ما أثبته الله لنفسه و ما أثبته له رسوله عليه الصلاة و السلام من الأسماء و الصفات على وجه الذي يليق بجلاله و كماله دون تشبيه و تمثيل و دون تعطيل أو تحريف أو تأويل بل على حد قول الله عزوجل (ليس كمثله شيء و هو السميع البصير) أمّا غيرهم من أهل البدع فإنهم إن تمكنوا من رد النص ردوه و إن لم يتمكنوا من رده تأولوه كما يقول صاحب الجوهرة "و كل لفظ أوهم التشبيه أوله أو فوّض و رم تنزيها"