و عندهم أنّ طريقة السلف هي التفويض و طريق الخلف هي التأويل، و من المعلوم أنّ الصحابة رضي الله عنهم و أرضاهم الذين هم سلف هذه الأمة لا يفوّضون في المعاني و إنّما يفوضون في الكيفيات فقط، أمّا المعاني فأنهم يفهمونها، و لهذا فإنّ المفوّضة الذين هم سلف الخلف يجعلون (الرحمن على العرش استوى) مثل (ألمر) و (ألمص) كل ذلك يقول الله أعلم بمراده بها، و قد قال بعض أهل العلم أنّ طريقة الصحابة و طريقة السلف هي التفويض يشتمل على ثلاثة محاذير، يعني من قال ذلك ارتكب ثلاثة محاذير:
أنّه جهل مذهب السلف *
و جهّل السلف *
و كذب على السلف *
فهو جاهل بمذهب السلف لأنّه لا يعرفه، و مجهّل للسلف، نسبهم إلى الجهل و أنّهم خُطبوا بكلام لا يفهمون معناه، و كذبٌ على السلف لأنه زعم و ادعى أنّ مذهبهم هو هذا و ليس هذا مذهبهم، و إنما مذهبهم هو أنهم يفهمون المعاني، الله عزّ وجل عندما يقول (و هو السميع البصير)، الناس ما يعرفون ما هو (السميع البصير)، السمع يتعلق بالمسموعات، و البصر يتعلق بالمرئيات، و الله تعالى لا يحجب عن بصره شيء و سمعه محيط بكل شيء و إن دقّ من أصوات و من الحركات، فكل شيء لا يخرج عن سمع الله و كل شيء لا يخرج عن بصر الله سبحانه و تعالى، فهم يفرّقون بين "السميع البصير" و لا يقولون الله أعلم بمراده "بالسميع" و الله أعلم بمراده "بالبصير" ، الله أعلم بمراده بالسمع و الله أعلم بمراده بالبصر، و إنّما يقولون بإثبات المعنى على الوجه اللائق بكمال الله و جلاله و ينفون عنه المشابهة في خلقه، ثمّ إنّ من العلماء من ذكر هذا المنهج و هذه الطريقة عن السلف، و هي أن الصحابة رضي الله عنهم و أرضاهم خُطبوا بالكتاب و السنة و ما سألوا عن شيء من معاني أسماء الله و صفاته و لا سألوا عن الكيفيات، و ممن تكلم في ذلك بكلام جميل المقريزي صاحب "الخطط و الآثار في تاريخ مصر" فإنّه عقد فصلاً قال فيه: "عقائد أهل الإسلام منذ نزول الوحي إلى أن انتشر مذهب ... (كلمة غير واضحة)" إلى أن ذكر الذي كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أنهم يسلّمون النصوص و أنهم يفهمون معانيها و أنهم يعني لا يؤوّلون و أنهم ما اشتغلوا بالطرق الكلامية و لا المناهج الفلسفية و لا يعرفون شيئاً من ذلك و إنما يعرفون الوحي، و من المعلوم أنه لا يمكن كما أسلفت بحال من الأحوال أن يقال أنّ العقيدة السليمة لا يمكن أن تحجب عن الصحابة و تدّخر إلى أناس بعدهم و إلى أنس يأتون بعدهم، فلو كانت العقيدة التي عليها الأشاعرة أو غيرهم من أهل البدع حقا لكان الحق لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم و لكنه كانت باطلا حفظ عنه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم و ابتلي به من جاء بعد الصحابة رضي الله عنهم و أرضاهم، و قد نقلت يعني كلام المقريزي هذا و أر يد أن يُقرأ حتى يعرف يعني وضوحه يعني قوة بيانه في هذا الأمر :
يتبع إن شاء الله تعالى